Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

آراء حرة

العرب ومعاداة أميركا

03 يونيو 2020

د. عماد بوظو

في رواية جورج أورويل الشهيرة "1984" التي تصوّر الحياة تحت أحد الأنظمة الشمولية، يتم جمع أعضاء الحزب كل يوم لدقيقتين في صالات كبيرة وتعرض عليهم أفلام تصوّر الجرائم التي ارتكبها أعداء الحزب والتي قد يكون بعضها مبالغا فيه أو حتى مختلقا؛ وفي حمّى الغضب الجماعي الذي يعيشونه يبدأ الحضور بالهتاف بشكل هيستيري "الموت للأعداء".

يقول جورج أورويل على لسان بطله وينستون سميث: "إن أبشع ما في فقرة دقيقتي الكراهية ليس التزام المرء بالمشاركة فيها ولا أنه لا سبيل إلى تجنّبها، بل نشوة الخوف والرغبة البشعة بالانتقام والقتل والتنكيل وسحق الوجوه بمطرقة ثقيلة والتي تسري بالجمع بأسره كتيار كهربائي".

دقيقتان فقط من الكراهية في اليوم كانتا فوق قدرة بطل الرواية على التحمّل، فكيف لمن قضى عمرا كاملا في جو نفسي مماثل لهاتين الدقيقتين، وكيف ستكون تركيبته النفسية؟ وما هي التصرفات التي سيكون قادرا على القيام بها؟ 

يمكن أخذ فكرة عما يمكن أن يحدث في هذه الحالة عند مشاهدة فيلم "يونايتد 93"، الذي تدور أحداثه حول عملية اختطاف إحدى الطائرات الأميركية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وتبدو شخصية الخاطفين في الفيلم قريبة من الخاطفين الحقيقيين: شباب من الطبقة الوسطى وأغلبهم طلاب جامعات وبعضهم حسن المظهر، أي أن لديهم كافة المواصفات والإمكانيات التي تتيح لهم إمكانية الاستمتاع بحياة سعيدة لولا مشاعر الكراهية لأميركا التي استحوذت عليهم وجعلتهم يرحّبون بالموت إذا ترافق مع إلحاق أكبر ضرر بها.

نتيجة الانطباعات الخاطئة التي كونها كثير من العرب عن أميركا والكراهية التي تغلغلت عميقا فيهم، فإنهم يأخذون دائما موقفا معاديا للولايات المتحدة

وكما هو واضح من الأهداف التي اختاروها فإن غضبهم كان موجّها إلى كل الأميركيين بما فيهم النساء والأطفال والشيوخ، فالجميع حسب رأيهم يستحق الموت. ويتفق معهم في ذلك كل من شعر بالسعادة بعد "غزوة" أيلول وخصوصا من نزل للشوارع للتعبير عن فرحته بها رغم معرفته بأن الأغلبية المطلقة من ضحاياها كانوا من المدنيين، مما يؤكّد عدم صحّة ادعاءات بعضهم بأنهم ضد ممارسات رئيس أميركي معين أو مواقف إدارة دون غيرها، ويمكن ملاحظة نفس الناحية في لهجة التشفّي عند بعض العرب عندما يتحدثون عن الأعداد الكبيرة لوفيات وباء فيروس كورونا في أميركا، ومنهم من اعتبر ذلك شكلا من الانتقام الإلهي.

وبعضهم كان ينتظر مقتل رجل من أصول أفريقية على يد شرطي أبيض، ليؤكد على صحّة قناعاته عن استفحال العنصرية والقمع في أميركا. وقد عبّر عنهم خامنئي على حسابه في موقع تويتر "إذا كنت صاحب بشرة سمراء في أميركا فلا يمكنك التأكد إذا كنت ستبقى حيا خلال الدقائق القادمة". ومثله فعل إعلام النظام السوري الذي ندد بعنف الشرطة الأميركية!

الانتشار الواسع لحالة العداء لأميركا في الأوساط العربية جعل من الصعب ملاحظة فارق كبير في تغطية القنوات العربية للأحداث الحالية في أميركا بين إعلام محور الممانعة وإعلام محور الاعتدال، إذ أن العداء لأميركا هو جزء ثقافة شعبية في مختلف هذه البلدان وتؤثر بالجميع.

فمثلا من المسلمات في المنطقة العربية أن الشرطة الأميركية لا تستهدف في عنفها إلا الذين ينحدرون من أصول أفريقية، ولكن هذا الكلام غير دقيق. فقد قتلت الشرطة الأميركية خلال عام 2017 في سياق مواجهات أو مطاردات أو سرقات وغيرها 457 شخصا من البيض و223 شخصا من السود. وفي العام 2018 كان عدد القتلى البيض 399 يقابله 209 من السود، وفي العام 2019 كان عدد القتلى البيض 370 وقابله 235 من السود، وفي العام 2020 بلغ عدد القتلى على يد الشرطة من البيض حتى الآن 42 يقابله 31 من السود. 

وبالمقارنة مع نسبة السود إلى عدد السكان، وهي 13 في المئة مقابل 70 في المئة من البيض يصبح تعرّض السود للقتل على يد الشرطة أعلى بكثير من بقية مكونات المجتمع الأميركي.

ولكن في المقابل هناك فروق كبيرة أيضا في نسبة ارتكاب الجرائم بين الأعراق، حيث أن 52.5 في المئة من الذين ارتكبوا جريمة قتل بين الأعوام 1980 و2008 كانوا من السود، مقابل 45.3 لجرائم قتل ارتكبها بيض، وكان 50.3 في المئة من ضحايا جرائم القتل هذه من البيض مقابل 47.4 من السود. وهذا يؤكد وجود مشكلة حقيقية في الولايات المتحدة لجهة استخدام الشرطة العنف المفرط غير المبرر خاصة تجاه الأميركيين من أصول أفريقية، لكن القضية أكثر تعقيدا من الصورة المبسّطة التي يرددها الإعلام العربي بأن رجال الشرطة البيض يقتلون بسبب وبلا سبب المواطنين السود.

ولأن نسبة واسعة من الشعب الأميركي تتطلع إلى المستقبل وإلى بناء دولة أكثر عدلا، فقد اعترفت بأخطاء وجرائم الماضي، بحق السكان الأصليين وبحق من تم جلبهم من أفريقيا من أجل استعبادهم وبحق الشعب الفيتنامي وغيرها من الأخطاء، وتعمل على التكفير عن ممارساتها تلك، ويمكن ملاحظة ذلك اليوم في الدور الكبير الذي يلعبه الأميركيون من أصول أفريقية في الحياة السياسية والإعلامية والفنية والرياضية وغيرها، ولكن الإعلام العربي لا يناسبه التطرّق إلى ذلك، ويفضّل نقل الجوانب السلبية مثل عنف الشرطة الأميركية مع تجاهل العنف الذي تتعرّض له الشرطة نفسها على يد المحتجين.

ولذلك، لن ينقل هذا الإعلام مواقف أشخاص محبّين ومتعاطفين مثل شريف مقاطعة جينيسي "كريس سوانسون" الذي انضم إلى المحتجين السلميين مع زملائه وقال: "هكذا يجب أن يكون الوضع الشرطة تقف مع المجتمع نحن ندين ما حدث، ذلك الرجل ليس منّا"، وتابع وهو من العرق الأبيض "عندما نرى ظلما ننتقد ما حدث بشكل علني في الشرطة والمجتمع". 

ساعد في تكوين مشاعر الكراهية لأميركا عند شريحة واسعة من الشعوب العربية أن كل الأطراف تتفق على تعزيز هذه المشاعر، الحكومات ومعارضاتها، اليمين واليسار، الإسلاميون والقوميون

ومن خلال تجربتي الشخصية طوال السنوات التي قضيتها في أميركا، فإن الأغلبية المطلقة من الذين تعرّفت عليهم وتعاملت معهم كانوا أشخاصا طيبين وودودين مثل هذا الشريف، ولذلك أرى أن الصورة التي ينقلها أغلب الإعلام العربي عن أميركا غير منصفة.

ونتيجة الانطباعات الخاطئة التي كونها كثير من العرب عن أميركا والكراهية التي تغلغلت عميقا فيهم، فإنهم يأخذون دائما موقفا معاديا للولايات المتحدة، فعندما اختلفت مع الصين حول من المسؤول عن جائحة كورونا وقفوا إلى جانب الصين رغم معرفتهم أن عادات الصين الغذائية والتي تتضمن تعاملا لصيقا مع الحيوانات الحية كان هو السبب في انتقال كورونا ومن قبله السارس للإنسان. ولا يؤثّر على التعاطف العربي مع الصين قيامها بسجن مئات آلاف المسلمين في معسكرات اعتقال، لأن وقوفها ضد أميركا كفيل بغفران جميع ذنوبها.

وإذا أوقفت الولايات المتحدة تمويلها لمنظمة الصحة العالمية لأنها لم تقم بالوظيفة التي أنشئت من أجلها وهو التحذير ومواجهة كارثة صحية تسببت في وفاة أكثر من مئة ألف أميركي، كانت مشاعر العرب مع هذه المنظمة البيروقراطية المترهلة عديمة الفعالية تماما مثل أمها منظمة الأمم المتحدة.

وساعد في تكوين مشاعر الكراهية لأميركا عند شريحة واسعة من الشعوب العربية أن كل الأطراف تتفق على تعزيز هذه المشاعر، الحكومات ومعارضاتها، اليمين واليسار، الإسلاميون والقوميون، مما جعل معزوفات الكراهية تجاه أميركا تتكرر يوميا في المدارس ووسائل الإعلام والمنتديات الثقافية والأعمال الفنية حتى أصبحت أمرا مفروغا منه، وأضيف فوقها قوة أميركا الاقتصادية والعسكرية الاستثنائية وهيمنتها الثقافية لتكون عامل استفزاز إضافي أوصل مشاعر الغضب والكراهية عند خصومها إلى مستويات مرضيّة بحيث لم يعد باستطاعتهم إخفاءها.

 

 

-------------------------------

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء
تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء

عبد الرحيم التوراني

تسود منذ فترة ليست باليسيرة حالة من الاستياء العام ومن تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب، تطفو نبرته الحادة على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية، وتعبيرهم عن شكواهم الصريحة من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء.

في هذا الصدد عرف الأسبوع الأخير الدعوة لمظاهرات احتجاجية، تم تفريقها في عدد من مدن وجهات المغرب. مظاهرات ومسيرات احتجاجية دعت إليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمختلف الأقاليم، مسنودة بالأساس من تحالف الجبهة الاجتماعية المغربية، وضمنه أحزاب فيدرالية اليسار المغربي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، إضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهيئات حقوقية ومدنية أخرى.

في بيان خاص نبهت المركزية النقابية إلى "الارتفاع المهول للأسعار بشكل غير مسبوق، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، واتساع دائرة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية في ظل توالي الأزمات وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات السائدة منذ عقود".

وبالرغم من كونها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المغاربة إلى الاحتجاج بالنزول إلى الشارع، فإن الأمر أصبح يدفع باستمرار إلى طرح سؤال حارق قد يبدو للبعض أن به مبالغة: - هل يسير المغرب في اتجاه انفجار اجتماعي؟

إلا أن السلطات الأمنية عمدت إلى منع هذه المسيرات الشعبية، بدعوى "الحفاظ على الأمن العام". ما أفضى بتحول الاحتجاجات ضد الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية، إلى التنديد بالقمع وخنق حرية التعبير، والممارسات التي تتنافى وتتعارض مع نص الدستور.

صادف هذا الحدث إحياء الذكرى 12 لـ لانتفاضة "حركة 20 فبراير" المنبثقة عن ثورات الربيع العربي، وقد تمت استعادة شعاراتها المركزية المتمثلة بالأخص في المطالبة بـ"إسقاط الفساد"، ورفض "زواج المال والسلطة"، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي المقدمة سجناء حرية التعبير من صحفيين ومدونين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

لا شك أن وسائل الإعلام الرقمي الجديد، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، سهلت إتاحة المعلومات المتعلقة بأغنى الأشخاص الذين يهيمنون على ثروات المغرب، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، من بينهم رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، صاحب محطات "إفريقيا" للمحروقات وأكبر فلاحي المغرب، وزوجته سلوى أخنوش، وذلك فق ما ينشر سنويا في تصنيفات مجلة "فوربيس" الأمريكية المهتمة برصد وإحصاء أرصدة أغنياء العالم.  وبينما ينعم هؤلاء الأغنياء في الرفاه وترف النِّعَم، يعيش ملايين المغاربة في فقر "كاريانات" مدن الصفيح، دون الحد الأدنى من المقومات الأساسية للعيش الكريم. وفي الوقت الذي تتسع فيه فجوة الفوارق الاجتماعية، ويتضاعف فيه معدل الفقر بنسب عالية، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها أمام تحديات كبيرة لاختبار استراتيجياتها وسياساتها التي أعدتها بهدف تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

فعلى ضوء ما وعدت به الحكومة الحالية وما قدمته في برنامجها وبيانها الحكومي، فإن حوالي عام ونصف على تنصيب عزيز أخنوش على رأسها (7 أكتوبر 2021)، هو زمن كافٍ لإجراء تقييم لإنجازاتها. إلا أن المؤشرات هنا توضح مدى ضعف الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحكومة، في خضم ما يعانيه العالم اليوم من تضخم قوي ناتج عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وعن ذيول ومخلفات الأزمة الاقتصادية المترتبة عن وباء كورونا في 2020.

بيان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حمَّل حكومة أخنوش "كامل المسؤولية عما قد يترتب عن الوضع الاجتماعي المأزوم من ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي"، أمام تجاهل آثار هذه الأزمة الاجتماعية الخانقة. وأكد على ضرورة اتخاذ مبادرات وإجراءات جريئة وهيكلية لإيقاف ضرب وتدمير القدرة الشرائية لأغلبية المواطنات والمواطنين، و"محاربة كل أشكال الفساد والريع والمضاربات بدل مواصلة الانحياز للرأسمال الريعي والاحتكاري، وخنق الحريات". كما طالب بتنفيذ كافة الالتزامات الاجتماعية، وعدم المساس بمكتسبات التقاعد.

لكن الحكومة تبدو وكأنها غير آبهة بما يجري ويحدث أمام أنظارها من تفاعل وصراعات، وقد تآلفت أسماعها مع مثل هذه اللغة الاحتجاجية الموغلة في السلبية  والتشاؤم.

إلا أن نقابي من قطاع التعليم من مدينة طنجة، أبى إلا أن يذكرنا بالتاريخ القريب جدا، ففي الصيف الماضي فقط (يوليوز 2022) انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ظهر في رئيس الحكومة عزيز أخنوش مصحوبا بوزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، وهم في مهرجان موسيقي. فجأة تعالت أصوات تردد: (أخنوش.. ارحل.. ارحل). إثرها شوهد رئيس الحكومة وهو يغادر المكان مسرعا ويركب سيارة.

ليلتها كانت ساكنة مناطق الشمال في المغرب تعاني من ويلات حرائق مهولة، ضمن سلسلة حرائق شملت الجنوب الأوروبي، فرنسا واليونان واسبانيا والبرتغال. وفي الوقت الذي هرع فيه رؤساء ومسؤولو حكومات تلك الدول باتجاه مناطق الكوارث ببلدانهم  للتضامن مع ضحايا الفجيعة الإنسانية، أدار رئيس الحكومة المغربية ظهره للآلاف من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين وسط الغابات المحترقة، وقد دمرت قراهم وحقولهم، إذ فضل رئيس الحكومة المغربية النزول جنوبا لافتتاح مهرجان موسيقي راقص، في المدينة التي يشغل فيها مهمة عمدة، ولم يدر بخلده أنه سيواجه بمثل تلك المعاملة من جمهور مشتعل بالغضب، لم يتردد في تأسيس زلزال تحت المنصة التي وقف عليها المسؤول الحكومي الأول.

وللإشارة فقد اشتهرت هذه المدينة الجنوبية الساحلية بالزلزال الذي ضربها بتاريخ 29 فبراير 1960 وخلف أزيد من 15 ألف قتيلا، ومن تاريخها كلما وقعت هزة أرضية عنيفة على سطح الأرض، مثلما وقع أخيرا في تركيا وسوريا، تذكر العالم مدينة أغادير وزلزالها العنيف.

لم يعد أخنوش يأبه بشعارات المطالبة برحيله، منذ تصدر وسم "أخنوش ارحل" مواقع الفيسبوك والتويتر في المغرب، على خلفية ارتفاع أسعار الوقود. حيث يعد الرجل المحتكر رقم واحد للمحروقات في البلاد. ويتهمه الرأي العام في المغرب بكونه وراء ارتفاع أسعار المحروقات رغم هبوطها في الأسواق العالمية، باعتباره رئيسا للوزراء ثم بصفته صاحب أكبر شركة لبيع وتوزيع الوقود في المغرب (افريقيا غاز)، وطبعا هو دائما أكبر المستفيدين من ارتفاع الأسعار.

لقد تحول الشعار الذي خاض به حزب أخنوش الانتخابات الأخيرة إلى مسخرة لدى الناس، يهزؤون به كما يثير حفيظتهم، والشعار الموجه للناخبين والمواطنين عموما أثناء الحملة الانتخابية البلدية والبرلمانية صيف 2021، هو "تتساهل أحسن"، وترجمته الفصيحة: "أنت تستحق الأفضل". وكان رئيس حزب الأحرار عند كشفه للمرة الأولى لـ"شعار المرحلة" كما أسماه، قال في تجمع انتخابي بالدار البيضاء: (إن المغاربة "يستاهلو" حكومة قادرة أن تكون في المستوى الّلي بغا صاحب الجلالة).

ولما حصل حزب عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) على المرتبة الأولى في انتخابات 8 سبتمبر 2021، وتم تعيينه رئيسًا للوزراء من قبل الملك محمد السادس، أكد أخنوش أنه سيلتزم بالرعاية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر ضعفا وتعزيز الصحة العامة والتعليم، والنهوض بالاقتصاد الوطني المتضرر من الوباء. ثم  أعلن مباشرة عن خطة طارئة لدعم السياحة، باعتبارها القطاع الرئيسي في الاقتصاد المغربي. ووافقت حكومته على برنامج حمل اسم "أوراش"، يهدف إلى خلق 250 ألف فرصة عمل بين عامي 2022 و2023. كما تكلم عن تقنين الإنفاق العام وتعزيز مشاريع البحث العلمي. والاتجاه نحو تقليص الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.

وما يراه المواطنون اليوم هو تراجع واضح عن الوعود التي تضمن تحقيق "المغرب الديمقراطي الجديد"، كما جاء على لسان أخنوش دائما.

من بين تلك الوعود التي تعهدت بها الحكومة وظلت مجرد وعود: - "إخراج مليون أسرة من الفقر وانعدام الأمن"، ومكافحة البطالة عن طريق "خلق مليون فرصة عمل"، وتوفير ضمانات الرعاية الاجتماعية، ومنها "دخل الكرامة" الذي يصل إلى 400 درهم (حوالي 34 دولار أمريكي)، لمساعدة كبار السن، و300 درهم (حوالي 25 دولار أمريكي) لدعم الأسر الفقيرة ومساعدتها على تعليم أطفالها، والتزام مدى الحياة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. ناهيك عما قيل عن إحداث ثورة في قطاع التعليم، "ثورة تجعل المغرب ضمن أفضل 60 دولة في العالم من حيث جودة التعليم".

ولم يرِد أي كلام هام في بيان حكومة أخنوش يخص محاربة الفساد، غير أن آخر ما حصل في هذا المجال هو  فضيحة "بيع تذاكر المونديال"، وقد تورط فيها رجال أعمال ونواب برلمانيين من الأحزاب المتحالفة ضمن الحكومة الحالية، وحتى اليوم لا زال الرأي العام في انتظار نتيجة التحقيقات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء في هذا الشأن. وقد سبقت هذه الفضيحة قضية امتحانات ولوج سلك المحاماة.

وآخر وليس الأخير بهذا الصدد، فضيحة استيراد الأبقار من البرازيل، وما رافقها من شبهات تسريب قبلي لعزم الحكومة إلغاء الرسوم على استيراد الأبقار المعدة للذبح، وكانت المفاجأة أن مستوردين "محظوظين" بعلاقاتهم مع جهاتٍ حكومية، استطاعوا أن يستوردوا من هذا البلد اللاتيني  قطعانا من العجول والأبقار المعفية من رسوم الاستيراد، بعد فترة زمنية قصيرة تناهز أسبوعين فقط، مباشرةً بعد تاريخ اتخاذ قرارالإعفاء في المجلس الحكومي. ما يعزز بقوة الشكوك والشبهاتحول وقوع عملية تسريب المعلومة المذكورة قبل اتخاذ القرار رسميا من طرف الحكومة"، وقد طرحت المسألة في مجلس النواب.

هكذا، مهما بلغت حاجة الناس لمشاعر النصر والابتهاج، لم تستطع كرة القدم والإنجاز الكبير للمنتخب المغربي في مونديال قطر، تبديد الاضطرابات الاجتماعية، والخوف كل الخوف من أي استقرار أو سلام اجتماعي هش، ومن ضعف المعارضة، فلا شيء مضمون لاستبعاد تطور مسار الأحداث وانجرافها نحو انفجار كبير!

================================================================

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).