"هل يقدم أحد وزراء حكومة العثماني أو بقية المسؤولين استقالتهم؟".. ما يزال هذا السؤال يتردد بين كثير من المغاربة، كما انتشر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي.
سياق هذا النقاش يأتي مباشرة بعد الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش، الذي قال فيه الملك محمد السادس: "كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا"، فهل تؤشر هذه الجملة على أول استقالة لوزير في الحكومة بعد استقالة وزير الحقوق الإنسان سنة 1996؟
أمر سيطول
الباحث في العلوم السياسية، أشرف مشاط، يستبعد أن يقدم أي مسؤول مغربي على تقديم استقالته، قائلا: "المغرب عرف أحداثا تشكلت على إثرها لجان تقصي الحقائق، لكنها عرفت تأخرا في نتائجها وأحيانا غيابها، الأمر الذي يدفع بالمواطن إلى التشكيك في مدى جديتها وجدية المساءلة وترتيب الجزاءات على المسؤولين المعنيين".
ويضيف المتحدث، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أنه من الضروري التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، على حد تعبيره.
ويردف الباحث في العلوم السياسية موضحا: "الوقت قد حان للتفعيل الكامل لهذا المبدأ على جميع المغاربة، وأولهم المسؤولين وبدون تمييز حتى نكون أمام دولة الحق والقانون، لأن انتظار مسألة تقديم الاستقالة من طرف المسؤولين هو أمر قد يطول انتظاره حتى تتغير العقليات ويتقوى حس المسؤولية".
مصلحة خاصة وعامة
ما ذكره مشاط زاد عليه المحلل السياسي رشيد لزرق بالقول إن "منطق المناصب بالمغرب يجعل المسؤول يرى المنصب كسلطة وامتياز يعزله عن المحاسبة، لهذا فإن ثقافة الاستقالة في الممارسة العملية تكاد تكون منعدمة تماما".
ويرجع لزرق هذا التفسير الذي يقدمه لعدم إقدام مسؤولين حكوميين مغاربة على تقديم استقالتهم بالقول إن "المسؤولين يرون في مناصبهم مصلحة قد تكون مادية بحتة وقد تكون معنوية، مثلما تعني الاستقالة بداية الخوف من المساءلة والمتابعات القضائية، لهذا فإن المسؤول، حتى في حالة إقالته، فإنه يكون طامعا في العودة إلى السلطة ولو من باب ضيق".
ويزيد المتحدث نفسه بالقول إن تشبث المسؤولين بالمنصب ورفض الاستقالة مرتبط بمنطق تعيين المسؤولين. "الكثير منهم يعين بمنطق سياسي، وهذا المنطق يعتمد على ترجيح المصالح على النجاعة وتحمل المسؤولية، وهنا أصل إشكالية التشبث بالمنصب أو الكرسي"، يزيد المحلل السياسي قبل أن يضيف: "ممارسة الشأن العام يغيب فيها منطق مؤسسات الدولة ودولة القانون ويحضر منطق الزبونية".
ضوء أخضر
إلى جانب هذا الطرح السياسي، هناك شق دستوري في الموضوع. هذا ما يوضحه أستاذ القانون الدستوري، بن يونس المرزوقي، الذي يقول إن إشارة الملك، خلال خطابه الأخير، إلى الاستقالة كتدبير من أجل إصلاح الإدارة، ليس مستجدا.
ويستطرد المرزوقي موضحا: "أقصد بالمستجد استقالة المسؤولين، فمن الناحية الدستورية والعملية سبق تقديم استقالات قُبلت مثل ما وقع خلال حكومة عباس الفاسي بعد نتائج الانتخابات، أو خلال حكومة بن كيران بعدما استقال العديد من الوزراء الذين نجحوا في الانتخابات كي لا يسقطوا في حالة تنافٍ".
لكن التأطير الدستوري لاستقالة الوزراء من مهامهم غير كافٍ، حسب المرزوقي الذي يقول مؤكدا: "ما هو مطلوب هو الجرأة السياسية في الاستقالة، والكل يعرف أنه عندنا في المغرب تقديم الاستقالة هو اعتراف بارتكاب أخطاء، وهو ما قد تستتبعه، بالإضافة إلى المسؤولية السياسية، بعض المسؤوليات الأخرى كالتحقيق وإحالة الملف على العدالة".
ويستطرد المتحدث نفسه موضحا: "ثقافة الاستقالة بالمغرب هي اضطرارية كما وقع في حالات التنافي التي سبق أن ذكرت، غير ذلك لا أعتقد أن مسؤولا يتجرأ على تقديم استقالته، خاصة وأنه كان هنالك فكر سائد أن الدولة لن تنظر بعين الرضا لهذا النوع من التمرد".
"اليوم هناك ضوء أخضر ملكي لتقبل الاستقالات وعلى المعنيين بالأمر أن يتحملوا مسؤوليتهم"، يضيف المرزوقي.
واقعة لم تتكرر
يطابق الواقعُ فكرةَ غياب ثقافة الاستقالة عند الوزراء والمسؤولين المغاربية التي أكدها المتدخلون السابقون، فمنذ سنة 1996، تاريخ تقديم وزير حقوق الإنسان السابق، محمد زيان، استقالته، احتجاجا، حسبه، على "حملة التطهير" التي قادها وزير الداخلية السابق، إدريس البصري، ضد العديد من رجال الأعمال، لم يقدم أي وزير آخر استقالته.
كما ظلت محاولات استقالة وزراء تُصد رغم إلحاحهم في مغادرة التجربة الحكومية التي انخرطوا فيها منذ البداية.
عدنا مع هذا الوزير السابق المستقيل إلى الوراء لفهم الكيفية التي جرى التعامل بها مع استقالته في ذلك الوقت. في هذا الصدد يوضح زيان أن الدولة اعتبرت استقالته مخالفة للسياسة العامة للبلاد وتم منعه من الحصول على معاش التقاعد المتاح للوزراء. "لا أحلم بأن أعود للمسؤولية نفسها"، يستطرد زيان.
وحول الخطاب الملكي الأخير الذي فتح باب المغادرة أمام أعضاء الحكومة والمسؤولين، يقول زيان إن الوزراء لم يتفاعلوا مع الخطاب، مضيفا: "كيف يُعقل أن الملك انتقد أداء الوزراء والمسؤولين، وهم يردون عليه؛ نعم معك حق، ويتفاعلون مع الخطاب كأنه وجه كلامه إلى شخص آخر غيرهم".
المصدر: أصوات مغاربية