وسط تحذيرات متكررة من محاولات توطين المهاجرين في ليبيا، أصدر مجلس النواب الليبي الاثنين الماضي قانوناً يقضي بمعاقبة أي أجنبي دخل البلاد "قصد التوطن فيها" بالحبس وبغرامة لا تقل عن 1000 دينار ليبي كما نص بعقوبات أشد تستهدف أي مواطن ليبي ينخرط عن علم في محاولات توطين أجانب في البلاد.
ونصّ القرار على معاقبة كل شخص طبيعي إلى جانب الممثل القانوني للشخص الاعتباري بالسجن لمدة لا تقل عن 5 سنوات وغرامة لا تزيد عن 10 آلاف دينار ليبي "حال إيواء أجنبي أو تشغيله أو تمكينه من الدخول، مع العلم أنه يقصد التوطين في ليبيا، ولم يبلغ السلطات المختصة عن وجوده وسبب إيوائه".
ويعاقب القرار في مادته الرابعة الشخص الاعتباري بقفل محله وإلغاء الترخيص الممنوح له بمزاولة نشاط في ليبيا ويحكم بمصادرة أمواله وممتلكاته ذات الصلة بالجريمة.
تراخيص عمل ونظام كفالة
كما نصّ القرار في المادة 5 على "ألا يجوز لأي شخص طبيعي أو اعتيادي تشغيل الأجنبي دون الحصول على تراخيص له بالعمل من وزارة العمل، ولا يجوز تمكينه من الإقامة سواء بتوفير سكن أو محل للإقامة أو التأجير له متى كان على علم بأنه يقصد من ذلك التوطين في البلاد".
وشدّد على "أن يكون للأجنبي عند دخوله الأراضي الليبية كفيلًا ليبيَّ الجنسية يكون مسؤولًا عن جميع الإجراءات الخاصة بالأجنبي حتى خروجه، ويلزم بسداد رسوم تقدرها جهات الاختصاص مقابل تسهيل سبل العيش".
وأعطى القرار الإذن للقاضي بإبعاد أي أجنبي دخل البلاد بقصد التوطن إذا ارتكب أي سلوك من السلوكيات المجرَّمة وفق أحكام القانون، مع عدم إبقائه في البلاد عند الانتهاء من عمله وإبلاغ السلطات المعنية بذلك.
تحذيرات من توطين المهاجرين
وجاء القانون الجديد في خضم تحذريات من توطين المهاجرين في ليبيا وجهها مسؤولون وسياسيون ليبيون طيلة الفترة الماضية متهمين جهات في الاتحاد الأوروبي بمحاولة توطين اجانب في البلاد.
وتشهد ليبيا إشكالية في تنظيم العمالة الوافدة بحسب اعتراف السلطات، حيث كشف مسح لسوق العمل الليبي، نشرت نتائجه في مايو الماضي، عن الحاجة لإعادة تنظيم حول دخول العمالة الوافدة وخروجها من البلاد، وتقنينها في السوق وفق التشريعات المعمول بها.
وأوضح المسح، الذي أجرته وزارة العمل بحكومة الوحدة الوطنية، أن حجم العمالة الوافدة في البلاد يقدر بـ2.1 مليون عامل حتى نهاية عام 2022، مشيراً إلى أن جل العمالة تعمل في القطاع غير الرسمي الذي يشكل 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وأنها تستفيد من دعم المحروقات والكهرباء أسوة بالليبيين.
فيما تؤكد تقارير مستقلة أن أكثر من 70% من العمالة الأجنبية في ليبيا غير مقننة، منها عمالة وافدة من دول الجوار ومهاجرون من دول جنوب الصحراء ممن لم يتمكون من العبور إلى أوروبا وانتى بهم المطاف للمكوث في ليبيا.
وأثير جدل في ماي الماضي بسبب إعلان منظمة إيطالية عزمها تأسيس مركز تدريب في مدينة سبها (جنوب البلاد) المجتمعات المحلية والمهاجرين في مجال الزراعة، لكن مسؤولين وبرلمانيين ليبيين وصفو المشروع بأنه محاولة "توطين" المهاجرين غير النظاميين في جنوب البلاد.
خلفيات القانون
وتعليقاً على القانون الجديد ترى القانونية والمحامية الليبية، عواطف العويني، أن ليبيا لديها قوانين عمل تنظم دخول وإقامة العمال الأجانب إليها، كما أنها منضمة إلى عدد من الاتفاقيات الدولية التي تلزمها باحترام حقوق اللاجئين والمهاجرين إليها.
وربطت العويني في حديث لـ"أصوات مغاربية" صدور القانون الجديد بمؤتمر الهجرة الذي عقد في العاصمة الإيطالية روما في شهر يوليو الماضي لناحية أنه يأتي كإجراء استباقي اتخذه مجلس النواب للحيلولة دون قيام حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بأية إجراءات بناء على مشاركتها في المؤتمر الذي حضره رئيسها، عبد الحميد الدبيبة، إضافة إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي.
ولفتت المتحدثة، من ناحية أخرى، إلى أن صدور القانون لا يمكن عزله عن الجدل حول منظمة "آراباتشي" غير الحكومية الإيطالية، التي اتهمت في أبريل الماضي بالسعي لتوطين مهاجرين أفارقة في الجنوب الليبي، لافتة إلى أن دور السلطة التشريعية في هذه الحالة هو لسد أية ثغرات قد تهدد الأمن القومي لليبيا "حتى وإن كان مبعثه سياسي" في ظل حالة الانقسام التي تعيشها البلاد، ولا يمكن تفريغه من قيمته وأهميته كونه يتعلق بقضية حساسة تمس أمن الدولة".
كما أن القانون الجديد، بحسب المتحدثة، لا يمس بحقوق المهاجرين الذين يدخلون البلاد بهدف العمل المؤقت، بسبب أن ليبيا هي إحدى الدول المنضمة لـ "الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين"، الموقعة عام 1990.
وأشارت العويني إلى ضرورة التمييز الذي تنص عليه القوانين الليبية، بين من يدخلون البلاد لغرض العمل أو من يدخلون للتوطن فيها "حتى وإن دخلوها بتأشيرة صحيحة"، لأن في ذلك مخالفة للقوانين المعمول بها في البلاد.
المصدر: أصوات مغاربية