يوصف الفنان الليبي عبد الله عشيني بـ"أب الأغنية الأمازيغية العصرية في ليبيا"، كما يعد أيضا واحد من أبرز الفنانين الليبيين الذين تعرضوا للقمع والاعتقال في عهد نظام معمر القذافي بسبب أغانيه التي دافع فيها عن الهوية والثقافة الأمازيغيتين.
ولد عشيني في مدينة الزوارة (شمال غرب) في 30 يوليو عام 1956 وبها ترعرع وبرزت موهبته في العزف والغناء ليؤسس في بدايات سبعينيات القرن الماضي فرقة "إمزوارن" (الأوائل) التي غنت بالأمازيغية وعن هموم الأمازيغ في تحد لنظام القذافي.
وبسبب ذلك، اعتقل عشيني أكثر من مرة وسحب جواز سفره وأجبر على كتابة تعهد بعدم الحديث أو الغناء بالأمازيغية، لكنه واصل مع ذلك النضال ضد محاولات القذافي طمس وتهميش أمازيغ بلاده.
في هذا الحوار، يتحدث عشيني عن المعاناة التي تكبدها الفنان الأمازيغي خلال فترة حكم القذافي، وعن أسباب اختياره المغرب لتسجيل ألبومه الأول، وأيضا عن تقييمه لواقع الفن الأمازيغي في ليبيا بعد الثورة.
نص المقابلة:
- ما موقع الفنان الليبي بشكل عام والأمازيغي بشكل خاص من حالة الانقسام السياسي الذي تعرفه البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011؟
بداية، يمكن وصف الفن بشكل عام خلال فترة حكم معمر القذافي بفن انبطاحي تنافس على التزلف له ولم يكن بذلك فنا لأنه مورس في غياب حرية الإبداع.
أما موقع الفنان الأمازيغي من حالة الانقسام الذي تشهده البلاد، فأقول إنه وإلى اليوم يعيش الأمازيغ في ليبيا حالة تشرذم وانقسام وتهميش بعدما أخذوا دور المتفرج من الأحداث الجارية، لأن حالة الانقسام السياسي الذي تعيشه ليبيا اليوم هي حالة انقسام بين العرب الماسكين بالسلطة بعد الثورة، أما الأمازيغ فيتفرجون من الأحداث الجارية.
وموازاة مع ذلك، تراجع دور الفنان وتراجع مستوى الوعي السياسي بالقضية الأمازيغية.
- عُرف القذافي بتهميشه للمكون الأمازيغي في ليبيا، ما أبرز المكاسب التي حققها أمازيغ ليبيا بعد سقوط نظامه؟
دعني قبل أن أجيب عن هذا السؤال أريد أن أعرج سريعا عن الاضطهاد وسياسة التهميش التي مارسها القذافي ضد الأمازيغ في ليبيا، منها أنه أعلن الثورة الثقافية من زوارة الأمازيغية وهي ثورة قائمة على العداء لكل ما هو أمازيغي أو غربي وتقوم أساسا على فرض العربية لغة وهوية على كل أبناء ليبيا.
من ذلك أيضا، أنه قال في إحدى خطبه، إن الليبيين عرب وليسوا أمازيغ وقال عن الأم التي تعلم ابنها الأمازيغية بأنها أم ترضع ابنها السم ومارس اضطهادا ضد الرافضين لتلك السياسات، وكمثال على ذلك، أن نظامه أجربني في احدى اعتقالات التي تعرضت لها على كتابة تعهد بعدم الحديث أو الغناء بالأمازيغية.
أما المكاسب التي حققها أمازيغ ليبيا بعد الثورة، فأهمها في نظري وعيهم بهويتهم واعتزازهم بها، كما صار صوتنا مسموعا ولم تعد نخش أحدا وأصبحنا نجاهر بضرورة الاعتراف بالهوية واللغة الأمازيغيتين وبضرورة حماية وصيانة هذا الإرث الحضاري الضارب في القدم.
من المكاسب أيضا تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس الابتدائية والاعدادية والجامعات والتأليف والغناء بها، ولم يعد يمنع النشطاء الأمازيغ من المشاركة في الأحداث الثقافية أو السياسية سواء داخل ليبيا أو خارجها.
- وماذا عن أبرز المطالب التي ترونها لا تزال عالقة إلى اليوم؟
أول مطلب والذي ما يزال عالقا للأسف الشديد هو دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد ورصد التمويلات الضرورية لحمايتها وباقي اللغات الوطنية الأخرى كما هو الشأن بالنسبة للغة العربية.
أما في الشأن السياسي، فأرى أن الأمازيغ وباقي المكونات الثقافية الأخرى عليها جميعا أن نتحرك ضد هذا التهميش الذي تسانده القوى الاستعمارية المشرقية الرافضة لكل محاولات استعادة البلدان المغاربية لهويتها الأمازيغية الأصلية، وأستبعد أن يزول دون مقاومة شعبية لانتزاع حقوقنا المشروعة.
- بالعودة إلى مرحلة حكم القذافي، كنت واحدا من الفنانين الليبيين الأمازيغ الذين اعتقلوا في أكثر من مناسبة بسبب دفاعك عن القضية الأمازيغية وسُحب جواز سفرك لمنعك حضور ملتقيات أمازيغية بالمنطقة، ما التهديد الذي شكلته أنت وزملائك من النشطاء الأمازيغ على نظام معمر القذافي؟
القذافي كان يصف نفسه بملك ملوك أفريقيا، مع ذلك، كان يخاف من نهوض أمازيغ ليبيا للدفاع عن هويتهم وكان يخاف من انتقال مد الحركة الأمازيغية التي ظهرت في ذلك الوقت بالمغرب والجزائر إلى ليبيا، لذلك عمل على سن سياسة قمعية ضد كل النشطاء الليبيين الذين ينادون بإعادة الاعتبار إلى الأمازيغية لغة وثقافة.
لذلك، شكل عشيني والعشرات من النشطاء الأمازيغ بليبيا، كالكاتب والمناضل الكبير سعيد سيفاو المحروق الذي كانت كتابته كالرصاص، تهديدا للقذافي ولنظامه القائم على العروبة وعلى عداء الأمازيغية والتنوع الثقافي.
ورغم الاعتقالات وسياسة الترهيب التي مارسها القذافي وأجهزته، واصلنا الغناء بالأمازيغية وواصلنا التنسيق واللقاءات بيننا في السر إلى حين قيام الثورة عام 2011.
- عرفت مرحلة التسعينات انفراجا ملحوظا في تعامل نظام القذافي مع النشطاء الأمازيغ، هل كان ذلك ثمر نضالكم أم أن ظروفا خارجية دفعت السلطات إلى تخفيف التضيق على النشطاء الأمازيغ؟
ما أحدث أن ابنه سيف الإسلام زار زوارة واتلقى عددا من سكان المنطقة الذين شكوا له وضع الأمازيغية والتضييق الممارس ضد الناطقين بها، فأجاز لهم الغناء باللغة الأمازيغية، في المقابل، لم تتخذ السلطات الليبية أي قرارات تفيد بأن النظام غير سياساته أو موقفه من الأمازيغية، ولا أردي إلى اليوم الأسباب التي دفعت سيف الإسلام إلى السماح بالغناء بالأمازيغية.
- اخترت عام 2006 السفر إلى أكادير جنوب المغرب لتسجيل ألبومك الغنائي الأول، لماذا اخترت المغرب تحديدا عوض تسجيله بليبيا؟
لم تكن السلطات الليبية تسمح في ذلك الوقت بتسجيل الأغاني الأمازيغية، وكانت الأستوديوهات في ليبيا تشترط على الفنانين الأمازيغ تقديم ما يثبت أنهم حصلوا على رخصة من السلطات تجيز لهم تسجيل أغانيهم الأمازيغية.
ثانيا، مُنعت بقرار من نظام القذافي من السفر إلى الجزائر لأن القذافي كان يعتبر الجزائر معقل الأمازيغية، واستطعت مع ذلك من زيارتها خفية عام 1983 والتقيت حينها بصديقي الفنان فرحات مهني، رئيس الجمهورية القبائلية.
وخلال تلك الزيارة القصيرة، زرت تيزي وزو وعرض علي فرحات أن أسجل ألبومي الأول هناك، لكن قرار منعي من السفر إلى الجزائر لم يشجعني على القيام بالخطوة.
سنوات بعد ذلك، تلقيت دعوة من صديقي فتحي بن خليفة والصديق مادغيس أومادي لزيارة المغرب، فلم أتردد في قبولها، فوجدت أنهما هيأ لي كل الظروف بأكادير لتسجيل ألبومي الأول، كما قدما لي الدعم والمساندة لتسجيل البومي الثاني بالدار البيضاء عام 2011.
- وزع الألبوم الأول وأنت بالسجن ووزع الثاني أثناء قيام ثورة 2011، ما الذي ميز كل واحد منهما عن الآخر؟
الألبوم الأول تميز بكلمات قوية وصدر وأنا أقضي عقوبة سجنية بلغت مدتها أزيد من عام ونصف، بينما صدر الألبوم الثاني أشهرا قليلة قبل سقوط نظامه.
الألبومان معا تضمنا انتقادات للقذافي وسياساته اتجاه الأمازيغ وبالتالي لا أرى أي تمييز بينهما.
- تلقب في ليبيا بأب الأغنية الأمازيغية العصرية، هل تكوينك في مجال الفنون الجميلة من أسباب اهتمامك بتطوير الأغنية الأمازيغية؟
نعم ساهم ذلك بقدر كبير في اهتمامي بالأغنية العصرية وساعدني كثيرا في مساري كمغني أمازيغي، وأتمنى أن يستمر الفن الامازيغي في الرقي والتطور.
- في هذا السياق، ما تقييمك لحال الأغنية الأمازيغية اليوم بليبيا، وهل ما زالت الأغاني الأمازيغية تحمل هم الدفاع عن القضية الأمازيغية أم أن هذا الوعي خف مقارنة بمرحلة القذافي؟
في الحقيقة كان الوعي بالقضية أقوى في مرحلة القذافي، أما اليوم وللأسف الشديد، نعيش أزمة نص في ليبيا على غرار باقي دول المنطقة، ولم نعد نقرأ كتابات قوية تمس القلوب ككلمات سعيد سيفاو المحروق أو إنزنزان أو ناس الغيوان بالمغرب أو أيت منقلات بالجزائر، بل انتشرت الميوعة وزاد إقبال الفنانين على الشهرة وعلى المال.
- شهدت مرحلة ما بعد الثورة تنظيم عدد من المهرجانات الفنية والتي عرفت حضورا مكثفا للفنانين الأمازيغ، لكن هذه المهرجانات اختفت أو تراجعت في السنوات الأخيرة، ما السبب في نظرك؟
السبب راجع لغياب تخطيط وسياسة فنية، ولم يتبق سوى بعض التظاهرات التي تنظم احتفالا برأس السنة الأمازيغية.
- ما رسالتك للأطراف السياسية المتصارعة على السلطة في ليبيا وكيف السبيل في نظرك لإعادة الاعتبار إلى اللغة والثقافة الأمازيغيتين؟
ببساطة أقول إنه لا يمكن للسياسيين أن يحلموا مرة أخرى بليبيا كدولة ذات سيادة دون أمازيغية، لذلك عليهم أن يفهموا بأن المكون الأمازيغي في ليبيا مكون أساسي قبل العربية وعليهم أن يتعاطوا مع هذه المسألة بجدية وبقرارات شجاعة.
علينا إذن أن نعطي لكل ذي حقا حقه، ومن ضمن المكونات الأساسية في ليبيا التي يجب أن تعطى حقها أو يجب أن تأخذه بالقوة في وقت ما هم الأمازيغ، هم الأصل وصمام أمان ليبيا وصمام أمان باقي الدول المغاربية الأخرى.
أقول لهم إن الأمازيغية توحد الشعوب المغاربية وتشعرهم بفخر الانتماء إلى المنطقة، فالأمازيغي في ليبيا يحسن إحساسا صادقا بأن المغربي أو الجزائري أخوه، ويحس الأمازيغي في الجزائر وفي المغرب بأنهما أخوة رغم الأنظمة العروبية المتنافرة في البلدين، عليهم إذن أن يعرفوا أن الأمازيغية هي الضامن لوحدة واستقرار المنطقة.
المصدر: أصوات مغاربية