حوار

مخرج موريتاني يتحدث عن واقع السينما في غياب قاعات لعرض الأفلام

29 يوليو 2023

يتحدث المخرج الموريتاني عبد الرحمن ولد أحمد سالم في هذا الحوار مع "أصوات مغاربية" عن السينما في بلاده وما تواجهه من صعوبات وتحديات وعن مشروع "دار السينمائيين" الذي رأى النور في بداية الألفية الحالية لكن إشعاعه لم يعمر طويلا.

ويعتبر ولد أحمد سالم من أبرز الوجوه في السينما الموريتانية إذ ارتبط اسمه بالمخرج العالمي عبد الرحمن سيساكو حيث كان مساعدا له في إخراج فيلم "في انتظار السعادة".

ومثل ولد أحمد سالم بلاده في مهرجانات سينمائية دولية وإقليمية بينها مهرجان كان السينمائي الدولي في فرنسا.

ويتسم مجال السينما بموريتانيا بمفارقة تتمثل في عدم وجود قاعات عرض متخصصة، وذلك رغم بروز مخرجين من هذا البلد المغاربي أنتجوا أفلاما نافست على جوائز دولية. 

نص المقابلة: 

س: كيف تصف الواقع الحالي للسينما الموريتانية؟ 

ج: الواقع الحالي مؤسف بالنسبة لي كمحب لمجال السينما وكمؤسس لـ"مشروع دار السينمائيين" إذ أن الجيل الذي نشأ وتولى قيادة المشروع بعدي في عام 2016 لم يستطع مواصلة هذا "الحلم الجميل" بعد اصطدامه بصعوبات العمل الفني بهذا البلد. 

لكن دم "دار السينمائيين" تفرق بين القبائل وإبداعاتها باتت مشاهدة للعيان عبر مجهودات الشباب الذين كونتهم وعن طريق أفلامهم التي يشاركون بها في مهرجانات دولية وإقليمية عديدة.

ونعمل حاليا على إطلاق "متحف للسينما" في البلاد بالتعاون مع مركز الدراسات والأبحاث في الغرب الصحراوي (سيروس) وهي خطوة ننتظر منها سد فجوات كنا نعانيها خلال الفترات الماضية ونتوقع منها أن تسهم في مشاريعنا للتعليم والتكوين وأرشفة السينما بموريتانيا.  

س: ما هي الصعوبات التي واجهتكم شعبيا ورسميا في بداية جهودكم لإحياء السينما الموريتانية؟ 

ج: أود في بداية الحديث أن أتخلص بسرعة من التفكير في الصعوبات التي واجهتنا في مجال السينما وذلك لمحاولة تخفيف العبء على الأجيال القادمة وشحذ هممهم للمضي قدما. 

وتعود أهم الصعوبات التي واجهتنا على المستوى الشعبي إلى سوء سمعة السينما لدى المجتمع الموريتاني إذ أنها ارتبطت في ذاكرة المجتمع كفن بذيء ووصمت بالممارسات غير الأخلاقية كما ظلت دور العرض في المخلية الجمعية ذاك المكان الذي يجمع الضائعين من المجتمع. 

وكان ذلك العائق من أكبر العقبات أمامنا إضافة إلى أن المجتمع الموريتاني يرفض -كعادته- كل جديد وبسرعة، كما أنني على المستوى الشخصي عانيت من رفض مجتمعي بسبب خلفيتي الأسرية إذ كان جديرا بأمثالي أن يصبحوا أساتذة أو أئمة مساجد ليلبوا تطلعات مجتمعهم. 

وعلى الجانب السياسي اصطدمنا في بداية عملنا في هذا المجال بكون قطاع السينما لم يكن تابعا بشكل عملي لـ"وزارة الثقافة ولا لوزارة الإعلام" وذلك رغم تصنيف مجال السينما آنذاك رسميا كجزء من الفنون. 

س: هل لديكم مشاريع مشتركة مع دول مغاربية أو أفريقية لنقل التجربة وتبادل الخبرات؟ 

ج: نعم، على المستوى الشخصي لدي مشاريع مشتركة مع جهات متعددة في المنطقة العربية والأفريقية كما لدينا علاقات قوية بمجموعة العمل حول السياسة الثقافية" بالجزائر وقد انتدبوني لتقديم دورات تدريبية متعددة بمدينة غرداية الجزائرية. 

كما أننا نتعاون بشكل وثيق مع شركائنا بتونس وعلى مستويات عدة، منها الإنتاج السينمائي إذ أنتجنا في السابق فيلما مشتركا، وأعمل حاليا على كتاب مشترك مع صديقي زهير عباس حول "الإدارة الثقافية".

وعلى مستوى القارة الأفريقية أيضا لدينا وجود قوي في كبريات الشبكات العاملة في مجال الفاعلين الثقافيين بشمال القارة، كما أننا نتعاون ونعمل في هذا الصدد مع مؤسسات دولية من بينها "اليونسكو". 

س: متى نتوقع افتتاح قاعات عرض للسينما في موريتانيا أم أن ذلك "ما زال حلما بعيدا"؟

ج: نعم هو فعلا "حلم" كما يوصف لكن كل الأشياء الجميلة بدأت بالرؤى التي تدور في عقول المبدعين أو العلماء والمصلحين، لكنني لا أرى أن المرحلة الحالية تتطلب الاهتمام بدور العرض بقدر ما تتطلب اهتماما رسميا وشعبيا بالإنتاج. 

فنحن بموريتانيا وفي ظل العجز الحاصل في الأفلام، نحتاج لإنتاج كم معتبر ومحتوى ذا قيمة كبيرة وذلك رغم استمرار المطالب -المشروعة- من المبدعين بفتح قاعات عرض للسينما. 

وأرجع محاولتنا لدفع السينمائيين نحو الإنتاج لمبدأ السوق في الاقتصاد إذ أنه إذا زادت الأفلام وكثرت ستدخل رؤوس الأموال للاستثمار في فتح القاعات بل نتوقع أيضا أن تفتح قنوات محلية خاصة بهذا المنتج الثقافي. 

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

حوار

الفركي: الفساد استفحل والتبليغ عنه يخيف المقاولات المغربية

09 أكتوبر 2024

كشف التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن ربع المقاولات المغربية أقرت بتعرضها لأحد أشكال الفساد خلال الـ12 شهرا الماضية، وذلك في وقت سجلت فيه البلاد إفلاس 14 ألف مقاولة عام 2023.

ولفتت المؤسسة الرسمية خلال تقديمها تقريرها السنوي لعام 2024، الثلاثاء، إلى أن الفساد يكلف المغرب 5 مليارات دولار سنويا ويعيق نمو المقاولات على أكثر من صعيد.

وجاء في التقرير أن المقاولات المغربية تتعرض لأشكال مختلفة من الفساد خاصة عند طلبها التراخيص والصفقات العمومية أو عند طلب الاستفادة من خدمة للمقاولة الحق فيها.

في السياق نفسه، أكدت 26 في المائة من المقاولات، خاصة المتوسطة والصغيرة والصغيرة جدا، أنها فقدت صفقة "بشكل من أشكال الفساد"، ما دفع نحو نصفها إلى القول إن الإجراءات التي سنتها الدولة لمكافحة هذه الظاهرة غير كافية.

في هذا الحوار، يعلق عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة على تقرير الهيئة الرسمية وعن الأسباب ونسب انتشار الفساد في القطاع.

نص المقابلة:

  • ما تعليقكم على ما جاء في التقرير وما تفسيركم للأسباب التي دفعت 45  في المائة من المقاولات التي شملتها الدراسة إلى القول إن الفساد زاد خلال العامين الماضيين؟  

بالفعل، زاد الفساد في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد جائحة كورونا، من خلال تقييد عدة ممارسات كانت في الماضي مرتبطة بالحرية الفردية والاقتصادية. على الرغم من انتهاء الجائحة، إلا أن آثارها لا تزال واضحة، مثل الحواجز الأمنية في المداخل والمخارج والطرقات.

لم يتضمن التقرير وضع ومعاناة المقاولات الصغيرة جدا بشكل كاف، حيث تواجه صعوبات في التنقل أيضا بسبب القيود الأمنية والتعسفية في بعض الحواجز الأمنية عبر مداخل ومخارج المدن، من ناحية أخرى، يتم التعاطي بمرونة وترحاب مع الشركات الكبيرة والمسؤولين والأعيان.

عبد الله الفركي، رئيس الكنفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة

نلاحظ أيضا تنامي الرشوة في الصفقات العمومية وطلبات الأداء وخصوصا أن احتكار المقاولات الكبرى للصفقات أدى في بعض الحالات إلى التحايل على القانون واستعمال الرشوة والنفود واستغلال الفساد.  

ظاهرة الرشوة لم تعد خفية، حيث يفرض على المقاولات الصغيرة دفع مبالغ مالية مقابل خدمات يجب أن تكون مجانية. انعدام المحاسبة وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة دفع العديد من الموظفين الصغار إلى ممارسة الفساد وطلب الرشاوى بشكل مستمر.

يجب على الجهات الأمنية رفع الحواجز وتكثيف حملات المراقبة لضبط المخالفين، بدلاً من التركيز على مستخدمي الطرق. إن الاستماع إلى المقاولات الصغيرة جدا والتي تمثل أكتر من 66% من مجموع المقاولات بالمغرب، أثناء دراسة الوضع يمكن أن يفضي إلى نتائج أكثر دقة ويعزز الشفافية ومكافحة الفساد والرشوة.

  • في ظل تعرض 23% من المقاولات لشكل من أشكال الفساد خلال العام الماضي، كيف يؤثر ذلك على قدرة المقاولات المغربية على الحصول على التراخيص الضرورية والتمويل البنكي والفرص التجارية، خاصة في ظل تزايد المقاولات التي تعلن إفلاسها كل عام؟

يمكن القول إن أكثر من 50% من إجمالي المقاولات تتعرض لمشاكل الفساد واستغلال النفوذ والضغط من أجل طلب الرشاوى لإنجاز عمل كان يفترض أن يكون مجانيا وبدون قيود أو شروط. إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي ونقص التفتيش والمحاسبة دفع العديد من الإدارات إلى فرض الرشاوى لتنفيذ أعمال ينبغي أن تنجز بسهولة. 

كل هذا بدون تصريح رسمي أو قانوني، بل تحت تهديد بفقدان الفرصة وعدم التقدم، أو "الفاهم يفهم"، وغيرها من المصطلحات الشعبية المستخدمة في مثل هذه الحالات لطلب الرشاوى.

هذه الثقافة دفعت العديد من المقاولين إلى استخدام الأموال والرشاوى للحصول على طلبات قانونية وغير قانونية وتجاوز الإجراءات المعتادة قانونيًا وبفعل هذه الممارسات، تشكلت لدى بعض المقاولين ثقافة شراء بعض المسؤولين بشكل مالي للحفاظ على أنشطتهم المشبوهة أو التي لا تلبي الشروط القانونية، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى التهرب الضريبي.

  • في المقابل، صرحت 6% فقط من المقاولات التي تعرضت لحالة فساد، وفق الدراسة، أنها قدمت شكاية للسلطات، ما الأسباب في نظركم التي لا تشجع أرباب المقاولات المغربية على التبليغ؟

أعتقد أن ذلك طبيعي لأن المقاول بطبعه يخاف من تبعات ذلك، حيث يضطر بعض الموظفين إلى إطلاق الإشاعات لمحاصرة المقاول ومحاربته، وحدث أن قرر بعضهم تغيير مدنهم بسبب ذلك.

من أمثلة ذلك، يتم إشعارنا من بعض المقاولين الذين تعرضوا للابتزاز أو طلب رشوة من بعض الجهات الأمنية والعمومية شفهيا، حيث يخشون إبلاغنا كتابيا خوفا من التبعات التي أشرت إليها.

من جانبنا، نشير في بيانات الكونفدرالية إلى هذه الممارسات وسبق أن أخطرنا الحكومة وطالبنا منها تشديد المراقبة ومحاسبة المتورطين في هذه الممارسات.

  • في السياق نفسه، أشارت الدراسة أيضا إلى ضعف المعرفة لدى مسؤولي المقاولات بالجهات التي يمكنهم اللجوء إليها للتبليغ عن الفساد، ما هي التدابير التي يمكن للكونفدرالية اتخاذها لزيادة الوعي ودعم المقاولات في مواجهة تحديات الفساد؟

فعلا، المقاولون، خصوصا أرباب المقاولات الصغيرة جدا، يجهل بعضهم بعض المساطر والمؤسسات التي يمكنهم اللجوء إليها في حالة تعرضهم للابتزاز، لكن هذا تراجع مؤخرا بفضل المعلومة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي واستطاع بعضهم تدارك هذا النقص.

غير أن الشكايات التي يرفعها هؤلاء لا تؤخذ أحيانا بعين الاعتبار، كما أن بعضهم ومن كثرة مراسلة هذه الجهات دون تلقي أي رد دفع بعضهم إلى فقدان الثقة في هذه المؤسسات.

لذلك نحاول في الكونفدرالية أن نعالج هذه الظواهر ونشير في بياناتنا الرسمية إلى هذا الفساد وإلى كل العوائق التي تعيق مناخ الأعمال بالمغرب.

ومن أمثلة ذلك وقوفنا إلى جانب المتضررين من رفض شركة "البناؤون الشباب"، المملوكة لرئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، تسديد مستحقاتهم، كما نساند نحو 50 مقاولة صغيرة وصغيرة جدا من مختلف جهات المغرب في نزاعها مع مصلحة الجمارك التي فرضت عليها أداء فواتير مجحفة.

  • يعتقد حوالي 60% من أرباب المقاولات التي شملتها الدراسة أن التدابير الحكومية لمكافحة الفساد غير كافية، ما المقترحات التي ترون أنها ضرورية حتى يستطيع المغرب القضاء على الفساد وتحسين مناخ الأعمال؟

أعتقد أن النسبة قد تصل إلى 80 في المائة، وذلك أن الكثير من أرباب المقاولات الصغيرة والمتوسطة لا يرون أي تحسن في محاربة الفساد واستغلال النفوذ، بل على العكس نرى أن الظاهرة في تزايد.

للأسف الشديد لم يتحقق بعد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ولن يتحقق ما لم يتم محاسبة المسؤولين الحكوميين أو العموميين على خروقاتهم.

الرشوة أصبحت ظاهرة عادية وباتت تطلب علانية وجهرا، وهذا سلوك أعتقد أنه يستدعي المزيد من الجهود الجادة لمحاربته، لأن الخطابات لم تأت أكلها ولا بد من إجراءات ومساطر تربط المسؤولية بالمحاسبة وترسيخ الشفافية والحكامة في جميع المؤسسات بما فيها الحكومة نفسها.

فبينما تستفيد المقاولات الكبرى من الصفقات ومن الامتيازات يجري إقصاء المقاولات الصغيرة جدا التي تعاني الحرمان من الصفقات ومن حقها في الخدمات العقارية على الرغم من أن هذه المقاولات تشغل لوحدها أكثر من 75 في المائة من اليد العاملة بالمغرب.

المصدر: أصوات مغاربية