داخل إحدى المحاكم بالمغرب
داخل إحدى المحاكم بالمغرب

صادق مجلس النواب، الإثنين الماضي، على مشروع قانون نقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة.

القانون الذي أثار جدلا واسعا خلال الفترة الأخيرة وصل أوجه بعد المصادقة التي تمت بتصويت أغلبية تصل إلى 160 نائبا بالموافقة ومعارضة 53 وامتناع 29 نائبا عن التصويت.

القانون الذي يمنح الاستقلالية للنيابة العامة أثار جدلا واسعا بين رافضين ومؤيدين، كما خلف تساؤلات حول أثر هذه الاستقلالية على المواطنين وحول الأصلح بالنسبة لهم: خضوعها لسلطة وزير العدل أم فصلها عنه؟ وهل يعني استقلال القضاة عن السياسيين في تدبير النيابة العامة قيام "دولة  القضاة"؟

​​تخوف

"أعطينا سلطة الاعتقال وسلطة المتابعة وسلطة المنع من مغادرة التراب الوطني وسلطة سحب جواز السفر وسلطة التفتيش لقوة قانونية ليست لها رقابة وليست لها محاسبة"، هذا كان مقتطفا من مداخلة المحامي والبرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، أمام مجلس النواب، الإثنين الماضي، والتي حذر في مضمونها من عواقب استقلال النيابة العامة.

​​وهبي، الذي أكد في مرافعته تلك أن "المغاربة سيكونون رهينة سلطة نيابة عامة لا من يحميهم منها لا القانون ولا المؤسسات"، هاجم الأغلبية المصوتة لصالح الاستقلالية، موضحا، لـ"أصوات مغاربية"، بخصوص أثر الاستقلالية على المواطن أنه يتجلى من خلال علاقته بالبرلمان وعلاقة الأخير بالنيابة العامة.

ويتابع وهبي، في حديثه مع "أصوات مغاربية"، موضحا أن "دور البرلمان هو مراقبة عمل الحكومة وجميع المؤسسات التي تخضع للمراقبة من طرف الحكومة لحماية حقوق وحريات المواطن"، مضيفا أن استقلال النيابة العامة يعني أنها "أصبحت جهازا خارج الرقابة، والبرلمان لا يستطيع ممارسة الرقابة السياسية عليها".

ويضيف البرلماني ذاته أن النيابة العامة مُنحت سلطات وإمكانيات في حين أن "المواطن صار أعزلا في مواجهتها بدون مساندة البرلمان"، مشيرا إلى أن ملجأ المواطن في هذه الحالة سيكون القضاء "مع العلم أن النيابة العامة هي جزء من القضاء ما يعني أنها ستكون خصما وحكما"، على حد تعبير وهبي.​

​​جدل قانوني

من جانبه، يرى المحامي والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية، عبد الصمد الإدريسي، أن هذا الموضوع "فيه 'بوليميك' أكثر منه نقاش علمي" على حد تعبيره.

ويشدد الإدريسي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، على أن استقلال النيابة العامة لن يكون له أي أثر على المواطن العادي، إذ يقول إنه "لا يطرح المواطن العادي الفرق على مستوى الجهة التي يتبع لها سواء إذا كان الملف أو الواقعة التي سيبث فيها وكيل الملك أو الوكيل العام"، مردفا أن الفرق قد يطرح في القضايا الكبرى المرتبطة بتوجه الدولة والسياسة الجنائية للبلد.

ويتابع الإدريسي موضحا أنه حين يتعلق الأمر بتلك القضايا الكبرى سيُطرح سؤال حول الجهة التي تتبع لها النيابة العامة، مبرزا أنها "إذا كانت تابعة للوزير، كما هو الحال قبل إقرار القانون، ففي جميع الأحوال تكون لدينا الإمكانية للرقابة، بين قوسين، على القرارات الصادرة عنه لأنه يحاسب أمام البرلمان رغم أن التجربة علمتنا أن هذه الرقابة التي كنا نظن أنها موجودة لم تكن تؤدي إلى شيء، مضيفا أنه "في واقع استقلالها فهي لن تخضع لرقابة أية جهة ولا مساءلة وهنا يوجد الإشكال".

ويشدد المتحدث على أن الإشكال لن يطرح على مستوى القضايا العادية، بل في القضايا الكبرى، لافتا إلى أنه "حتى الوكيل العام اليوم، وفق الدستور، ووفق القانون التنظيمي والقانون الحالي، ليس له الحق للتدخل مباشرة في جميع الملفات"، مشيرا إلى كونه لا يملك أن يطالب بعدم متابعة شخص معين، وإن كان العكس صحيحا شريطة أن يتم ذلك بتعليمات قانونية ومكتوبة كما هو منصوص عليه في الدستور والقانون التنظيمي.

​​حياد

رئيس نادي قضاة المغرب، القاضي عبد اللطيف الشنتوف، يرى، من جهته، أن استقلال النيابة العامة سيكون لصالح المواطنين.

ويفسر الشنتوف الأمر، في تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، بالفرق بين الوزير والوكيل العام "فالوزير ينتمي إلى فصيل سياسي معين وكان له امتداد برلماني، بينما الوكيل العام هو شخص مستقل محايد ليس له لون سياسي".

ويضيف الشنتوف أن الوكيل العام "شخصية قانونية مثله مثل أي قاض ملتزم بالنظام الأساسي للقضاة إذا خالفه هناك أخطاء جسيمة يمكن أن يترتب عن ذلك ويمكن محاسبته من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية"، مشيرا هنا إلى كون وزير العدل لم يكن يحاسب من طرف السلطة القضائية وأن البرلمان هو الآخر لم يسبق له أن حاسب وزير العدل في شأن ممارسة النيابة العامة، حسبه.

​​ويرجح الشنتوف أفضلية استقلال النيابة العامة بقوله: "في اعتقادي إذا أردنا أن نفاضل بين هاتين المؤسستين، مؤسسة وزير العدل ومؤسسة الوكيل العام، أقول إن الاستقلالية أفضل ولكن بشرط أن يتم تنظيم العمل بشكل جيد داخل القوانين وهذا اختصاص البرلمان".

من جهة أخرى، يوضح المتحدث أن موضوع استقلالية النيابة العامة "حسم منذ السنة الماضية بصدور القانونين التنظيمين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، وقبل ذلك في توصيات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة"، مشيرا إلى كون القانون المصادق عليه "ما هو إلا منظم للنيابة العام"، مبرزا أن "النقاش الآن مرتبط بكيفية تنزيل هذا الاستقلال على أرض الواقع".

ويتابع الشنتوف موضحا أنهم في إطار نادي قضاة المغرب كانوا من الداعمين لاستقلال النيابة العامة "ولكن في الوقت نفسه كنا نطالب بقانون يوضح عملها" على حد تعبيره، مشيرا إلى أن المشكل المطروح في النقاش العام الآن هو حول كيفية محاسبة مؤسسة النيابة العامة في شخص الوكيل العام، وهنا يوضح أن "المحاسبة ستكون عن طريق سن قوانين تنظم عمل هذه النيابة العامة".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

جانب من مظاهرة لأساتذة بالمغرب يحتجون على صيغة العمل بالعقود (أرشيف)
جانب من مظاهرة لأساتذة بالمغرب يحتجون على صيغة العمل بالعقود (أرشيف)

قال تقرير رسمي مغربي إن مشروع القانون المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب "يُغلّب البعد الزجري" وأن احتواءه على 12 مادة سالبة للحرية "لا ينسجم مع فلسفة وضمانات ممارسة هذا الحق".

جاء ذلك في رأي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة رسمية) بشأن هذا مضامين مشروع هذا القانون الذي أحيل على البرلمان عام 2016 وأثار منذ ذلك الحين خلافات بين النقابات والحكومة وهو ما أدى إلى تعثر صدوره.

وتنص الفقرة الثانية من الفصل 29 من دستور 2011 على أن "حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته"، وهي الصيغة نفسها تقريبا التي تكررت في جميع دساتير المغرب منذ 1962.

وفي تحليله لنص المشروع، أوضح المجلس أن هيكلته اتسمت بـ"اللاتوازن"، مشيرا في هذا السياق إلى وجود 22 مادة من أصل 49 لممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص بينما لم يخصص سوى أربع مواد لممارسة الحق نفسه في القطاع العام.

إلى جانب ذلك، أشار المجلس إلى أن المشروع "غلّب البعد الجزري على إطار تشريعي الغاية منه أساسا هو تنظيم حق الإضراب وإحاطته بالضمانات الضرورية للممارسته (...) مما يرجح المبادرة التقييدية ويخلق انطباعا غير إيجابي تجاه المبادرة التشريعية برمتها".

كما انتقد المجلس اقتصار المشروع على نقابة العمال كهيئة وحيدة لها الحق في الدعوة إلى الإضراب، واعتبر أن ذلك يُحرم فئات اجتماعية أخرى من ممارسة هذا الحق.

لذلك دعا المجلس لسد "الفراغ التشريعي" والتنصيص على أنه "لكل المنظمات النقابية والمهنية المؤسسة والمعترف بها قانونيا الحق في الدعوة إلى الإضراب متى توفرت لها التمثيلية"، كما اقترح أن يشمل هذا المشروع مقتضيات تهم الإضراب في مرفق عمومي محلي عوض الاقتصار على تقنين هذا الحق على الصعيد الوطني.

وأوصى المجلس في إحدى توصياته أيضا بتجنب إدراج عقوبات سالبة للحرية وعدم الخوض في الاجراءات التأديبية التي يحتكم بشأنها إلى التشريعات الجاري به العمل.

كما أوصى الرأي باستحضار المعايير والتجارب الدولية في المجال وبـ"الاهتداء إلى خصوصيات الواقع المغربي" في مراجعة مشروع القانون.

احتجاجات الأساتذة والأطباء

وجددت احتجاجات الأساتذة والأطباء بالمغرب والتي تخلل بعضها إضرابات تراوحت مدتها بين ثلاثة وأربعة أيام في الأسبوع الجدل والتساؤلات بشأن أسباب تأخر مشروع القانون المنظم لممارسة حق الإضراب وكذا أسباب تعثر المشاورات بشأنه.

ويأتي تجدد الجدل حول القانون التنظيمي للإضراب بعد نحو سنتين على توقيع الحكومة مع النقابات الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب على ميثاق الحوار لاجتماعي الذي من بين التزاماته "العمل على إخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب إلى حيز الوجود، قبل نهاية الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية للولاية التشريعية الحالية (يناير 2023)".

"تقدم كبير"

في المقابل، قال وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس سكوري، الجمعة، إن المشاورات مع الفرقاء الاجتماعيين بشأن مشروع القانون تسير بشكل جيد.

وأضاف في تصريحات صحافية أن "المفاوضات مع الفرقاء الاجتماعيين خلال الشهور الماضية، مكنت من إحراز تقدم كبير في عدد من المواضيع الأساسية المتعلقة بمشروع القانون التنظيمي الذي ينظم ممارسة الإضراب".

المصدر: أصوات مغاربية