الحكومة المغربية أعلنت قرار إلغاء احتفالات السنة الميلادية وحظر التجول ليلة رأس السنة
الحكومة المغربية أعلنت قرار إلغاء احتفالات السنة الميلادية وحظر التجول ليلة رأس السنة

عبد الرحيم التوراني

مهما حاول الرائي لأوضاع المغرب أن يتلفع بثوب التفاؤل وأن يكون إيجابيا، أو نصف متفائل، "متشائلا" باصطلاح الروائي الفلسطيني إميل حبيبي، فسيصعب عليه التوفيق لبلوغ مبتغاه. بل سيجد نفسه دائما إزاء لعبة النظر إلى نصف الكوب الممتلئ، أو التعامل مع نصفه الفارغ؟ ولن ينأى عن السقوط في متاهات من العبث الموصوف.

ولأن التفاؤل من شأنه المساعدة على التخلص من الضغوط وتحسين العافية، سيرغم المعني على نهج التفكير الإيجابي مهما ساءت الأحوال أمام ناظريه، فالتشاؤم مضر بالصحة، ولا سبيل للراحة إلا بتجاهل الأوضاع المقلقة، والابتعاد عن تضخيم النقاط السلبية والاكتفاء باستحضار ما هو إيجابي فقط. هكذا تأتي النصائح من أجل التغلب على الانشغال بالسلبيات والتحكم في التوتر، تفاديا للصداع والاكتئاب والإحباط وكل الأسباب المؤدية إلى اليأس. 

الممكن من المستحيل

أفلا ترون البنيان والإعمار والإنجازات التي لا تضاهى؟

ألم تسمعوا بالمشاريع العملاقة لإنتاج وتطوير الطاقات الريحية والشمسية، وما تختزنه بواطن بحارنا وأرضنا المعطاء؟

ألم يصلكم حديث "النموذج التنموي الجديد"، وأنباء انتصار الديمقراطية المغربية المتواصل بتنظيم انتخابات "حرة ونزيهة وشفافة" في مواعيدها!؟ 

ولا شك أنكم أخذتم علما بدخول المغرب إلى نادي التكنولوجيا الدقيقة العسكرية. ولا ضرر إن حدث هذا بفضل التطبيع مع العدو الشقيق. 

ربما لستم مؤهلين لحساب حصيلة السنة التي ستمضي بعد قليل، ولا التي قبلها أو بعدها. أكيد إن فعلتم فإنكم لن تسعوا إلا إلى التقاط السلبيات، مهملين إبراز الإيجابيات وعَدّ المنجزات. وعذركم معكم، لأن ما يدور في رؤوسكم لا يتعدى الأفكار المتشائمة. إن العيب فيكم وفي أمثالكم، ممن لا يرون إلا أخطار الحافة والهاوية ووشوك الكارثة، من لا تتوقف خيالاتهم المهتزة عن توهم ارتجاج الزلزال وزمجرة الإعصار.

ألا ترون أن عليكم التسليم بفشلكم وبنظرتكم السوداوية؟ والسلبيون لا يتوقَّع منهم أن يتحولوا في رمشة عين إلى متفائلين، أو يصبحوا أقل انتقادا لما يجري حولهم. إذ ليس بالإمكان تغيير طريقة تفكيرهم ورؤيتهم للعالم وللأشياء.

نعم، أنتم تحلمون بالعدالة والمساواة، وبمحو الفوارق الاجتماعية، وبتحقيق الديمقراطية، ليصبح البلد أفضل مما عليه، وأقرب إلى ديمقراطيات العالم المتقدم. لكن أفكاركم الجميلة وأمانيكم هي مجرد أحلام وردية، طوباوية بعيدة المنال. لأنكم ببساطة تغضون الطرف عن الخصوصية والاستثناء الذي يميزنا عن باقي بلاد الله. وأن الديمقراطية لا تحصل فقط بتنظيم الانتخابات وتلوين أصابع الناخبين بالحبر الخاص، وفتح الصناديق لفرز الأصوات. الأمر أعقد من كل هذه المظاهر بكثير لو تدرون.

أحيانا كثيرة يمسي فيها "الممكن من المستحيل" كما كتب الأديب المغربي عبد الجبار السحيمي. وقد يأتيك من يخبرك أن السعادة لا تعني امتلاك كل شيء. فلتقنعوا بما أتاكم الله القائل في كتابه الكريم "وأما بنعمة ربك فحدث".

سرعة قياسية لفضائح الحكومة

من الأحداث العريضة والكبرى التي ميزت مجريات العالم خلال 2021، استمرار انتشار وباء كورونا ومواصلة الجهود الحثيثة من أجل مكافحته والقضاء عليه. عنوان بارز انضوت تحت كلماته مختلف أقطار المعمورة، وضمنها المغرب، الذي كان من بين الدول السباقة لإقرار الحجر الصحي وتعميم التلقيح. فقد فرضت الحكومة المغربية الحجر لأشهر، ورفعته لتعود لفرضه من جديد، وشددت من التدابير الوقائية والاحترازية، ومنها إغلاق الأجواء. كم أطال الإعلام الرسمي في الكلام عن تقدم البلاد بهذا الشأن والخصوص، فـ"المغرب من بين البلدان الإفريقية التي حققت الهدف العالمي للتلقيح ضد كوفيد-19"، وفق المنظمة العالمية للصحة. والمغرب يلقح بوتيرة "أسرع من ألمانيا وفرنسا وغالبية الدول الأوروبية الكبرى بـ 50 في المائة"، يقول مركز علمي أمريكي. ورغم كل ذلك لم تنج البلاد من وصول الأنواع المتحورة عن كورونا، ومنها "أوميكرون" المتسم بقدرته الكبيرة على العدوى والانتشار. 

وبعد أن شرعت السلطات بتقديم التطعيم بالجرعة الثالثة، ووجهت برفض تلقيها من جانب كبير من المواطنين، الذين شككت غالبيتهم في مدى فعالية اللقاحات في الوقاية، متأثرين بأخبار (بعضها إشاعات) عن أعراض سلبية ومميتة لأفراد تلقوا الجرعة الثالثة. 

ومن أجل إجبار المواطنين على أخذ الجرعة الثالثة، قررت السلطات في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، العمل بـتعميم " جواز اللقاح" كشرط ضروري للتنقل بين المدن والجهات، وللسفر إلى الخارج، ودخول الإدارات العامة والمؤسسات المصرفية والمقاهي والفنادق والفضاءات المغلقة. وهو ما أسفر عن خروج المئات من المحتجين بأكثر من مدينة في مسيرات ووقفات توحدت جميعها تحت راية "الجبهة الاجتماعية المغربية"، المكونة من تنظيمات يسارية وفعاليات إسلامية راديكالية ونشطاء مستقلين.

وما لبث أن انقلبت الاحتجاجات ضد فرض "جواز اللقاح" إلى احتجاجات ضد سياسة الحكومة وضد الغلاء والبطالة، وضد فرض سن دون 30 سنة كشرط للمشاركة في مباريات ولوج سلك التعليم، وإلى الاحتجاج ضد التطبيع مع إسرائيل. واحتدت نبرة شعارات المحتجين لتصل إلى الهتاف بـ "إسقاط النظام". كما تناقلت ذلك فيديوهات منصات التواصل الاجتماعي. ولم يكن أمام السلطات غير إشهار هراوات القمع لمواجهة المظاهرات السلمية، بضرب واعتقال أعداد من المتظاهرين. لكن الاحتجاجات لم تتوقف لتتواصل على مدى أسابيع، في ظل إجراءات أمنية مكثفة. إلى أن التحقت بها، الأسبوع الأخير، هيئات المحامين بالمغرب، حيث رفض المحامون الإدلاء بـ"جواز اللقاح" كشرط لولوجهم أبواب المحاكم. ومن الطرائف المثيرة جدا اكتشاف مدونين أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي، لم يتلق أي جرعة للوقاية من الوباء، ولكن ذلك لم يحل دون توقيعه لقرارات فرض "جواز اللقاح". ما وصف بـ"الفضيحة الأخلاقية" التي أضيفت إلى فضائح أخرى راكمتها حكومة عزيز أخنوش بسرعة قياسية منذ تنصيبها في أكتوبر الماضي. ولم يف وزير العدل بما وعد به في الحملة الانتخابية لحزب "الأصالة والمعاصرة"، الذي يتولى أمانته العامة، مثله في ذلك مثل شريكيه في الحكومة، حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال. فمعتقلو الرأي يقبعون في السجون. وسقطت الوعود الملونة بألوان الرخاء وتعميم الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية مع أوراق الخريف قبل هبوب الريح الشتوية. لتستمر الأوضاع على ما هي عليه، وليستمر سجن نشطاء حراك الريف، واستهداف الحقوقيين والانتقام من الصحفيين غير المنضمين لأوركسترا الأبواق والطبول. 

غاب عام آخر قادم!

قبل حلول أعياد الميلاد وليلة رأس السنة بأيام، أعلنت الحكومة المغربية قرار إلغاء احتفالات السنة الميلادية وحظر التجول ليلة رأس السنة، لمواجهة تفشي فيروس كورونا. وسيستعد المغاربة لعام آخر، في مواجهة الأفق المنسد، في انتظار تمكن مختبرات الدول المتقدمة من القضاء على الوباء المعولم، بإنهائه كما قيل في غضون 2022، التي يؤمل أن تكون سنة نهاية وباء كوفيد 19. 

لكن بأي تاريخ ستنتهي سياسات ضرب الحريات والقمع والاستبداد ورعاية الفساد؟ 

أم أن الإجابة هي أن الحكومة الحالية هي مماثلة ولن تختلف عما سبق. وليس بالإمكان أبدع مما كان أو ابتكار حلول سحرية، أمام "إكراهات الظرفية الدولية". 

وما علينا إلا التسلح بالتفكير الإيجابي، الذي يعني الاعتقاد بأن الأفضل سيأتي حتما، وأنه سيحل مكان الأسوأ. كما تقول أغنية "العيطة" القديمة بصوت الفنانة الشعبية المتفائلة الحاجة الحمداوية.. "زيدو بنا القدام.. إلى خْيابَتْ دَبَا تَزْيانْ"، والمعنى الفصيح: (هيا بنا إلى الأمام.. إذا ساءت الأحوال فإنها ستتحسن وتزدان). وأن نواجه سنة أخرى بما نستطيع من قوة التفاؤل ورباط الأمل، ومواصلة الحلم بالغد الأفضل، لتحقيق "النموذج التنموي الجديد" المختلف عن نسخة شكيب بنموسى. ففي أفق التغيير المنتظر لا نملك غير الأمل والتضامن والتطلع إلى الأمام. حتى لا نضطر لتقمص شخصية بطل رواية "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" ونجد أنفسنا نردد معه كل صباح: "(...) إننا لا نميز التشاؤم عن التفاؤل. فنسأل أنفسنا: من نحن؟ أمتشائمون نحن أم متفائلون؟ نقوم في الصباح من نومنا فنحمد الله على أنه لم يقبضنا في المنام. فإذا أصابنا مكروه في يومنا نحمده على أن الأكره منه لم يقع، فأيهم نحن: أمتشائمون نحن أم متفائلون".

والأهم من كل هذا، هو ألا يبلغ بنا "التشاؤل" مبلغه لدرجة الاستواء مع العرافين في حساب الزمن واستباق الوقت، فنضطر لتحوير قول الشاعر المغدور طرفة بن العبد: "ما أشبه الليلة بالبارحة"، بـ "ما أشبه الغد بالبارحة".. وما أشبه العام المقبل بالأعوام التي سبقته ورحلت. 

في لحظة مارقة ستطفأ أضواء سنة راحت لتشعل أضواء سنة أقبلت، لكن "لاشيء يحدث ولا أحد يجيء"، كما "في انتظار غودو".

-------------------------------

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء
تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء

عبد الرحيم التوراني

تسود منذ فترة ليست باليسيرة حالة من الاستياء العام ومن تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب، تطفو نبرته الحادة على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية، وتعبيرهم عن شكواهم الصريحة من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء.

في هذا الصدد عرف الأسبوع الأخير الدعوة لمظاهرات احتجاجية، تم تفريقها في عدد من مدن وجهات المغرب. مظاهرات ومسيرات احتجاجية دعت إليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمختلف الأقاليم، مسنودة بالأساس من تحالف الجبهة الاجتماعية المغربية، وضمنه أحزاب فيدرالية اليسار المغربي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، إضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهيئات حقوقية ومدنية أخرى.

في بيان خاص نبهت المركزية النقابية إلى "الارتفاع المهول للأسعار بشكل غير مسبوق، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، واتساع دائرة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية في ظل توالي الأزمات وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات السائدة منذ عقود".

وبالرغم من كونها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المغاربة إلى الاحتجاج بالنزول إلى الشارع، فإن الأمر أصبح يدفع باستمرار إلى طرح سؤال حارق قد يبدو للبعض أن به مبالغة: - هل يسير المغرب في اتجاه انفجار اجتماعي؟

إلا أن السلطات الأمنية عمدت إلى منع هذه المسيرات الشعبية، بدعوى "الحفاظ على الأمن العام". ما أفضى بتحول الاحتجاجات ضد الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية، إلى التنديد بالقمع وخنق حرية التعبير، والممارسات التي تتنافى وتتعارض مع نص الدستور.

صادف هذا الحدث إحياء الذكرى 12 لـ لانتفاضة "حركة 20 فبراير" المنبثقة عن ثورات الربيع العربي، وقد تمت استعادة شعاراتها المركزية المتمثلة بالأخص في المطالبة بـ"إسقاط الفساد"، ورفض "زواج المال والسلطة"، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي المقدمة سجناء حرية التعبير من صحفيين ومدونين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

لا شك أن وسائل الإعلام الرقمي الجديد، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، سهلت إتاحة المعلومات المتعلقة بأغنى الأشخاص الذين يهيمنون على ثروات المغرب، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، من بينهم رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، صاحب محطات "إفريقيا" للمحروقات وأكبر فلاحي المغرب، وزوجته سلوى أخنوش، وذلك فق ما ينشر سنويا في تصنيفات مجلة "فوربيس" الأمريكية المهتمة برصد وإحصاء أرصدة أغنياء العالم.  وبينما ينعم هؤلاء الأغنياء في الرفاه وترف النِّعَم، يعيش ملايين المغاربة في فقر "كاريانات" مدن الصفيح، دون الحد الأدنى من المقومات الأساسية للعيش الكريم. وفي الوقت الذي تتسع فيه فجوة الفوارق الاجتماعية، ويتضاعف فيه معدل الفقر بنسب عالية، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها أمام تحديات كبيرة لاختبار استراتيجياتها وسياساتها التي أعدتها بهدف تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

فعلى ضوء ما وعدت به الحكومة الحالية وما قدمته في برنامجها وبيانها الحكومي، فإن حوالي عام ونصف على تنصيب عزيز أخنوش على رأسها (7 أكتوبر 2021)، هو زمن كافٍ لإجراء تقييم لإنجازاتها. إلا أن المؤشرات هنا توضح مدى ضعف الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحكومة، في خضم ما يعانيه العالم اليوم من تضخم قوي ناتج عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وعن ذيول ومخلفات الأزمة الاقتصادية المترتبة عن وباء كورونا في 2020.

بيان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حمَّل حكومة أخنوش "كامل المسؤولية عما قد يترتب عن الوضع الاجتماعي المأزوم من ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي"، أمام تجاهل آثار هذه الأزمة الاجتماعية الخانقة. وأكد على ضرورة اتخاذ مبادرات وإجراءات جريئة وهيكلية لإيقاف ضرب وتدمير القدرة الشرائية لأغلبية المواطنات والمواطنين، و"محاربة كل أشكال الفساد والريع والمضاربات بدل مواصلة الانحياز للرأسمال الريعي والاحتكاري، وخنق الحريات". كما طالب بتنفيذ كافة الالتزامات الاجتماعية، وعدم المساس بمكتسبات التقاعد.

لكن الحكومة تبدو وكأنها غير آبهة بما يجري ويحدث أمام أنظارها من تفاعل وصراعات، وقد تآلفت أسماعها مع مثل هذه اللغة الاحتجاجية الموغلة في السلبية  والتشاؤم.

إلا أن نقابي من قطاع التعليم من مدينة طنجة، أبى إلا أن يذكرنا بالتاريخ القريب جدا، ففي الصيف الماضي فقط (يوليوز 2022) انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ظهر في رئيس الحكومة عزيز أخنوش مصحوبا بوزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، وهم في مهرجان موسيقي. فجأة تعالت أصوات تردد: (أخنوش.. ارحل.. ارحل). إثرها شوهد رئيس الحكومة وهو يغادر المكان مسرعا ويركب سيارة.

ليلتها كانت ساكنة مناطق الشمال في المغرب تعاني من ويلات حرائق مهولة، ضمن سلسلة حرائق شملت الجنوب الأوروبي، فرنسا واليونان واسبانيا والبرتغال. وفي الوقت الذي هرع فيه رؤساء ومسؤولو حكومات تلك الدول باتجاه مناطق الكوارث ببلدانهم  للتضامن مع ضحايا الفجيعة الإنسانية، أدار رئيس الحكومة المغربية ظهره للآلاف من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين وسط الغابات المحترقة، وقد دمرت قراهم وحقولهم، إذ فضل رئيس الحكومة المغربية النزول جنوبا لافتتاح مهرجان موسيقي راقص، في المدينة التي يشغل فيها مهمة عمدة، ولم يدر بخلده أنه سيواجه بمثل تلك المعاملة من جمهور مشتعل بالغضب، لم يتردد في تأسيس زلزال تحت المنصة التي وقف عليها المسؤول الحكومي الأول.

وللإشارة فقد اشتهرت هذه المدينة الجنوبية الساحلية بالزلزال الذي ضربها بتاريخ 29 فبراير 1960 وخلف أزيد من 15 ألف قتيلا، ومن تاريخها كلما وقعت هزة أرضية عنيفة على سطح الأرض، مثلما وقع أخيرا في تركيا وسوريا، تذكر العالم مدينة أغادير وزلزالها العنيف.

لم يعد أخنوش يأبه بشعارات المطالبة برحيله، منذ تصدر وسم "أخنوش ارحل" مواقع الفيسبوك والتويتر في المغرب، على خلفية ارتفاع أسعار الوقود. حيث يعد الرجل المحتكر رقم واحد للمحروقات في البلاد. ويتهمه الرأي العام في المغرب بكونه وراء ارتفاع أسعار المحروقات رغم هبوطها في الأسواق العالمية، باعتباره رئيسا للوزراء ثم بصفته صاحب أكبر شركة لبيع وتوزيع الوقود في المغرب (افريقيا غاز)، وطبعا هو دائما أكبر المستفيدين من ارتفاع الأسعار.

لقد تحول الشعار الذي خاض به حزب أخنوش الانتخابات الأخيرة إلى مسخرة لدى الناس، يهزؤون به كما يثير حفيظتهم، والشعار الموجه للناخبين والمواطنين عموما أثناء الحملة الانتخابية البلدية والبرلمانية صيف 2021، هو "تتساهل أحسن"، وترجمته الفصيحة: "أنت تستحق الأفضل". وكان رئيس حزب الأحرار عند كشفه للمرة الأولى لـ"شعار المرحلة" كما أسماه، قال في تجمع انتخابي بالدار البيضاء: (إن المغاربة "يستاهلو" حكومة قادرة أن تكون في المستوى الّلي بغا صاحب الجلالة).

ولما حصل حزب عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) على المرتبة الأولى في انتخابات 8 سبتمبر 2021، وتم تعيينه رئيسًا للوزراء من قبل الملك محمد السادس، أكد أخنوش أنه سيلتزم بالرعاية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر ضعفا وتعزيز الصحة العامة والتعليم، والنهوض بالاقتصاد الوطني المتضرر من الوباء. ثم  أعلن مباشرة عن خطة طارئة لدعم السياحة، باعتبارها القطاع الرئيسي في الاقتصاد المغربي. ووافقت حكومته على برنامج حمل اسم "أوراش"، يهدف إلى خلق 250 ألف فرصة عمل بين عامي 2022 و2023. كما تكلم عن تقنين الإنفاق العام وتعزيز مشاريع البحث العلمي. والاتجاه نحو تقليص الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.

وما يراه المواطنون اليوم هو تراجع واضح عن الوعود التي تضمن تحقيق "المغرب الديمقراطي الجديد"، كما جاء على لسان أخنوش دائما.

من بين تلك الوعود التي تعهدت بها الحكومة وظلت مجرد وعود: - "إخراج مليون أسرة من الفقر وانعدام الأمن"، ومكافحة البطالة عن طريق "خلق مليون فرصة عمل"، وتوفير ضمانات الرعاية الاجتماعية، ومنها "دخل الكرامة" الذي يصل إلى 400 درهم (حوالي 34 دولار أمريكي)، لمساعدة كبار السن، و300 درهم (حوالي 25 دولار أمريكي) لدعم الأسر الفقيرة ومساعدتها على تعليم أطفالها، والتزام مدى الحياة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. ناهيك عما قيل عن إحداث ثورة في قطاع التعليم، "ثورة تجعل المغرب ضمن أفضل 60 دولة في العالم من حيث جودة التعليم".

ولم يرِد أي كلام هام في بيان حكومة أخنوش يخص محاربة الفساد، غير أن آخر ما حصل في هذا المجال هو  فضيحة "بيع تذاكر المونديال"، وقد تورط فيها رجال أعمال ونواب برلمانيين من الأحزاب المتحالفة ضمن الحكومة الحالية، وحتى اليوم لا زال الرأي العام في انتظار نتيجة التحقيقات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء في هذا الشأن. وقد سبقت هذه الفضيحة قضية امتحانات ولوج سلك المحاماة.

وآخر وليس الأخير بهذا الصدد، فضيحة استيراد الأبقار من البرازيل، وما رافقها من شبهات تسريب قبلي لعزم الحكومة إلغاء الرسوم على استيراد الأبقار المعدة للذبح، وكانت المفاجأة أن مستوردين "محظوظين" بعلاقاتهم مع جهاتٍ حكومية، استطاعوا أن يستوردوا من هذا البلد اللاتيني  قطعانا من العجول والأبقار المعفية من رسوم الاستيراد، بعد فترة زمنية قصيرة تناهز أسبوعين فقط، مباشرةً بعد تاريخ اتخاذ قرارالإعفاء في المجلس الحكومي. ما يعزز بقوة الشكوك والشبهاتحول وقوع عملية تسريب المعلومة المذكورة قبل اتخاذ القرار رسميا من طرف الحكومة"، وقد طرحت المسألة في مجلس النواب.

هكذا، مهما بلغت حاجة الناس لمشاعر النصر والابتهاج، لم تستطع كرة القدم والإنجاز الكبير للمنتخب المغربي في مونديال قطر، تبديد الاضطرابات الاجتماعية، والخوف كل الخوف من أي استقرار أو سلام اجتماعي هش، ومن ضعف المعارضة، فلا شيء مضمون لاستبعاد تطور مسار الأحداث وانجرافها نحو انفجار كبير!

================================================================

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).