كشف وزير الصحة المغربي، أنس الدكالي، بداية الأسبوع الجاري، عن معطيات رقمية بشأن الصحة النفسية والعقلية بالمغرب.
وأوضح الوزير في معرض رده على أحد الأسئلة الموجهة إليه خلال الجلسة العمومية بمجلس النواب أن 26.5% يعانون من الاكتئاب خلال حياتهم، و9% من أمراض اضطرابات القلق، و5،6% يعانون من اضطرابات ذهانية: بما فيها مرض الفصام بنسبة 1%".
تفسيرا لهذه المعطيات، فإن أخصائيين نفسيين، يرون بأن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تنعكس بشكل مباشر على الصحة النفسية والعقلية للمغاربة، ينضاف إلى ذلك عدم اهتمام المغربي بالمرض النفسي بقدر اهتمامه بالمرض العضوي.
انعكاس المشاكل الاقتصادية والاجتماعية
وفقا للدكتور الباحث في علم النفس وعلم الاجتماع، عبد الجبار شكري، فإن الصحة النفسية للأفراد تتأثر بشكل كبير بالظروف الاجتماعية والاقتصادية.
"الفضاء الخارجي ينعكس على العلاقات الداخلية وعلى نفسية الأفراد"، يقول شكري، وبالتالي "كلما كان الفضاء سليما ويتميز بالاستقرار النفسي والأمن والطمأنينة كلما قلت الأمراض النفسية" والعكس صحيح.
ويتابع المتحدث موضحا ضمن تصريحه لـ"أصوات مغاربية"، أن هناك نوعان من الأمراض النفسية "الذهانية التي تنتج عن تسمم في الدماغ إما بسبب تعاطي الكحول أو المخدرات وغير ذلك، والعصابية كالقلق والخوف والاكتئاب الناتجة عن الضغط النفسي الذي يمارس من الخارج على الداخل".
وحسب المتحدث نفسه فإن الفضاء الاجتماعي في المغرب "فضاء مرضي" يطبعه "انتشار الجريمة والكوارث وغير ذلك"، الأمر الذي "يُفقد الإنسان الشعور بالطمأنينة ويسبب له ضغوطا تؤدي به إلى المرض".
إلى جانب ما سبق، يشير المتحدث إلى المشاكل ذات الطبيعة السياسية والاقتصادية، باعتبارها هي الأخرى عوامل يمكن أن تسبب الأمراض النفسية، كالبطالة التي يرى أنها قد تسبب لمن يعانيها الاكتئاب واليأس.
ضغوط تؤدي إلى الأمراض النفسية
الأخصائي في العلاج النفسي، أبو بكر حركات، يشدد في تعليقه على الأرقام السالفة، على أنه "لا يجب تصور أن جميع أولئك الأشخاص يعانون من أمراض نفسية صعبة".
فحسب حركات "هناك عدة حالات نصنفها في خانة الأمراض النفسية ولكنها حالات يتعايش معها الإنسان بشكل طبيعي"، ويشير هنا كمثال إلى بعض حالات الاكتئاب الخفيف والوسواس القهري والفوبيا.
ويتابع الأخصائي المغربي تصريحه لـ"أصوات مغاربية" موضحا أن تلك الأرقام "تشمل الأمراض الذهانية والأمراض العصابية" مردفا انطلاقا من ذلك أنها "ليست كلها أمراض معوقة".

من جهة أخرى، يوضح المتحدث بأن تفسير تلك المعطيات يكمن في عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وبيئية وذاتية.
فبدوره، يرى حركات أن الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية من قبيل الهشاشة التي يعانيها كثير من المغاربة والبطالة وسوء ظروف السكن والنقل يمكنها أن تسبب للأفراد ضغوطا تؤدي إلى إصابتهم بأمراض نفسية.
"فمثلا المعاناة من البطالة يمكن أن تؤدي إلى الاكتئاب، ومعاناة المرأة من التحرش في وسائل النقل قد يسبب لها الفوبيا أو حتى الاكتئاب" يقول حركات الذي يلفت في السياق نفسه إلى أثر المحيط بدوره في الصحة النفسية للشخص.
عدم الاهتمام بالصحة النفسية
من جانبه، يحرص أستاذ علم النفس الاجتماعي وعلوم التربية، عزوز التوسي على أن يشير إلى أن "الاضطراب النفسي مسألة نسبية".
ويضيف "في الأدبيات المرتبطة بعلم النفس المرضي كل واحد منا مريض بشكل أو بآخر، ما يعني أنه ليس هناك شخص سوي بالمطلق".
من ثمة يؤكد التوسي على أنه "لا يجب أن نفزع لتلك المعطيات لأن كل شخص من الطبيعي جدا أن يكون له هامش من الاضطراب النفسي الذي قد يكبر وقد يصغر".

مع ذلك، فإن المتحدث يرى في الوقت نفسه بأن هناك إشكالا في طريقة تعامل المغربي مع المرض النفسي خلافا للمرض العضوي بحيث قد لا يرى أن هناك داعيا لمراجعة الطبيب في حال المعاناة من اضطرابات نفسية معينة بينما يسارع للبحث عن علاج في حال الإصابة بمشكلة عضوية، الأمر الذي يرجع إلى "تمثلات خاطئة حول الاضطراب النفسي والأخصائي النفسي"
ويحذر الأخصائي المغربي من غياب الاهتمام بالجانب النفسي، إذ يرى أن من شأن ذلك أن "يفرز مجموعة من مظاهر التوتر والقلق وبعض الاضطرابات العصابية".
المصدر: أصوات مغاربية