قررت الحكومة المغربية سحب مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي من مجلس النواب، بعد نحو ست سنوات من إحالته على المؤسسة التشريعية.
وأعلن مصطفى بيتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، خلال تقديمه لمشروع الميزانية الفرعية لوزارته أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، عن قرار سحب المشروع، وذلك "من أجل إتاحة الفرصة للبرلمان لمناقشة المشروع بشكل شمولي وغير مجزّأ"، و"لصعوبة مناقشة مشروع القانون بشكل منفصل".
وأثار المشروع، الذي أحالته حكومة عبد الإله بن كيران على البرلمان عام 2016، الكثير من الجدل في المؤسسة التشريعية، حال دون مناقشته خلال الولاية الأولى الثانية لحزب العدالة والتنمية، خصوصا الفصل 8-256 المتعلق بالإثراء غير المشروع.
وقال بيتاس "يصعب في كل مرة أن نناقش مقتضى تشريعيا ضمن مشروع القانون الجنائي، إذ لم تأت الحكومة في الولاية السابقة بمشروع قانون جنائي في شموليته، بالتالي من الأفضل أن تتم مناقشته داخل البرلمان في شموليته بشكل كامل لأن هناك العديد من فصوله مترابطة".
وكان عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، تعهد خلال عرض له أمام البرلمان، بالعمل على إخراج عدد من مشاريع القوانين التي لم تر النور خلال الولاية السابقة، وبمراجعة مشروع قانون المسطرة الجنائية ومجموعة القانون الجنائي، وهو المطلب الذي رفعته الحركة الحقوقية المغربية منذ سنوات.
نقاش حقوقي
وتعليقا على قرار سحب مشروع القانون من البرلمان، قالت نبيلة جلال، المحامية ورئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء في جهة الدار البيضاء، إن المشروع "لا يستجيب لتطلعات الحركة الحقوقية المغربية، خصوصا في الشق المتعلق بالحريات الفردية، ولم يراع الدستور ولا المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب".
وأشادت نبيلة، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، بقرار سحبه من البرلمان، مضيفة "نتمنى أن يتم مراجعته وتنقيح مواده وأن يعرض على الحركة الحقوقية والمدنية لإبداء رأيها حول مواده قبل إعادته إلى البرلمان".
وأضافت "المشروع الذي سحبته الحكومة لم يأت بأي جديد، بل أعاد تدوير بعض النصوص القديمة التي سبق للحركة الحقوقية أن رفضتها، وبالتالي نحتاج إلى قانون جنائي واضح غير فضفاض، يحترم فلسفة القانون وحرية الأفراد".
تساؤلات وشكوك
من جانبها، تقول خديجة الرياضي، الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن قرار سحب المشروع من البرلمان "يثير الشكوك، لا سيما وأنه تضمن موادا تجرم الإثراء غير المشروع".
وأضافت الرياضي، موضحة في تصريح لـ"أصوات مغاربية": "لم تتم محاسبة عدد من المنتخبين الذين صدرت ضدهم أحكام متعلقة بالفساد وبالإثراء غير المشروع، وبالتالي أعتقد أن هذا السحب يروم التراجع عن هذه المواد التي تجرم الإثراء غير المشروع".
على صعيد آخر، قالت الناشطة الحقوقية إن المشروع تضمن "موادا سلطوية معادية للنساء، وينظر إلى المرأة كجسد، بالإضافة إلى تجريمه للحقوق الفردية، كالإجهاض والعلاقات الجنسية الرضائية والمثلية والإفطار العلني في رمضان، وبالتالي المشروع الذي سحبته الحكومة لم يستجب أبدا لتطلعات الحركة الحقوقية والمواطنين".
وتابعت "نطالب بمراجعة شاملة للقانون الجنائي، نحن نؤيد سحبه إذا كان الغرض من ذلك مراجعته بشكل شامل، بهدف ملائمة نصوصه مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ويستحضر ملاحظات الحركة الحقوقية".
سحب "إجرائي"
وتعليقا على قرار سحب مشروع القانون من البرلمان، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بالمحمدية، عمر الشرقاوي، إن إقدام الحكومة على سحب المشروع، "لا يعدو أن يكون مجر سحب اجرائي، هدفه تطعيم مشروع القانون الجنائي بمقتضيات أخرى، كما يهدف أيضا إلى إخراج مشروع قانون متكامل".
ويرى الشرقاوي أن النصوص الحالية "تعتريها الكثير من النواقص خصوصا مواد الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، وبالتالي نحن في حاجة إلى نظرة جنائية محكومة بتوجه حقوقي، وإلى مشروع متكامل وأظن أن وزير العدل له هذه الرؤية وسبق له أن عبر عنها أكثر من مرة".
وأضاف الشرقاوي في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن مشروع القانون "تناول تعديلات مهمة، من بينها الإجهاض والعقوبات البديلة ونصوصا أخرى لها طابع حقوقي مهم، وأعتقد أن هذا السحب سيحرك جمود هذا المشروع".
المصدر: أصوات مغاربية