اضطر الكاتب المغربي رشيد أيلال إلى توقيع كتابه "صحيح البخاري نهاية الأسطورة"، في أحد مقاهي مدينة مراكش، نهاية الأسبوع الماضي.
وقال إنه مُنع من توقيع الكتاب في قاعة تابعة لبلدية مراكش "دون سبب معروف"، حسب ما صرح به أيلال لـ"أصوات مغاربية"، رغم "استكمال كل الإجراءات الإدارية والمسطرية للحصول على الترخيص باستغلال القاعة".
"أصوات مغاربية" تعود مع هذا الباحث المغربي إلى ترتيب ملابسات ما وقع، والحديث عن مضامين كتابه الذي أثار جدلا.
نص المقابلة
كان يُفترض أن توقع كتابك "صحيح البخاري نهاية الأسطورة" يوم السبت الماضي بقاعة الاجتماعات الكبرى التابعة للمجلس الجماعي لمراكش، لكن في الأخير وقعته بمقهى وسط المدينة، ماذا حدث بالضبط؟
قمنا بجميع الإجراءات من أجل استغلال القاعة، التي تحتضن عادة الندوات واللقاءات بمدينة مراكش، رغم العراقيل التي بدأت مع رفض مسؤول في المجلس الجماعي إعطائنا وصل الأمر بالأداء. وفي تعليله لذلك، قال إن الرئيس ربما لم ينتبه لعنوان الكتاب، وعليه أن يحذر رئيسه من تبعات هذا التوقيع.
لكن تم إقناعه أخيرا بمدنا بالوصل، ولما ذهبنا لتأدية مصاريف استغلال القاعة فاجأنا مسؤول آخر بالقول إنه توصل برسالة على 'واتساب' من أجل عدم السماح لنا بتأدية مصاريف القاعة، وبعد شد وجذب تمكننا من الأداء.
استمر هذا السجال إلى أن التقينا رئيس المجلس البلدي، الذي قال لنا إن قرار عدم الترخيص لنا باستغلال القاعة لا يناقش، وفوق أي اعتبار.
لذلك لجأت إلى توقيع الكتاب في المقهى؟
نحن أردنا أن نمتحن المنع، وذهبنا إلى القاعة، لكن وجدنا أعوان السلطة الذين تحدثوا معنا بأدب، وقالوا لنا إنهم يتوفرون على معلومات تفيد بأننا نريد توقيع الكتاب في الشارع، وحذرونا من إمكانية تطور الأوضاع إذا ما حاول بعض المتطرفين الدخول على الخط من أجل منعنا من توقيع الكتاب، ومن الأفضل الذهاب إلى مكان آمن، وهذا شيء منطقي، لذلك امتثلنا لما قاله ممثلو السلطات وذهبنا إلى مقهى في المنطقة.
وما الذي يتضمنه الكتاب حتى يثير كل هذه المخاوف من توقيعه؟
الكتاب هو عبارة عن دراسة في علم المخطوطات لـ"صحيح البخاري". هناك 70 مخطوطة من بين أقدم المخطوطات الموجودة، خرجتُ بخلاصة منها أن "صحيح البخاري" لا علاقة له بالشيخ البخاري على الأقل بالشكل الحالي، لأن أقدم مخطوطة لـ"صحيح البخاري" تعود إلى 240 سنة بعد وفاته، ولا توجد أية نسخة بخط يده ولا بخط أحد تلامذته ولا بخط تلامذة تلامذته.
وبعد ستة أجيال بعد البخاري ظهرت أول نسخة، جلبها مستشرق إنجليزي اسمه "منجانا"، وهو مبشر مسيحي، تضم 53 صفحة فقط ولا تغطي جميع "صحيح البخاري"، وتختلف مع "صحيح البخاري" الموجود الآن.
بل نجد أن شيوخا أعلاما في علم الحديث مثل ابن الباجي الذي يؤكد أن أحد التلاميذ الذي يحمل اسم "النفافي" يقول إنه، خلال عملية استساخه للنسخة الأصلية لـ"صحيح البخاري"، وجد أنه لم يكتمل بعد، وتدخلوا في الكتاب وأضافوا له ما أضافوا، وهذا شيء موجود ومكتوب في كتاب "التجريح والتعديل" لابن الباجي.
وابن حجر العسقلاني، بعد وفاة البخاري بـ600 سنة، يقول إنه بعدما أراد شرح "صحيح البخاري" وجد 13 المخطوطة مختلفة عن بعضها البعض، ودمجها فيما بينها وأصدر نسخة جديدة من "صحيح البخاري" الموجودة حاليا في الأسواق.
هل تريد أن تقول إن هذا الفرق، خاصة الزمني، بين الشخص والنص فتح الباب أمام تحوير النصوص المنقولة عن البخاري؟
مع الأسف، العلماء الذين اشتغلوا على هذا الموضوع يعتمدون في السند على مبدأ أن الرواية هي فرع عن الراوي، وهذا يختلف مع البحث العلمي، فالمهم هو ما إذا كانت المادة علمية أم لا وليس من قالها؛ مثلا ليس ما قاله "إنشتاين" كله صحيح، بل من الضروري إخضاع ذلك للبحث العلمي والتأكد مما إذا كان استعمل منهجا علميا صحيحا في نظريته.
أنا من الناس الذين يدعون إلى التعامل مع الأحاديث بشكل عام، سواء أكانت للبخاري أو غيره، بمبدأ أنه يجب أن لا تعارض النص القرآني، لضمان عدم وجود تصادم بين النص القرآني والحديث.
وما هي هذه الأحاديث التي تعارض النص الديني؟
لا يمكن أن أجد في كتاب الله "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وأجد حديثا في "صحيح البخاري" منسوب إلى الرسول يقول: "جئتكم بالذبح"، أو قوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، أو: "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر"، وأجد حديثا في "صحيح البخاري" ينسب إلى الرسول يقول: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله".
ويستحيل أن أقرأ في كتابه تعالى: "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وأجد حديثا في "صحيح البخاري" يقول عن الرسول: "نُصرت بالرعب مسيرة شهر".
لذلك أنا أرفض هذه المادة لأنها تختلف مع القرآن، لكن هذا لا يعني أن كل ما في "صحيح البخاري" يسير في الصدد نفسه، بل هناك نصوص توافق القرآن الكريم.
في نظرك، هل المجتمع بدأ يتقبل مثل هذه الأفكار التي تعلن عنها وينفتح على نقاش ما يسمى نقد التراث الديني؟
من خلال معاينتي للنقاش الذي واكب منع توقيع كتابي على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع التي تداولت الخبر، نجد الأغلبية تؤيد نقاش الموروث الثقافي والديني بأنه مجهود بشري صرف.
وعندما نجد كتابا ألفه شخص أو مجموعة من الأشخاص فهذا مجهود بشري، وأية مسألة لا يمكن إرجاعها إلى العلم يمكن أن يتسرب إليها الضعف البشري.
ومن حقنا مناقشتها، ونحن أكثر أهلية للقيام بذلك مقارنة مع من سبقونا، نظرا للتطور العلمي المذهل والثورة التكنولوجية الكبيرة.
الآن، هناك نقاش ومخاض، بالفعل هناك جزء محافظ لا يقبل أي نقاش يتعلق بالموروث الديني، لكن هناك أغلبية بدأت تعي أن التراث يجب أن يُنقح وأن يُنظر إليه من أجل التمحيص، وكتابي لم أُهدِه للمتشددين أو لمن حاكموا العنوان، بل أهديته للحائرين بين تمحيص الموروث الديني، وخاصة المرويات، وبين تقديسها، وقد اشتغلت على البخاري نموذجا لذلك.
هناك من يعتبر أن نقد التراث الديني هو مجرد ركوب على الموجة وخلق للجدل، هل يمكن اعتبار دراستك تدخل في هذا السياق؟
هناك فعلا من يود الركوب على الموجة، ولكن هذه المسألة لها علاقة بالنيات، وكيف سنحاكم النيات؟ بل نحاكم العمل، ومن ناقش الموروث الديني يمكن أن نقف على ما مدى قوة طرحه وعلميته.
أما مسألة محاكمة النيات فهي موكولة إلى الله فقط، والمحدد الوحيد في مسألة ركوب الموجة من عدمه هو قوة الطرح الذي يمكن مناقشته ومناقشة خلاصاته كذلك، والصراع هو فكري في النهاية، وهذا شيء ضروري من أجل التقدم.
كيف يمكن مواجهة التشدد من خلال إصلاح التراث الديني؟
لا نقول بإصلاح التراث الديني، بل نقول إصلاح الخطاب الديني، والتراث يجب تنقيته لأنه ممكن أن نجد تراثا صحيحا ولكن غير صالح لمجتمعنا، وما هو صالح لمجتمعنا يمكن بعد 100 سنة أن يصبح تراثا غير صالح للمجتمعات القادمة.
وبالتالي فالتراث هو اجتهاد بشري وللإنسان حق التصرف فيه، ومواجهة الخطاب المتشدد يجب أن تتم بالعقل والحوار والصبر كذلك، وأن لا ننجر إلى استفزازات هذه الفئة ولو وصلت إلى لاعتداء الجسدي، فنحن نحمل رسالة وفكرا، والفكر يجب أن يؤطر في هذا المنحى، ورسائله يجب أن تكون بطريقة حضارية، وهذه الفئة نحن لا نطعن في إيمانهم بقدر ما نطعن في عقولهم.
المصدر: أصوات مغاربية