في هذا الحوار مع "أصوات مغاربية"، تتوقع محللة شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية، كلوديا غازيني، أن يتعقّد الوضع الليبي قبل الانتخابات بسبب ما وصفته بـ"الاستخدام المكثف" للمحاكم والقضاة والقانون لقطع الطريق عن الخصوم الراغبين في الترشح إلى رئاسيات 24 ديمسبر المقبل.
وتحدثت عن طبيعة العلاقات بين حفتر وعقيلة صالح، بالإضافة إلى سبب عدم التزام الدبيبة بتعهداته في جنيف بعدم التقدم لتولي أي منصب سياسي خلال المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى أسباب استقالة المبعوث الأممي، يان كوبيش، ومآلات الوضع الليبي في حال استبعاد المفوضية العليا للانتخابات لبعض المرشحين على حساب آخرين، علاوة على مشكل الشرعية الذي يعتري إجراء انتخابات بإطار قانوني لا يحظى بالإجماع.
نص المقابلة:
- في الأيام الماضية، احتدمت معركة الطعون الانتخابية في ليبيا، ما أثار مخاوف من انهيار مسار العملية الانتخابية وعودة البلاد إلى مربع العنف والفوضى، برأيك إلى أين تتجه البلاد؟
منذ البداية، كان من الواضح أن العملية الانتخابية ستواجه مشاكل كبيرة بسبب غياب إطار قانوني متفق عليه بين المعسكرات المتنافسة على الأرض.
هناك خلاف حول البنود المتعلقة بالأشخاص الذين يحقّ لهم الترشح، وشروط ذلك. ونتيجة غياب إطار قانوني يحظى بالإجماع، فإن البديل هو ما تراه اليوم من استخدام للمؤسسة القضائية لوقف الخصوم من الترشح للرئاسة.
معارضو ترشح سيف القذافي يحاصرون محكمة سبها من أجل تقويض أي فرصة قد تمنحها له المحكمة هناك من أجل الترشح. أولئك الذين لا يريدون أن يروا رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، على رأس السلطة في البلاد لجأوا أيضا إلى المحكمة. وكذلك الأمر بالنسبة للمشير خليفة حفتر، فقد استخدم معارضوه محكمة لاستصدار حكم قضائي في آخر لحظة من أجل حرمانه - نظريا - من خوض سباق الرئاسة.
هذا هو الوضع الحالي في ليبيا، إذ نرى استخداما مكثفاً للمحاكم والقضاة والقانون لمنع الخصوم من الترشح للرئاسيات في 24 ديسمبر المقبل. أعتقد أن الخطر الذي تنطوي عليه هذه المعارك القضائية سيدفع المفوضية العليا للانتخابات إلى زاوية ضيقة من خلال: إما قبول ملفات بعض المرشحين وإقصاء آخرين، أو قبول جميع الملفات بغضّ النظر عن الأحكام القضائية، وهناك سيناريو ثالث وهو إمكانية لجوء المفوضية إلى خيار تأجيل الانتخابات بسبب الفوضى الحالية.
- لنأخذ كل حالة على حدة، بالنسبة للدبيبة هناك من قال إن الرجل "مخطئ أخلاقيا وقانونيا" بالترشح للانتخابات. أولا، لأنه تعهد في جنيف بعدم التقدم إلى أي منصب سياسي في الدولة. وثانيا، لأن المادة 12 من قانون الانتخابات تنصّ على ضرورة توقف الشخصية الراغبة في الترشح عن العمل لمدة ثلاثة أشهر قبل موعد الانتخابات المقرر، وهو ما لم يقم به. ما رأيك؟
الكثير من الأشياء تغيّرت في المشهد الليبي منذ مؤتمر جنيف الذي جاء بالحكومة المؤقتة التي يقودها الدبيبة. أولا، الدبيبة لم يكن راضيا - حتى قبل قرار الترشح - عن القوانين الانتخابية التي وضعها مجلس النواب في طبرق بسبب غياب الإجماع حولها. ونظريا، فالرجل وأنصاره يجدون هذه القوانين مصممة بشكل يقصي طرفا على حساب آخر.
ثانيا، الدبيبة لا يتحرك وحده، فهناك العديد من المؤيدين الذين يدفعونه للترشح، لأنه الشخص الوحيد القادر على وقف الشخصيات الأخرى المثيرة للجدل من اعتلاء السلطة في البلاد. وفي هذا الصدد، فإن خصوم حفتر والقذافي لا يجدون شخصية سياسية أفضل من الدبيبة لقيادة المرحلة المقبلة.
ثالثا، أولئك الذين يتهمون الدبيبة بالتراجع عن وعد قطعه في جنيف وقعوا أيضا في نفس المطبّ عندما تراجعوا عن تعهدهم في جنيف بسن قانون انتخابي يحظى بالإجماع. هذا لم يحدث، إذ عمل مجلس النواب لوحده رافضا مشاركة المجلس الأعلى للدولة في سن قواعد الانتخابات. إذن، شعار المرحلة بالنسبة لأنصار الدبيبة هو "بمخالفتكم لاتفاقات وتعهدات سابقة، فإنكم غيّرتم أيضا قواعد اللعبة، ما يجعلنا نغيّر طريقة اللعب بما في ذلك التنازل عن وعود سابقة".
- من الواضح أن المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، كانا حليفين في فترة من الفترات. لكن في الآونة الأخيرة، زعم البعض أن هناك شرخاً في العلاقة بين الرجلين، هل تعتقدين أن ترّشح كل من حفتر وصالح للرئاسة مؤشر جديد على تدهور هذه العلاقة؟
لا أعتقد أن صالح وحفتر حلفاء مئة بالمئة. نعم، يجمعهما معسكر واحد وأسباب مختلفة، لكن عقيلة صالح - كما حفتر - لديه طموح سياسي. إذن، هذا التحالف مرتبط بظروف على الأرض وهو بالتالي تحالف براغماتي ومرحلي. فمثلا، عقيلة صالح لا يخفي أن حفتر غير مناسب للرئاسة بسبب جنسيته الأميركية، وأعتقد أن حفتر ينظر إلى صالح مُكناً إليه نفس الشعور بعدم الكفاءة لتولي أعلى سلطة في البلاد.
- بالرجوع إلى موضوع الطعون الانتخابية، ما هي توقعاتك بالنسبة لقرار المفوضية العليا للانتخابات حيال الأحكام القضائية الصادرة بحق كل من حفتر وسيف الإسلام؟
لا أعتقد أن الحكم ضد حفتر سيصمد طويلا، فالحكم غريب في توقيته، والمحكمة لم يسمع بها أحد، والجميع يشتم من هذا الحكم رائحة السياسة. لكن هناك تحدياً آخر يواجه حفتر وهو لجوء خصومه إلى المحكمة لإقصائه من المنافسة الانتخابية بداعي أنه يحمل الجنسية الأميركية. أعتقد أن هذا التحدي حقيقي.
بالنسبة للقذافي، فالموضوع جد معقّد لأنه ملاحق دوليا منذ 2011 ومحليا منذ 2014. حتى لا أجرّك إلى الكثير من التفاصيل المملّة، فإن سيف الإسلام ومؤيدوه يركّزون على تأويل قانوني دقيق يعطيهم أملا في الترشح.
يقول أنصار القذافي إن سيف الإسلام غير ممنوع من الترشح، لأن القانون يتحدّث عن إقصاء المرشحين الذين صدر بحقهم حكم قضائي نهائي. الآن، يجب على القضاء تأويل مفهوم هذه العبارة: ماذا يعني بالضبط "الحكم النهائي"، هل "الحكم الابتدائي نهائي"، أم أن المحاكم العليا هي المخولة بإصدار "الأحكام النهائية".
- سؤالان سريعان: كيف سيكون مشهد ما بعد الانتخابات لو تم إقصاء بعض المرشّحين وقبول آخرين؟ وثانيا، هل هناك علاقة بين تعقّد الأمور في الأيام الماضية مع استقالة المبعوث الأممي، يان كوبيش؟ البعض يقول إن الرجل رأى وضعاً مربكاً في الأفق فوضع المفاتيح جانبا واستقال، ما رأيك؟
بالنسبة لسؤلك الأول، إذا تم قبول ملفات البعض ورفض آخرين فأتوقّع مشاكل كبيرة في الأفق بالنسبة لليبيا، وبالتالي سيُصبح من الوارد جدا عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر.
وبخصوص استقالة كوبيش، لا أتفق تماما مع من يقول إنه قدّم استقالته لأن الوضع ارتبك أمام أعينه. هذا غير صحيح تماما. كما أنه لم يقدم الاستقالة بسبب رفضه نقل مقره من جنيف إلى ليبيا.
قرار استقالة كوبيش أكبر من ذلك، فقد واجه انتقادات شديدة داخل الأمم المتحدة، بسبب طريقة تدبيره لمرحلة التجهيز للانتخابات من دون أن يدفع الأطراف جميعا للاتفاق حول إطار قانوني واضح ويعالج بعض القضايا العالقة.
يرى منتقدو كوبيش أنه أخطأ بالدفع سريعا نحو الانتخابات من دون أن يكون هناك إجماع بين المعسكرات المختلفة حول قوانين الانتخابات. وبالفعل، فقد أدت هذه السرعة إلى المشاكل الحالية التي ناقشناها والتي قد تفاقم الوضع.
- المصدر: أصوات مغاربية