"في حوالي الساعة السابعة مساء يوم 28 أكتوبر، كان جالسا في البيت. سكبت له كأس الشاي، وقبل أن يبدأ في ارتشافه قلت له: سمعت أن شخصا ما تم طحنه في شاحنة للقمامة هل هذا صحيح؟ فوضع كأسه وخرج.."، تقول والدة ناصر الزفزافي.
بموت بائع السمك، محسن فكري، قبل حوالي تسعة أشهر، برز اسم ناصر الزفزافي وتردد صداه بمنطقة الريف ثم في أرجاء المغرب والعالم.
أصبح ابن الحسيمة قائدا للحراك الذي تعرفه المنطقة، فمن هو ناصر الزفزافي؟ كيف عاش طفولته؟ وكيف تحول لأبرز اسم في حراك الريف؟
هنا القصة الأخرى للزفزافي من داخله بيته.
طفل بدورب الحسيمة
ولد ناصر الزفزافي سنة 1978 بحي شعبي وسط مدينة الحسيمة. كانت طفولته عادية، لكنه كان مندفعا بعض الشيء، تقول والدته لـ"أصوات مغاربية"، قبل أن تضيف أنه ولج المدرسة وتوقف عن الدراسة في السنة الأولى بكالوريا نظرا للظروف المادية التي كانت تمر منها عائلته.
"شخص مرح، كلامه على طرف لسانه، يبحث عن مصلحة الآخر قبل مصلحته ولا يسكت أبدا عن شيء لا يعجبه"، صفات أجمع عليها كل من يعرف ناصر الزفزافي، سواء من العائلة أو الجيران أو أبناء المدينة.
"في أحد الأيام، عندما كان يشتغل حارسا للأمن الخاص بوكالة بنكية، شاهد شخصا يخطف حقيبة سيدة في الشارع العام، فخرج من الوكالة وتبعه وعاد به إلى السيدة، وخيرها حول الطريقة التي تريد التعامل مع السارق بها"، يقول والده أحمد الزفزافي.
يسترجع الزفزافي الأب ذكريات ابنه حين كان يافعا ويضيف: "أنا لم أربه على هذه الأنفة ولم أوجهه كثيرا في حياته، هو هكذا خلق بالفطرة، اندفاعي، لا يتنازل عن حقه مهما يكن، ويتصدى لأي شيء لا يعجبه".
محاولة عيش
وفق المعلومات التي كشفها مقربون منه لـ"أصوات مغاربية"، فبعد مغادرة ناصر الزفزافي لفصول الدراسة، حاول البحث عن عمل، خاصة في التجارة.
اشتغل بداية في مقهى إنترنت، وبعدها عمل حارسا للأمن الخاص في وكالة بنكية، ثم مشرفا على محل خاص بالهواتف النقالة اضطر إلى إغلاقه، لأنه لم يستطع دفع مبالغ الضرائب التي وصلت، حسب أحد جيرانه إلى 6 آلاف دولار.
حتى قبل بروزه في حراك الريف، عُرف ناصر بمقاطع فيديو ينتقد فيها الأوضاع الاجتماعية لمدينته والسياسات العمومية بالمنطقة والمغرب ككل.
"كان غالبا ما يأتي للبيت من أجل تصوير مقاطعه، يتحدث بغيرة كبيرة عن المدينة، ولا يستعمل في ذلك لا ورقة ولا قلما، كما أن أسلوبه الواضح والصادق حبب الناس فيه كثيرا"، تقول والدته.
ليلة مقتل بائع السمك
"خرج ليعرف ما يجري في المدينة بعد طحن محسن فكري وتأخر كثيرا في العودة، سألت عنه والده فعرض علي فيديو مباشرا له على فيسبوك يخطب في الناس"، تقول والدته وهي تسترجع ما وقع ليلة وفاة بائع السمك قبل أن تضيف: "تأخر في العودة للبيت، وانتظرته إلى غاية الرابعة صباحا، دخل علي وأنا جالسة وسط البيت، قلت له: يا ناصر لماذا تتدخل فيما لا يعنيك، المخزن صعب ولن تقدر عليه، فرد علي: إذا ما صمتنا فسيطحنوننا على التوالي".
ما ساعد ناصر في أن يكون قائدا لحراك الريف، يقول أحد النشطاء بمدينة الحسيمة، محمد أحمجيق، هو ثقة الناس فيه، خاصة من خلال الفيديوهات التي يصورها، فيما أضاف شاب آخر يقطن في حيه أنه "كان يرفض أن يُنصب قائدا أو زعيما للحراك، وكان يقول لنا دائما إن الحراك يهمنا جميعا وعلينا أن ننجح في انتزاع مطالبنا جميعا، ويشدد في ذلك دائما على السلمية".
زعيم داخل زنزانة
"قبّل جبيني وقال لا تخافي عليّ"، كانت هذا المشهد الأخير الذي دار بين ناصر الزفزافي ووالدته قبل أن يتم اعتقاله على خلفية اقتحامه للمسجد القريب من بيته في صلاة الجمعة.
"كان يود أن يسلم نفسه للشرطة دون وقوع مواجهات بين الشرطة وشباب المدينة لكن المحتجين رفضوا ذلك"، تقول والدته.
رغم أن ناصر الزفزافي غادر مقاعد الدراسة قبل حصوله على البكالوريا، إلا أنه اهتم كثيرا بكتب التاريخ، سواء داخل المغرب أو خارجه، حسب والده.
"لحدود الساعة عندما أذهب لزيارته، آخذ له معي الجرائد وبعض الكتب التي تهتم بالتاريخ، لكن أعتقد أن شخصية ناصر القيادية ليست لها علاقة لا بالتربية ولا بالكتب التي يقرؤها"، يقول أحمد الزفزافي قبل أن يستطرد موضحا أن ابنه جد متأثر بعبد الكريم الخطابي.
لكن ما يحسب لناصر، يضيف والده، أنه "أول من استطاع إخراج المرأة للاحتجاج في الشوراع بجانب الرجل، وهو شيء كان شبه مستحيل في السابق، بالنظر للمكانة التي تحتلها المرأة في المجتمع الريفي الذي يقدس المرأة".
"إيمان ناصر الزفزافي بالحراك وبمطالبه جعل منه شخصية فوق العادة بالمغرب وخارجه"، يقول والده، مضيفا: "لا شيء سيثنيه عن ذلك رغم تعرضه للاعتقال والتعذيب الجسدي".
المصدر: أصوات مغاربية