جانب من لقاء بين الرئيس الفرسي والموريتاني نهاية نوفمبر الماضي (أرشيف)
جانب من لقاء بين الرئيس الفرسي والموريتاني نهاية نوفمبر الماضي (أرشيف)

تشهد العلاقات الفرنسية الموريتانية تقاربا ملحوظا في الفترة الأخيرة، وذلك في ظل صعوبات تعتري علاقة باريس ببعض العواصم المغاربية، إلى جانب المشاكل التي تواجهها فرنسا في منطقة الساحل الأفريقية.

وفي خضم ذلك التقارب، تعهد المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية ريمي ريو، أمس الخميس بأن فرنسا ستعيد تمويلاتها في موريتانيا التي كانت قد أوقفت سنة 2015، "مما سيمكن من مضاعفة تدخلاتها".

من جهة أخرى، وقع وزير الاقتصاد الموريتاني، أوسمان مامودو كان، أمس الخميس مع ريمي ريو، والسفير الفرنسي في نواكشوط ألكساندر غارسيا اتفاقية تمويل مشروع دعم تنفيذ السور الأخضر الكبير في موريتانيا بقيمة تبلغ نحو ٨ ملايين يورو.

وأكد ريو بعد لقاء بالرئيس الموريتاني محند ولد الشيخ الغزواني في نواكشوط، أن بلاده مهتمة بإعادة تعاونها مع موريتانيا لسابق عهده، ومن ذلك "مشاريع بقيمة 200 مليون يورو، قيد التنفيذ حاليا في عدة مجالات من بينها المياه والتهذيب والمقاولات والطاقة والصحة".

وأضاف المسؤول الفرنسي أنه عبر للرئيس ولد الغزواني عن "كامل الدعم لموريتانيا ولحكومتها"، كما جدد له "التزام فرنسا تجاه الساحل"، مشيرا إلى أن النقاش تطرق بالإضافة إلى العلاقات الثنائية، للوضعية في المنطقة.

وضعية صعبة

واعتبر المحلل السياسي الموريتاني، محمد عبد الله، أن التسارع في "نمو العلاقات وتطورها بين باريس ونواكشوط يأتي في ظل وضعية صعبة تعانيها الدبلوماسية الفرنسية في شبه المنطقة".

وأضاف عبد الله، في حديث لـ " أصوات مغاربية" أنه منذ مدة، "تعاني العلاقات الفرنسية مع دول في المغرب العربي من بينها الجزائر والمغرب من فتور وحالات شد وجذب وصلت أحيانا لاستدعاء السفراء".

وفي فبراير الماضي، قوضت قضيتان حساستان الدبلوماسية الفرنسية بالمنطقة المغاربية، إذ استدعي السفير الجزائري في فرنسا للتشاور بعد سفر الناشطة الفرنسية الجزائرية أميرة بوراوي المدانة في الجزائر والممنوعة من مغادرة الإقليم، إلى فرنسا.

من جهته، أعلن المغرب انتهاء مهمة سفيره في فرنسا دون تسمية خليفة له، وتعتبر هذه التقلبات الدبلوماسية بالنسبة لعبد الله "فشلا في توازن علاقات باريس مع الجزائر والرباط"، وتشير إلى "فقدان التأثير الاقتصادي لفرنسا في المنطقة".

"قاعدة انطلاق"

من جانبه، يرى الخبير في العلاقات الدولية، البناني اخليفة، أن "فرنسا في ظل وضعها الجديد، تحاول تأسيس قاعدة انطلاق جديدة لإعادة بناء وجودها في المنطقة الأفريقية واسترجاع الألق في علاقاتها المغاربية".

وأضاف، اخليفة، في اتصال مع "أصوات مغاربية" أن فرنسا ما زالت "تعاني من آثار انسحابها غير المدروس من مالي الذي استمرت تداعياته في بلدان أفريقية أخرى أضرت بالنفوذ الباريسي في المنطقة".

وأشار إلى أنه لهذه الاعتبارات، "تعتبر موريتانيا مهمة نظرا لكونها جسرا ثقافيا وسياسيا بين منطقة الساحل والبلدان المغاربية"، كما أن "فرنسا تسعى من جديد أن تخطب ود أصدقائها السابقين عبر ضخ تمويلات ومشاريع بموريتانيا".

واعتبر المتحدث نفسه، أن زيارة قائد الأركان الفرنسي الجنرال تييري بورخارد لموريتانيا مطلع مارس الجاري، في ظل استمرار البحث عن المتشددين الفارين من السجن، كان رسالة على أن "باريس مازالت تهتم بأصدقائها في أزماتهم".

وختم اخليفة، حديثه بالإشارة إلى أن "موريتانيا قد تستفيد اقتصاديا بشكل جزئي من هذا الوضع"، لكنه بالنسبة لفرنسا "يتطلب الوضع إرادة أكبر وفترة زمنية أطول لإعادة وضعها في المنطقة لسابق عهده".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

خطر الإرهاب يتهدد منطقة الساحل وضمنها الجزائر
خطر الإرهاب يتهدد منطقة الساحل وضمنها الجزائر

تمر الإثنين 16 سبتمبر 25 سنة على "استفتاء الوئام المدني" الذي أقرته الجزائر "آلية للمصالحة" مع الجماعات المتشددة.

وتتزامن الذكرى مع فوز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية ثانية، وهو الذي كان قد أمر الحكومة بـ"إعادة النظر في قانون 'لم الشمل' لفائدة الأشخاص الذين سلموا أنفسهم"، في أغسطس 2022، إلا أن القانون لم الجديد يصدر بعد.

وعول الرئيس الجزائري على قانون "لم الشمل" لتحديد طرق التعامل مع المتشددين الذين يسلمون أنفسهم، وذلك بعد انقضاء الحيز الزمني لتطبيق قانون "الوئام المدني"، وفق بيان لمجلس الوزراء آنذاك.

وسبق لتبون أن أعلن في لقاء دوري مع وسائل إعلام محلية نهاية يوليو 2022 أن هذه المبادرة "ستكون امتدادا لقوانين الرحمة والوئام المدني والمصالحة الوطنية، وستشمل كل من تم تغليطهم وأدركوا بعدها أن مستقبلهم مع الجزائر، وليس مع بعض الأطراف الخارجية".

وتعود قوانين المصالحة الوطنية في الجزائر إلى عهد الرئيس الأسبق ليامين زروال الذي أصدر قانون "الرحمة" في فبراير 1995، ثم قانون "الوئام المدني" الذي تبناه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وعرضه لاستفتاء 16 سبتمبر 1999، تلاه ميثاق "السلم والمصالحة" في سبتمبر 2005. وشجعت هذه القوانين مئات المتشددين المسلحين على الاستسلام والتخلي الطوعي عن أسلحتهم.

ومع تزايد أعداد المتشددين الذين يتم توقيفهم من قبل وحدات الجيش الجزائري (تحييد 30 مسلحا خلال السداسي الأول من 2024)، أو الذين يسلمون أنفسهم، تثار تساؤلات بشأن الإطار القانوني للتعامل معهم، بين من يرى إمكانية إصدار قانون جديد ينظم الأمر، وبين من يعتبر أن التغييرات السياسية والأمنية "طوت صفحة الوئام المدني والمصالحة مع المتشددين".

"روح المصالحة" 

وتعليقا على هذا النقاش، يؤكد الحقوقي فاروق قسنطيني أن "روح المصالح باقية في الجزائر"، لافتا في حديثه لـ"أصوات مغاربية" إلى "أهمية الحلول السلمية في معالجة قضايا الإرهاب والتشدد الديني بالجزائر".

ويتوقع قسنطيني إمكانية أن تلجأ الحكومة إلى "عرض مشروع قانون تكميلي للوئام المدني والمصالحة من أجل استكمال ملف العفو المشروط الذي تبنته الدولة سابقا".

وأشار المتحدث إلى أن "نجاح مشاريع المصالحة السابقة في حقن الدماء بالجزائر، سيكون حافزا أمام الرئيس عبد المجيد تبون لعرض مشروع جديد للتكفل بالمسلحين الذين سلموا أنفسهم خلال السنوات الأخيرة".

"صفحة مطوية"

ويرى المحلل السياسي، فاتح بن حمو، أن التعامل مع الحالات الجديدة وفق قانون الوئام المدني "لا يبدو ممكنا اليوم، بحكم أن هذا القانون يعتبر صفحة مطوية في الجزائر".

ويتابع بن حمو قائلا لـ"أصوات مغاربية" إن قانون الوئام المدني "حقق جزءا كبيرا من أهدافه قبل 25 سنة من اليوم، ولا يمكن إعادة العمل به لاختلاف الظروف والأولويات".

ويعتقد المتحدث أن إمكانية صدور قانون للمصالحة "أمر لن يتحقق على الأقل في المديين القريب والمتوسط، بحكم أن الأولوية الحالية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية التي يعمل عليها الجميع، بينما تتواصل عمليات مكافحة الإرهاب في شقها الأمني".

 

المصدر: أصوات مغاربية