حي صفيحي بمدينة تمارة قرب العاصمة الرباط (سنة 2008)
حي صفيحي بمدينة تمارة قرب العاصمة الرباط (سنة 2008)

ما يزال سؤال ملك المغرب، في خطاب سابق له، حول مكان ثروة البلاد مطروحا بقوة في أذهان المغاربة، معيدين طرحه في كل مناسبة وحين بحثا عن جواب مقنع.

ويرتبط هذا السؤال الكبير، وفقا لما تكشف عنه باستمرار تقارير وطنية ودولية، بإشكالية التفاوت الطبقي بين فئات المجتمع المغربي الذي لا يستفيد جميع أفراده بالقدر نفسه، إذ تتسع دائرة الفقر لتشمل فئات واسعة مقابل تركز الفئات الغنية في البلاد.

​​تفاوت الطبقات

كشف تقرير حديث صادر عن مؤسسة "أفراسيا بنك"، الصادر في أبريل الماضي، عن احتلال المغرب الرتبة الثامنة قاريا على صعيد ثروة أفراده التي حددت في 3500 دولار للفرد الواحد.

وأشار التقرير إلى بلوغ عدد الميليونيرات في البلاد، سنة 2016، نحو 4600 مليونيرٍ، مقابل 210 ميليارديرات.

حجم الفوارق الاجتماعية بين سكان المغرب يبدو كبيرا حسب ما توصلت إليه أيضا دراسة أنجزها باحثون اقتصاديون مغاربة، وفق ما أشارت وسائل إعلام خلال العام الجاري، حول علاقة الاقتصاد المغربي بالسياسة منذ انتهاء عهد الحماية الفرنسية.

​​وخلصت الدراسة إلى "تأكيد مساهمة النظام السياسي في إعاقة التنمية وتكريس الفوارق الاجتماعية والطبقية والمجالية"، إضافة إلى "توليد الإقصاء والتفقير في حق نسبة كبيرة من المغاربة".

كما ذكرت الوثيقة البحثية أن "فئة اجتماعية قليلة مقربة من دوائر القرار هي التي تستفيد من الثروة التي أنتجها المغرب في السنين الأخيرة".

 

​​بحث عن حل

الحصول على جواب عن سؤال عاهل البلاد، "أين الثروة"، يمكن، حسب الخبير الاقتصادي المغربي لدى البنك الدولي، عبد الخالق التهامي، عبر "القيام بدراسات موجهة تحاول تحديد الميكانيزمات الاقتصادية التي تتحكم في التفاوت مثل الحكامة أو الأجور في الإدارة المغربية أو في القطاع الخاص، على حد قوله.

ويوضح التهامي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن مسألة التفاوت الطبقي ستظل مستمرة وتتوسع أكثر في ظل غياب سياسة واضحة للحد منها، مشددا على أن سياسات التنمية ومحاربة الفقر مختلفة تماما عن محاربة التفاوت، ولا يمكن أن تعطي أكلها في هذا الإطار، حسبه.

​​​​"جميع المؤشرات الدالة على الفوارق، منذ 1985 إلى 2015، ظلت ثابتة في ظل عدم انتهاج الحكومات المتعاقبة لسياسات مخصصة للحد من هذا الإشكال"، يقول الخبير الاقتصادي قبل أن يضيف: "السياسات المتبعة حاربت الفقر، لكنها لم تحارب الفوارق، وسيستمر الأمر في التوسع أكثر في حال لم تطبق حلول مختلفة".

 

الثروة.. سؤال محرج

"الجواب عن سؤال أين الثروة الذي طرحه الملك لم يتحقق بعد لكونه محرجا لأصحاب الثورة بالمغرب"، يقول النائب البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي.

أفتاتي يؤكد أن "الفئة المهيمنة على الثروة في المغرب أقبرت هذا السؤال لأنه سيكشف كيف تساهم في تكديس الثروات لصالحها عوض المساهمة في توزيعها على كافة المغاربة"، وفق تعبيره.

ويعتبر أفتاتي، في حديثه مع "أصوات مغاربية"، أن سبب استمرار التفاوت الطبقي يعود إلى "التحام أصحاب المصالح في ما بينهم ودعمهم من طرف الدولة التي لا تقوم بوضع نصوص تراقب طريقة تكوين الثروة في البلاد"، على حد قوله.

 

بحث عن الشرعية

أما الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي، فيعتبر أن الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي يتخذها النظام السياسي المغربي "تساهم في الرفع من حدة الفوارق الطبقية والمجالية أكثر عوض التخفيف منها".

​​ويفسر أقصبي حديثه بالقول إن "افتقاد المسؤولين الحقيقيين عن المشاريع الاقتصادية للشرعية الديمقراطية، أي شرعية صناديق الاقتراع، يفقدهم القدرة على الإجابة عن الحاجات التي يعبر عنها المواطن المغربي".

ويضيف المتحدث ذاته لـ"أصوات مغاربية" أن "غياب ثالوث المشروعية والمسؤولية والمحاسبة يعطينا اختيارات اقتصادية توزع الثروة بشكل غير عادل وخارج ما يحتاجه الفرد".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

مسن في أحد أزقة مدينة طنجة المغربية
مسن في أحد أزقة مدينة طنجة المغربية

في الوقت الذي يحتفي فيه العالم باليوم العالمي للأشخاص المسنين في فاتح أكتوبر، فإن المغرب يشهد نسبة زيادة سنوية لهذه الفئة تقدر بـ2.8٪ والتي تفوق نسبة زيادة سكان البلاد، حيث سجلت تقارير رسمية ارتفاع عدد الأشخاص المسنين إلى 4.5 مليون نسمة عام 2022.

وتوقعت المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية) أن يصل عدد المسنين المغاربة في أفق 2050 إلى 10 ملايين شخص بنسبة زيادة سنوية تقدر بـ 2,9٪ (مقابل نسبة 0,6٪ لمجموع سكان المغرب)، عازية ذلك إلى تحسن أمل الحياة عند الولادة إلى 76.9 سنة.

وأمام هذا الوضع، يرى حقوقيون مهتمون بوضعية هذه الفئة أن نسبة كبيرة من المسنين يعانون من التهميش والهشاشة بسبب التغيرات القيمية في المجتمع من جهة وضعف الاهتمام بهم على مستوى السياسات العمومية من جهة ثانية، مما يثير التساؤل حول التحديات الاجتماعية والصحية للمسنين.

"معاناة من التهميش"

وتعليقا على الموضوع، يصنف الخبير المغربي في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، وضعيات المسنين في المجتمع "بين من يتوفرون على قدرات مادية ويستطيعون التكفل بأنفسهم وبين من يبقون بين نارين إما يحرمون من وضعية اجتماعية مقبولة أو يوضعون في دور المسنين التي لا تكون كلها تتوفر على شروط الكرامة والحياة".

ويتابع بنزاكور حديثه لـ"أصوات مغاربية" موضحا أن الاستراتيجيات السياسية المغربية "لا تستفيد من خبرة المسنين عندما يصلون إلى سن متقدم أو يحالون على التقاعد، موضحا أنهم يعيشون إما الاحترام والوقار أو الإقصاء دون الاستثمار في خبرتهم وتجاربهم".

وفي هذا السياق، يشير بنزاكور إلى أن الواقع الاقتصادي يتحدث أن 70٪ من المغاربة لا يتقاضون الحد الأدنى من الأجور في حياتهم العملية وهو الأمر الذي يجعل وضعهم بعد التقاعد "يعانون من التهميش والعزلة ولا يستطيعون إثبات مكانتهم داخل المجتمع".

ويوضح المتحدث ذاته أنه مع اتساع قاعدة المسنين في المجتمع مستقبلا وفق التقارير والدراسات الرسمية فإن هذا الوضع "يلزم التفكير بطريقة مختلفة حول ضرورة الاستثمار في هذه الفئة العمرية لا سيما مع ارتفاع أمد الحياة إلى ما بين 71 و76 سنة"، مؤكدا أن ذلك يستوجب تغيير الاستراتيجيات والتمثلات حول المسنين بالمغرب ودورهم في المجتمع.

"مشاكل صحية"

من جانبه،  يرى الخبير في السياسات والنظم الصحية المغربي، الطيب حمضي، أن التحديات التي يواجهها المسنون تكمن في المشاكل الصحية التي تكثر لديهم كلما تقدموا أكثر في السن، مبرزا أن ثلث الذين ستون يبلغ سنهم 60 فما فوق تكون لديهم إعاقة معينة والثلثين منهم يعانون على الأقل من مرض مزمن واحد أو اثنين.

ويضيف حمضي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن هذه التحديات لا تقتصر فقط على ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض وكثرة المصاريف التي يحتاجونها وإنما تشمل أيضا نوعية العلاج وطبيعة التكفل الخاص بهم، مشيرا إلى ضرورة الاهتمام بطب الشيخوخة الذي لا يزال غائبا.

ويذكر الخبير في الصحة أن المسنين يتخلون عن طلب العلاج رغم الإحساس بالحاجة له إما بسبب ارتفاع التكلفة المالية ونقص المؤسسات الصحية والموارد البشرية المتخصصة في هذه الرعاية أو لعدم ملاءمة البنيات الصحية من حيث النقل وظروف استقبالهم.

ويشدد حمضي على أن "الحلول يجب أن تكون نوعية وكمية من حيث توفير البنيات ومهنيي الصحة بالقدر الكافي من مختلف التخصصات بالإضافة إلى دور الرعاية الصحية والمسنين"، منبها إلى أنه في غياب ذلك فإنهم يتعرضون للعزلة والإهمال.

ويقول المتحدث ذاته إن "الاهتمام بالمسنين لا يبدأ بعد بلوغهم 60 أو 70 سنة بل منذ الطفولة عبر الاستفادة من مختلف التلقيحات بشكل منتظم ومن تعليم يمكنهم من الولوج إلى سوق الشغل والاهتمام بصحتهم".

 

  • المصدر: أصوات مغاربية