يعيش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارض) بالمغرب خلافات حادة على خلفية مساعي الكاتب الأول للحزب إدريس لشكر لولاية ثالثة، ويرى محلل سياسي أن النقاش حول ذلك الموضوع قد يؤدي لنهاية الحزب الذي مارس المعارضة لفترة طويلة وقاد حكومة التناوب عام 1998 قبل أن يبدأ في التراجع التدريجي.
وقد اندلعت تلك الخلافات عندما أقر المجلس الوطني (برلمان الحزب) تعديلات على قانون الحزب تمهد لانتخاب الكاتب الأول الحالي، لولاية ثالثة في المؤتمر الوطني الـ11 في أواخر يناير، بعدما أن أمضى ولايتين من أربع سنوات لكل واحدة منهما.
ويعتبر معارضو تلك التعديلات بأنها صيغت على مقاس لشكر، وأنها تطوع القانون على هوى هذا الأخير وأنصاره، بعدما تحكم في مفاصل الحزب التنظيمية، كما أنها تتعارض مع قيم الحزب الذي شهد عدة انشقاقات خاصة في العقدين الأخيرين.
في المقابل، يقول مناصرو الكاتب الأول إن هذه التعديلات احترمت الشروط الديمقراطية والتنظيمية، وتعبر عن أغلبية المجلس، ويبقى للمؤتمرين في المؤتمر القادم حرية الاختيار بين لشكر وغيره من المرشحين الآخرين لقيادة الحزب الذي يجمع المحللون على تراجع إشعاعه بشكل متواصل.
رحاب: لا استفراد بالقيادة
وقالت النائبة البرلمانية السابقة وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، حنان رحاب، إن مسألة ترشح الكاتب الأول للحزب يجب أن توضع في سياقها، مشددة على أن الأمر "لا يتعلق بأي رغبة ذاتية لإدريس لشكر في الاستفراد بقيادة الحزب".
وأضافت رحاب، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن السياق الأول مرتبط ب"بلوكاج" تنظيمي كان سيقع إذا لم يتم تعديل المادة في القانون الأساسي للحزب التي لا تسمح لأي مناضل يشغل مسؤولية في أي جهاز تنظيمي بالاستمرار في تلك المسؤولية لثلاث انتدابات متوالية.
أما السياق الثاني، بحسب رحاب، فيرتبط بتدبير الحزب، موضحة بأن "هناك عملا بدأ منذ سنوات من أجل إعادة قوة الحزب التنظيمية والسياسية والانتخابية، وقد استطاع الفريق الذي عمل مع الكاتب الأول الحالي تحقيق نتائج أكبر من المتوقع".
وأضافت أن "هذا الفريق الموسع يقدر أن من مصلحة الاتحاد الاشتراكي الاستمرار في العمل الذي تم الشروع فيه وأنه من الأفضل أن يمثله الكاتب الأول".
وتابعت النائبة السابقة بالقول إن "الترشيحات التي تم التقدم بها لحد الآن قد تكون بروفايلات جيدة، ولكنها لا تمثل الخط أو المشروع الذي بدأنا فيه"، مشيرة إلى أن التفكير في ولاية ثالثة للكاتب الأول يأخذ مشروعيته من هذا السياق.
وعن رهانات المؤتمر المقبل، قالت رحاب إن الرهان الأبرز يتمثل في "تمتين الجسم التنظيمي، وتطوير البنيات التنظيمية بما يجعلها أكثر فاعلية، وإنتاج تصور حول تأهيل الحزب للانتخابات المقبلة ليطور ترتيبه ونتائجه".
شقران أمام: تجديد القيادة
في المقابل، عبر عضو المكتب السياسي للحزب والرئيس السابق للفريق الاشتراكي بمجلس النواب، شقران أمام، عن معارضته لترشح إدريس لشكر لولاية ثالثة، مؤكدا بأن ذلك غير مرتبط بشخص الكاتب الأول للحزب وإنما بتجديد النخب.
وأضاف أمام، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أنه ضد التعديلات على القوانين الداخلية للحزب للسماح بالتمديد لولاية ثالثة، موضحا أن"هذا ليس مرتبطا بشخص إدريس لشكر، وإنما بمبدأ ضرورة تجديد نخب الحزب وفتح المجال أمام طاقات جديدة"، مضيفا أنه من الضروري أن يكون هناك تداول على القيادة "بما أننا نطالب الدولة بتجديد النخب، لذلك يجب أن يكون ذلك على الصعيد الداخلي".
وقال عضو المكتب السياسي، إن القيادة الحالية تدبر الحزب بمنطق لا يسمح له بأن يلعب أدواره كاملة في مسار التحولات التي تشهدها البلاد، مشددا على أنه "كانت هناك عدد من الخيارات التي لم تكن صائبة وغير مرتبطة بتصور المصلحة العامة للبلاد، ولم يكن هناك بعد نظر لدى القيادة الحالية".
واعتبر المتحدث ذاته، أن المؤتمر المقبل يجب أن يكون مناسبة للتقييم، "لا أن نذهب إلى مؤتمر متحكم في نتائجه".
العلام: الإتحاد تراجع
وعن وضع الحزب في المشهد السياسي المغربي، قال أستاذ العلوم السياسية، عبد الرحيم العلام، إن دراسات أثبتت أن الحزب الذي يشارك في السلطة لمدة معينة يتراجع وربما بعض الأحزاب تختفي أو تتحول إلى أحزاب صغيرة، عدا في الأنظمة التي توجد فيها ثنائية حزبية كما هو الحال في بريطانيا والولايات المتحدة.
وأضاف العلام في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن هذا الوضع ينطبق نسبيا على الاتحاد الاشتراكي، وعرف هذا التراجع، مشيرا إلى أن الضربات التي تلقاها الحزب لم تكن من الداخل أو نتيجة مشاركته في السلطة، وإنما كانت ضربات متعددة من الخصوم السياسيين.
أستاذ العلوم السياسية أشار إلى أن تراجع المنظومة الإشتراكية في العالم يمكن أن يكون أيضا من العوامل التي ساهمت في تردي وضع الاتحاد، إضافة إلى "تراجع قيادات الجيل الأول والثاني للحزب فيما فشل الجيل الثالث في أخذ المشعل من الجيل المؤسس وبعد أن كان الحزب يضم أكثر من 120 ألف عضو أضحى الآن يضم فقط أقل من 20 ألفا كما أن العديد من كفاءاته غادرت الحزب".
وفيما ذكر العلام أن الإتحاد يمكن أن يبقى رقما سياسيا في المغرب ويكون له تأثير وربما يعود إلى السلطة، شدد على أن "النقاش حول العهد الثالثة لكاتبه الأول، سيشيع الحزب إلى مثواه الأخير لأن الاتحاد يطالب بالديمقراطية والملكية البرلمانية وتشبيب النخب ولكنه لا يمارسها".
المصدر: أصوات مغاربية