يحتفل العالم اليوم، الأربعاء، بيوم المياه، في سياق تخوض فيه دول كثيرة من بينها بلدان المنطقة المغاربية سباقا ضد الزمن لابتكار حلول لاحتواء أزمة مياه لم تشهدها منذ سنوات.
واختارت الأمم المتحدة "تسريع وثيرة التغيير بغية إيجاد حل لأزمة المياه وخدمات الصرف الصحي" موضوع هذا العام، ورجحت أن ينتقل عدد سكان المدن الذين يواجهون ندرة المياه من 930 مليونا عام 2016 إلى ما بين 1.7 و2.4 مليار شخص حول العالم بحلول عام 2050.
وأدى توالي سنوات الجفاف إلى تراجع موارد المياه في الدول المغاربية، في وقت دقت فيه تقارير دولية ناقوس الخطر وأدرجت المنطقة ضمن أكثر مناطق العالم المهددة بندرة المياه.
ورغم تباين مستويات الأزمة من دولة إلى أخرى، إلا أن جفاف السنوات الأخيرة زاد الوضع سوءا وأدى مع مرور السنوات والأشهر إلى تراجع منسوب السدود وإلى استنزاف ما تبقى من المياه الجوفية.
المغرب
يشهد المغرب على غرار باقي الدول المغاربية، جفافا يعد الأسوأ من نوعه منذ 40 عاما، حتى أن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعا المواطنين في خطاب ألقاه في أكتوبر العام الماضي بمناسبة افتتاح أعمال البرلمان، المواطنين إلى "ترشيد استهلاك المياه"، وإلى التعامل بجدية مع "إجهاد مائي هيكلي" يواجه البلاد.
ووفق معطيات نشرتها وزارة التجهيز والماء المغربية، تصنف الموارد المائية للمغرب "من بين أضعف الموارد في العالم"، بحيث تقدر بـ22 مليار متر مكعب في السنة، وبتفاوت في توزيع التساقطات المطرية بين جهات ومناطق البلاد، بينما لا تزيد نسبة المياه الجوفية عن 20 في المائة ضمن المواد المائية للمغرب.
وأدى الجفاف وندرة التساقطات في السنوات الأخيرة إلى تراجع معدل الموارد المائية للاستهلاك الفردي، من 2560 مترا مكعبا إلى 630 مترا مكعبا خلال العامين الأخيرين، وفق تقرير أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان في فبراير الماضي.
وتوقع التقرير نفسه أن تتفاقم أزمة الاجهاد المائي خلال السنوات المقبلة وأن تؤدي إلى "فقدان 80 في المائة من الموارد المائية المتوفرة في غضون 25 سنة المقبلة وأن تنخفض الموارد المائية التي يتوفر عليها المغرب لتصل إلى أقل من 500 متر مكعب لكل فرد بحلول عام 2030.
لمواجهة تلك التحديات أعلنت الحكومة المغربية عن رصد ما مجموعه 10 ملايير درهم (حوالي مليار دولار) لمواجهة أزمة المياه، ضمن مشروع قانون المالية لعام 2023.
الجزائر
تراجع معدل التساقطات المطرية بالجزائر منذ عام 1975، وأصبحت البلاد على غرار باقي الدول المغاربية عرضة للجفاف وللإجهاد المائي، وفق عدد من التقارير الدولية.
وتحتل الجزائر المركز الـ18 عالميا من بين 184 دولة مهددة بالجفاف، بحيث تجاوزت درجات الحرارة في بعض المناطق 40 درجة مئوية ولمدة 20 يوما متتاليا، ما يعني أن 10 في المائة من سكان البلاد معرضون للجفاف ولندرة المياه، وفق إحصائية للبنك الدولي.
على صعيد آخر، صنف تقرير أصدره مركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية مؤخرا الجزائر والمغرب وتونس ضمن البلدان التي ستعرف "أسابيع حاسمة، إذا استمرت الظروف الجافة والدافئة"، متوقعا أن تشهد الدول الثلاثة "إجهادا مائيا في الأشهر المقبلة".
من جانبها، صنفت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) الجزائر في المركز التاسع ضمن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأكثر عرضة للإجهاد المائي.
وتعول الجزائر على تحلية مياه البحر من خلال إنجاز محطات كبرى في عدد من مناطق البلاد، للتخفيف من آثار الجفاف، كما أطلقت استراتيجية وطنية تروم التوعية بترشيد استهلاك المياه.
تونس
"لا يزال إلى حد اليوم 650 ألف تونسي لا يحصلون على المياه في بيوتهم وتصلهم الإمدادات عبر الحنفيات العمومية، في حين يفتقر 300 ألف تونسي إلى المياه تماما ويلجؤون للآبار والبحيرات والمصادر الطبيعية لتغطية حاجياتهم من المياه"، هكذا وصف "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، في تقرير صدر، أمس، حال التونسيين مع أزمة الجفاف ونقص المياه.
وتأثرت تونس بموجة الجفاف التي تشهدها المنطقة المغاربية في السنوات الخمس الأخيرة، وباتت تشهد مظاهرات واعتصامات في بعض المناطق بسبب ندرة المياه.
ووفق معطيات نشرها المنتدى، تراجعت حصة الفرد التونسي من المياه واستقرت في 400 متر مكعب مع احتمال وصولها إلى 350 متر مكعب بحلول عام 2030، مؤكدا أن الأرياف تشهد وضعا أكثر تأزما مقارنة بالحواضر.
"في الأرياف يصل نصيب كل فرد إلى أقل من 02 لتر من المياه في اليوم الواحد، أما المدارس الريفية فإن أكثر من ثلثها يفتقر إلى مياه الشرب (1415 من مجموع 4585) ما يحيلنا بصفة عامة إلى حجم الانتهاك الممارس على حق الأفراد في مياه تضمن لهم عيشا كريما وتحقق كرامتهم البشرية"، يوضح المنتدى.
بدورها، شرعت السلطات التونسية في بناء سدود جديدة كسد "سيد ملاق"، بمحافظة الكاف ومحطات لتحلية مياه البحر، كما شرعت في وضع استراتيجية لتدبير المياه في أفق عام 2050.
ليبيا
احتلت ليبيا المركز الرابع عربيا والسادس عالميا ضمن الدول الأكثر عرضة للإجهاد المائي بحسب تقارير أممية.
وصنف تقرير لمنظمة (الفاو) ليبيا ضمن الدول العربية التي لا تقوم بما يكفي لمواجهة التحديات المناخية، لاسيما أزمة المياه.
وتشكل الآبار الجوفية المصدر الأساسي الذي تعتمد عليه ليبيا لتلبية احتياجاتها من المياه المستخدمة للشرب والزراعة، بنسبة تقدرها تقارير دولية ومحلية بـ95 في المائة، معظمها تأتي من "النهر الصناعي العظيم".
وبالإضافة إلى التغيرات المناخية المسببة للجفاف، أدت حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعرفها البلاد إلى إتلاف عدد من شبكات نقل المياه في عدد من مناطق البلاد، وأدى ذلك إلى فقدان كميات من المياه قدرتها اليونيسيف بـ50 في المائة، كما حالت الظروف نفسها، دون استفادة آلاف الأشخاص من المياه الصالحة للشرب.
وتقول السلطات الليبية إنها تعي حجم تلك التحديات، وتعمل على وضع "استراتيجية شاملة" تشرك كل القطاعات الحكومية للتخفيف من تداعيات ندرة المياه مستقبلا، بحسب ما أعلنه طارق عبد السلام بوفليقة، وزير الموارد المائية بحكومة الوحدة الوطنية.
موريتانيا
بدورها، تعاني موريتانيا من تداعيات أزمة جفاف تعد الأشد منذ سبعينيات القرن الماضي، تسببت في نقص المياه الصالحة للشرب وفي تراجع المساحات الزراعية والرعوية.
وتشير تقديرات منظمة "تحالف الساحل"، إلى توفر موريتانيا على 600 مليون متر مكعب من المياه، 75 في المائة منها تستخدم في الزراعة.
على صعيد آخر، قال البنك الأفريقي للتنمية في تقدير صدر عام 2018، إن 68 في المائة فقط من الموريتانيين يحصلون على المياه الصالحة للشرب، معظمهم يستقرون في المناطق الحضرية، محذرا حينها من أن تدفع أزمة الجفاف ونقص المياه في الأرياف بالمزيد من الموريتانيين إلى الهجرة صوب المدن.
وعزا ستة من كل 10 أشخاص من الموريتانيين المشاركين في استطلاع أجرته شبكة البارومتر العربي عام 2022، سبب الإجهاد المائي في بلدهم إلى نقص الموارد الطبيعية، بينما قال 9 في المائة إن السبب راجع إلى تلوث المجاري المائية.
وتحاول السلطات الموريتانية احتواء أزمة الجفاف، حيث أعلنت عن "خطة استعجالية" العام الماضي، لحفر المزيد من الآبار في المناطق الزراعية، كما استفادت في العام نفسه، من دعم من مؤسسات دولية، بينها الصندوق السعودي للتنمية، بقيمة 317 مليون دولار لدعم قطاع المياه وتعزيز استدامة الموارد المائية.
المصدر: أصوات مغاربية