رغم التنقلات وزحمة الملاعب، ورغم ما قد يتعرضن له من تحرش ومضايقات، تصر نساء مغربيات على انتزاع أماكنهن في مدرجات ملاعب كرة القدم لمتابعة مباريات فرقهن المفضلة.
نسوة تحدين رقابة العائلة ونظرة المجتمع، وقاومن التحرش والألفاظ النابية، من أجل تشجيع فرقهن وسط ملاعب يكاد يحتكرها الرجال.
يسرى: 'الألتراس' فلسفة حياة
لا يختلف حب يسرى إيسيف، البالغة من العمر 21 سنة، عن تعلق الآلاف من المشجعين الرجال بفريق الوداد البيضاوي، كغيره من الفرق المغربية.
تتنقل يسرى مع الجمهور. تغامر أحيانا بحياتها مرتدية قميص فريقها المفضل، متحدية كثيرا من المعترضين، وفارضة ذاتها داخل عالم "الألتراس"؛ وهي عبارة عن مجموعات منظمة تضم مشجعي فرق كرة.
"بقدر ما هو حب، بقدر ما هو انتماء ومسؤولية. 'الألترا' خُلقت لتجمع المشجعين غير العاديين لهذا الفريق. مشجعون واعون بأنهم مع الفريق في السراء والضراء"، هكذا تعبر يسرى عن حبها لفريقها المفضل، معتبره أن سر هذا الحب هو "التضحية غير المشروطة من أجل النادي".
كان انتماء يسرى لـ"إلترا الوينرز"، المجموعة التي تضم مشجعين لفريق الوداد، تلبية لفضول. انضمت يسرى إلى المجموعة سنة 2011 لاكتشاف ما يدور في كواليسها، ولمعرفة خصوصيتها في التشجيع، فاكتشفت داخلها "فلسفة حياة"، على حد تعبيرها.
"تعلمتُ أن أعطي دون أن أنتظر المقابل، وأن أثبت على مواقفي وأدافع على شعار الفريق ضد كل من يتطاول عليه"، تقول يسرى لـ"أصوات مغاربية" بنبرة حماس.
توضح يسرى أن حضور الإناث مع "الألترات" نادر، بسبب انتشار منع النساء من الانخراط في مثل هذه المجموعات، ورفع شعارات تمييزية ضدهن، بدعوى أن "مكان المرأة في المطبخ و'الألتراس' للرجال"، كما تقول.
لكن يسرى تعتبر أنه من حق أي فتاة الانضمام إلى "الألترا"، طالما هي مستعدة للتضحية من أجله، حسبها، مضيفة: "للأسف، في المغرب، وبحكم ذكورية المجتمع والنفاق الاجتماعي، أصبحت المرأة غائبة عن المدرجات".
سامية : 'ألترات' تمنع النساء
حضور المرأة في المدرجات غير محبذ من طرف مجموعات "الألترات"، كما توضح يسرى. لكن سامية، التي تشجع نادي الجيش الملكي، أحد فرق العاصمة الرباط، ظل متشبثة منذ طفولتها بحقها في التشجيع، كما تقول.
"أنا أحب الفريق الأصل، والألترا في نهاية المطاف هي وسيلة لتشجيع الفريق"، تقول سامية مضيفة: "بعد ظهور شعارات تمنع الفتيات من الانخراط، بقيت فئة قليلة متشبثة بحقها في التشجيع، وأنا من بينها، لأن تشجيع فريق الجيش الملكي بالنسبة لي واجب وطني".
بيد أن سامية تؤيد قرار "الألتراس" الذي يحظر دخول عالمها أمام النساء قائلة: "رغم أنه قرار يضر بفئة من المشجعات يهدفن إلى تشجيع الفريق، هناك، في المقابل، دخيلات على هذا العالم يبحن بأسرار المجموعات إلى أصدقائهن بفرق أخرى".
تعتبر سامية، في حديثها مع "أصوات مغاربية"، أن هذا الأمر يسيء إلى المشجعات وصورة الفريق والجمهور بأكمله. "أنا مع منع الفتيات حتى نصل إلى مستوى معين من الوعي"، تزيد سامية مؤكدة.
غير أن هذه الشابة تستدرك، في ختام تصريحها، قائلة: "هذا لم يمنعني، باعتباري عاشقة للنادي، من التنقل معه وأشجعه وأرافقه، ولو أنني لم أعد منتمية لـ'الألترا'، لكنني لا أزال أعيش على مبادئها، فهي فكر قبل كل شيء".
لم يعد الكلام النابي والسب والقذف والإشارات البذيئة والخوف من الشغب ومواجهات الشرطة والمتفرجين يمنع المئات من المشجعات المغربيات من ولوج ميادين الكرة، والانخراط في موجات الهتاف لدعم فرقهن المفضلة، وفق تأكيد سامية.
"نتعرض للتحرش في الملاعب، كما نتعرض له في الشارع والمقهى والعمل، لكننا نحاربه بفرض الاحترام"، تقول سامية مردفة: "هناك مشجعون أصدقاء وإخوة لنا، يفهمون أنه كما لهم الحق في تشجيع فريقهم المفضل، فلنا الحق في ذلك أيضا".
حنان: هكذا أحمي نفسي من التحرش في الملعب
حنان البوركي، امرأة أخرى تعشق تشجيع فريق كرة قدم، وقد وجدت لنفسها طريقة أخرى لاختراق الملاعب.
"منذ ضغري وأنا أمارس رياضة فنون الحرب لأدافع عن نفسي، وعندما أذهب للملعب أختار ملابسي بعناية لأتجنب هتافات التحرش"، تقول حنان.
حنان البوركي أرملة وأم لثلاثة أطفال، وفي الوقت ذاته نائبة رئيس جمعية "أنصار الجيش الملكي".
"بدأ حبي للفريق منذ صغري، كان أبي من المشجعين الكبار لـ'الفريق العسكري' (لقب لنادي الجيش الملكي)، وفي منزلنا كلنا عسكريون (لقب لمشجعي النادي). لا أتوانى في اصطحاب أطفالي معي أيضا للملعب للتعرف أكثر على هذا العالم"، توضح حنان لـ"أصوات مغاربية".
فضلا عن التشجيع لأكثر من ثلاثين سنة، تساهم حنان في تأطير المشجعين، كما تقول. عن هذا الدور تقول: "كل المشجعين بمثابة إخوتي وأبنائي. أرافقهم في الحافلات وأحاول حل المشاكل التي قد تصادفهم في الطريق ومع حواجز الشرطة".
المصدر: أصوات مغاربية