أصبح بنكيران يحرص على ارتداء الزي التقليدي الشعبي منذ فشله في القيام بمهمة تشكيل الحكومة في مارس 2017
أصبح بنكيران يحرص على ارتداء الزي التقليدي الشعبي منذ فشله في القيام بمهمة تشكيل الحكومة في مارس 2017

عبد الرحيم التوراني

وضع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية "البيجيدي" عبد الإله بنكيران نفسه موضع سخرية وانتقادات لاذعة، عندما اختار اليوم الأول من السنة الجديدة 2022 ليجتمع بالأطر المحلية والجهوية لحزبه، ويخاطبهم بكلمة توجيهية، لم تتخلص من ثقل شوائب الشعبوية المتكلسة، ولا من استجلاب الفرجة والإثارة بمعناها الجديد وفق ظاهرة "البوز" Buzz  بمواقع التواصل الرقمي.  

وصل بنكيران إلى مقر الحزب وسط الرباط، بسيارة فاخرة من سيارات المربد الملكي، كان بنكيران نفسه أخبر أنها هدية له من الملك محمد السادس الذي أنعم عليه بتقاعد استثنائي غير مسبوق (تسعة آلاف دولار شهريا)، محاطا بحراس شخصيين تؤدى رواتبهم أيضا من خزينة الدولة. ولأنه أصبح يحرص على ارتداء الزي التقليدي الشعبي منذ فشله في القيام بمهمة تشكيل الحكومة في مارس 2017، فقد بدا بجلباب رمادي أنيق وقميص من درجات اللون نفسه من دون ربطة عنق، مع شعر رأس قصير ولحية شبه حليقة، وغزا الشيب الأبيض الرجل الذي يخطو نحو السبعين من سنوات عمره. 

تطرق بنكيران في كلمته المرتجلة إلى الأسباب التي أدت بـ "البيجيدي" إلى التقهقر في الاستحقاقات البرلمانية التي جرت في 8 سبتمبر 2021، بعدما كان في المقدمة مترئسا للحكومة على مدى عقدين. واصفا ما حدث بالتسونامي وبالكارثة، مستدركا أن التعبير الأدق تلخصه اللفظة الدراجة العامية "التْكَرْدِيعَة" (الكاف جيم مصرية). مستثنيا من الأسباب توقيع الأمين العام السابق سعد الدين العثماني من موقعه رئيسا للحكومة المغربية على وثيقة التطبيع مع إسرائيل في ديسمبر 2020. نافيا أن يكون موقف "البيجيدي" من إسرائيل قد يتغير، بل "سيظل ضد التطبيع بدون شك ولا خلاف". وأضاف إنه "لا يمكن لأحد أن يؤاخذنا على موقف حزبنا من التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو يلزمنا بموقف معين". خصوصا وأن الإسرائيليين "لازالوا يسيئون إلى إخواننا الفلسطينيين ويأخذون أراضيهم ويجرفون أشجارهم ويعتدون عليهم". مستغربا من "هرولة البعض نحو التطبيع بأي شكل من الأشكال". مع التأكيد على أنهم في الحزب يتفهمون موقف الدولة ولن يدينوه. ولا تناقض في كل هذا حسب رأي بنكيران. 

لكل مقام مقال 

سبق لعبد الإله بنكيران أن صرح في أول ظهور له بعد عودته لقيادة سفينة العدالة والتنمية في ديسمبر الماضي، بأن "علاقات المغرب مع إسرائيل قديمة، لكن لولا الجزائر ما وصلت إلى هذا الحد". وكأن الأمين العام لـ"البيجيدي" يسعى لمسح موقفه السابق، لما خرج في اليوم التالي لتوقيع التطبيع، وقام بمهمة قمع قواعد "البيجدي" التي بدأت تتململ وتستعد للتمرد ضد قيادتها. ومما قاله في تلك المناسبة: "لأننا حزب مؤسسات، وأيضاً نحن حزب يقود الحكومة، ولا يمكن خذلان الدولة في قضية حرجة". وأن "المغرب يعرف ما يفعل، وجلالة الملك يعرف مصلحة البلاد". 

واليوم، وقد اصطف حزب "البيجيدي" في المعارضة، فإن بنكيران بصدد تطبيق ما عبر عنه غداة التطبيع، حين قال إن وجود حزبه في الحكومة "يفرض عليه القبول بكل القرارات، وإذا كان سيرفض أي قرار فالمفروض أن يظل في المعارضة، وحينها يمكن أن يقول ما يشاء، أما والحال أن الحزب يترأس الحكومة وأمينه العام هو الرجل الثاني في الدولة، فلا يمكن للرجل الثاني أن يخرج عن الرجل الأول". 

إننا أمام ما وصفه الأسلاف بـ "لكل مقام مقال". لكن يجب إتمام القول: بأن "لكل زمان رجال، ولكل ساقطة لاقطة، ولكل طعام آكله". لذلك لا يجد بنكيران اليوم من يقدم على تلذذ طبخته وأكلته الجديدة، بعد أن أثار كلامه موجة انتقادات واسعة في صفوف الرأي العام، خاصة وأن العقيدة السياسية لحزب العدالة والتنمية مؤسسة على رفض التطبيع. وقد عبرت عدد من التدوينات بمواقع التواصل الاجتماعي عن امتعاضها الشديد وعن سخريتها من انتقال الإسلاميين من الموقف إلى نقيضه. ما جعل البعض يتكلم عن "قمة النفاق"، وبأن "الكذب والفساد والنفاق سلعة رائجة لدى المتاجرين بالدين". وبأن "كذب بنكيران لا يمكن أن ينطلي على أحد. ألم يكن حزبك هو الذي وقع على التطبيع مع العدو الصهيوني؟ ألم يكن من الأجدر بك أن تغرب بوجهك إلى الأبد عن الساحة". وكتب آخر إن "كلام بنكيران من المزايدات السياسية والنفاق ليس غير، وهو توزيع أدوار، بعدما أصبح الأمر معروفا ومكشوفا عند الفرع المغربي لتنظيم للإخوان المسلمين". 

وتجدر الإشارة إلى أن بنكيران كان مضي شهرين على توقيع المغرب لوثيقة التطبيع مع إسرائيل، حاول امتصاص غضب حلفائه الإسلاميين في المنطقة، وقال بتاريخ 18 فبراير 2021 "إن الدولة التي يسيرها الملك هي التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل وليس حزب "العدالة والتنمية". ثم هاجم بالمناسبة ذاتها المنتقدين من الإسلاميين في العالم، ونعتهم بـ"الأغبياء" لعدم فهمهم الخصوصية المغربية. 

التخلي عن الفلسطينيين 

لم ينس بنكيران في نفس الكلمة التوجيهية لأول السنة الجديدة مهاجمة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، وسماه بـ"الغدار" و"البلطجي"، لكون الأخير أخلف اتفاقه معه و"تآمر عليه مع عزيز أخنوش (رئيس التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة الحالي)، عندما كان بنكيران مكلفا بتشكيل الحكومة إثر نتائج انتخابات 2016. وأضاف بنكيران إن لشكر أهلك حزب الاتحاد وأساء إلى تاريخه ولتراثه النضالي فأوصله اليوم إلى الحضيض. تلميحا للأزمة المتفاعلة حاليا داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، ووجود إدريس لشكر وسط مؤاخذات حادة، بعدما مبادرته بتغيير قوانين الحزب لضمان استمراريته في القيادة. ويشيع بعض مناصري لشكر أن جهات عليا هي من ترغب في بقائه لولاية ثالثة، لذلك لا يتردد لشكر في التماهي مع مواقف النظام، ولا يتأخر عن تأييد التطبيع والمزايدة على غيره في هذا المجال، ناسخا مواقف الاتحاد الوطني/الاشتراكي للقوات الشعبية "اللامشروطة" من القضية الفلسطينية، مغيبا كون "الموساد" الإسرائيلي شريك في اغتيال الزعيم المهدي بن بركة.  

صرح لشكر لقناة "البي بي سي" البريطانية في آخر أيام ديسمبر الأخير، أن "تطبيع المغرب مع إسرائيل يأتي في إطار ما له علاقة بالمؤامرات التي تحاك ضده وبالجوار والإساءات المتكررة التي تستهدف أمنه واستقراره ووحدته". لكن الحماسة المبالغ فيها أوقعته في زلة لسان مسيئة للمهاجرين المغاربة، حين قال في نفس المقابلة، أنه يعتبر "المغاربة اليهود من أخلص الجاليات المغربية في الخارج". متجاهلا تضحيات مغاربة العالم خاصة في بلدان الاتحاد الأوروبي وكندا، الذين ظلوا مرتبطين بالوطن وبدعم عائلاتهم ماديا، ورغم الجائحة فقد بلغت تحويلاتهم للسنة المنصرمة 95 مليار درهم، وهومبلغ قياسي مقارنة بسنة 2020. ولأن الرهان على قصر ذاكرة المغاربة، فقد أنسانا إدريس لشكر، ونسي هو أولا، ما تفوه به أمام الصحفيين في قاعة مصطفى الخوضي بوكالة المغرب العربي للأنباء في سنة 2015، لما هاجم بصفته الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي "هؤلاء المخلصين"، مطالبا بسحب الجنسية المغربية منهم. يومها صرح لشكر إن حزبه "قدم مقترح قانون يقضي بسحب الجنسية من المغاربة اليهود الذين يقيمون في المستوطنات الإسرائيلية بالأراضي الفلسطينية، لأنه تم اكتشاف أن العديد من المغاربة الإسرائيليين يقطنون هذه المستوطنات". 

لقد ارتكب إدريس لشكر خطأ فادحا، علميا وقانونيا وتاريخيا، غالبا ما يتعمد إسقاط كثيرين فيه، ربما لأنه كان يتحدث "بلا قيود" (اسم البرنامج)، عندما نعت يهود المغرب بـ"الجالية المغربية"، بينما تؤكد الحقائق على أرض الواقع أنهم ليسوا كذلك، بعدما هاجروا طوعا أو قسرا إلى فلسطين واستوطنوها، بل انضموا إلى صفوف " تْسْاهَل" المختصر العبري لاسم جيش الدفاع الإسرائيلي، ويقال إنهم كانوا أشد قساوة على الشعب الفلسطيني من غيرهم من شتات يهود العالم الذين هبطوا إلى "أرض الميعاد". وبالتالي لم تعد تربطهم بوطنهم الأول سوى الأضرحة التي يواظبون على زيارتها في مواسم دينية منظمة. أضرحة أسلافهم وأوليائهم الصالحين التي يعنى بالمحافظة عليها فقراء المسلمين، وهو موضوع الوثائقي الذي أنجزته المغربية الإسرائيلية الفرنسية سيمون بيتون، حمل الفيلم عنوان "زيارة". وبمناسبة خروج الفيلم إلى القاعات استضافت قناة "فرانس 24" المخرجة والكاتبة والمنتجة للحديث عن جديدها، ومن أهم ما قالته سليلة الرباط بصدد التطبيع المغربي مع إسرائيل: "إن كان هناك من فضل لهذا التطبيع فهو وضع حد للنفاق السياسي الذي استمر طويلا، فالمغرب ربطته بإسرائيل علاقات منذ تأسيسها". ودون ذلك فإن سيمون بيتون ترى أن التطبيع المغربي مع إسرائيل لم يكن ذا قيمة وفقا للأعراف الديبلوماسية، متمنية لو استعمل المغرب هذا التطبيع لتحقيق شيء ما للفلسطينيين، هذه هي الدبلوماسية، تقديم شيء ما مقابل الحصول على آخر. وختمت بالقول: "أعتقد أن الفلسطينيين اليوم يشعرون أنهم تركوا لحالهم".  

وكان محمد السادس قال بعد التطبيع إنه لم يتخل عن القضية الفلسطينية.  

والملاحظ أن دينامية التطبيع تمشي بسرعة أكبر بين المغرب وإسرائيل. فقد جرت في أكتوبر الأخير ترقية مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط إلى سفارة، مع استمرار عدم اعتراف تل أبيب بمغربية الصحراء والتزامها بموقف الأمم المتحدة من النزاع، رغم أن التطبيع تأسس على مبدأ مقايضة اعتراف ترامب بمغربية الأقاليم الصحراوية بتطبيع مغربي مع إسرائيل. كما تابع المراقبون سابقة إبرام عقد اتفاق أمني وعسكري بين إسرائيل والمغرب، بعد زيارة وزيري الخارجية والدفاع الإسرائيليين للرباط، وفتح خط جوي بين المغرب وإسرائيل. كل ذلك مقابل رفض شعبي واسع يتم التعبير عنه بوضوح في مسيرات ومظاهرات، فبمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني المتزامن مع الذكرى الأولى لتوقيع التطبيع في ديسمبر 2021، نظمت في حوالي 40 مدينة مغربية احتجاجات ضد التطبيع. وأعادت "الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع" تأكيدها بنزع الشرعية الدستورية عنه التطبيع. بل إن الجبهة المغربية قارنت التطبيع مع إسرائيل باتفاقية الحماية الاستعمارية الفرنسية للمغرب في مستهل القرن الماضي.  

هذا في وقت اعترف فيه ممثل إسرائيل في الرباط بفشل التطبيع شعبيا، وعزمه بذل جهد مضاعف لربح هذا الرهان. جهد ينعكس في جلب بعض الوفود لزيارة إسرائيل، وفي تجنيد كتائب إلكترونية مستعيرة لثقافة الذباب عبر تويتر والفيسبوك، وغالبا ما تسقط هاته التدوينات في الابتذال والسفه، بتوجيه شتائم للشعب الفلسطيني، واعتبار الإسرائيليين إخوة وأشقاء، مقابل الهجوم مثلا على الجزائريين وإنكار الروابط التي تجمعهم بإخوانهم المغاربة، بل اعتبارهم هم الأعداء. وهو للأسف ما يسقط فيه جزائريون باستعداء المغاربة. لعل ذلك من التمهيدات الضرورية لحرب تلوح في الأفق بين الجارين. طبعا لن تكون إسرائيل بعيدة عنها. 

-------------------------------

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء
تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء

عبد الرحيم التوراني

تسود منذ فترة ليست باليسيرة حالة من الاستياء العام ومن تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب، تطفو نبرته الحادة على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية، وتعبيرهم عن شكواهم الصريحة من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء.

في هذا الصدد عرف الأسبوع الأخير الدعوة لمظاهرات احتجاجية، تم تفريقها في عدد من مدن وجهات المغرب. مظاهرات ومسيرات احتجاجية دعت إليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمختلف الأقاليم، مسنودة بالأساس من تحالف الجبهة الاجتماعية المغربية، وضمنه أحزاب فيدرالية اليسار المغربي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، إضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهيئات حقوقية ومدنية أخرى.

في بيان خاص نبهت المركزية النقابية إلى "الارتفاع المهول للأسعار بشكل غير مسبوق، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، واتساع دائرة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية في ظل توالي الأزمات وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات السائدة منذ عقود".

وبالرغم من كونها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المغاربة إلى الاحتجاج بالنزول إلى الشارع، فإن الأمر أصبح يدفع باستمرار إلى طرح سؤال حارق قد يبدو للبعض أن به مبالغة: - هل يسير المغرب في اتجاه انفجار اجتماعي؟

إلا أن السلطات الأمنية عمدت إلى منع هذه المسيرات الشعبية، بدعوى "الحفاظ على الأمن العام". ما أفضى بتحول الاحتجاجات ضد الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية، إلى التنديد بالقمع وخنق حرية التعبير، والممارسات التي تتنافى وتتعارض مع نص الدستور.

صادف هذا الحدث إحياء الذكرى 12 لـ لانتفاضة "حركة 20 فبراير" المنبثقة عن ثورات الربيع العربي، وقد تمت استعادة شعاراتها المركزية المتمثلة بالأخص في المطالبة بـ"إسقاط الفساد"، ورفض "زواج المال والسلطة"، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي المقدمة سجناء حرية التعبير من صحفيين ومدونين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

لا شك أن وسائل الإعلام الرقمي الجديد، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، سهلت إتاحة المعلومات المتعلقة بأغنى الأشخاص الذين يهيمنون على ثروات المغرب، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، من بينهم رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، صاحب محطات "إفريقيا" للمحروقات وأكبر فلاحي المغرب، وزوجته سلوى أخنوش، وذلك فق ما ينشر سنويا في تصنيفات مجلة "فوربيس" الأمريكية المهتمة برصد وإحصاء أرصدة أغنياء العالم.  وبينما ينعم هؤلاء الأغنياء في الرفاه وترف النِّعَم، يعيش ملايين المغاربة في فقر "كاريانات" مدن الصفيح، دون الحد الأدنى من المقومات الأساسية للعيش الكريم. وفي الوقت الذي تتسع فيه فجوة الفوارق الاجتماعية، ويتضاعف فيه معدل الفقر بنسب عالية، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها أمام تحديات كبيرة لاختبار استراتيجياتها وسياساتها التي أعدتها بهدف تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

فعلى ضوء ما وعدت به الحكومة الحالية وما قدمته في برنامجها وبيانها الحكومي، فإن حوالي عام ونصف على تنصيب عزيز أخنوش على رأسها (7 أكتوبر 2021)، هو زمن كافٍ لإجراء تقييم لإنجازاتها. إلا أن المؤشرات هنا توضح مدى ضعف الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحكومة، في خضم ما يعانيه العالم اليوم من تضخم قوي ناتج عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وعن ذيول ومخلفات الأزمة الاقتصادية المترتبة عن وباء كورونا في 2020.

بيان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حمَّل حكومة أخنوش "كامل المسؤولية عما قد يترتب عن الوضع الاجتماعي المأزوم من ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي"، أمام تجاهل آثار هذه الأزمة الاجتماعية الخانقة. وأكد على ضرورة اتخاذ مبادرات وإجراءات جريئة وهيكلية لإيقاف ضرب وتدمير القدرة الشرائية لأغلبية المواطنات والمواطنين، و"محاربة كل أشكال الفساد والريع والمضاربات بدل مواصلة الانحياز للرأسمال الريعي والاحتكاري، وخنق الحريات". كما طالب بتنفيذ كافة الالتزامات الاجتماعية، وعدم المساس بمكتسبات التقاعد.

لكن الحكومة تبدو وكأنها غير آبهة بما يجري ويحدث أمام أنظارها من تفاعل وصراعات، وقد تآلفت أسماعها مع مثل هذه اللغة الاحتجاجية الموغلة في السلبية  والتشاؤم.

إلا أن نقابي من قطاع التعليم من مدينة طنجة، أبى إلا أن يذكرنا بالتاريخ القريب جدا، ففي الصيف الماضي فقط (يوليوز 2022) انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ظهر في رئيس الحكومة عزيز أخنوش مصحوبا بوزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، وهم في مهرجان موسيقي. فجأة تعالت أصوات تردد: (أخنوش.. ارحل.. ارحل). إثرها شوهد رئيس الحكومة وهو يغادر المكان مسرعا ويركب سيارة.

ليلتها كانت ساكنة مناطق الشمال في المغرب تعاني من ويلات حرائق مهولة، ضمن سلسلة حرائق شملت الجنوب الأوروبي، فرنسا واليونان واسبانيا والبرتغال. وفي الوقت الذي هرع فيه رؤساء ومسؤولو حكومات تلك الدول باتجاه مناطق الكوارث ببلدانهم  للتضامن مع ضحايا الفجيعة الإنسانية، أدار رئيس الحكومة المغربية ظهره للآلاف من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين وسط الغابات المحترقة، وقد دمرت قراهم وحقولهم، إذ فضل رئيس الحكومة المغربية النزول جنوبا لافتتاح مهرجان موسيقي راقص، في المدينة التي يشغل فيها مهمة عمدة، ولم يدر بخلده أنه سيواجه بمثل تلك المعاملة من جمهور مشتعل بالغضب، لم يتردد في تأسيس زلزال تحت المنصة التي وقف عليها المسؤول الحكومي الأول.

وللإشارة فقد اشتهرت هذه المدينة الجنوبية الساحلية بالزلزال الذي ضربها بتاريخ 29 فبراير 1960 وخلف أزيد من 15 ألف قتيلا، ومن تاريخها كلما وقعت هزة أرضية عنيفة على سطح الأرض، مثلما وقع أخيرا في تركيا وسوريا، تذكر العالم مدينة أغادير وزلزالها العنيف.

لم يعد أخنوش يأبه بشعارات المطالبة برحيله، منذ تصدر وسم "أخنوش ارحل" مواقع الفيسبوك والتويتر في المغرب، على خلفية ارتفاع أسعار الوقود. حيث يعد الرجل المحتكر رقم واحد للمحروقات في البلاد. ويتهمه الرأي العام في المغرب بكونه وراء ارتفاع أسعار المحروقات رغم هبوطها في الأسواق العالمية، باعتباره رئيسا للوزراء ثم بصفته صاحب أكبر شركة لبيع وتوزيع الوقود في المغرب (افريقيا غاز)، وطبعا هو دائما أكبر المستفيدين من ارتفاع الأسعار.

لقد تحول الشعار الذي خاض به حزب أخنوش الانتخابات الأخيرة إلى مسخرة لدى الناس، يهزؤون به كما يثير حفيظتهم، والشعار الموجه للناخبين والمواطنين عموما أثناء الحملة الانتخابية البلدية والبرلمانية صيف 2021، هو "تتساهل أحسن"، وترجمته الفصيحة: "أنت تستحق الأفضل". وكان رئيس حزب الأحرار عند كشفه للمرة الأولى لـ"شعار المرحلة" كما أسماه، قال في تجمع انتخابي بالدار البيضاء: (إن المغاربة "يستاهلو" حكومة قادرة أن تكون في المستوى الّلي بغا صاحب الجلالة).

ولما حصل حزب عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) على المرتبة الأولى في انتخابات 8 سبتمبر 2021، وتم تعيينه رئيسًا للوزراء من قبل الملك محمد السادس، أكد أخنوش أنه سيلتزم بالرعاية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر ضعفا وتعزيز الصحة العامة والتعليم، والنهوض بالاقتصاد الوطني المتضرر من الوباء. ثم  أعلن مباشرة عن خطة طارئة لدعم السياحة، باعتبارها القطاع الرئيسي في الاقتصاد المغربي. ووافقت حكومته على برنامج حمل اسم "أوراش"، يهدف إلى خلق 250 ألف فرصة عمل بين عامي 2022 و2023. كما تكلم عن تقنين الإنفاق العام وتعزيز مشاريع البحث العلمي. والاتجاه نحو تقليص الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.

وما يراه المواطنون اليوم هو تراجع واضح عن الوعود التي تضمن تحقيق "المغرب الديمقراطي الجديد"، كما جاء على لسان أخنوش دائما.

من بين تلك الوعود التي تعهدت بها الحكومة وظلت مجرد وعود: - "إخراج مليون أسرة من الفقر وانعدام الأمن"، ومكافحة البطالة عن طريق "خلق مليون فرصة عمل"، وتوفير ضمانات الرعاية الاجتماعية، ومنها "دخل الكرامة" الذي يصل إلى 400 درهم (حوالي 34 دولار أمريكي)، لمساعدة كبار السن، و300 درهم (حوالي 25 دولار أمريكي) لدعم الأسر الفقيرة ومساعدتها على تعليم أطفالها، والتزام مدى الحياة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. ناهيك عما قيل عن إحداث ثورة في قطاع التعليم، "ثورة تجعل المغرب ضمن أفضل 60 دولة في العالم من حيث جودة التعليم".

ولم يرِد أي كلام هام في بيان حكومة أخنوش يخص محاربة الفساد، غير أن آخر ما حصل في هذا المجال هو  فضيحة "بيع تذاكر المونديال"، وقد تورط فيها رجال أعمال ونواب برلمانيين من الأحزاب المتحالفة ضمن الحكومة الحالية، وحتى اليوم لا زال الرأي العام في انتظار نتيجة التحقيقات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء في هذا الشأن. وقد سبقت هذه الفضيحة قضية امتحانات ولوج سلك المحاماة.

وآخر وليس الأخير بهذا الصدد، فضيحة استيراد الأبقار من البرازيل، وما رافقها من شبهات تسريب قبلي لعزم الحكومة إلغاء الرسوم على استيراد الأبقار المعدة للذبح، وكانت المفاجأة أن مستوردين "محظوظين" بعلاقاتهم مع جهاتٍ حكومية، استطاعوا أن يستوردوا من هذا البلد اللاتيني  قطعانا من العجول والأبقار المعفية من رسوم الاستيراد، بعد فترة زمنية قصيرة تناهز أسبوعين فقط، مباشرةً بعد تاريخ اتخاذ قرارالإعفاء في المجلس الحكومي. ما يعزز بقوة الشكوك والشبهاتحول وقوع عملية تسريب المعلومة المذكورة قبل اتخاذ القرار رسميا من طرف الحكومة"، وقد طرحت المسألة في مجلس النواب.

هكذا، مهما بلغت حاجة الناس لمشاعر النصر والابتهاج، لم تستطع كرة القدم والإنجاز الكبير للمنتخب المغربي في مونديال قطر، تبديد الاضطرابات الاجتماعية، والخوف كل الخوف من أي استقرار أو سلام اجتماعي هش، ومن ضعف المعارضة، فلا شيء مضمون لاستبعاد تطور مسار الأحداث وانجرافها نحو انفجار كبير!

================================================================

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).