الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز- أرشيف
الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز- أرشيف

اعتبرت هيئة الدفاع عن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، أن محاكمته الحالية تعد تطورا "خطيرا" وقد يصعب التحكم في تداعياتها، في وقت تستمر فيه السلطات الرسمية بالتأكيد على أن المسار قضائي بحت "لا تتدخل فيه".

وقال عضو لفيف المحامين المدافع عن الرئيس السابق، المحامي جعفر ولد الشيخ أحمد الأمين ولد أبيه، الخميس، إن محاكمة موكله، شكلت سابقة قضائية، وتنذر بـ "إمكانية مساءلة الرؤساء عن أفعالهم المرتكبة أثناء مأمورياتهم"، وإمكانية حدوث هذه المساءلة "أمام القضاء العادي". 

وتأتي هذه التصريحات من دفاع ولد عبد العزيز (٦٦ عاما)، في ظل استمرار تمسك الرئيس السابق بالمادة ٩٣ من الدستور الموريتاني، معتبرا أنها "حصانة له من الوقوف أمام المحاكم العادية" عن فترة حكمه الممتدة بين (٢٠٠٨-٢٠١٩).

ويحاكم ولد عبد العزيز، أمام محكمة الجرائم الاقتصادية، إلى جانب شخصيات بارزة خلال فترة حكمه، بينهم رئيسي حكومة سابقين ووزراء ومسؤولين كبار آخرين وذلك في إطار الملف المعروف محليا  بـ"فساد العشرية".

حصانة و"استهداف سياسي"

ويؤكد دفاع الرئيس الموريتاني السابق في جميع مراحل هذا المسار القانوني على أن موكلهم "مستهدف" لأسباب سياسية، بينما تؤكد السلطات الموريتانية أن القضاء مستقل، وأنها لا تتدخل في مجريات المحاكمة.

كما استمر محامو الرئيس السابق في مرافعات المحكمة التي دخلت قبل نحو شهر من الآن مرحلة المرافعات (تسبق المداولات والنطق بالأحكام)، في التأكيد على حق الرئيس في الحصانة التي يكفلها له الدستور.

وتنص المادة 93 من الدستور الموريتاني على أنه: "لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن افعاله اثناء ممارسته سلطاته الا في حالة الخيانة العظمى".

وحملت مرافعة ولد ابيه، عضو هيئة دفاع الرئيس الأخيرة التي نقلتها مواقع محلية، طرحا جديدا يتمثل في تحذير الحكومة من "إمكانيه تمترس أي مسؤول (...) مستقبلا أمام هذه السابقة للإفلات من المساءلة عن أفعاله المثبتة باعترافه وبتوقيعه بحجة أنه تلقى أوامر من رئيسه الأعلى ودون أن تكلفه المحكمة عبء إثبات تلقي هذه الأوامر".

وذلك في إشارة إلى بعض الشهادات التي قدمها أعضاء في حكومة ولد عبد العزيز ضده، بينما يشتكي محامو الرجل من منعهم من إحضار الشهود.

تهم متعددة

في الجانب الآخر يصر الادعاء ومحامو الطرف المدني "الحكومة" على أن ولد عبد العزيز قام بممارسات تدينه، وعلى أن القضاء الموريتاني مستقل وأن الحكومة لا تتدخل في عمله.

وأواخر أكتوبر المنصرم طلب المدعي العام في موريتانيا سجن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز لمدة 20 عاما، وذلك بعد محاكمته في يناير 2023 بتهمة إساءة استخدام سلطته بهدف جمع ثروة طائلة.

 كما وجه الادعاء العام في موريتانيا لولد عبد العزيز وبعض المشمولين معه في الملف تهم "الإثراء غير المشروع" و"إساءة استخدام المناصب" و"استغلال النفوذ" و"غسل الأموال".

وكان مسار محاكمة ولد عبد العزيز بدأ بعد تقرير لجنة تحقيق برلمانية شكّلت في 2019 للتحقيق في تركة الرئيس السابق، وتقلصت لائحة المتهمين في هذا الملف من أكثر من ٣٠٠ شخص إلى ١١ من بينهم الرئيس السابق وبعض المقربين منه.

 دفاع ولد عبد العزيز يرى ذلك دليلا على الاستهداف السياسي، إذ تم الضغط على الوزراء، لـ"إدانة موكلنا ومن لم ينفع معه الضغط تم شرائه بالمناصب".

وتحدث دفاعه بعد تعيين وزير المالية الأسبق ولد اجاي، مكلفا بديوان الرئيس في يونيو الماضي، بعد أن كان من "وزراء ولد عبد العزيز الخلّص" وصندوقا من "صناديق أسراره" أنه تم "سله من الملف كما تسل الشعرة من العجين".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

تجمهر موريتانيين أمام قصر العدل وسط العاصمة نواكشوط (أرشيف)
قصر العدل وسط العاصمة نواكشوط (أرشيف)

عرفت موريتانيا في تاريخها السياسي الحديث عدة تجارب لرؤساء غادروا سدة الحكم إلى السجون في ظروف محتلفة في هذا البلد المغاربي الذي يعتبر أكثر دول المنطقة سجنا لقادته، بسبب كثرة الانقلابات العسكرية. 

وكانت آخر تلك التجارب اعتقال الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، عام 2020 بعد واحد على مغادرة السلطة في مستهل مشوار من الملاحقات ومحاكمة ماراثونية بتهم متعددة تتعلق بالفساد والإثراء غير المشروع، اختتمت قبل أيام بالحكم عليه بالسجن 5 سنوات نافذة ومصادرة أمواله. 

ولم يكن محمد ولد عبد العزيز (66 عاما) هو أول رئيس يخرج من الحكم ليدخل السجن، إذ اعتقل جميع من أطيح بهم في انقلابات العسكر في البلاد أعوام 1978 و1984 ثم 2008، في حين كان المنفى هو الملاذ الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع المطاح به عام 2005. 

"فساد العشرية" 

ويبقى ولد عبد العزيز أبرز الرؤساء الموريتانيين المودعين بالسجن، وذلك بعد أن أدين بتهمتي غسل الأموال والإثراء غير المشروع مطلع الشهر الجاري، كما أمرت المحكمة بمصادرة أمواله مع دفع غرامة 500 مليون أوقية قديمة (نحو مليون و260 ألف دولار). 

ويأتي الحكم على ولد عبد العزيز بعد مسار مثير بدأ في 2020 بتحقيق برلماني في الملف المعروف محليا بـ"فساد العشرية) وتعني سنوات حكم الرجل (2009 - 2019).

ولم يشفع لولد عبد العزيز مطالبته طيلة أطوار المحاكمة بحق الحصانة طبقا للمادة 93 من الدستور التي تنص على أنه "لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسته سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى". 

وظل ولد عبد العزيز حتى مرافعته الأخيرة قبل النطق بالحكم  يعتبر نفسه ضحية مساع لمنعه من المشاركة في الساحة السياسية، ودليلا على ذلك ساق دفاعه ورقة استخراج مشمولين في الملف من قائمة المتهمين وتعيينهم في مناصب سامية. 

وقبل ولد عبد العزيز كان يتم اعتقال الرؤساء السابقين أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية بعد إلغاء الدستور وتعطيل العمل به في إطار حالة الطوارئ.

 
سيدي ولد الشيخ عبد الله

وكان ولد عبد العزيز قط أطاح بسلفه الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي حكم البلاد بعد انتخابه في 2007 وغادر سدة الحكم في خضم انقلاب عسكري في أغسطس عام 2008 في سنة وصفت بـ"عام الديمقراطية الموريتانية". 

وبعد الانقلاب، خضع ولد الشيخ عبد الله للإقامة الجبرية في شقة سكنية وسط العاصمة نواكشوط، واستمر احتجازه فيها حتى منتصف شهر نوفمبر، حين نقله قادة الانقلاب آنذاك إلى مسقط رأسه في قرية لمدن شرق العاصمة.

واستمرت فترة الإقامة الجبرية التي أمضاها ولد الشيخ عبد الله (1938-2020) لأربعين يومًا، كان يتمتع فيها بحرية استقبال من يريد.

خرج ولد الشيخ عبد الله من الإقامة الجبرية نهاية 2008، نتيجة ضغط من أحزاب المعارضة وفي إطار تهيئة المناخ "للقاءات تشاورية" تهدف للتحضير لمسار "العودة للانتخابات" عبر استقالة ولد عبد العزيز وترشحه من جديد عام 2009. 

وكان الراحل ولد الشيخ عبد الله أول رئيس مدني منتخب للبلاد، كما يعتبر أول من يخضع للإقامة الجبرية بين الرؤساء السابقين، رغم أن الانقلابات العسكرية قادت العديد من الرؤساء إلى السجن والمنفى. 

ولد هيدالة 

وفي ديسمبر 1984  كان محمد خونة ولد هيداله على موعد مع سجن دام 4 سنوات في مدينة كيهيدي (جنوب) وذلك بعد الإطاحة به في  انقلاب تزعمه قائد أركان الجيوش آنذاك معاوية ولد سيد أحمد الطايع.

وكان هيداله وقت تنفيذ الانقلاب في العاصمة البوروندية بوجمبورا لحضور القمة الأفريقية، وبعد تقييم الموقف توجه إلى نواكشوط ليخضع للاعتقال فور نزوله في المطار ونقل إلى سجن "كيهيدي" حيث أقام لأربع سنوات، حتى 28 نوفمبر 1988.

المختار ولد داداه

يعتبر المختار ولد داداه، الرئيس الأول لموريتانيا بعد الاستقلال، أول الذين عاشوا تجربة الانتقال من القصر الرئاسي إلى السجن بعد حكمه البلاد مدة 18 عاما (1960-1978). 

وحكم ولد داداه موريتانيا منذ إعلان استقلالها عام 1960 حتى الإطاحة به في انقلاب عام 1978 حين اقتاده الانقلابيون في البداية إلى ثكنة تابعة للهندسة العسكرية، قبل أن ينقلوه إلى مدينة "ولاته" في أقصى الشرق الموريتاني. 

وخضع الرئيس المؤسس للسجن 14 شهرًا في "قلعة ولاته" المشهورة باستضافته للمعارضين الموريتانيين وافرج عنه في أكتوبر 1979، ونقل إلى فرنسا لتلقي العلاج، واستمر فيها كمنفى اختياري وعاد لبلاده يوم 17 يوليو 2001 ووافته المنية سنة 2003، ودفن في مدينة بوتلميت (جنوب غرب).

تجربة المنفى

وفي الثالث من أغسطس عام ٢٠٠٥ أطيح بمعاوية ولد سيد أحمد الطايع من قبل قيادات من الأمن والجيش تزعمهم الرئيس الراحل اعل ولد محمد فال (1953-2017) بعد نحو عشرين عاما من إدارة البلد. 

لكنه لم يرد عيش تجربة السجن في البلاد، على غرار سابقيه، وقرر حين أبلغ بانقلاب ضباطه ضده وهو في الطريق عائدًا من المشاركة في تشييع جثمان الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، أن يذهب لمنفاه الاختياري في دولة قطر.

المصدر: أصوات مغاربية