Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

آراء حرة

المساجد وصلاة الجماعة بعد كورونا

28 أبريل 2020

د. عماد بوظو

أصبح من المؤكد أن عالم ما بعد كورونا سيكون مختلفا عن ما قبله، وأن مراكز العبادة ستكون من بين أكثر الأماكن تأثّرا بانعكاسات هذا الوباء نتيجة الطبيعة الجماعية للكثير من الطقوس الدينية. كان ذلك واضحا في غياب المسيرات التقليدية وفي الكنائس الخاوية في احتفالات عيد الفصح الأخير. حتى ساحة القديس بطرس في روما كانت شبه فارغة في منظر لم يره أحد منذ زمن، وكذلك في غياب الاجتماعات العائلية الكبيرة عن عيد الفصح اليهودي "بيساح". ولم يختلف منظر الحرم المكي الذي تم إخلاؤه من الطائفين والمصلين، كما تم إغلاق الكثير من المواقع الدينية البوذية والهندوسية في العالم أمام الجمهور.

اتخذت هذه الإجراءات بعد عدة حوادث ساهمت بانتشار الفيروس بشكل واسع عبر دور العبادة، مثل جنازة في مدينة ألباني الأميركية حضرها 100 شخص وانتقلت عدوى كورونا إلى أغلبهم ومعهم موظفي مكتب الدفن والمصلّين في الكنيسة التي أقيم فيها القداس بحيث وصل عدد المصابين بالمقاطعة إلى 607 أفراد توفي 30 منهم خلال أيام. وفي مقاطعة سكرامنتو بكاليفورنيا قال مسؤول الصحة إن ثلث حالات الإصابة تعود إلى أماكن العبادة بينهم 71 شخصا من أعضاء كنيسة سلافيّة. وهناك محامي في نيويورك نقل العدوى لعائلته وللكنيس الذي تزوره العائلة مما أدّى إلى فرض حجر صحّي منزلي على ألف شخص. 

كذلك انتشر فيروس كورونا في مدينة قم الإيرانية عن طريق عشرات الطلاب القاطنين في حي زنبل أباد الذين خالطوا طلاب معهد الإمام الخميني وجامعة المصطفى في العاصمة الدينية لإيران مما جعلها عاصمة كورونا أيضا.

السجّاد الذي تتم الصلاة عليه في المساجد هو بيئة مناسبة يستطيع فيروس كورونا العيش فيها لفترة طويلة

هذه الحوادث دفعت السلطات الإسلامية لإغلاق المساجد من جاكرتا إلى طنجة، حتى المسجد الحرام والمسجد النبوي أصبحوا شبه فارغين لأول مرة في العصر الحديث. وقال الفقيه الإسلامي الجزائري محمد مولودي إن إغلاق المساجد هو القرار الصائب لأن الإسلام يدعو للحياة وليس للموت، خصوصا لأن الأغلبية المطلقة من مضاعفات ووفيات وباء كورونا الحالي تحدث عند الرجال فوق الستين من العمر أي نفس الشريحة التي تذهب بانتظام إلى المساجد.

وما زال من المبكر معرفة إلى متى ستستمر إجراءات العزل التي فرضها وباء كورونا، فقد قالت دراسة لجامعة هارفارد إن سياسة التباعد الاجتماعي قد تستمر حتى عام 2022 لإيقاف أي ضغوط جديدة على المستشفيات، لأن احتمال اختفاء هذا الفيروس نهائيا كما حدث مع فيروس السارس قد لا يتحقق لأن عدد الإصابات المؤكدة في كورونا الحالي قد تجاوز المليونين، وكل ما حدث حتى الآن قد لا يكون سوى الموجة الأولى لهذا الوباء والتي قد تتبعها موجات أخرى، بالإضافة إلى احتمال أن يتحول كورونا إلى وباء موسمي.

ونتيجة هذه الظروف وحتى لا يتعرّض المصلّون للعدوى فقد وجدت جميع الديانات أنه من الأفضل استخدام وسائل التواصل التي أتاحتها التكنولوجيا الحديثة لتأدية الصلوات الجماعية عبر شبكة الإنترنت، ولذلك لم يقف البابا فرنسيس على الشرفة كما جرت العادة لمنع احتشاد الناس أمامها، بل صلّى وألقى عظته عبر الإنترنت من مكتبة الكرسي الرسولي، وقام الفاتيكان بتخصيص موقع خاص للصلاة عبر الإنترنت لخدمة من يريد الشعور بأن هناك من يصلّي معه.

وفي أستراليا قام قس بالتفاعل مع رعايا الكنيسة الإنجيلية في سيدني عبر تطبيق زووم في قداس العيد. وفي ألمانيا نقلت كاميرا القداس المباشر من كنيسة سان سيمون الكاثوليكية مع متابعة من قبل رعاياها عبر مواقع التواصل. وفي الفيليبين تم بث القداس مع وضع صور العائلات التي تحضر القداس على مقاعدها كإشارة إلى حضورها الرمزي. وفي بنغلادش استخدمت الكنيسة المعمدانية في دكا فيسبوك لبث القداس وتأدية الصلوات المشتركة. وكذلك تواصل الأقباط مع الآباء والقساوسة عبر الهواتف المحمولة ووسائل التواصل، ونقلت الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الصلوات بالبث المباشر، وعلى نفس الطريقة تم تأدية الصلوات المشتركة في الديانات اليهودية والبوذية والهندوسية.

طرح هذا الوباء موضوعا آخر أكثر أهمية وهو طريقة الجلوس والصلاة في المساجد

فقط رجال الدين المسلمين رفضوا ذلك. وقال موقع إسلام ويب إنه لا يصح الاقتداء بإمام عبر الإنترنت، "وعلى من لا يستطيع لسبب قاهر حضور صلاة جماعية أن يصلّي منفردا". واعتمد هذا الموقف بناء على فتاوى سابقة يمكن مشاهدتها في موقع الإسلام سؤال وجواب تقول إن الصلاة عبر التلفزيون "لا شك باطلة لأنها تبطل صلاة الجمعة والجماعة، وليس فيها تواصل مكاني ولا اتصال في الصفوف وليس بالإمكان متابعة حركة الأمام بالنظر"؛ أي أن شيوخ اليوم بنوا أحكامهم قياسا على رجال دين معاصرين من القرن العشرين، لا يمتلك الكثيرون منهم صفات قدسية تمنع مناقشة أو عدم القبول بفتاويهم.

كما طرح هذا الوباء موضوعا آخر أكثر أهمية وهو طريقة الجلوس والصلاة في المساجد، فدور العبادة اليهودية والمسيحية والبوذية والهندوسية استبدلت مع تطور العصور الجلوس على الأرض بالجلوس على المقاعد، بينما رفض رجال الدين المسلمون ذلك واعتبروه خروجا عن السنّة والسلف الصالح، وإذا كان هذا الرفض مبررا في الماضي فهو لم يعد كذلك هذه الأيام، لأن السجّاد الذي تتم الصلاة عليه في المساجد هو بيئة مناسبة يستطيع فيروس كورونا العيش فيها لفترة طويلة.

إذا أكّد القائمون على المساجد أنهم لا يبالون أو يأبهون لحياة رعاياهم فما على هؤلاء سوى أن يتولّوا بأنفسهم مسؤولية الدفاع عن صحّتهم

ثم تأتي طريقة الصلاة وما تتضمنه من سجود لتؤمّن لهذا الفيروس دخولا مباشرا لأنف ورئتي المصلّي، خصوصا لأنه من الصعب تنظيف وتعقيم هذا السجاد السميك بعد كل صلاة أي خمس مرات في اليوم الواحد، ولذلك لا بد في هذه الظروف من إعادة النظر في طريقة الصلاة، مثل تأديتها على المقاعد والتي ستتطلب تغييرا في الركوع والسجود بحيث يصبح رمزيا بانحناءة بسيطة للأمام وهذا مباح شرعا لأنه لا يمس الجوهر الروحي للصلاة كتواصل للإنسان مع ربّه، كما أن هذه هي الطريقة التي يتبعها اليوم بعض المرضى وكبار السن في تأدية الصلاة.

وهذا التجديد أصبح ضرورة يدرك المصلّون أن تجاهلها قد يعرّضهم لمخاطر صحّية جدية، ولذلك حتى لو رفض رجال الدين التغيير فقد لا يتجاوب الكثير من المصلين معهم لأن حياتهم هي التي على المحك. فإذا كانت عودة المصافحة على المدى القريب مستبعدة نتيجة الحاجز النفسي الذي خلّفه وباء كورونا، فمن الطبيعي أن يكون وضع الوجه على سجادة للصلاة في مكان عام يأمّه المئات يوميا أكثر صعوبة، وإذا أكّد القائمون على المساجد أنهم لا يبالون أو يأبهون لحياة رعاياهم فما على هؤلاء الرعايا سوى أن يتولّوا بأنفسهم مسؤولية الدفاع عن صحّتهم وحياتهم.

من غير المستغرب أن تتمسّك السلطات السياسية في الدول العربية بالطرق التقليدية لصلاة الجماعة، لأن المساجد في واقعها الحالي ليست بالنسبة لهذه السلطات سوى أداة للسيطرة والتحكّم بالشعب، وسينبري رجال الدين المرتبطون بالحكّام للدفاع عن التواصل الشخصي المباشر بين الإمام والمصلين، لأن الصلاة عبر الإنترنت تبيح للمسلم التواصل مع أي رجل دين يختاره ويحترمه، بدل الشيوخ الذين يقوم الحاكم بتعيينهم حتى يقوموا بتمجيده والدعاية له، ولكن التساؤل هو لماذا لا يمتلك رجال الدين المستقلّين والبعيدين عن الحكّام الجرأة لإصدار فتاوى تبيح الصلاة عبر الإنترنت وتحرّر الشعوب العربية من شيوخ السلاطين؟

 

---------------

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء
تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء

عبد الرحيم التوراني

تسود منذ فترة ليست باليسيرة حالة من الاستياء العام ومن تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب، تطفو نبرته الحادة على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية، وتعبيرهم عن شكواهم الصريحة من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء.

في هذا الصدد عرف الأسبوع الأخير الدعوة لمظاهرات احتجاجية، تم تفريقها في عدد من مدن وجهات المغرب. مظاهرات ومسيرات احتجاجية دعت إليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمختلف الأقاليم، مسنودة بالأساس من تحالف الجبهة الاجتماعية المغربية، وضمنه أحزاب فيدرالية اليسار المغربي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، إضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهيئات حقوقية ومدنية أخرى.

في بيان خاص نبهت المركزية النقابية إلى "الارتفاع المهول للأسعار بشكل غير مسبوق، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، واتساع دائرة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية في ظل توالي الأزمات وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات السائدة منذ عقود".

وبالرغم من كونها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المغاربة إلى الاحتجاج بالنزول إلى الشارع، فإن الأمر أصبح يدفع باستمرار إلى طرح سؤال حارق قد يبدو للبعض أن به مبالغة: - هل يسير المغرب في اتجاه انفجار اجتماعي؟

إلا أن السلطات الأمنية عمدت إلى منع هذه المسيرات الشعبية، بدعوى "الحفاظ على الأمن العام". ما أفضى بتحول الاحتجاجات ضد الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية، إلى التنديد بالقمع وخنق حرية التعبير، والممارسات التي تتنافى وتتعارض مع نص الدستور.

صادف هذا الحدث إحياء الذكرى 12 لـ لانتفاضة "حركة 20 فبراير" المنبثقة عن ثورات الربيع العربي، وقد تمت استعادة شعاراتها المركزية المتمثلة بالأخص في المطالبة بـ"إسقاط الفساد"، ورفض "زواج المال والسلطة"، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي المقدمة سجناء حرية التعبير من صحفيين ومدونين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

لا شك أن وسائل الإعلام الرقمي الجديد، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، سهلت إتاحة المعلومات المتعلقة بأغنى الأشخاص الذين يهيمنون على ثروات المغرب، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، من بينهم رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، صاحب محطات "إفريقيا" للمحروقات وأكبر فلاحي المغرب، وزوجته سلوى أخنوش، وذلك فق ما ينشر سنويا في تصنيفات مجلة "فوربيس" الأمريكية المهتمة برصد وإحصاء أرصدة أغنياء العالم.  وبينما ينعم هؤلاء الأغنياء في الرفاه وترف النِّعَم، يعيش ملايين المغاربة في فقر "كاريانات" مدن الصفيح، دون الحد الأدنى من المقومات الأساسية للعيش الكريم. وفي الوقت الذي تتسع فيه فجوة الفوارق الاجتماعية، ويتضاعف فيه معدل الفقر بنسب عالية، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها أمام تحديات كبيرة لاختبار استراتيجياتها وسياساتها التي أعدتها بهدف تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

فعلى ضوء ما وعدت به الحكومة الحالية وما قدمته في برنامجها وبيانها الحكومي، فإن حوالي عام ونصف على تنصيب عزيز أخنوش على رأسها (7 أكتوبر 2021)، هو زمن كافٍ لإجراء تقييم لإنجازاتها. إلا أن المؤشرات هنا توضح مدى ضعف الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحكومة، في خضم ما يعانيه العالم اليوم من تضخم قوي ناتج عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وعن ذيول ومخلفات الأزمة الاقتصادية المترتبة عن وباء كورونا في 2020.

بيان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حمَّل حكومة أخنوش "كامل المسؤولية عما قد يترتب عن الوضع الاجتماعي المأزوم من ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي"، أمام تجاهل آثار هذه الأزمة الاجتماعية الخانقة. وأكد على ضرورة اتخاذ مبادرات وإجراءات جريئة وهيكلية لإيقاف ضرب وتدمير القدرة الشرائية لأغلبية المواطنات والمواطنين، و"محاربة كل أشكال الفساد والريع والمضاربات بدل مواصلة الانحياز للرأسمال الريعي والاحتكاري، وخنق الحريات". كما طالب بتنفيذ كافة الالتزامات الاجتماعية، وعدم المساس بمكتسبات التقاعد.

لكن الحكومة تبدو وكأنها غير آبهة بما يجري ويحدث أمام أنظارها من تفاعل وصراعات، وقد تآلفت أسماعها مع مثل هذه اللغة الاحتجاجية الموغلة في السلبية  والتشاؤم.

إلا أن نقابي من قطاع التعليم من مدينة طنجة، أبى إلا أن يذكرنا بالتاريخ القريب جدا، ففي الصيف الماضي فقط (يوليوز 2022) انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ظهر في رئيس الحكومة عزيز أخنوش مصحوبا بوزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، وهم في مهرجان موسيقي. فجأة تعالت أصوات تردد: (أخنوش.. ارحل.. ارحل). إثرها شوهد رئيس الحكومة وهو يغادر المكان مسرعا ويركب سيارة.

ليلتها كانت ساكنة مناطق الشمال في المغرب تعاني من ويلات حرائق مهولة، ضمن سلسلة حرائق شملت الجنوب الأوروبي، فرنسا واليونان واسبانيا والبرتغال. وفي الوقت الذي هرع فيه رؤساء ومسؤولو حكومات تلك الدول باتجاه مناطق الكوارث ببلدانهم  للتضامن مع ضحايا الفجيعة الإنسانية، أدار رئيس الحكومة المغربية ظهره للآلاف من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين وسط الغابات المحترقة، وقد دمرت قراهم وحقولهم، إذ فضل رئيس الحكومة المغربية النزول جنوبا لافتتاح مهرجان موسيقي راقص، في المدينة التي يشغل فيها مهمة عمدة، ولم يدر بخلده أنه سيواجه بمثل تلك المعاملة من جمهور مشتعل بالغضب، لم يتردد في تأسيس زلزال تحت المنصة التي وقف عليها المسؤول الحكومي الأول.

وللإشارة فقد اشتهرت هذه المدينة الجنوبية الساحلية بالزلزال الذي ضربها بتاريخ 29 فبراير 1960 وخلف أزيد من 15 ألف قتيلا، ومن تاريخها كلما وقعت هزة أرضية عنيفة على سطح الأرض، مثلما وقع أخيرا في تركيا وسوريا، تذكر العالم مدينة أغادير وزلزالها العنيف.

لم يعد أخنوش يأبه بشعارات المطالبة برحيله، منذ تصدر وسم "أخنوش ارحل" مواقع الفيسبوك والتويتر في المغرب، على خلفية ارتفاع أسعار الوقود. حيث يعد الرجل المحتكر رقم واحد للمحروقات في البلاد. ويتهمه الرأي العام في المغرب بكونه وراء ارتفاع أسعار المحروقات رغم هبوطها في الأسواق العالمية، باعتباره رئيسا للوزراء ثم بصفته صاحب أكبر شركة لبيع وتوزيع الوقود في المغرب (افريقيا غاز)، وطبعا هو دائما أكبر المستفيدين من ارتفاع الأسعار.

لقد تحول الشعار الذي خاض به حزب أخنوش الانتخابات الأخيرة إلى مسخرة لدى الناس، يهزؤون به كما يثير حفيظتهم، والشعار الموجه للناخبين والمواطنين عموما أثناء الحملة الانتخابية البلدية والبرلمانية صيف 2021، هو "تتساهل أحسن"، وترجمته الفصيحة: "أنت تستحق الأفضل". وكان رئيس حزب الأحرار عند كشفه للمرة الأولى لـ"شعار المرحلة" كما أسماه، قال في تجمع انتخابي بالدار البيضاء: (إن المغاربة "يستاهلو" حكومة قادرة أن تكون في المستوى الّلي بغا صاحب الجلالة).

ولما حصل حزب عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) على المرتبة الأولى في انتخابات 8 سبتمبر 2021، وتم تعيينه رئيسًا للوزراء من قبل الملك محمد السادس، أكد أخنوش أنه سيلتزم بالرعاية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر ضعفا وتعزيز الصحة العامة والتعليم، والنهوض بالاقتصاد الوطني المتضرر من الوباء. ثم  أعلن مباشرة عن خطة طارئة لدعم السياحة، باعتبارها القطاع الرئيسي في الاقتصاد المغربي. ووافقت حكومته على برنامج حمل اسم "أوراش"، يهدف إلى خلق 250 ألف فرصة عمل بين عامي 2022 و2023. كما تكلم عن تقنين الإنفاق العام وتعزيز مشاريع البحث العلمي. والاتجاه نحو تقليص الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.

وما يراه المواطنون اليوم هو تراجع واضح عن الوعود التي تضمن تحقيق "المغرب الديمقراطي الجديد"، كما جاء على لسان أخنوش دائما.

من بين تلك الوعود التي تعهدت بها الحكومة وظلت مجرد وعود: - "إخراج مليون أسرة من الفقر وانعدام الأمن"، ومكافحة البطالة عن طريق "خلق مليون فرصة عمل"، وتوفير ضمانات الرعاية الاجتماعية، ومنها "دخل الكرامة" الذي يصل إلى 400 درهم (حوالي 34 دولار أمريكي)، لمساعدة كبار السن، و300 درهم (حوالي 25 دولار أمريكي) لدعم الأسر الفقيرة ومساعدتها على تعليم أطفالها، والتزام مدى الحياة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. ناهيك عما قيل عن إحداث ثورة في قطاع التعليم، "ثورة تجعل المغرب ضمن أفضل 60 دولة في العالم من حيث جودة التعليم".

ولم يرِد أي كلام هام في بيان حكومة أخنوش يخص محاربة الفساد، غير أن آخر ما حصل في هذا المجال هو  فضيحة "بيع تذاكر المونديال"، وقد تورط فيها رجال أعمال ونواب برلمانيين من الأحزاب المتحالفة ضمن الحكومة الحالية، وحتى اليوم لا زال الرأي العام في انتظار نتيجة التحقيقات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء في هذا الشأن. وقد سبقت هذه الفضيحة قضية امتحانات ولوج سلك المحاماة.

وآخر وليس الأخير بهذا الصدد، فضيحة استيراد الأبقار من البرازيل، وما رافقها من شبهات تسريب قبلي لعزم الحكومة إلغاء الرسوم على استيراد الأبقار المعدة للذبح، وكانت المفاجأة أن مستوردين "محظوظين" بعلاقاتهم مع جهاتٍ حكومية، استطاعوا أن يستوردوا من هذا البلد اللاتيني  قطعانا من العجول والأبقار المعفية من رسوم الاستيراد، بعد فترة زمنية قصيرة تناهز أسبوعين فقط، مباشرةً بعد تاريخ اتخاذ قرارالإعفاء في المجلس الحكومي. ما يعزز بقوة الشكوك والشبهاتحول وقوع عملية تسريب المعلومة المذكورة قبل اتخاذ القرار رسميا من طرف الحكومة"، وقد طرحت المسألة في مجلس النواب.

هكذا، مهما بلغت حاجة الناس لمشاعر النصر والابتهاج، لم تستطع كرة القدم والإنجاز الكبير للمنتخب المغربي في مونديال قطر، تبديد الاضطرابات الاجتماعية، والخوف كل الخوف من أي استقرار أو سلام اجتماعي هش، ومن ضعف المعارضة، فلا شيء مضمون لاستبعاد تطور مسار الأحداث وانجرافها نحو انفجار كبير!

================================================================

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).