حرفية زرابي مغربية - أرشيف
حرفية زرابي مغربية - أرشيف

من تعاونيتها المتخصصة في حياكة الزرابي بفاس (شمال شرق المغرب) اختارت صانعة تقليدية مغربية مخاطبة نجمة التلفزيون الأميركية الشهيرة، أوبرا وينفري، باللغة الإنجليزية لإطلاعها على معاناة العاملات في القطاع.

جاء ذلك كرد على مقطع فيديو نشرته أوبرا خلال زيارتها الأخيرة إلى المغرب، قالت فيه إنها قضت لحظات ممتعة في مراكش وأعجبت بالزرابي التقليدية التي تصنعها النساء.

واستعرضت الصانعة التقليدية التي تدعى كنزة أولغدا في رسالتها إلى أوبرا، ما تعانيه الصانعات التقليديات المغربيات إذ قالت إنه يتم استغلالهن ويتقاضين أقل من دولار في اليوم الواحد نتيجة تعدد الوسطاء في القطاع.

في هذا الحوار مع "أصوات مغاربية"، تتحدث أولغدا، إحدى المدافعات عن حقوق الصانعات التقليديات بالمغرب، عن معاناة العاملات في القطاع وعن أبرز التحديات التي تواجههن وبعض الحلول التي تراها ضرورية للنهوض بأوضاعهن.

نص المقابلة:

  • عاتبت المذيعة الأميركية لأنها ربما لم تطلع على ظروف اشتغال الصانعات التقليديات بالمغرب وقلت إن النساء العاملات في القطاع يتم استغلالهن، كيف ذلك؟

وجهت تلك الرسالة لأوبرا ومن خلالها إلى العالم، خصوصا أولئك الذين يقتنون المنتوجات التقليدية من الوسطاء، وأردت أن أسلط الضوء على المعاناة والاستغلال الذي تتعرض له العاملات في القطاع.

إذا ما حدث واشترت زربية تقليدية من أي سوق مغربية قد تعتقد أن صانعتها تربح نحو 50 في المائة من سعر البيع، لكن الواقع غير ذلك، إذ لا تستفيد العاملات في القطاع سوى من 4 في المائة من ثمن بيع منتوجاتهن.

ماذا يعني هذا، هذا يعني أن الصانعات التقليديات المغربيات اللواتي يشتغلن شهورا وأسابيع في حياكة الزرابي مثلا يتقاضين أجورا أقل من الحد الأدنى للأجور، زد على ذلك أن معظم العاملين في القطاع هن نساء أميات ينحدرن أو يعشن في القرى والجبال وبالتالي لا يحظين بفرصة تسويق منتوجاتهن أو بيعها بشكل مباشر للزبون.

هذا الاستغلال في نظري يسيء للمرأة المغربية وللصناعة التقليدية وللهوية والثقافة المغربيتين، وغير مقبول إطلاقا أن يستمر الوسطاء في بيع منتوجاتنا بأسعار باهظة بينهما الصانعة تتقاضى أجورا زهيدة.

  • هل هذا يعني أن الرجال العاملين في القطاع أجورهم أعلى من الصانعات التقليديات؟

ينسحب الوضع نفسه على الرجال أيضا، العاملون في القطاع يتقاضون أجورا زهيدة ويبيعون منتوجاتهم التقليدية بأسعار بخسة لا تغطي أحيانا كلفة الإنتاج، لا بد لهذا الاستغلال أن يتوقف ولابد للعاملين في القطاع أن ينالوا حقوقهم الكاملة بالنظر إلى إبداعاتهم والجهود التي يبذلونها للرقي بالصناعة التقليدية المغربية محليا ودوليا.

كنزة أولغدا، عضوة تعاونية أنو للصناعة التقليدية وناشطة حقوقية

من نتائج هذا الوضع، أن العاملين في القطاع  وبعضهم أمضى 70 سنة في الصناعة التقليدية، يعيشون أوضاعا اجتماعية هشة ولا يتوفر معظمهم على مسكن خاص، هذا الوضع  لن يشجع الجيل الصاعد على الإقبال على الصناعة التقليدية وسنحرم مستقبلا من أحد الروافد المهمة التي تدر على المغرب العملة الصعبة وتساهم في ترويجه كوجهة سياحية عالمية.

  • كنت أحد مؤسسي تعاونية "أنو" (البئر بالأمازيغية) التي رأت النور منذ نحو 10 سنوات وتسعى إلى مساعدة العاملات في قطاع الصناعة التقليدية على تسويق منتوجاتهن على الأنترنت دون الحاجة للوسطاء، كيف تقيمين التجربة؟

يتعلق الأمر بمنصة إلكترونية هدفها تسهيل بيع المنتوجات التقليدية إلى الزبائن دون وسطاء ويبلغ عدد الصناع الذين التحقوا بالمنصة 900 صانع تقليدي.

المنصة سهلة الاستخدام لأن معظم العاملات في القطاع أميات وينحدرن من أوساط قروية، وعملت التعاونية على تكوين الصناع في المعلوميات وفي أساسيات التسويق الإلكتروني حتى يتمكنوا من وضع منتوجاتهم على المنصة وبيعها سواء محليا أو خارج المغرب دون وسطاء.

الغاية من هذا المشروع هي إزالة كل الحواجز أمام الصناع التقليديين لبيع منتوجاتهم للزبائن الأجانب دون وسطاء وأيضا تكوين الصناع في التقنيات الجديدة حتى يواكبوا السوق ويحافظوا في الوقت نفسه على الهوية المغربية الأصلية، وأستطيع أن أقول إن المشروع نجح في تحقيق معظم أهدافه.

هذا المستوى من التسويق يحتاج إلى إتقان اللغات الأجنبية للتواصل مع الزبائن، لذلك عملت التعاونية على تكوين الصانعات والصناع التقليديين في اللغات الأجنبية حتى يتسنى لهم التواصل بأسلوب بسيط مع الزبائن.

  • كان قطاع الصناع التقليدية من بين القطاعات التي تأثرت بشكل كبير بتداعيات أزمة كوفيد 19، هل نجح القطاع في تجاوز تلك التداعيات أم أنه ما يزال يعاني من تبعيات تلك الأزمة؟

فترة جائحة فيروس كورونا كانت فعلا فترة حرجة ومرت بصعوبة على كل الصناع التقليديين، مع ذلك، أستطيع أن أقول إنها كانت إيجابية بالنسبة للمنخرطين في التعاونية، إذ عمل أساتذة متطوعون على تكوين المنخرطات في اللغة الإنجليزية عبر الواتساب واستفدنا أيضا من دورات في التسويق وفي تقنيات الإنتاج، هكذا اغتنمنا تلك الفترة للاستعداد لمرحلة ما بعد كوفيد 19.

من المنظور الشامل، فترة كوفيد 19 كانت قاسية ودفعت بالكثيرين إلى الاكتئاب وإلى التخلي عن حرفهم، وبعد الجائحة ارتفعت أسعار المواد الأولية ولم تعرف في المقابل أسعار بيع المنتوجات أي تغيير.

  • يساهم قطاع الصناعة التقليدية بـ7 في المائة من الناتج الداخلي الخام بالمغرب ويشغل نحو 22 في المائة من السكان النشطين، ما أبرز الخطوات التي ترينها مهمة للنهوض بالقطاع وبحال الصانعات التقليديات؟

الحكومة وللأسف الشديد لم تعالج بعض الإشكاليات التي يعاني منها القطاع، منها مثلا أنه يحدث أن نُستدعى للمشاركة في معارض خارج البلاد ويطلب منا أن نتكفل بتذاكر الطيران والإقامة في الفندق، أعتقد أنهم لم يستوعبوا بعد أن التعاونيات دخلها محدود وبالكاد يغطي استمرارية الصانع في الإنتاج.

أما المعارض المحلية فيحدث أن تُنظم خارج فترات الذروة التي يتدفق فيها السياح على المغرب، وهذا ما يفسر تلك الفجوة الموجودة بين عائدات الصناعة التقليدية وبين حال وأوضاع العاملين في القطاع.

لذلك، نحتاج إلى استراتجية تراعي مختلف التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها القطاع، ونحتاج إلى دعم متواصل للصانع التقليدي حتى نضمن حماية هذه الحرف من الاندثار.

  • المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

حوار

الفركي: الفساد استفحل والتبليغ عنه يخيف المقاولات المغربية

09 أكتوبر 2024

كشف التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن ربع المقاولات المغربية أقرت بتعرضها لأحد أشكال الفساد خلال الـ12 شهرا الماضية، وذلك في وقت سجلت فيه البلاد إفلاس 14 ألف مقاولة عام 2023.

ولفتت المؤسسة الرسمية خلال تقديمها تقريرها السنوي لعام 2024، الثلاثاء، إلى أن الفساد يكلف المغرب 5 مليارات دولار سنويا ويعيق نمو المقاولات على أكثر من صعيد.

وجاء في التقرير أن المقاولات المغربية تتعرض لأشكال مختلفة من الفساد خاصة عند طلبها التراخيص والصفقات العمومية أو عند طلب الاستفادة من خدمة للمقاولة الحق فيها.

في السياق نفسه، أكدت 26 في المائة من المقاولات، خاصة المتوسطة والصغيرة والصغيرة جدا، أنها فقدت صفقة "بشكل من أشكال الفساد"، ما دفع نحو نصفها إلى القول إن الإجراءات التي سنتها الدولة لمكافحة هذه الظاهرة غير كافية.

في هذا الحوار، يعلق عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة على تقرير الهيئة الرسمية وعن الأسباب ونسب انتشار الفساد في القطاع.

نص المقابلة:

  • ما تعليقكم على ما جاء في التقرير وما تفسيركم للأسباب التي دفعت 45  في المائة من المقاولات التي شملتها الدراسة إلى القول إن الفساد زاد خلال العامين الماضيين؟  

بالفعل، زاد الفساد في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد جائحة كورونا، من خلال تقييد عدة ممارسات كانت في الماضي مرتبطة بالحرية الفردية والاقتصادية. على الرغم من انتهاء الجائحة، إلا أن آثارها لا تزال واضحة، مثل الحواجز الأمنية في المداخل والمخارج والطرقات.

لم يتضمن التقرير وضع ومعاناة المقاولات الصغيرة جدا بشكل كاف، حيث تواجه صعوبات في التنقل أيضا بسبب القيود الأمنية والتعسفية في بعض الحواجز الأمنية عبر مداخل ومخارج المدن، من ناحية أخرى، يتم التعاطي بمرونة وترحاب مع الشركات الكبيرة والمسؤولين والأعيان.

عبد الله الفركي، رئيس الكنفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة

نلاحظ أيضا تنامي الرشوة في الصفقات العمومية وطلبات الأداء وخصوصا أن احتكار المقاولات الكبرى للصفقات أدى في بعض الحالات إلى التحايل على القانون واستعمال الرشوة والنفود واستغلال الفساد.  

ظاهرة الرشوة لم تعد خفية، حيث يفرض على المقاولات الصغيرة دفع مبالغ مالية مقابل خدمات يجب أن تكون مجانية. انعدام المحاسبة وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة دفع العديد من الموظفين الصغار إلى ممارسة الفساد وطلب الرشاوى بشكل مستمر.

يجب على الجهات الأمنية رفع الحواجز وتكثيف حملات المراقبة لضبط المخالفين، بدلاً من التركيز على مستخدمي الطرق. إن الاستماع إلى المقاولات الصغيرة جدا والتي تمثل أكتر من 66% من مجموع المقاولات بالمغرب، أثناء دراسة الوضع يمكن أن يفضي إلى نتائج أكثر دقة ويعزز الشفافية ومكافحة الفساد والرشوة.

  • في ظل تعرض 23% من المقاولات لشكل من أشكال الفساد خلال العام الماضي، كيف يؤثر ذلك على قدرة المقاولات المغربية على الحصول على التراخيص الضرورية والتمويل البنكي والفرص التجارية، خاصة في ظل تزايد المقاولات التي تعلن إفلاسها كل عام؟

يمكن القول إن أكثر من 50% من إجمالي المقاولات تتعرض لمشاكل الفساد واستغلال النفوذ والضغط من أجل طلب الرشاوى لإنجاز عمل كان يفترض أن يكون مجانيا وبدون قيود أو شروط. إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي ونقص التفتيش والمحاسبة دفع العديد من الإدارات إلى فرض الرشاوى لتنفيذ أعمال ينبغي أن تنجز بسهولة. 

كل هذا بدون تصريح رسمي أو قانوني، بل تحت تهديد بفقدان الفرصة وعدم التقدم، أو "الفاهم يفهم"، وغيرها من المصطلحات الشعبية المستخدمة في مثل هذه الحالات لطلب الرشاوى.

هذه الثقافة دفعت العديد من المقاولين إلى استخدام الأموال والرشاوى للحصول على طلبات قانونية وغير قانونية وتجاوز الإجراءات المعتادة قانونيًا وبفعل هذه الممارسات، تشكلت لدى بعض المقاولين ثقافة شراء بعض المسؤولين بشكل مالي للحفاظ على أنشطتهم المشبوهة أو التي لا تلبي الشروط القانونية، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى التهرب الضريبي.

  • في المقابل، صرحت 6% فقط من المقاولات التي تعرضت لحالة فساد، وفق الدراسة، أنها قدمت شكاية للسلطات، ما الأسباب في نظركم التي لا تشجع أرباب المقاولات المغربية على التبليغ؟

أعتقد أن ذلك طبيعي لأن المقاول بطبعه يخاف من تبعات ذلك، حيث يضطر بعض الموظفين إلى إطلاق الإشاعات لمحاصرة المقاول ومحاربته، وحدث أن قرر بعضهم تغيير مدنهم بسبب ذلك.

من أمثلة ذلك، يتم إشعارنا من بعض المقاولين الذين تعرضوا للابتزاز أو طلب رشوة من بعض الجهات الأمنية والعمومية شفهيا، حيث يخشون إبلاغنا كتابيا خوفا من التبعات التي أشرت إليها.

من جانبنا، نشير في بيانات الكونفدرالية إلى هذه الممارسات وسبق أن أخطرنا الحكومة وطالبنا منها تشديد المراقبة ومحاسبة المتورطين في هذه الممارسات.

  • في السياق نفسه، أشارت الدراسة أيضا إلى ضعف المعرفة لدى مسؤولي المقاولات بالجهات التي يمكنهم اللجوء إليها للتبليغ عن الفساد، ما هي التدابير التي يمكن للكونفدرالية اتخاذها لزيادة الوعي ودعم المقاولات في مواجهة تحديات الفساد؟

فعلا، المقاولون، خصوصا أرباب المقاولات الصغيرة جدا، يجهل بعضهم بعض المساطر والمؤسسات التي يمكنهم اللجوء إليها في حالة تعرضهم للابتزاز، لكن هذا تراجع مؤخرا بفضل المعلومة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي واستطاع بعضهم تدارك هذا النقص.

غير أن الشكايات التي يرفعها هؤلاء لا تؤخذ أحيانا بعين الاعتبار، كما أن بعضهم ومن كثرة مراسلة هذه الجهات دون تلقي أي رد دفع بعضهم إلى فقدان الثقة في هذه المؤسسات.

لذلك نحاول في الكونفدرالية أن نعالج هذه الظواهر ونشير في بياناتنا الرسمية إلى هذا الفساد وإلى كل العوائق التي تعيق مناخ الأعمال بالمغرب.

ومن أمثلة ذلك وقوفنا إلى جانب المتضررين من رفض شركة "البناؤون الشباب"، المملوكة لرئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، تسديد مستحقاتهم، كما نساند نحو 50 مقاولة صغيرة وصغيرة جدا من مختلف جهات المغرب في نزاعها مع مصلحة الجمارك التي فرضت عليها أداء فواتير مجحفة.

  • يعتقد حوالي 60% من أرباب المقاولات التي شملتها الدراسة أن التدابير الحكومية لمكافحة الفساد غير كافية، ما المقترحات التي ترون أنها ضرورية حتى يستطيع المغرب القضاء على الفساد وتحسين مناخ الأعمال؟

أعتقد أن النسبة قد تصل إلى 80 في المائة، وذلك أن الكثير من أرباب المقاولات الصغيرة والمتوسطة لا يرون أي تحسن في محاربة الفساد واستغلال النفوذ، بل على العكس نرى أن الظاهرة في تزايد.

للأسف الشديد لم يتحقق بعد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ولن يتحقق ما لم يتم محاسبة المسؤولين الحكوميين أو العموميين على خروقاتهم.

الرشوة أصبحت ظاهرة عادية وباتت تطلب علانية وجهرا، وهذا سلوك أعتقد أنه يستدعي المزيد من الجهود الجادة لمحاربته، لأن الخطابات لم تأت أكلها ولا بد من إجراءات ومساطر تربط المسؤولية بالمحاسبة وترسيخ الشفافية والحكامة في جميع المؤسسات بما فيها الحكومة نفسها.

فبينما تستفيد المقاولات الكبرى من الصفقات ومن الامتيازات يجري إقصاء المقاولات الصغيرة جدا التي تعاني الحرمان من الصفقات ومن حقها في الخدمات العقارية على الرغم من أن هذه المقاولات تشغل لوحدها أكثر من 75 في المائة من اليد العاملة بالمغرب.

المصدر: أصوات مغاربية