يطلق الأكراد على أراضيهم التاريخية اسم كردستان ويعتمدون تقويما شمسيا يبدأ في 21 مارس
يطلق الأكراد على أراضيهم التاريخية اسم كردستان ويعتمدون تقويما شمسيا يبدأ في 21 مارس

د. عماد بوظو

تأتي قضايا الأقليات العرقية والدينية على رأس قائمة المواضيع المحظور تداولها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة عندما تكون هذه الأقليات شعوبا كبيرة وعريقة وصاحبة تاريخ ضارب في أعماق التاريخ، مثل الشعب الكردي في غرب آسيا والشعب الأمازيغي في شمال أفريقيا، فلهذين الشعبين تاريخ طويل ومتشابه في مقاومة محاولات التذويب حتى تبدو حياتهما وكأنها قصة واحدة تكررت حرفيا مع شعبين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات، وأولى نقاط التشابه أن الشعبين يتوزعان على عدة دول اختلفت حكوماتها منذ الاستقلال حول كل شيء ولكنها اتفقت على موضوع واحد وهو اضطهاد الشعبين وعدم الاعتراف بحقوقهم وإنكار حقيقة وجودهم التاريخي على أرضهم.

رغم أن تاريخ الشعب الكردي يعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد حسب ألواح طينية سومرية، واستمر وجوده تحت إسم كاردو في اللغة الآشورية، ثم توضّحت هويته القومية في مملكة ميتاني المنحدرة من شعوب هندو أوروبية يطلق عليها اسم الحوريين في الألف الثاني قبل الميلاد وهم أجداد الأكراد الحاليين، وفي الألف الأول قبل الميلاد وصف المؤرخ اليوناني زينفون سكان جبال تلك المنطقة بالمحاربين الأشداء وأطلق عليهم أسم الكاردوخيين، ويطلق الأكراد على أراضيهم التاريخية اسم كردستان ويعتمدون تقويما شمسيا يبدأ في 21 مارس كانت بدايته عام 612 قبل الميلاد الذي يتوافق مع معركة نينوى بين الميديين والآشوريين.

بينما يعتبر شعب الأمازيغ والتي تعني "الرجال الأحرار" السكان الأصليين لشمال أفريقيا من الصحراء الغربية في مصر حتى المحيط الأطلسي والتي تمتد على ملايين الكيلومترات المربعة ويطلق الأمازيغ على أرضهم التاريخية اسم تامازغا، وتعتبر جمجمة إنسان تافوغالت التي أجري عليها أول عملية جراحية في التاريخ قبل 12 ألف عام الأجداد البيولوجيون للأمازيغ، ثم ذكرهم رمسيس الثالث الذي حكم مصر من 1186 حتى 1155 قبل الميلاد، وفي عام 950 قبل الميلاد اعتلى عرش مصر قائد أمازيغي هو شيشنق الأول وأسس لحكم الأسرتين 22 و23 الأمازيغيتين لمصر لأكثر من قرنين، كما خرج من الشعب الأمازيغي الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس الذي حكم روما في القرن الثاني للميلاد، وكذلك للأمازيغ تقويم خاص بهم يبدأ من 950 قبل الميلاد تاريخ الانتصار على قدماء المصريين واعتلاء زعيمهم شيشنق للعرش الفرعوني، ويحتفلون برأس سنتهم في 12-13 يناير.

وكانت الديانة الرئيسية للشعب الكردي الزرادشتية ثم انضمت إليهم مجموعات من اليهود خصوصا أثناء النفي البابلي وحافظ يهود كردستان على ثقافتهم الخاصة من خلال عزلتهم في الجبال، كما تحول بعض الأكراد إلى المسيحية، أما الأمازيغ فقد عبدوا في البداية الشمس والقمر ثم الإله آمون، وفي القرن السادس قبل الميلاد نشأ في مناطقهم مجتمع يهودي كبير مكوّن من عدة قبائل أمازيغية، ثم اعتنق الأمازيغ بشكل مبكّر الديانة المسيحية وخرج منهم الكثير من القديسين وكبار رجال الدين كان أشهرهم آريوس 256-336 ميلادي الذي مازال أثره مستمرا حتى اليوم، وفيكتور الأول بابا الكنيسة الرابع عشر والبابا جلاسيوس الأول، أي كان للأمازيغ دور كبير في الديانة المسيحية.

ثم تحوّل الأكراد والأمازيغ إلى الإسلام واستغلت الدول الإسلامية قدراتهم الحربية، فقام طارق بن زياد بقيادة الجيش المكون في أغلبه من الأمازيغ بالدخول إلى إسبانيا، وفي عهد أمازيغي آخر هو يوسف بن تاشفين وصلت دولة المرابطين إلى أوج قوتها وامتدت من مناطق واسعة في جنوب إسبانيا شمالا حتى حوض نهر السنغال جنوبا شاملة ما عرف فيما بعد بموريتانيا والمغرب وغرب الجزائر الحالية، وبعد بضعة عقود قام صلاح الدين الأيوبي مع عشائر كردية بقيادة المسلمين في الحروب الصليبية وأسس مملكة كبيرة امتدت من العراق شرقا حتى أواسط ليبيا غربا ومن اليمن جنوبا حتى هضبة الأناضول شمالا.

ورغم الدور الكبير الذي لعبه الأكراد والأمازيغ في الدفاع عن الدولة الإسلامية، ولكن الدين الإسلامي كان له الدور الرئيسي في عملية تذويب الهوية القومية للشعبين، من خلال عدم قبول قراءة القرآن وتأدية الطقوس الإسلامية إلّا باللغة العربية التي تم اعتبارها لغة مقدسة، ولذلك تراجعت أعداد الناطقين باللغات الكردية والأمازيغية خلال القرون، بل لجأ الكثير من الأكراد والأمازيغ إلى إخفاء هويته القومية واختراع أصل عربي غير حقيقي له حتى يعزز مكانته في مجتمعه مما أدى إلى تحوّل هؤلاء مع الزمن إلى عرب، كما برز من الشعبين الكثير من رجال الدين المسلمين كان أهمهم وأشهرهم بلا منازع الكردي "ابن تيمية" الأب الروحي للمذهب الوهابي وحركات الإسلام السياسي والتنظيمات الإرهابية.

استمر ذوبان الأكراد والأمازيغ تدريجيا ضمن الدول الإسلامية المتعاقبة حتى أتى الانتداب الأوروبي ومناخ الحرية النسبي الذي أوجده، وفي تلك الأيام كان الانطباع السائد أن هناك تناغم بين المكونات العربية والكردية في شرق المتوسط والأمازيغية والعربية في شمال أفريقيا، ونظاهر ذلك في تعاون الجميع في الثورات ضد الاحتلال الأوروبي، فقام الأكراد بثورات ضد البريطانيين في العراق مثل ثورة محمود الحفيد، وضد الفرنسيين في سوريا مثل ثورة إبراهيم هنانو، وثورة الأمازيغي عبد الكريم الخطابي ضد الفرنسيين في المغرب، كما تصدرت شخصيات أمازيغية المقاومة الجزائرية ضد الفرنسيين مثل لالا فاطمة في القرن التاسع عشر ومصالي الحاج وحسين آيت أحمد وكثير غيرهم في القرن العشرين.

ولكن ما إن نالت هذه البلدان استقلالها حتى تحولت حكوماتها إلى سلطات استبدادية عملت على فرض هوية قومية واحدة على هذه الدول، فعانى الأكراد من سياسة التتريك في الأناضول والتفريس في إيران والتعريب في العراق وسوريا، وفي نفس الوقت عانى الأمازيغ من حملة تعريب منظمة في دول شمال أفريقيا تم الاستعانة في سبيل تحقيقها بمدرسين للغة العربية من بلاد الشام، وترافق ذلك مع استعمال وسائل عنيفة لتذويب الهوية القومية للأكراد والأمازيغ شملت الاعتقالات والإعدامات ووصلت حتى استخدام الأسلحة الكيميائية في حلبجة في العراق بهدف محي كل ما هو غير عربي.

وضمن نفس السياسة تم تغيير أسماء المدن والبلدات إلى أسماء عربية، كما منع إطلاق أسماء كردية أو أمازيغية على المواليد الجدد، وتم تغيير التاريخ الذي يدرس في هذه البلاد بحيث تم تجاهل كل ما يدل على وجود مكونات غير عربية أو إسلامية، كما ترافقت محاولات محو الهوية القومية الكردية والأمازيغية مع إهمال المناطق التي يعيش فيها الشعبان من ناحية الخدمات والبنى التحتية والاستثمارات الاقتصادية حتى أصبحت الكثير من هذه المناطق بائسة وشبه معزولة عن العالم الخارجي.

وكان من الطبيعي أن تدفع هذه الظروف إلى تنشيط الهجرة للخارج ولذلك يوجد اليوم في أوروبا ملايين الأكراد والأمازيغ، ويتركز الأكراد في ألمانيا بينما يتركز الأمازيغ في فرنسا، وأصبحت الجاليات هناك بمثابة الرئة التي يتنفس عبرها الشعبان، وازداد دور هذه الجاليات وتأثيرها على الرأي العام الغربي والعالمي وترافق ذلك مع موجة من الحيوية السياسية في الربيع العربي مما دفع بعض الحكومات العربية للإعلان عن إصلاحات والاعتراف ببعض الحقوق الثقافية لهذه الشعوب دون أن ينعكس ذلك بإجراءات حقيقة وملموسة على الأرض.

ولذلك مازال أمام الشعبين الكثير لتحقيقه وتبدو الخطوة الأولى في هذا الطريق الطويل التمسك باللغة والثقافة الخاصة بكل شعب وإعادة كتابة التاريخ الحقيقي لهذه المنطقة من العالم دون إهمال أي مكوّن، وتطوير الخبرات في كيفية مخاطبة العالم وخاصة شركاء الوطن بعقل هادئ وحكمة، ومن المنطقي والمأمول أن يتعاون الأكراد والأمازيغ معا لتحقيق أهدافهم المشتركة خصوصا في دول الغرب حيث للطرفين جاليات قوية، والهدف من ذلك ليس الصدام مع المكونات الأخرى بل بناء علاقة شراكة حقيقية قائمة على العدل والمساواة وهذا من الصعب تحقيقه دون الاعتراف بأخطاء الماضي.

-------------------------------

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء
تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء

عبد الرحيم التوراني

تسود منذ فترة ليست باليسيرة حالة من الاستياء العام ومن تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب، تطفو نبرته الحادة على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية، وتعبيرهم عن شكواهم الصريحة من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء.

في هذا الصدد عرف الأسبوع الأخير الدعوة لمظاهرات احتجاجية، تم تفريقها في عدد من مدن وجهات المغرب. مظاهرات ومسيرات احتجاجية دعت إليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمختلف الأقاليم، مسنودة بالأساس من تحالف الجبهة الاجتماعية المغربية، وضمنه أحزاب فيدرالية اليسار المغربي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، إضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهيئات حقوقية ومدنية أخرى.

في بيان خاص نبهت المركزية النقابية إلى "الارتفاع المهول للأسعار بشكل غير مسبوق، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، واتساع دائرة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية في ظل توالي الأزمات وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات السائدة منذ عقود".

وبالرغم من كونها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المغاربة إلى الاحتجاج بالنزول إلى الشارع، فإن الأمر أصبح يدفع باستمرار إلى طرح سؤال حارق قد يبدو للبعض أن به مبالغة: - هل يسير المغرب في اتجاه انفجار اجتماعي؟

إلا أن السلطات الأمنية عمدت إلى منع هذه المسيرات الشعبية، بدعوى "الحفاظ على الأمن العام". ما أفضى بتحول الاحتجاجات ضد الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية، إلى التنديد بالقمع وخنق حرية التعبير، والممارسات التي تتنافى وتتعارض مع نص الدستور.

صادف هذا الحدث إحياء الذكرى 12 لـ لانتفاضة "حركة 20 فبراير" المنبثقة عن ثورات الربيع العربي، وقد تمت استعادة شعاراتها المركزية المتمثلة بالأخص في المطالبة بـ"إسقاط الفساد"، ورفض "زواج المال والسلطة"، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي المقدمة سجناء حرية التعبير من صحفيين ومدونين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

لا شك أن وسائل الإعلام الرقمي الجديد، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، سهلت إتاحة المعلومات المتعلقة بأغنى الأشخاص الذين يهيمنون على ثروات المغرب، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، من بينهم رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، صاحب محطات "إفريقيا" للمحروقات وأكبر فلاحي المغرب، وزوجته سلوى أخنوش، وذلك فق ما ينشر سنويا في تصنيفات مجلة "فوربيس" الأمريكية المهتمة برصد وإحصاء أرصدة أغنياء العالم.  وبينما ينعم هؤلاء الأغنياء في الرفاه وترف النِّعَم، يعيش ملايين المغاربة في فقر "كاريانات" مدن الصفيح، دون الحد الأدنى من المقومات الأساسية للعيش الكريم. وفي الوقت الذي تتسع فيه فجوة الفوارق الاجتماعية، ويتضاعف فيه معدل الفقر بنسب عالية، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها أمام تحديات كبيرة لاختبار استراتيجياتها وسياساتها التي أعدتها بهدف تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

فعلى ضوء ما وعدت به الحكومة الحالية وما قدمته في برنامجها وبيانها الحكومي، فإن حوالي عام ونصف على تنصيب عزيز أخنوش على رأسها (7 أكتوبر 2021)، هو زمن كافٍ لإجراء تقييم لإنجازاتها. إلا أن المؤشرات هنا توضح مدى ضعف الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحكومة، في خضم ما يعانيه العالم اليوم من تضخم قوي ناتج عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وعن ذيول ومخلفات الأزمة الاقتصادية المترتبة عن وباء كورونا في 2020.

بيان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حمَّل حكومة أخنوش "كامل المسؤولية عما قد يترتب عن الوضع الاجتماعي المأزوم من ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي"، أمام تجاهل آثار هذه الأزمة الاجتماعية الخانقة. وأكد على ضرورة اتخاذ مبادرات وإجراءات جريئة وهيكلية لإيقاف ضرب وتدمير القدرة الشرائية لأغلبية المواطنات والمواطنين، و"محاربة كل أشكال الفساد والريع والمضاربات بدل مواصلة الانحياز للرأسمال الريعي والاحتكاري، وخنق الحريات". كما طالب بتنفيذ كافة الالتزامات الاجتماعية، وعدم المساس بمكتسبات التقاعد.

لكن الحكومة تبدو وكأنها غير آبهة بما يجري ويحدث أمام أنظارها من تفاعل وصراعات، وقد تآلفت أسماعها مع مثل هذه اللغة الاحتجاجية الموغلة في السلبية  والتشاؤم.

إلا أن نقابي من قطاع التعليم من مدينة طنجة، أبى إلا أن يذكرنا بالتاريخ القريب جدا، ففي الصيف الماضي فقط (يوليوز 2022) انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ظهر في رئيس الحكومة عزيز أخنوش مصحوبا بوزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، وهم في مهرجان موسيقي. فجأة تعالت أصوات تردد: (أخنوش.. ارحل.. ارحل). إثرها شوهد رئيس الحكومة وهو يغادر المكان مسرعا ويركب سيارة.

ليلتها كانت ساكنة مناطق الشمال في المغرب تعاني من ويلات حرائق مهولة، ضمن سلسلة حرائق شملت الجنوب الأوروبي، فرنسا واليونان واسبانيا والبرتغال. وفي الوقت الذي هرع فيه رؤساء ومسؤولو حكومات تلك الدول باتجاه مناطق الكوارث ببلدانهم  للتضامن مع ضحايا الفجيعة الإنسانية، أدار رئيس الحكومة المغربية ظهره للآلاف من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين وسط الغابات المحترقة، وقد دمرت قراهم وحقولهم، إذ فضل رئيس الحكومة المغربية النزول جنوبا لافتتاح مهرجان موسيقي راقص، في المدينة التي يشغل فيها مهمة عمدة، ولم يدر بخلده أنه سيواجه بمثل تلك المعاملة من جمهور مشتعل بالغضب، لم يتردد في تأسيس زلزال تحت المنصة التي وقف عليها المسؤول الحكومي الأول.

وللإشارة فقد اشتهرت هذه المدينة الجنوبية الساحلية بالزلزال الذي ضربها بتاريخ 29 فبراير 1960 وخلف أزيد من 15 ألف قتيلا، ومن تاريخها كلما وقعت هزة أرضية عنيفة على سطح الأرض، مثلما وقع أخيرا في تركيا وسوريا، تذكر العالم مدينة أغادير وزلزالها العنيف.

لم يعد أخنوش يأبه بشعارات المطالبة برحيله، منذ تصدر وسم "أخنوش ارحل" مواقع الفيسبوك والتويتر في المغرب، على خلفية ارتفاع أسعار الوقود. حيث يعد الرجل المحتكر رقم واحد للمحروقات في البلاد. ويتهمه الرأي العام في المغرب بكونه وراء ارتفاع أسعار المحروقات رغم هبوطها في الأسواق العالمية، باعتباره رئيسا للوزراء ثم بصفته صاحب أكبر شركة لبيع وتوزيع الوقود في المغرب (افريقيا غاز)، وطبعا هو دائما أكبر المستفيدين من ارتفاع الأسعار.

لقد تحول الشعار الذي خاض به حزب أخنوش الانتخابات الأخيرة إلى مسخرة لدى الناس، يهزؤون به كما يثير حفيظتهم، والشعار الموجه للناخبين والمواطنين عموما أثناء الحملة الانتخابية البلدية والبرلمانية صيف 2021، هو "تتساهل أحسن"، وترجمته الفصيحة: "أنت تستحق الأفضل". وكان رئيس حزب الأحرار عند كشفه للمرة الأولى لـ"شعار المرحلة" كما أسماه، قال في تجمع انتخابي بالدار البيضاء: (إن المغاربة "يستاهلو" حكومة قادرة أن تكون في المستوى الّلي بغا صاحب الجلالة).

ولما حصل حزب عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) على المرتبة الأولى في انتخابات 8 سبتمبر 2021، وتم تعيينه رئيسًا للوزراء من قبل الملك محمد السادس، أكد أخنوش أنه سيلتزم بالرعاية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر ضعفا وتعزيز الصحة العامة والتعليم، والنهوض بالاقتصاد الوطني المتضرر من الوباء. ثم  أعلن مباشرة عن خطة طارئة لدعم السياحة، باعتبارها القطاع الرئيسي في الاقتصاد المغربي. ووافقت حكومته على برنامج حمل اسم "أوراش"، يهدف إلى خلق 250 ألف فرصة عمل بين عامي 2022 و2023. كما تكلم عن تقنين الإنفاق العام وتعزيز مشاريع البحث العلمي. والاتجاه نحو تقليص الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.

وما يراه المواطنون اليوم هو تراجع واضح عن الوعود التي تضمن تحقيق "المغرب الديمقراطي الجديد"، كما جاء على لسان أخنوش دائما.

من بين تلك الوعود التي تعهدت بها الحكومة وظلت مجرد وعود: - "إخراج مليون أسرة من الفقر وانعدام الأمن"، ومكافحة البطالة عن طريق "خلق مليون فرصة عمل"، وتوفير ضمانات الرعاية الاجتماعية، ومنها "دخل الكرامة" الذي يصل إلى 400 درهم (حوالي 34 دولار أمريكي)، لمساعدة كبار السن، و300 درهم (حوالي 25 دولار أمريكي) لدعم الأسر الفقيرة ومساعدتها على تعليم أطفالها، والتزام مدى الحياة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. ناهيك عما قيل عن إحداث ثورة في قطاع التعليم، "ثورة تجعل المغرب ضمن أفضل 60 دولة في العالم من حيث جودة التعليم".

ولم يرِد أي كلام هام في بيان حكومة أخنوش يخص محاربة الفساد، غير أن آخر ما حصل في هذا المجال هو  فضيحة "بيع تذاكر المونديال"، وقد تورط فيها رجال أعمال ونواب برلمانيين من الأحزاب المتحالفة ضمن الحكومة الحالية، وحتى اليوم لا زال الرأي العام في انتظار نتيجة التحقيقات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء في هذا الشأن. وقد سبقت هذه الفضيحة قضية امتحانات ولوج سلك المحاماة.

وآخر وليس الأخير بهذا الصدد، فضيحة استيراد الأبقار من البرازيل، وما رافقها من شبهات تسريب قبلي لعزم الحكومة إلغاء الرسوم على استيراد الأبقار المعدة للذبح، وكانت المفاجأة أن مستوردين "محظوظين" بعلاقاتهم مع جهاتٍ حكومية، استطاعوا أن يستوردوا من هذا البلد اللاتيني  قطعانا من العجول والأبقار المعفية من رسوم الاستيراد، بعد فترة زمنية قصيرة تناهز أسبوعين فقط، مباشرةً بعد تاريخ اتخاذ قرارالإعفاء في المجلس الحكومي. ما يعزز بقوة الشكوك والشبهاتحول وقوع عملية تسريب المعلومة المذكورة قبل اتخاذ القرار رسميا من طرف الحكومة"، وقد طرحت المسألة في مجلس النواب.

هكذا، مهما بلغت حاجة الناس لمشاعر النصر والابتهاج، لم تستطع كرة القدم والإنجاز الكبير للمنتخب المغربي في مونديال قطر، تبديد الاضطرابات الاجتماعية، والخوف كل الخوف من أي استقرار أو سلام اجتماعي هش، ومن ضعف المعارضة، فلا شيء مضمون لاستبعاد تطور مسار الأحداث وانجرافها نحو انفجار كبير!

================================================================

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).