Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

آراء حرة

كورونا، نجاح إدارة ترامب وسقوط الإعلام

16 أبريل 2020

د. عماد بوظو

ليس من السهل الدفاع عن سياسة الرئيس في الولايات المتحدة إذا كان من الحزب الجمهوري، فمن "المسلّمات" التي يروّجها اليسار الأميركي الجديد، الذي يهيمن على أغلب وسائل الإعلام ويسيطر على الأوساط الثقافية في الكثير من الجامعات ويتحكّم بهوليوود، أن جمهور هذا الحزب هو من محدودي الثقافة من البيض في ولايات الداخل الأميركي بينما يتركّز "المثقفون" في الولايات المطلّة على المحيطين الأطلسي والهادي، وما على الأميركي إذا أراد أن يثبت أنه من هؤلاء المثقفين سوى مهاجمة ترامب وجورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني. وعلى طريقة الأيديولوجيين العرب يأخذ هذا الهجوم طابعا شخصيا يتم فيه رفض كل ما قام به هؤلاء، بعكس المواقف السياسية الرصينة والناضجة التي يتم اتخاذها اعتمادا على السياسات بحيث من الممكن تأييد قرار معين لأحد الرؤساء ومعارضة قرار آخر له.

وتجلّى ذلك بأوضح صوره في هجوم الإعلام المتواصل على تعامل ترامب مع وباء كورونا، حين بذل جهده من اليوم الأول لتحميله مسؤولية كارثة صحية سبّبها وباء فيروسي دخل الولايات المتحدة من الخارج وانتشر فيها وفي غيرها من الدول، وفي نفس الوقت عمل هذا الإعلام على تبرئة الصين المسؤولة الحقيقية عن هذا الوباء عندما "كذبت بشأن تفشّي المرض وعاقبت الأطباء وأخفت الصحفيين الذين قالوا الحقيقة" كما قال ريتش لوري في مجلة بوليتيكو، بل حاول هذا الإعلام تحسين صورة الصين عبر تسليط الضوء على استعراضاتها الإعلامية مثل إرسال طائرة مساعدات طبية مشكوك في فعالية محتوياتها لبعض الدول، وتصوير ذلك كانتصار أخلاقي لهذا النظام الشمولي، وبما يرون أنه يؤشّر إلى قرب قدوم القرن الصيني الذي يبشّر به "المفكّرون" اليساريون عبر هذا الإعلام نفسه.

في طريقة مباشرة فجّة بعيدة عن الاحترافية كان هذا الإعلام يتبنّى دوما مواقف معاكسة لكل ما يقوله أو يقوم به ترامب

أول انتقاداتهم تطال ما يعتبرونه التأخّر في إيقاف الرحلات الجوية القادمة من الصين، مع أن الرئيس ترامب أصدر أمرا في 31 يناير بمنع فيه دخول الأجانب الذين كانوا في الصين قبل أسبوعين من هذا التاريخ، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك حالة وفاة واحدة من كورونا خارج الصين، مع أن هذا القرار لم يكن سهلا، ففي نفس هذا الشهر وصلت إلى الولايات المتحدة 1300 رحلة مباشرة من الصين بمعدل 43 طائرة يوميا، وكان 25 في المئة من ركابها مواطنون أميركيون لا يمكن منع عودتهم لبلادهم، وأحدهم هو الذي نقل إلى سياتل أول إصابة بكورونا للولايات المتحدة. وأعقبتها إدارة ترامب بإيقاف الرحلات الجوية مع أوروبا، مع أن تأثير هذه القرارات يقتصر على تأخير دخول المرض لعدة أيام، لأن حصر وباء فيروسي سريع العدوى ضمن بقعة جغرافية واحدة مع التداخل البشري الواسع في هذا العصر يعتبر مهمة شبه مستحيلة.

بعدها توجهت الانتقادات للإدارة لعدم كفاية الأسرّة وأجهزة التنفس الاصطناعي ومعدات الحماية الفردية وأجهزة تشخيص الإصابة بفيروس كورونا لمواجهة مثل هذا الوباء، كان الإعلام يريد تحميل الإدارة الحالية مسؤولية عدم وجود احتياط استراتيجي لمواجهة جائحات مرضية وهو أمر لم تفكر أي إدارة سابقة في بنائه، ومع ذلك فقد قامت الإدارة خلال أيام ببناء ما يكفي من المستشفيات التي تحتوي على آلاف الأسرّة المزودة بالأجهزة اللازمة كما أرسلت مستشفيات عائمة، بحيث أن مرضى كورونا في الولايات المتحدة كانوا يجدون دائما ما يلزمهم، ولم يحتج أي مريض لجهاز تنفس اصطناعي دون أن يجده كما حدث في إيطاليا، كما قامت شركات أميركية بإنتاج كميات كبيرة من أجهزة تشخيص الإصابة بكوفيد-19 بدل الأجهزة الصينية التي لا تعطي 80 في المئة منها نتائج دقيقة.

ثم انتقل هجوم الإعلام الأميركي إلى تأخّر الإدارة في اتخاذ قرار الإغلاق الشامل للبلد وترك هذا الإجراء بيد حكام الولايات، مع أن هذا يتماشى مع الدستور الأميركي، ومع أن مواجهة كارثة كبيرة شاملة في بلد بحجم الولايات المتحدة تكون أكثر فعالية عندما يتم توزيع المسؤوليات والصلاحيات على حكومات محلية تقوم بإدارة أمورها حسب طبيعة ظروفها، خصوصا في ظل التفاوت بين الولايات من ناحية توقيت دخول الوباء وخط سيره.

وفي طريقة مباشرة فجّة بعيدة عن الاحترافية كان هذا الإعلام يتبنّى دوما مواقف معاكسة لكل ما يقوله أو يقوم به الرئيس، فإذا أطلق ترامب تصريحات متفائلة لتطمين الشعب كان هذا الإعلام يعتبرها دليلا على تقليله من خطر كورونا، وعندما أصدر حزمة الدعم الاقتصادي التي لم يسبق لحجمها مثيل في التاريخ الأميركي والتي ترافقت مع تمنياته بأن يعود النشاط الاقتصادي بأسرع ما يمكن لأهميته الحيوية، كان يتم الهجوم عليه واتهامه بأنه يريد الإسراع برفع الإغلاق الحكومي لأسباب انتخابية وبأنه لا يأبه بحياة الأميركيين، وحين رفض ارتداء الكمامة نتيجة الشكوك العلمية حول قدرتها على منع العدوى انبروا للدفاع عنها، وعندما قال إن هيدروكسي كلوروكوين يحقق نتائج إيجابية قاموا باستضافة من يشكك بفعالية هذا الدواء، وإذا تصرّف كرئيس نشيط يومه حافل بالاجتماعات واللقاءات اعتبروه مستهترا بالوباء واخترعوا عبارة "إنكار كورونا" لوصف الحالة التي يعيش فيها، ربما كانوا يفضلون عليه سلوك بوتين الذي اعتزل العالم من خوفه، وعبّر عن ذلك بيسكوف الناطق باسمه أن "بوتين قرر العمل عن بعد".

كان الإعلام يريد تحميل الإدارة الحالية مسؤولية عدم وجود احتياط استراتيجي لمواجهة جائحات مرضية

وشكّل ترامب في 27 فبراير فريقا تخصصيا لمواجهة كورونا، عندما كان عدد المصابين في الولايات المتحدة 60 شخصا ولم تكن قد حدثت بينهم وفيات بعد، وكانت كفاءة هذا الفريق لافتة بحيث لم يجد حتى ألد خصوم الإدارة سببا لانتقاده، وعمل هذا الفريق ليلا نهارا للقيام بواجبه على أكمل وجه، وكان المؤتمر الصحفي اليومي لهذا الفريق برئاسة ترامب نفسه نموذجا للاحترافية والشفافيّة، مثل المؤتمر الصحفي لفريق الحاكم الديمقراطي لنيويورك أندرو كومو، فالطرفين يعبّران عن الأسلوب الأميركي المميّز في كيفية التعامل مع الأزمات.

وهذا المؤتمر الصحفي اليومي هو الذي كشف عن أن أولوية هذا الإعلام لم تكن متابعة تطور الوباء في الولايات المتحدة، بل كان هدف الصحفيين الرئيسي من حضور المؤتمر هو إحراج الرئيس وتسليط الضوء على أي كلمة قالها أو موقف اتخذه ليروجوه للرأي العام كموقف خاطئ، وكانت وجوههم تزداد تجهّما يوما بعد يوم مع تراكم الإنجازات التي يحققها هذا الفريق، وكأنّ مؤشرات فرب السيطرة على الوباء واحتوائه تدفعهم للمزيد من الحزن، وفي كثير من الأحيان كانت هذه القنوات تعود لاستديوهاتها بعد انتهاء إعلامييها من توجيه أسئلة محرجة لترامب بدون نقل ما سيقوله الفريق الطبي المتخصص، مع أن المفروض أن ما سيقوله هذا الفريق عن آخر تطورات المرض في أميركا هو الأكثر أهمية.

وباء كورونا في طريقه لتجاوز الموجة الأولى والأكثر صعوبة، وتدلّ المؤشرات حتى الآن على انخفاض أعداد من سيحتاجون لدخول المستشفيات أو العناية المشددة بشكل فاق أفضل التوقعات، وأكّد ذلك على نجاح هذه الإدارة في القيام بواجبها تجاه شعبها حتى أن هناك من الديمقراطيين من اعترف بذلك وشكر ترامب، باستثناء هؤلاء الإعلاميين الذين ما زالوا إلى الآن مصرّين على نقل أكثر التوقّعات تشاؤما وأسوأ السيناريوهات وأبعدها احتمالا، وكأنهم لا يريدون أن يتراجع الوباء إذا كان سيؤدي إلى زيادة شعبية ترامب!

 

-----------

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء
تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء

عبد الرحيم التوراني

تسود منذ فترة ليست باليسيرة حالة من الاستياء العام ومن تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب، تطفو نبرته الحادة على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية، وتعبيرهم عن شكواهم الصريحة من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء.

في هذا الصدد عرف الأسبوع الأخير الدعوة لمظاهرات احتجاجية، تم تفريقها في عدد من مدن وجهات المغرب. مظاهرات ومسيرات احتجاجية دعت إليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمختلف الأقاليم، مسنودة بالأساس من تحالف الجبهة الاجتماعية المغربية، وضمنه أحزاب فيدرالية اليسار المغربي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، إضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهيئات حقوقية ومدنية أخرى.

في بيان خاص نبهت المركزية النقابية إلى "الارتفاع المهول للأسعار بشكل غير مسبوق، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، واتساع دائرة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية في ظل توالي الأزمات وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات السائدة منذ عقود".

وبالرغم من كونها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المغاربة إلى الاحتجاج بالنزول إلى الشارع، فإن الأمر أصبح يدفع باستمرار إلى طرح سؤال حارق قد يبدو للبعض أن به مبالغة: - هل يسير المغرب في اتجاه انفجار اجتماعي؟

إلا أن السلطات الأمنية عمدت إلى منع هذه المسيرات الشعبية، بدعوى "الحفاظ على الأمن العام". ما أفضى بتحول الاحتجاجات ضد الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية، إلى التنديد بالقمع وخنق حرية التعبير، والممارسات التي تتنافى وتتعارض مع نص الدستور.

صادف هذا الحدث إحياء الذكرى 12 لـ لانتفاضة "حركة 20 فبراير" المنبثقة عن ثورات الربيع العربي، وقد تمت استعادة شعاراتها المركزية المتمثلة بالأخص في المطالبة بـ"إسقاط الفساد"، ورفض "زواج المال والسلطة"، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي المقدمة سجناء حرية التعبير من صحفيين ومدونين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

لا شك أن وسائل الإعلام الرقمي الجديد، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، سهلت إتاحة المعلومات المتعلقة بأغنى الأشخاص الذين يهيمنون على ثروات المغرب، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، من بينهم رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، صاحب محطات "إفريقيا" للمحروقات وأكبر فلاحي المغرب، وزوجته سلوى أخنوش، وذلك فق ما ينشر سنويا في تصنيفات مجلة "فوربيس" الأمريكية المهتمة برصد وإحصاء أرصدة أغنياء العالم.  وبينما ينعم هؤلاء الأغنياء في الرفاه وترف النِّعَم، يعيش ملايين المغاربة في فقر "كاريانات" مدن الصفيح، دون الحد الأدنى من المقومات الأساسية للعيش الكريم. وفي الوقت الذي تتسع فيه فجوة الفوارق الاجتماعية، ويتضاعف فيه معدل الفقر بنسب عالية، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها أمام تحديات كبيرة لاختبار استراتيجياتها وسياساتها التي أعدتها بهدف تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

فعلى ضوء ما وعدت به الحكومة الحالية وما قدمته في برنامجها وبيانها الحكومي، فإن حوالي عام ونصف على تنصيب عزيز أخنوش على رأسها (7 أكتوبر 2021)، هو زمن كافٍ لإجراء تقييم لإنجازاتها. إلا أن المؤشرات هنا توضح مدى ضعف الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحكومة، في خضم ما يعانيه العالم اليوم من تضخم قوي ناتج عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وعن ذيول ومخلفات الأزمة الاقتصادية المترتبة عن وباء كورونا في 2020.

بيان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حمَّل حكومة أخنوش "كامل المسؤولية عما قد يترتب عن الوضع الاجتماعي المأزوم من ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي"، أمام تجاهل آثار هذه الأزمة الاجتماعية الخانقة. وأكد على ضرورة اتخاذ مبادرات وإجراءات جريئة وهيكلية لإيقاف ضرب وتدمير القدرة الشرائية لأغلبية المواطنات والمواطنين، و"محاربة كل أشكال الفساد والريع والمضاربات بدل مواصلة الانحياز للرأسمال الريعي والاحتكاري، وخنق الحريات". كما طالب بتنفيذ كافة الالتزامات الاجتماعية، وعدم المساس بمكتسبات التقاعد.

لكن الحكومة تبدو وكأنها غير آبهة بما يجري ويحدث أمام أنظارها من تفاعل وصراعات، وقد تآلفت أسماعها مع مثل هذه اللغة الاحتجاجية الموغلة في السلبية  والتشاؤم.

إلا أن نقابي من قطاع التعليم من مدينة طنجة، أبى إلا أن يذكرنا بالتاريخ القريب جدا، ففي الصيف الماضي فقط (يوليوز 2022) انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ظهر في رئيس الحكومة عزيز أخنوش مصحوبا بوزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، وهم في مهرجان موسيقي. فجأة تعالت أصوات تردد: (أخنوش.. ارحل.. ارحل). إثرها شوهد رئيس الحكومة وهو يغادر المكان مسرعا ويركب سيارة.

ليلتها كانت ساكنة مناطق الشمال في المغرب تعاني من ويلات حرائق مهولة، ضمن سلسلة حرائق شملت الجنوب الأوروبي، فرنسا واليونان واسبانيا والبرتغال. وفي الوقت الذي هرع فيه رؤساء ومسؤولو حكومات تلك الدول باتجاه مناطق الكوارث ببلدانهم  للتضامن مع ضحايا الفجيعة الإنسانية، أدار رئيس الحكومة المغربية ظهره للآلاف من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين وسط الغابات المحترقة، وقد دمرت قراهم وحقولهم، إذ فضل رئيس الحكومة المغربية النزول جنوبا لافتتاح مهرجان موسيقي راقص، في المدينة التي يشغل فيها مهمة عمدة، ولم يدر بخلده أنه سيواجه بمثل تلك المعاملة من جمهور مشتعل بالغضب، لم يتردد في تأسيس زلزال تحت المنصة التي وقف عليها المسؤول الحكومي الأول.

وللإشارة فقد اشتهرت هذه المدينة الجنوبية الساحلية بالزلزال الذي ضربها بتاريخ 29 فبراير 1960 وخلف أزيد من 15 ألف قتيلا، ومن تاريخها كلما وقعت هزة أرضية عنيفة على سطح الأرض، مثلما وقع أخيرا في تركيا وسوريا، تذكر العالم مدينة أغادير وزلزالها العنيف.

لم يعد أخنوش يأبه بشعارات المطالبة برحيله، منذ تصدر وسم "أخنوش ارحل" مواقع الفيسبوك والتويتر في المغرب، على خلفية ارتفاع أسعار الوقود. حيث يعد الرجل المحتكر رقم واحد للمحروقات في البلاد. ويتهمه الرأي العام في المغرب بكونه وراء ارتفاع أسعار المحروقات رغم هبوطها في الأسواق العالمية، باعتباره رئيسا للوزراء ثم بصفته صاحب أكبر شركة لبيع وتوزيع الوقود في المغرب (افريقيا غاز)، وطبعا هو دائما أكبر المستفيدين من ارتفاع الأسعار.

لقد تحول الشعار الذي خاض به حزب أخنوش الانتخابات الأخيرة إلى مسخرة لدى الناس، يهزؤون به كما يثير حفيظتهم، والشعار الموجه للناخبين والمواطنين عموما أثناء الحملة الانتخابية البلدية والبرلمانية صيف 2021، هو "تتساهل أحسن"، وترجمته الفصيحة: "أنت تستحق الأفضل". وكان رئيس حزب الأحرار عند كشفه للمرة الأولى لـ"شعار المرحلة" كما أسماه، قال في تجمع انتخابي بالدار البيضاء: (إن المغاربة "يستاهلو" حكومة قادرة أن تكون في المستوى الّلي بغا صاحب الجلالة).

ولما حصل حزب عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) على المرتبة الأولى في انتخابات 8 سبتمبر 2021، وتم تعيينه رئيسًا للوزراء من قبل الملك محمد السادس، أكد أخنوش أنه سيلتزم بالرعاية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر ضعفا وتعزيز الصحة العامة والتعليم، والنهوض بالاقتصاد الوطني المتضرر من الوباء. ثم  أعلن مباشرة عن خطة طارئة لدعم السياحة، باعتبارها القطاع الرئيسي في الاقتصاد المغربي. ووافقت حكومته على برنامج حمل اسم "أوراش"، يهدف إلى خلق 250 ألف فرصة عمل بين عامي 2022 و2023. كما تكلم عن تقنين الإنفاق العام وتعزيز مشاريع البحث العلمي. والاتجاه نحو تقليص الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.

وما يراه المواطنون اليوم هو تراجع واضح عن الوعود التي تضمن تحقيق "المغرب الديمقراطي الجديد"، كما جاء على لسان أخنوش دائما.

من بين تلك الوعود التي تعهدت بها الحكومة وظلت مجرد وعود: - "إخراج مليون أسرة من الفقر وانعدام الأمن"، ومكافحة البطالة عن طريق "خلق مليون فرصة عمل"، وتوفير ضمانات الرعاية الاجتماعية، ومنها "دخل الكرامة" الذي يصل إلى 400 درهم (حوالي 34 دولار أمريكي)، لمساعدة كبار السن، و300 درهم (حوالي 25 دولار أمريكي) لدعم الأسر الفقيرة ومساعدتها على تعليم أطفالها، والتزام مدى الحياة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. ناهيك عما قيل عن إحداث ثورة في قطاع التعليم، "ثورة تجعل المغرب ضمن أفضل 60 دولة في العالم من حيث جودة التعليم".

ولم يرِد أي كلام هام في بيان حكومة أخنوش يخص محاربة الفساد، غير أن آخر ما حصل في هذا المجال هو  فضيحة "بيع تذاكر المونديال"، وقد تورط فيها رجال أعمال ونواب برلمانيين من الأحزاب المتحالفة ضمن الحكومة الحالية، وحتى اليوم لا زال الرأي العام في انتظار نتيجة التحقيقات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء في هذا الشأن. وقد سبقت هذه الفضيحة قضية امتحانات ولوج سلك المحاماة.

وآخر وليس الأخير بهذا الصدد، فضيحة استيراد الأبقار من البرازيل، وما رافقها من شبهات تسريب قبلي لعزم الحكومة إلغاء الرسوم على استيراد الأبقار المعدة للذبح، وكانت المفاجأة أن مستوردين "محظوظين" بعلاقاتهم مع جهاتٍ حكومية، استطاعوا أن يستوردوا من هذا البلد اللاتيني  قطعانا من العجول والأبقار المعفية من رسوم الاستيراد، بعد فترة زمنية قصيرة تناهز أسبوعين فقط، مباشرةً بعد تاريخ اتخاذ قرارالإعفاء في المجلس الحكومي. ما يعزز بقوة الشكوك والشبهاتحول وقوع عملية تسريب المعلومة المذكورة قبل اتخاذ القرار رسميا من طرف الحكومة"، وقد طرحت المسألة في مجلس النواب.

هكذا، مهما بلغت حاجة الناس لمشاعر النصر والابتهاج، لم تستطع كرة القدم والإنجاز الكبير للمنتخب المغربي في مونديال قطر، تبديد الاضطرابات الاجتماعية، والخوف كل الخوف من أي استقرار أو سلام اجتماعي هش، ومن ضعف المعارضة، فلا شيء مضمون لاستبعاد تطور مسار الأحداث وانجرافها نحو انفجار كبير!

================================================================

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).