طالبت نحو 30 منظمة أهلية وسياسية في ليبيا بالوقف الفوري لعمليات الهدم التي شرعت فيها لجنة إعادة إعمار مدينة بنغازي (شرق البلاد) وذلك خشية تدمير المباني التاريخية التي تعد جزءا من هوية وتاريخ المدينة التي اختيرت ضمن عواصم الثقافة الإسلامية لعام 2023.
وبدأ الجدل حول مدى صحة عمل لجنة الإعمار بعد عمليات هدم طالت أجزاء واسعة قامت بها اللجنة في المناطق المتضررة من الحرب خاصة في وسط المدينة القديم والمنطقة المحيطة بـ"كورنيش" المدينة المحاذي للبحر.
أصدرت مجموعة من منظمات المجتمع المدني وأحزاب مدينة #بنغازي بيان بشأن "الحفاظ على المباني التاريخية بالمدينة" بالتزامن مع أعمال الهدم التي تشرف عليها "لجنة إعادة إعمار بنغازي" في منطقة وسط البلاد المتضررة من الحرب ضد الإرهاب.
— المعيار (@AlmieyarLibya) March 29, 2023
يطالب البيان بالإيقاف الفوري للأعمال التي تستهدف… pic.twitter.com/YPkIigSbpl
وتداول نشطاء ومدونون صوراً لأكوام هائلة من الركام محذرين من أن الهدم طال مبان تعود لحقبتي الاحتلال الإيطالي والعثماني وتمثل جزءً أساسياً من تاريخ المدينة مطالبين بتوضيح ما يحدث في مدينتهم.
ولعل أبرز التعليقات على موضوع الهدم هو ما جاء في تغريدة على تويتر أطلقها محمد الحسن الرضا السنوسي، نجل ولي عهد ليبيا السابق إبان الحكم الملكي، مصحوبة بصورة قديمة له على كورنيش المدينة.
واستهجن السنوسي ما وصفه بـ "تعدٍ مستهجن على ذاكرة الشعب الليبي" مضيفاً، أن الأولى هو محاولة "ترميمها بالطرق الهندسية الحديثة لا أن نُعمل في تاريحنا" بحسب تعبيره.
الهدم الذي طال أجزاء مهمة من مدينة بنغازي لها من القيمة التاريخية الشأن الرفيع ؛ هو تعدٍ مستهجن على ذاكرة الشعب الليبي . مهما طال أحياء مدننا العريقة من دمار أو اهمال بتقادم الزمن أم بفعل فاعل، فإن الأولى دائماً أن نحاول ترميمها بالطرق الهندسية الحديثة لا أن نُعمِل في تاريخنا… pic.twitter.com/YvjlBSRxU6
— Mohammed El-Senoussi (@CPofLibya) April 1, 2023
ويتهم نشطاء من مدينة بنغازي لجنة إعادة إعمار بنغازي بعدم الشفافية، وتساءلت ناشطة تسمي حسابها "ليبيا إدريس" في تغريدة على تويتر عن خطط وتصورات لجنة الإعمار ومطالبة بتوضيحها.
وتعد بنغازي ثاني أكبر مدينة في ليبيا بعد العاصمة طرابلس وتعتبر عاصمة للشرق الليبي ، كما أنها تمثل مركزاً للحركة الثقافية والفنية وتحتوي على عدد من المعالم التاريخية الهامة.
تتمثل الازمة في أن ماحدش يعرف #لجنة_إعادة_إعمار_بنغازي في شنو ادير.
— Libya Idres (@LibyaIdres) March 28, 2023
شن خطتهم؟ شن تصورهم؟ شن يعني يهدموا من غير ما يوضحوا هما شن يبو يبنوا؟ pic.twitter.com/sQ4XpMkr7n
وبحسب موقع "بوابة الوسط" الليبي، لم تكشف أي جهة رسمية في بنغازي أية تفاصيل عن عمليات الهدم، كما لم تعلن بلدية بنغازي أو "لجنة إعادة الإعمار والاستقرار" في المدينة أي معلومات أو خرائط أو صور عن الإزالات.
وكان مجلس النواب الليبي أعاد تشكيل لجنة إعمار بنغازي بموجب قرار جديد أصدره في 3 فبراير الماضي ويتضمن تسمية رئيس وأعضاء جدد للجنة، كما خولها القيام بجميع التعاقدات اللازمة مع استثناء تلك التعاقدات من "لائحة العقود الإدارية".
ووصفت المدونة علا عبد العظيم عمليات الهدم بـ "طمس معالم تذكرنا بالماضي الجميل" بحسب تعبيرها.
هدم المعالم دون وجود خطة واضحة للتطوير أو حتى توضيح البديل عن أكوام الحجارة…
— ola abduladeem | علا عبد العظيم (@ola_abduladeem) March 29, 2023
في ظل غموض القادم كل اللي يقدر الواحد يفهمه هو نية الطرف الحاكم في شرق البلاد طمس معالم تذكرنا بالماضي الجميل ..
هنا ساحة الحرية ومحكمة شمال #بنغازي ومركز 17 فبراير وأول تجمعات الثوار pic.twitter.com/MmLlYpCuVy
ومن المعالم التاريخية بالمدينة التي يُخشى أن يطال بعضها الهدم، فندق "قصر الجزيرة" ومبنى سينما "برينيتشي" ومبنى المصرف الوطني، و مبنى قصر البلدية "السقرسيوني" وسوق الربيع والسوق البلدي وغيرها.
أصوات مؤيدة
وفي مقابل الأصوات الرافضة لأعمال لجنة إعمار بنغازي، هناك من يؤيدون مبادرتها باعتبار أن المناطق المستهدفة هي مدمرة أصلا بسبب الحرب التي شنها الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ضد الجماعات المتشددة في المدينة بين عامي 2014 و 2019.
ومن بين الأصوات المؤيدة لعمل اللجنة، عضو ملتقى الحوار السياسي آمال بوقعيقيص التي أشادت بعملية "التطوير" التي تشهدها بنغازي، مشددة على أن المدينة تستحق "تصاميم جميلة مسكونة بالفن كروحها المتمردة الشابة".
بسبب صمت قاطنيها.. بنغازي تودع سوق الربيع !!! من يقف وراء هدم معالم المدينة 💔💔💔💔💔 pic.twitter.com/AyuOm2WJaM
— Ran 💔 (@RanTogoMory01) March 25, 2023
واستغربت بوقعيقيص تعالي الأصوات المنتقدة لأعمال اللجنة واصفة إياها بـ "النوستالجيا من أناس غادروا منذ زمن بعيد إلى الحداثة وتركوا الأزقة المتربة العاثرة لأهلها" وتابعت أن هؤلاء "يريدون فرض ذكرياتهم الباهتة على المستقبل".
وبين الاتجاهين، طالب آخرون بأن تقوم شركات عالمية متخصصة بعمليات إعادة الإعمار وترميم المباني التاريخية، وحذر بعضهم من استخدام شركات محلية عديمة الخبرة في هذا الشأن.
لو الشركات المحلية هي التي سوف تقوم بإعادة أعمار وسط البلاد في مدينة بنغازي فهذه كارثة لا يمكن السكوت عنها، لابد من شركات أجنبية متخصصة، شركاتنا ماعندهم خبرة وخدمتهم ترقيع ومشي حالك، هردميسة. pic.twitter.com/3Pkht0ZdTw
— Abdalkader Alkwafi (@a_alkwafi2023) March 29, 2023
يذكر أن منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) اختارت مدينة بنغازي الليبية كإحدى "عواصم الثقافة الإسلامية" للعام 2023، ضمن برنامجها للعواصم الثقافة الإسلامية الذي يسند اللقب سنويا إلى ثلاث مدن إسلامية عريقة تمثل المناطق العربية والأسيوية والإفريقية.
واختيرت المدينة، التي تقع على ساحل البحر المتوسط وتوصف بأنها عاصمة الشرق الليبي، بسبب تراثها الثقافي والإسلامي واحتوائها على عدد من المعالم الإسلامية العريقة التي يعود بعضها إلى مئات السنين.
السوق الجديد من معالم بنغازي الايطالية افتتح عام 1938 وتم ازالته عام 2023 pic.twitter.com/qpqLZW2MLD
— basit alsahli (@tashnasalem) March 28, 2023
من بين المعالم البارزة للمدينة الجامع العتيق الذي يعود للقرن السادس عشر، ومسجد الشويخات (بن يونس) الذي بني قبل أكثر 300 عام، وجامع "عصمان" ومسجد "دردره" اللذان يعودان لنهاية العهد القرمانلي عام 1760 تقريباً، إضافة لعدد آخر من الزوايا الصوفية العتيقة.
وفضلاً عن معالمها الإسلامية، تشتمل مدينة بنغازي على مبان تاريخية هامة أخرى تعود إلى العهد الإغريقي إضافة إلى فترتي الاحتلال الإيطالي والعهد العثماني، ومن بينها منارة بنغازي الشهيرة، ومعسكر "القشلة" التركية و القصر العثماني ومبنى الكاتدرائية والكنيسة الكاثوليكية والمحكمة الإيطالية ومكتبة المدينة التاريخية ومطبعة برقة ومبنى الولاية سابقاً وغيرها.
المصدر : أصوات مغاربية