Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

آراء حرة

كيف استُقبِلت الاحتجاجات الأميركية في الشرق الأوسط؟

08 يونيو 2020

عريب الرنتاوي

مثله مثل مختلف دول العالم وأقاليمه، استقبل الشرق الأوسط موجة الاحتجاجات الأميركية باهتمام فائق، حتى أن التقارير والتغطيات بشأنها، طغت على غيرها من الموضوعات التي تتصدر أجندة الإقليم المزدحمة بالأزمات والحروب والجوائح... 

ليس في الأمر ما يدعو للدهشة والاستغراب، فالولايات المتحدة لاعب رئيس في مختلف ملفات المنطقة، وهي "دولة جارة" لكل دولة من دوله... أما الحدث، فغير مسبوق في التاريخ الحديث للدولة الأعظم.

ثلاثة أنماط من الاستجابة، عبرت عن مواقف ومصالح ثلاثة "تيارات" تتوزع عليها دول المنطقة وفواعلها السياسية والاجتماعية:

الأول؛ وقد صدر عن دول وجماعات استبدادية وشمولية، مناهضة لواشنطن... مقاربة هؤلاء نهضت على أعمدة ثلاثة: (1) التركيز على "المشتركات" في إدارة أزمات العنف والاحتجاج المجتمعي، "لا أحد أفضل من أحد"، الإدارة الأميركية "تشبهنا" في الاستخدام المفرط للقوة، وجميع دعواتها للحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، ليست سوى "قشرة رقيقة" سقطت عند أول امتحان... 

(2) الذهاب بعيدا في الاستنتاجات والاستخلاصات، وبما يتخطى "الحدث" من حيث أسبابه المباشرة والعميقة وطريقة إدارته، إلى بنية النظام السياسي الأميركي ذاته، من حيث المبادئ والقيم والمؤسسات، الحاضر والتاريخ والمستقبل، للتبشير بسقوط "الدولة الأعظم"، ووصول قيادتها للعالم إلى طريق مسدود... 

يلتقي خصوم واشنطن وحلفاؤها في قراءتهم لموجة الاحتجاجات حول الإجازة بالاستخدام المفرط للقوة

(3) لم تنجح الأطراف التي تبنت هذه المقاربة، في إخفاء "نبرة الشماتة" في خطابها، أو التغطية على ميلها الجارف لـ"تسوية الحسابات" مع الولايات المتحدة، ولأسباب معروفة، مستمدة أساسا، من حالة العداء المستأصلة معها.

الثاني؛ وقد صدر عن دول وجماعات استبدادية وشمولية كذلك، بيد أنها صديقة للولايات المتحدة وحليفة لها، وهذا الفريق هو الأوسع انتشارا والأشد هيمنة على دول المنطقة ومجتمعاتها وشعوبها، أما لسان حاله فكان يقول، على نحو صريح تارة و"موارب" تارة أخرى: 

(1) إذا كان حصن الديمقراطية الأقوى والأكبر، وزعيمة الغرب الرأسمالي، تجيز الاستخدام المفرط للقوة ضد خصومها ومنتقديها، فلماذا يؤخذ "علينا" استخدام الأدوات ذاتها، ضد الخصوم والمناوئين... هنا، وحول هذه النقطة بالذات، يلتقي خصوم واشنطن وحلفاؤها في قراءتهم لموجة الاحتجاجات... 

(2) ثمة رسائل "مستقبلية" مهمة جرى تضمينها في خطاب هذا الفريق، مفادها أننا لن نكون "ديمقراطيون" و"إنسانيون" أكثر من الولايات المتحدة، في حال اندلعت موجات من الغضب والاحتجاج في "مرحلة ما بعد كورونا"، وهي رسائل تستمد أهميتها وخطورتها، من "زحمة" التقديرات والتكهنات، التي "تُبَشّر" بموجة ثالثة من موجات "الربيع العربي"... 

(3) ثمة إحساس عميق بالقلق كان مبثوثا في قراءات هذا الفريق واستخلاصاته، وهي ناشئة من القلق من مغبة عودة الديمقراطيين إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر القادمة، هذا القلق ظهر لأسباب مختلفة، في كل من إسرائيل والسعودية والإمارات على وجه الخصوص، وفي تركيا ومصر بدرجة أقل.

الثالث؛ ويتركز في أوساط قوى الإصلاح والتغيير والمجتمع المدني وأنصار الديمقراطية ومناضلو "الحقوق المدنية" بشكل خاص، هذا الفريق بدا مصدوما بالمشاهد التي ملأت الفضاءات "الفضية والزرقاء"، إن من خلال التغطيات المباشرة لمئات المحطات الفضائية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت.

أدرك هذا الفريق مبكرا، ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع "حريق الاحتجاجات"، أن كفاحه من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، سيدخل مرحلة أكثر صعوبة من المرحلة الصعبة أصلا، التي يمر بها... أما عن مصادر "قلق" ودواعي "الخيبة" التي أصابت هذا الفريق، فيكمن أهمها فيما يلي:

أولا: لاحظ هذا الفريق الذي يتحضر لخوض جولة جديدة من معارك الدفاع عن الحقوق والحريات، أن "حالة الإنكار" التي هيمنت على "إدارة الأزمة" في واشنطن، لجهة تفادي الاعتراف بالمشكلة والتعرف على أسبابها والعوامل التي تجعلها تطفو على السطح بين حين وآخر، تشبه إلى حد كبير، "حالة الإنكار" التي تعيشها معظم، إن لم نقل جميع، حكومات الإقليم وإداراتها وهي تعالج أزمات الحكم والسلطة في بلدانها.

ثانيا: تابع هذا الفريق، بكثير من الدهشة، استخدام الإدارة الأميركية "للشماعات" ذاتها، التي طالما علقت عليها دول المنطقة وأنظمتها، أسباب الاحتجاجات، سلمية كانت أم عنيفة، عفوية جاءت أم منظمة، من مثل إتهام "فئة قليلة" و"جماعة مندسة"، وغض الطرف عن مئات ألوف وملايين المحتجين، والحديث عن "أجندات خارجية" والبحث عن "أكباش فداء"... وكان أمرا مستفزا لهذا الفريق، أن يرى الإدارة الأميركية تلجأ "نظرية إلقاء اللوم على الآخرين"، أياً كانوا، بدل البحث في "داخلها" عن أسباب هذه الظاهرات، وهي النظرية التي ظلت لسنوات وعقود، نظرية رسمية معتمدة من قبل الأنظمة الشمولية والديكتاتورية القائمة في الإقليم.

ثالثا: تابع هذا الفريق، بقلق بالغ "الاستخدام المفرط للقوة"، والدعوات التي صدرت عن الإدارة لاستخدام المزيد منها، وصولا حد استدعاء الجيش لمواجهة المحتجين السلميين، مثل هذا السلوك، الذي يبدو مألوفا ومعتادا في هذا الجزء من العالم، بدا مستغربا حين صدر عن واشنطن، زعيمة "الغرب الديمقراطي" بل ومثيرا للخوف والتحسب من سيناريو "الاستخدام الأكثر إفراطا في القوة" الذي قد تلجأ إليه حكومات المنطقة، في مواجهة أية موجات جديدة من الغضب والاحتجاج، التي بدأت تطل برأسها على أية حال، بدءا من لبنان والعراق.

رابعا: بدا مثيرا للقلق و"السخرية" سواء بسواء، اللجوء إلى استخدام "الرموز الدينية" للتغطية على الأداء الرديء للأزمات، ولقد انتشرت على صفحات الإنترنت مئات الصور، التي تظهر ديكتاتوريين عربا وشرق أوسطيين، وأحيانا قادة جماعات إرهابية، وهم يرفعون "المصحف الشريف"، للتعليق على صورة الرئيس الأميركي وهو يرفع الإنجيل أمام الكنيسة المجاورة للبيت الأبيض... 

ساعدت "مقاومة" الشعب والمجتمع المدني و"المؤسسات" الأميركية لسلوك البيت الأبيض وإدارته للأزمة على إبقاء جذوة الأمل متقدة في نفوس هؤلاء النشطاء

هذه المنطقة، اكتوت بنيران الاستخدام المفرط للدين في التغطية على جرائم السياسة وأجنداتها، وهي لعبة لم ينج منها طرف، في الحكم أو المعارضة، في الأنظمة الملكية أو الجمهورية، حتى بات "الدين" مصدرا وحيدا لـ"شرعية" الكثير من هذه الأنظمة والحركات، وتحت ظلاله يجري اقتراف أبشع الممارسات.

لكن هذا الفريق، وبرغم مشاعر "الصدمة" و"الخيبة" لم يفقد الأمل بمشروعه الإصلاحي والتغييري، ولا بقواعد الديمقراطية وقدرة نظامها "غير المثالي" على تصحيح نفسه بنفسه، كما أنه لم يفقد إيمانه بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، بل ولم يذهب في استخلاصاته، وهذا هو الأهم، إلى "المبالغة" و"الشطط" التي وصلت إليها قراءات الفريقين الاستبداديين، من خصوم واشنطن وحلفائها.

ولقد ساعدت "مقاومة" الشعب والمجتمع المدني و"المؤسسات" الأميركية لسلوك البيت الأبيض وإدارته للأزمة على إبقاء جذوة الأمل متقدة في نفوس هؤلاء النشطاء، فما يكان يعتمل في صدورهم، ويدور في أذهانهم، كان يعتمل في صدور ملايين الأميركيين ويدور في أذهانهم كذلك، بدلالة هذه التظاهرات التي عمّت أكثر من مئة مدينة وبلدة أميركية، وبمشاركة تخطت أصحاب البشرة الملونة، إلى عموم الأميركيين رجالا ونساء.

لقد وقف رجال دين ورؤساء كنائس، وبعضهم من أنصار الإدارة، ضد استخدام "الرموز الدينية" في الأحداث الأخيرة، ووقف البنتاغون وعشرات رؤساء الأركان ووزراء الدفاع وقادة الجيوش الأميركية، ضد الزج بالجيش الأميركي في مواجهة مع المحتجين الأميركيين، وانبرى الإعلام في أوسع حملة دفاع عن "النظام والقيم" الأميركية، واستجاب القضاء لشعار "العدالة لجورج فلويد"، وتحولت "المؤسسة" الأميركية إلى حلبة صراع بين المدافعين "عن النظام والقيم" وأنصار الشعوبية والتعصب والعنصرية.

لم يُغلق الملف بعد، والأزمة لم تطو صفحتها الأخيرة، فموجة الاحتجاجات ما زالت متواصلة، برغم قيود الحظر ومخاوف كورونا، أما تداعياتها القريبة (انتخابات نوفمبر القادم) والبعيدة (استئصال العنصرية) ودفع عجلة الإصلاحات القضائية والشرطية، وإعادة الاعتبار للقيم والمبادئ الدستورية الأميركية، فما زالت تتفاعل، وربما بصورة قد "تسقط رهانات" و"تخيب آمال" أعداء الديمقراطية ومناهضي حقوق الإنسان، من أصدقاء واشنطن وخصومها سواء بسواء.

 

 

------------

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء
تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء

عبد الرحيم التوراني

تسود منذ فترة ليست باليسيرة حالة من الاستياء العام ومن تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب، تطفو نبرته الحادة على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية، وتعبيرهم عن شكواهم الصريحة من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء.

في هذا الصدد عرف الأسبوع الأخير الدعوة لمظاهرات احتجاجية، تم تفريقها في عدد من مدن وجهات المغرب. مظاهرات ومسيرات احتجاجية دعت إليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمختلف الأقاليم، مسنودة بالأساس من تحالف الجبهة الاجتماعية المغربية، وضمنه أحزاب فيدرالية اليسار المغربي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، إضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهيئات حقوقية ومدنية أخرى.

في بيان خاص نبهت المركزية النقابية إلى "الارتفاع المهول للأسعار بشكل غير مسبوق، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، واتساع دائرة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية في ظل توالي الأزمات وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات السائدة منذ عقود".

وبالرغم من كونها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المغاربة إلى الاحتجاج بالنزول إلى الشارع، فإن الأمر أصبح يدفع باستمرار إلى طرح سؤال حارق قد يبدو للبعض أن به مبالغة: - هل يسير المغرب في اتجاه انفجار اجتماعي؟

إلا أن السلطات الأمنية عمدت إلى منع هذه المسيرات الشعبية، بدعوى "الحفاظ على الأمن العام". ما أفضى بتحول الاحتجاجات ضد الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية، إلى التنديد بالقمع وخنق حرية التعبير، والممارسات التي تتنافى وتتعارض مع نص الدستور.

صادف هذا الحدث إحياء الذكرى 12 لـ لانتفاضة "حركة 20 فبراير" المنبثقة عن ثورات الربيع العربي، وقد تمت استعادة شعاراتها المركزية المتمثلة بالأخص في المطالبة بـ"إسقاط الفساد"، ورفض "زواج المال والسلطة"، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي المقدمة سجناء حرية التعبير من صحفيين ومدونين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

لا شك أن وسائل الإعلام الرقمي الجديد، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، سهلت إتاحة المعلومات المتعلقة بأغنى الأشخاص الذين يهيمنون على ثروات المغرب، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، من بينهم رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، صاحب محطات "إفريقيا" للمحروقات وأكبر فلاحي المغرب، وزوجته سلوى أخنوش، وذلك فق ما ينشر سنويا في تصنيفات مجلة "فوربيس" الأمريكية المهتمة برصد وإحصاء أرصدة أغنياء العالم.  وبينما ينعم هؤلاء الأغنياء في الرفاه وترف النِّعَم، يعيش ملايين المغاربة في فقر "كاريانات" مدن الصفيح، دون الحد الأدنى من المقومات الأساسية للعيش الكريم. وفي الوقت الذي تتسع فيه فجوة الفوارق الاجتماعية، ويتضاعف فيه معدل الفقر بنسب عالية، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها أمام تحديات كبيرة لاختبار استراتيجياتها وسياساتها التي أعدتها بهدف تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

فعلى ضوء ما وعدت به الحكومة الحالية وما قدمته في برنامجها وبيانها الحكومي، فإن حوالي عام ونصف على تنصيب عزيز أخنوش على رأسها (7 أكتوبر 2021)، هو زمن كافٍ لإجراء تقييم لإنجازاتها. إلا أن المؤشرات هنا توضح مدى ضعف الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحكومة، في خضم ما يعانيه العالم اليوم من تضخم قوي ناتج عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وعن ذيول ومخلفات الأزمة الاقتصادية المترتبة عن وباء كورونا في 2020.

بيان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حمَّل حكومة أخنوش "كامل المسؤولية عما قد يترتب عن الوضع الاجتماعي المأزوم من ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي"، أمام تجاهل آثار هذه الأزمة الاجتماعية الخانقة. وأكد على ضرورة اتخاذ مبادرات وإجراءات جريئة وهيكلية لإيقاف ضرب وتدمير القدرة الشرائية لأغلبية المواطنات والمواطنين، و"محاربة كل أشكال الفساد والريع والمضاربات بدل مواصلة الانحياز للرأسمال الريعي والاحتكاري، وخنق الحريات". كما طالب بتنفيذ كافة الالتزامات الاجتماعية، وعدم المساس بمكتسبات التقاعد.

لكن الحكومة تبدو وكأنها غير آبهة بما يجري ويحدث أمام أنظارها من تفاعل وصراعات، وقد تآلفت أسماعها مع مثل هذه اللغة الاحتجاجية الموغلة في السلبية  والتشاؤم.

إلا أن نقابي من قطاع التعليم من مدينة طنجة، أبى إلا أن يذكرنا بالتاريخ القريب جدا، ففي الصيف الماضي فقط (يوليوز 2022) انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ظهر في رئيس الحكومة عزيز أخنوش مصحوبا بوزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، وهم في مهرجان موسيقي. فجأة تعالت أصوات تردد: (أخنوش.. ارحل.. ارحل). إثرها شوهد رئيس الحكومة وهو يغادر المكان مسرعا ويركب سيارة.

ليلتها كانت ساكنة مناطق الشمال في المغرب تعاني من ويلات حرائق مهولة، ضمن سلسلة حرائق شملت الجنوب الأوروبي، فرنسا واليونان واسبانيا والبرتغال. وفي الوقت الذي هرع فيه رؤساء ومسؤولو حكومات تلك الدول باتجاه مناطق الكوارث ببلدانهم  للتضامن مع ضحايا الفجيعة الإنسانية، أدار رئيس الحكومة المغربية ظهره للآلاف من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين وسط الغابات المحترقة، وقد دمرت قراهم وحقولهم، إذ فضل رئيس الحكومة المغربية النزول جنوبا لافتتاح مهرجان موسيقي راقص، في المدينة التي يشغل فيها مهمة عمدة، ولم يدر بخلده أنه سيواجه بمثل تلك المعاملة من جمهور مشتعل بالغضب، لم يتردد في تأسيس زلزال تحت المنصة التي وقف عليها المسؤول الحكومي الأول.

وللإشارة فقد اشتهرت هذه المدينة الجنوبية الساحلية بالزلزال الذي ضربها بتاريخ 29 فبراير 1960 وخلف أزيد من 15 ألف قتيلا، ومن تاريخها كلما وقعت هزة أرضية عنيفة على سطح الأرض، مثلما وقع أخيرا في تركيا وسوريا، تذكر العالم مدينة أغادير وزلزالها العنيف.

لم يعد أخنوش يأبه بشعارات المطالبة برحيله، منذ تصدر وسم "أخنوش ارحل" مواقع الفيسبوك والتويتر في المغرب، على خلفية ارتفاع أسعار الوقود. حيث يعد الرجل المحتكر رقم واحد للمحروقات في البلاد. ويتهمه الرأي العام في المغرب بكونه وراء ارتفاع أسعار المحروقات رغم هبوطها في الأسواق العالمية، باعتباره رئيسا للوزراء ثم بصفته صاحب أكبر شركة لبيع وتوزيع الوقود في المغرب (افريقيا غاز)، وطبعا هو دائما أكبر المستفيدين من ارتفاع الأسعار.

لقد تحول الشعار الذي خاض به حزب أخنوش الانتخابات الأخيرة إلى مسخرة لدى الناس، يهزؤون به كما يثير حفيظتهم، والشعار الموجه للناخبين والمواطنين عموما أثناء الحملة الانتخابية البلدية والبرلمانية صيف 2021، هو "تتساهل أحسن"، وترجمته الفصيحة: "أنت تستحق الأفضل". وكان رئيس حزب الأحرار عند كشفه للمرة الأولى لـ"شعار المرحلة" كما أسماه، قال في تجمع انتخابي بالدار البيضاء: (إن المغاربة "يستاهلو" حكومة قادرة أن تكون في المستوى الّلي بغا صاحب الجلالة).

ولما حصل حزب عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) على المرتبة الأولى في انتخابات 8 سبتمبر 2021، وتم تعيينه رئيسًا للوزراء من قبل الملك محمد السادس، أكد أخنوش أنه سيلتزم بالرعاية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر ضعفا وتعزيز الصحة العامة والتعليم، والنهوض بالاقتصاد الوطني المتضرر من الوباء. ثم  أعلن مباشرة عن خطة طارئة لدعم السياحة، باعتبارها القطاع الرئيسي في الاقتصاد المغربي. ووافقت حكومته على برنامج حمل اسم "أوراش"، يهدف إلى خلق 250 ألف فرصة عمل بين عامي 2022 و2023. كما تكلم عن تقنين الإنفاق العام وتعزيز مشاريع البحث العلمي. والاتجاه نحو تقليص الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.

وما يراه المواطنون اليوم هو تراجع واضح عن الوعود التي تضمن تحقيق "المغرب الديمقراطي الجديد"، كما جاء على لسان أخنوش دائما.

من بين تلك الوعود التي تعهدت بها الحكومة وظلت مجرد وعود: - "إخراج مليون أسرة من الفقر وانعدام الأمن"، ومكافحة البطالة عن طريق "خلق مليون فرصة عمل"، وتوفير ضمانات الرعاية الاجتماعية، ومنها "دخل الكرامة" الذي يصل إلى 400 درهم (حوالي 34 دولار أمريكي)، لمساعدة كبار السن، و300 درهم (حوالي 25 دولار أمريكي) لدعم الأسر الفقيرة ومساعدتها على تعليم أطفالها، والتزام مدى الحياة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. ناهيك عما قيل عن إحداث ثورة في قطاع التعليم، "ثورة تجعل المغرب ضمن أفضل 60 دولة في العالم من حيث جودة التعليم".

ولم يرِد أي كلام هام في بيان حكومة أخنوش يخص محاربة الفساد، غير أن آخر ما حصل في هذا المجال هو  فضيحة "بيع تذاكر المونديال"، وقد تورط فيها رجال أعمال ونواب برلمانيين من الأحزاب المتحالفة ضمن الحكومة الحالية، وحتى اليوم لا زال الرأي العام في انتظار نتيجة التحقيقات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء في هذا الشأن. وقد سبقت هذه الفضيحة قضية امتحانات ولوج سلك المحاماة.

وآخر وليس الأخير بهذا الصدد، فضيحة استيراد الأبقار من البرازيل، وما رافقها من شبهات تسريب قبلي لعزم الحكومة إلغاء الرسوم على استيراد الأبقار المعدة للذبح، وكانت المفاجأة أن مستوردين "محظوظين" بعلاقاتهم مع جهاتٍ حكومية، استطاعوا أن يستوردوا من هذا البلد اللاتيني  قطعانا من العجول والأبقار المعفية من رسوم الاستيراد، بعد فترة زمنية قصيرة تناهز أسبوعين فقط، مباشرةً بعد تاريخ اتخاذ قرارالإعفاء في المجلس الحكومي. ما يعزز بقوة الشكوك والشبهاتحول وقوع عملية تسريب المعلومة المذكورة قبل اتخاذ القرار رسميا من طرف الحكومة"، وقد طرحت المسألة في مجلس النواب.

هكذا، مهما بلغت حاجة الناس لمشاعر النصر والابتهاج، لم تستطع كرة القدم والإنجاز الكبير للمنتخب المغربي في مونديال قطر، تبديد الاضطرابات الاجتماعية، والخوف كل الخوف من أي استقرار أو سلام اجتماعي هش، ومن ضعف المعارضة، فلا شيء مضمون لاستبعاد تطور مسار الأحداث وانجرافها نحو انفجار كبير!

================================================================

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).