Moroccan King Mohammed VI (C) walks alongside Jordan's King Abdullah II during a welcome ceremony at the Royal Palace in the…
https://www.maghrebvoices.com/opinions/2022/01/17/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%84%D9%87%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%86%D9%82%D9%88%D8

عريب الرنتاوي

 

ظلت التجربة المغربية في خلفية النقاشات حول "الإصلاح السياسي المنشود" بين النخب الأردنية، قبل وبعد إقرار التعديلات الدستورية الأخيرة ... ويعود ذلك إلى سببين اثنين: الأول؛ أنه لم يكن من بين هذه النخب من كان يعتقد بأن الأردن سائر نحو ملكية دستورية من الطراز الغربي...والثاني؛ أن المغرب يوفر نموذجاً للانتقال السياسي في ظلال ملكية ممسكة بتلابيب القرارات الاستراتيجية والسياسات العليا في البلاد، بمعنى أنه نموذجاً لديمقراطية محكومة بسقف الملكية الممسكة بزمام المبادرة والقرار.

ولم يكن لدى بعض النخب الأردنية الداعية لـ"استلهام" التجربة المغربية، أوهام حول "نموذج ديمقراطي ناجز" في المغرب، فالكل يعرف سطوة القصر وقدرته على التحكم بمفاصل "اللعبة السياسية" في البلاد، لكن إجماعاً كان تبلور مفاده أن المغرب هو الأقرب للخيار الديمقراطي من بين الدول الثمانية الأعضاء في نادي الملكيات العربية، وكان وقع الدعوة لاستلهام تجربته، يسقط "برداً وسلاماً" على الحذرين والمتخوفين من دفع مسارات الإصلاح والتحول الديمقراطي، ويستطيع كاتب هذه السطور، أن يؤكد هذه الحقيقة، بعد مخاض طويل من النقاشات حول "الطريق الأردني" للإصلاح والتحول، وبعد تجارب عديدة من الحوار والتثاقف بين مغاربة وأردنيين، من شتى المرجعيات وفي مختلف المواقع.

في المغرب، وبقوة الأعراف والأمر الواقع، ظل القصر محتكراً للسياسات الأمنية والدفاعية وللسياسة الخارجية، ومن موقعه كـ"أمير للمؤمنين" ظل الملك محتكراً للفضاء الديني، يديره عبر "مجلس علمي أعلى"، منوطة به وحده، قضايا الإفتاء وتفسير أحكام الشريعة، هذه حقيقة، يعرفها كل أردني على أية حال، والأردنيون عايشوها في بلادهم قبل وبعد آخر "موجات" التعديل المتلاحقة التي ضربت الدستور في عقد واحد فقط، إذ باستثناء "الفضاء الديني"، الذي ظل من ضمن "ولاية الحكومة وصلاحياتها"، فإن السياسات الأمنية والدفاعية والخارجية، ظلت خارج ولاية الحكومات المتعاقبة، وفي بعض الأحيان، فإن السياسات الاقتصادية والمالية، بعناوينها وتوجهاتها الكبرى، كانت من صلاحية "الديوان" يديرها ويرسم ملامحها، عبر مجالس خاصة، كانت تتشكل لهذا الغرض.

وربما يكون الأردن البلد الوحيد في العالم، الذي لا تتوفر حكوماته على وزارة دفاع، ولا تتشكل في برلماناته، لجنة دائمة للأمن والدفاع، إذ جرى العرف أن يكون رئيس الحكومة وزيراً للدفاع في الوقت عينه، ولكن من دون وزارة بهيكلية خاصة...ولقد سقطت مبادرات عدة، حاول من خلالها بعض أعضاء مجلس النواب، استحداث لجنة برلمانية دائمة تعنى بشؤون الأمن والدفاع، ولكن من دون جدوى.

على أن ما بدا أنه عرفٌ مستقر ومتوارث لجهة تقسيم الصلاحيات بين الملك والحكومات المتعاقبة، قد جرت "دسترته" في آخر ثلاث وجبات متعاقبة من التعديلات الدستورية، 2014، 2016 و2021، بحيث باتت من صلاحيات الملك منفرداً، تعيين ولي العهد ونائب الملك وقائد الجيش ومديري المخابرات العامة والأمن العام، ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس القضائي وقاضي القضاة ورئيس المجلس القضائي الشرعي والمفتي العام، فضلاً عن تعيين رئيس الديوان الملكي ووزير البلاط الملكي ومستشاري الملك.

على أن أبرز التعديلات الدستورية الأخيرة، وأكثرها إثارة للجدل، كانت استحداث مجلسٍ للأمن القومي، اقترحت الحكومة أن يكون برئاسة الملك، وترك البرلمان للملك (أو من يفوضه) أمر دعوته للانعقاد، وأناط به مسؤوليات السياستين الأمنية-الدفاعية والخارجية، ويضم إلى جانب رئيس الحكومة، وزراء الدفاع والخارجية والداخلية وقائد الجيش ومديري المخابرات والأمن العام وعضوين آخرين يعينهما الملك منفرداً ومن دون "تنسيب" من مجلس الوزراء.

ويمكن القول، أنه بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، بات رأس الدولة ورئيسها في الأردن، يتمتع بصلاحيات وسلطات منفردة، تفوق ما للعاهل المغربي ... وعلى سبيل المثال، فقد نص الدستور المغربي على تشكيل "مجلس أعلى للأمن"، الأمر الذي استٌحدث مؤخراً بالتعديلات الدستورية التي أقرها مجلسا النواب والأعيان الأردنيان، لكن المجلس المذكور في التجربة المغربية، يتمتع بصفة "تشاورية" فقط، في حين أنه ذو صفة تنفيذية، واجبة النفاذ، والأرجح من دون مساءلة أو محاسبة طالما أنها ممهورة بالخاتم الملكي كما في الدستور الأردني الجديد...العاهل المغربي يرأس المجلس وفي الأردن يدعو العاهل الأردني المجلس للانعقاد عند الضرورة، أو يفوض من يقوم بذلك، بعد أن أسقط البرلمان اقتراح الحكومة بوضع المجلس تحت الرئاسة المباشرة للملك...وفي حين جرى التنصيص في الدستور المغربي على دور لرئيس الحكومة في ترؤس اجتماعات المجلس في غياب الملك وبتكليف منه، وبجدول أعمال محدد، ظلت هوية من يحق له دعوة المجلس للانعقاد ورئاسة جلسات، منوطة بمن يختاره العاهل الأردني لهذه المهمة، والذي قد يكون رئيس الحكومة أو غيره.

في المغرب، يُعدّ رئيسا مجلس النواب والمستشارين (الأعيان) والرئيس المنتدب للسلطة القضائية (الملك يرأس المجلس القضائي في المغرب) أعضاء في المجلس المذكور، فضلاً عن وزير العدل، في حين لا حضور للسلطتين التشريعية والقضائية في تشكيل المجلس الأردني أو مداولاته.

الملك في المغرب يمارس سلطاته بثلاثة أشكال: منفرداً أو بالعطف من رئيس الحكومة أو باستشارة رئيس المحكمة الدستورية وغيره في بعض الأحيان، أما السلطات المنفردة للملك، فتتجلى عند ممارسته صلاحياته الدينية، وتعيين الأعضاء العشرة في مجلس الوصاية على العرش فضلاَ عن سلطاته كقائد أعلى للقوات المسلحة، أما تعيين رئيس الحكومة فمشروط بأن يكون من الحزب المتصدر للانتخابات وإعفاء الحكومة حال استقالة رئيسها، إجراء الاستفتاء على مراجعة الدستور، وإعلان حالة "الاستثناء" في حال تعرض البلاد لخطر داهم وحل مجلسي البرلمان أو أحدهما بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية.

المحكمة الدستورية في الأردن، أعضاءً ورئيساً، تُعين من قبل الملك، أما في المغرب فالملك يعين نصف عدد أعضائها الاثني عشرة، وينتخب مجلسا البرلمان الأعضاء الستة الباقين بواقع ثلاثة أعضاء لكل منهما، ويختار الملك رئيس المحكمة بين بين أعضائها، ويتمثل المجلس العلمي الأعلى (الشرعي) بعضو واحد من بين الستة أعضاء المعينين.

المنافحون عن التعديلات الدستورية الأخيرة، يرون أنها مقدمة لحكومات برلمانية – حزبية، تبقي المرافق والأجهزة الحساسة والخيارات الاستراتيجية الكبرى، بعيداً عن التجاذبات الحزبية، أما المعارضون لها، فيرون أنها "نزعت الدسم" من الحكومة البرلمانية قبل أن ترى النور بأكثر من عقد من الزمان (إن رأت النور)، وفقاً لرزنامة الانتقال التي يجري الحديث بشأنها، وجلعت من الحكومة "مجلساً بلدياً" موسعاً، بمهام ووظائف أفرغت "الولاية العامة" من أدواتها ومضامينها.

كما يتضح، تبدو الفوارق كبيرة بين دستوري الأردن والمغرب في باب سلطات وصلاحيات رئيس الدولة، فالدستور المغربي أقل تركيزاً للسلطات والصلاحيات من الدستور الأردني ... لكن الفوارق تبدو أوسع كثيراً في أبواب أخرى من الدستور، سيما تلك التي تتعلق بأوجه العمل العام وأدوار وصلاحيات بقية المؤسسات والسلطات.

فالملكية في المغرب، جرى تعريفها على أنها "دستورية ديمقراطية – اجتماعية"، وجرى في مقدمة الدستور، عرض شبه تفصيلي لأهم مبادئ السياسة الخارجية المغربية ومحدداتها، وكثير من فقرات الدستور المغربي، جرى افتتاحها بعبارة المواطنات والمواطنون (إضافة كلمة الأردنيات إلى عنوان الفصل الثاني كان سبباً كافياً لاستثارة أزمة عامة)، والدستور نص على المساواة بين المرأة والرجل، وكلف الدولة بمختلف مؤسساتها للسهر على ترجمة "المناصفة" بينهما، وأنشأ هيئة تختص بذلك، وجرّم التمييز على أساس الجنس وغيره، مما يثير قدراً هائلاُ من الانقسام في صفوف النخب الأردنية.

والدستور المغربي، ألزم الملك بتعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات، وحصن البرلمان في حالات إعلان الطوارئ (الاستثناء)، والمغربيات والمغربيون نجحوا في دسترة "اللامركزية، أو الجهوية"، والمجتمع المدني، وكان لافتاً أن "المعارضة البرلمانية" جرت دسترها كذلك، ونص الدستور على حقوقها وواجباتها، بصورة لا تقبل اللبس أو التجاهل أو التهميش.

الأردنيون الأكثر معرفة بالتجربة المغربية، لطالما تناولوا بكثير من "التشكيك" مفهوم "أحزاب المخزن" رائج الاستخدام في المغرب، في إشارة إلى الأحزاب القريبة من القصر وأجهزة "الدولة العميقة"، لكنهم اليوم باتوا أكثر خشية من إعادة نسخ التجربة أردنياً، فبعد كل ما قيل من قبل، عن "هندسة الانتخابات" لضمان نتائجها مسبقاً، يجري اليوم التحذير، وإن بقدر من السخرية، من الدخول في تجربة "هندسة الأحزاب"، وإعادة انتاج طبعة أردنية من "أحزاب المخزن"، ولقيت رسائل شكر وجهها أحد الأحزاب المشكلة حديثاً، لكل من الديوان الملكي ودائرة المخابرات على تسهيل تشكيل الحزب وتشجيعه، موجة من السخرية السوداء على منصات التواصل الاجتماعي وفي المجالس العائلية والاجتماعية.

والخلاصة، أن الاقتراب الأردني من التجربة المغربية، أو تجربة الانتقال الديمقراطي المتدرج والمضبوط بإيقاع "الملكية الصلبة"، جاء منقوصاً أو مشوهاً إلى حد كبير، ولعل دراسة مقارنة بين دستور المغرب 2011 ودستور الأردن 2022 (لا يكفي لها هذا المقام) تكفي للتعرف على "الفجوة" التي اتسعت بين التجربتين بدل أن تضيق.

 

-------------------------------

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

مواضيع ذات صلة

تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء
تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء

عبد الرحيم التوراني

تسود منذ فترة ليست باليسيرة حالة من الاستياء العام ومن تصاعد السخط الاجتماعي في المغرب، تطفو نبرته الحادة على ألسنة الناس في أحاديثهم اليومية، وتعبيرهم عن شكواهم الصريحة من ارتفاع الأسعار ولهيب نار الغلاء.

في هذا الصدد عرف الأسبوع الأخير الدعوة لمظاهرات احتجاجية، تم تفريقها في عدد من مدن وجهات المغرب. مظاهرات ومسيرات احتجاجية دعت إليها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمختلف الأقاليم، مسنودة بالأساس من تحالف الجبهة الاجتماعية المغربية، وضمنه أحزاب فيدرالية اليسار المغربي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي العمالي، إضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهيئات حقوقية ومدنية أخرى.

في بيان خاص نبهت المركزية النقابية إلى "الارتفاع المهول للأسعار بشكل غير مسبوق، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، واتساع دائرة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية في ظل توالي الأزمات وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات السائدة منذ عقود".

وبالرغم من كونها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها المغاربة إلى الاحتجاج بالنزول إلى الشارع، فإن الأمر أصبح يدفع باستمرار إلى طرح سؤال حارق قد يبدو للبعض أن به مبالغة: - هل يسير المغرب في اتجاه انفجار اجتماعي؟

إلا أن السلطات الأمنية عمدت إلى منع هذه المسيرات الشعبية، بدعوى "الحفاظ على الأمن العام". ما أفضى بتحول الاحتجاجات ضد الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية، إلى التنديد بالقمع وخنق حرية التعبير، والممارسات التي تتنافى وتتعارض مع نص الدستور.

صادف هذا الحدث إحياء الذكرى 12 لـ لانتفاضة "حركة 20 فبراير" المنبثقة عن ثورات الربيع العربي، وقد تمت استعادة شعاراتها المركزية المتمثلة بالأخص في المطالبة بـ"إسقاط الفساد"، ورفض "زواج المال والسلطة"، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وفي المقدمة سجناء حرية التعبير من صحفيين ومدونين ومدافعين عن حقوق الإنسان.

لا شك أن وسائل الإعلام الرقمي الجديد، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، سهلت إتاحة المعلومات المتعلقة بأغنى الأشخاص الذين يهيمنون على ثروات المغرب، وهم لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، من بينهم رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، صاحب محطات "إفريقيا" للمحروقات وأكبر فلاحي المغرب، وزوجته سلوى أخنوش، وذلك فق ما ينشر سنويا في تصنيفات مجلة "فوربيس" الأمريكية المهتمة برصد وإحصاء أرصدة أغنياء العالم.  وبينما ينعم هؤلاء الأغنياء في الرفاه وترف النِّعَم، يعيش ملايين المغاربة في فقر "كاريانات" مدن الصفيح، دون الحد الأدنى من المقومات الأساسية للعيش الكريم. وفي الوقت الذي تتسع فيه فجوة الفوارق الاجتماعية، ويتضاعف فيه معدل الفقر بنسب عالية، تجد حكومة عزيز أخنوش نفسها أمام تحديات كبيرة لاختبار استراتيجياتها وسياساتها التي أعدتها بهدف تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية.

فعلى ضوء ما وعدت به الحكومة الحالية وما قدمته في برنامجها وبيانها الحكومي، فإن حوالي عام ونصف على تنصيب عزيز أخنوش على رأسها (7 أكتوبر 2021)، هو زمن كافٍ لإجراء تقييم لإنجازاتها. إلا أن المؤشرات هنا توضح مدى ضعف الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الحكومة، في خضم ما يعانيه العالم اليوم من تضخم قوي ناتج عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، وعن ذيول ومخلفات الأزمة الاقتصادية المترتبة عن وباء كورونا في 2020.

بيان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حمَّل حكومة أخنوش "كامل المسؤولية عما قد يترتب عن الوضع الاجتماعي المأزوم من ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي"، أمام تجاهل آثار هذه الأزمة الاجتماعية الخانقة. وأكد على ضرورة اتخاذ مبادرات وإجراءات جريئة وهيكلية لإيقاف ضرب وتدمير القدرة الشرائية لأغلبية المواطنات والمواطنين، و"محاربة كل أشكال الفساد والريع والمضاربات بدل مواصلة الانحياز للرأسمال الريعي والاحتكاري، وخنق الحريات". كما طالب بتنفيذ كافة الالتزامات الاجتماعية، وعدم المساس بمكتسبات التقاعد.

لكن الحكومة تبدو وكأنها غير آبهة بما يجري ويحدث أمام أنظارها من تفاعل وصراعات، وقد تآلفت أسماعها مع مثل هذه اللغة الاحتجاجية الموغلة في السلبية  والتشاؤم.

إلا أن نقابي من قطاع التعليم من مدينة طنجة، أبى إلا أن يذكرنا بالتاريخ القريب جدا، ففي الصيف الماضي فقط (يوليوز 2022) انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ظهر في رئيس الحكومة عزيز أخنوش مصحوبا بوزير الشباب والثقافة والتواصل، المهدي بنسعيد، ووزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، وهم في مهرجان موسيقي. فجأة تعالت أصوات تردد: (أخنوش.. ارحل.. ارحل). إثرها شوهد رئيس الحكومة وهو يغادر المكان مسرعا ويركب سيارة.

ليلتها كانت ساكنة مناطق الشمال في المغرب تعاني من ويلات حرائق مهولة، ضمن سلسلة حرائق شملت الجنوب الأوروبي، فرنسا واليونان واسبانيا والبرتغال. وفي الوقت الذي هرع فيه رؤساء ومسؤولو حكومات تلك الدول باتجاه مناطق الكوارث ببلدانهم  للتضامن مع ضحايا الفجيعة الإنسانية، أدار رئيس الحكومة المغربية ظهره للآلاف من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها مشردين وسط الغابات المحترقة، وقد دمرت قراهم وحقولهم، إذ فضل رئيس الحكومة المغربية النزول جنوبا لافتتاح مهرجان موسيقي راقص، في المدينة التي يشغل فيها مهمة عمدة، ولم يدر بخلده أنه سيواجه بمثل تلك المعاملة من جمهور مشتعل بالغضب، لم يتردد في تأسيس زلزال تحت المنصة التي وقف عليها المسؤول الحكومي الأول.

وللإشارة فقد اشتهرت هذه المدينة الجنوبية الساحلية بالزلزال الذي ضربها بتاريخ 29 فبراير 1960 وخلف أزيد من 15 ألف قتيلا، ومن تاريخها كلما وقعت هزة أرضية عنيفة على سطح الأرض، مثلما وقع أخيرا في تركيا وسوريا، تذكر العالم مدينة أغادير وزلزالها العنيف.

لم يعد أخنوش يأبه بشعارات المطالبة برحيله، منذ تصدر وسم "أخنوش ارحل" مواقع الفيسبوك والتويتر في المغرب، على خلفية ارتفاع أسعار الوقود. حيث يعد الرجل المحتكر رقم واحد للمحروقات في البلاد. ويتهمه الرأي العام في المغرب بكونه وراء ارتفاع أسعار المحروقات رغم هبوطها في الأسواق العالمية، باعتباره رئيسا للوزراء ثم بصفته صاحب أكبر شركة لبيع وتوزيع الوقود في المغرب (افريقيا غاز)، وطبعا هو دائما أكبر المستفيدين من ارتفاع الأسعار.

لقد تحول الشعار الذي خاض به حزب أخنوش الانتخابات الأخيرة إلى مسخرة لدى الناس، يهزؤون به كما يثير حفيظتهم، والشعار الموجه للناخبين والمواطنين عموما أثناء الحملة الانتخابية البلدية والبرلمانية صيف 2021، هو "تتساهل أحسن"، وترجمته الفصيحة: "أنت تستحق الأفضل". وكان رئيس حزب الأحرار عند كشفه للمرة الأولى لـ"شعار المرحلة" كما أسماه، قال في تجمع انتخابي بالدار البيضاء: (إن المغاربة "يستاهلو" حكومة قادرة أن تكون في المستوى الّلي بغا صاحب الجلالة).

ولما حصل حزب عزيز أخنوش (التجمع الوطني للأحرار) على المرتبة الأولى في انتخابات 8 سبتمبر 2021، وتم تعيينه رئيسًا للوزراء من قبل الملك محمد السادس، أكد أخنوش أنه سيلتزم بالرعاية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر ضعفا وتعزيز الصحة العامة والتعليم، والنهوض بالاقتصاد الوطني المتضرر من الوباء. ثم  أعلن مباشرة عن خطة طارئة لدعم السياحة، باعتبارها القطاع الرئيسي في الاقتصاد المغربي. ووافقت حكومته على برنامج حمل اسم "أوراش"، يهدف إلى خلق 250 ألف فرصة عمل بين عامي 2022 و2023. كما تكلم عن تقنين الإنفاق العام وتعزيز مشاريع البحث العلمي. والاتجاه نحو تقليص الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.

وما يراه المواطنون اليوم هو تراجع واضح عن الوعود التي تضمن تحقيق "المغرب الديمقراطي الجديد"، كما جاء على لسان أخنوش دائما.

من بين تلك الوعود التي تعهدت بها الحكومة وظلت مجرد وعود: - "إخراج مليون أسرة من الفقر وانعدام الأمن"، ومكافحة البطالة عن طريق "خلق مليون فرصة عمل"، وتوفير ضمانات الرعاية الاجتماعية، ومنها "دخل الكرامة" الذي يصل إلى 400 درهم (حوالي 34 دولار أمريكي)، لمساعدة كبار السن، و300 درهم (حوالي 25 دولار أمريكي) لدعم الأسر الفقيرة ومساعدتها على تعليم أطفالها، والتزام مدى الحياة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. ناهيك عما قيل عن إحداث ثورة في قطاع التعليم، "ثورة تجعل المغرب ضمن أفضل 60 دولة في العالم من حيث جودة التعليم".

ولم يرِد أي كلام هام في بيان حكومة أخنوش يخص محاربة الفساد، غير أن آخر ما حصل في هذا المجال هو  فضيحة "بيع تذاكر المونديال"، وقد تورط فيها رجال أعمال ونواب برلمانيين من الأحزاب المتحالفة ضمن الحكومة الحالية، وحتى اليوم لا زال الرأي العام في انتظار نتيجة التحقيقات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء في هذا الشأن. وقد سبقت هذه الفضيحة قضية امتحانات ولوج سلك المحاماة.

وآخر وليس الأخير بهذا الصدد، فضيحة استيراد الأبقار من البرازيل، وما رافقها من شبهات تسريب قبلي لعزم الحكومة إلغاء الرسوم على استيراد الأبقار المعدة للذبح، وكانت المفاجأة أن مستوردين "محظوظين" بعلاقاتهم مع جهاتٍ حكومية، استطاعوا أن يستوردوا من هذا البلد اللاتيني  قطعانا من العجول والأبقار المعفية من رسوم الاستيراد، بعد فترة زمنية قصيرة تناهز أسبوعين فقط، مباشرةً بعد تاريخ اتخاذ قرارالإعفاء في المجلس الحكومي. ما يعزز بقوة الشكوك والشبهاتحول وقوع عملية تسريب المعلومة المذكورة قبل اتخاذ القرار رسميا من طرف الحكومة"، وقد طرحت المسألة في مجلس النواب.

هكذا، مهما بلغت حاجة الناس لمشاعر النصر والابتهاج، لم تستطع كرة القدم والإنجاز الكبير للمنتخب المغربي في مونديال قطر، تبديد الاضطرابات الاجتماعية، والخوف كل الخوف من أي استقرار أو سلام اجتماعي هش، ومن ضعف المعارضة، فلا شيء مضمون لاستبعاد تطور مسار الأحداث وانجرافها نحو انفجار كبير!

================================================================

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).