تنطلق، الخميس، فعاليات موسم الخطوبة بإملشيل، (وسط المغرب)، وهو موسم سنوي يستقطب آلاف السياح من المغرب وخارجه لحضور حدث عقد قران جماعي بين أبناء وبنات المنطقة، وسط دعوات تطالب بحماية هذه العادة التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر.
ويلتئم المهرجان بعد سنتين من التوقف بسبب تفشي جائحة كورونا وتشمل برمجة هذا العام، إلى جانب موسم الخطوبة، تنظيم مهرجان "موسيقى الأعالي" ومعرضا للتعاونيات المحلية.
وارتبطت منطقة إملشيل، الواقعة في قلب جبال الأطلس الكبير، بموسم الخطوبة الذي اعتادت المنطقة تنظيمه كل شهر سبتمبر من كل عام، أما جذور هذه المناسبة فتعود إلى أسطورة حب حدثت في الأزمنة الغابرة.
وتقول الأسطورة إن شابا من قبلية آيت إبراهيم أُغرم بفتاة من قبيلة آيت عزا واتفقا على الزواج، إلا أن الصراع والعداوة بين القبيلتين، حالا دون إتمام زواجهما، فغادرا في اتجاه الجبال فأغرق الفتى نفسه في بحيرة أصبحت اليوم تحمل اسم إيسلي (العريس) وأغرقت الفتاة نفسها في بحيرة أضحت اليوم تحمل اسم تسليت (العروس).
وتقول رواية أخرى إن هاتين البحيرتين ما هما إلا دموع الحبيبين اليائسين، وتقول أيضا إن شيوخ قبيلة آيت إبراهيم وآيت عزا قررا فيما بعد التكفير عن خطيئتهما بإقامة موسم سنوي للزواج.
اقتصاديا، تعد إملشيل من المناطق التي تصنف في البلاد ضمن مناطق "المغرب العميق"، إذ يقول نشطاء إن المنطقة لم تنل بعد حظها من التنمية، ويطالبون بفك العزلة عنها.
ما جديد هذه السنة؟
جوابا على السؤال، يقول حساين أوزني، رئيس جمعية "أخيام"، المشرفة على تنظيم موسم الخطوبة ومهرجان موسيقى الأعالي، إن دورة هذا العام "متنوعة" وتهدف إلى جانب ضمان استمرار المورث الثقافي للمنطقة، خلق رواج اقتصادي وأنشطة مدرة للدخل.
وأوضح أوزني في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن موسم الخطوبة هذا العام سيعرف توثيق 35 عقد قران وتنظيم عرس تقليدي جماعي يجمع أبناء المنطقة، بالإضافة إلى تدشين "مقر القاضي المقيم"، لتسهيل توثيق الزواج وتخفيف مشقة التنقل على أبناء المنطقة إلى المدن المجاورة.
وعودة إلى تاريخ موسم الخطوبة، الذي يتعرف أيضا بموسم سيدي أحمد أولمغني، يقول الناشط الحقوقي إن الموسم يعود تاريخه إلى القرن الـ18، مبرزا أن الجمعية تعمل حاليا على إعداد دراسة لتوثيق كل الأبعاد التاريخية والاجتماعية المرتبطة به.
وأضاف "نعمل أيضا على تسجيل هذا الموروث الثقافي كتراث إنساني لامادي لدى اليونيسكو، وندعو المنظمات الدولية إلى مؤازرتنا في هذه الخطوة التي نراها ضرورية لحمايته من الاندثار".
وتعالت أصوات في السنوات الأخيرة ترفض "صفة الخطوبة" المرتبطة بالمهرجان وتقول إن موسم سيدي أحمد أولمغني موروث ثقافي ينظم لتسهيل التعارف بين قبائل آيت حديدو وإلى إتمام إجراءات الزواج بين أبنائها، وترفض بذلك اعتبار الموسم، "سوقا مفتوحا" للراغبين في الزواج.
وفي هذا الصدد، كتبت صفحة "إملشيل 24" المحلية، "إن مسميات دخيلة من قبيل +موسم الخطوبة+ أو +موسم الزواج+ أو +الزواج الجماعي+ مجرد أسامي صنعها المستعمر الفرنسي لغاية في نفسه لتسويق المغالطات ضد قبائل محاربة ومقاومة وعصية التطويع والانبطاح".
وأوضحت أن "أحمد أولمغني هي تسمية مرتبطة بهذا الحدث عند قبائل آيت حديدو منذ القدم ولقرون، فيه (الموسم) يجتمع كل أفراد القبائل لأهداف مسطرة من قبل، من هاته الأهداف إبرام عقد الزواج الذي سبقته ترتيبات طلب الأيادي والخطوبة من قبل".
وفي السياق نفسه، تعالت أصوات أخرى تنادي بحماية فتيات المنطقة من الزواج المبكر، خصوصا وأن المنطقة مدرجة ضمن المناطق المغربية التي تعرف انتشار هذا النوع من الزواج.
أيت لفقيه: بؤرة تيسير زواج القاصرات
من جانبه، يرى لحسن أيت لفقيه، الناشط الحقوقي وصاحب كتاب "إملشيل جدلية الانغلاق والانفتاح"، أن موسم أحمد أولمغني "تحول في السنوات الأخيرة إلى بؤرة لتيسير زواج القاصرات"، مفيدا بأن ذلك يتعارض مع الأهداف التي سطرها الأجداد.
وأضاف أيت لفقيه، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن الموسم تغيرت أهدافه بداية من 1965، موضحا أنه "في ذلك العام ألصقت بالموسم صفة الخطوبة، ثم تحول في السنوات الأخيرة إلى مناسبة لتوثيق زواج القاصرات".
وتابع "صحيح أن الموسم يعرف مؤخرا تواجد قاض لتوثيق الزيجات، ولكن هذا الأخير يسمح بتزويج القاصرات في تعارض مع مدونة الأسرة".
مع ذلك، يرى الناشط الحقوقي أن الموسم ساهم في السنوات الأخيرة في إنعاش المنطقة وفي استقطاب السياح من المغرب وخارجه، ويطالب في الوقت نفسه، بإطلاق برامج تنموية لفك العزلة عن المنطقة.
المصدر: أصوات مغاربية