ميناء مدينة رادس في تونس
ميناء مدينة رادس في تونس - أرشيف

رغم مصادقة تونس على عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الاقتصادية مع دول أفريقيا جنوب الصحراء فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين لم يرتق إلى مستوى تطلعات الطرفين.

ويُرجع خبراء هذا الأمر إلى "تراجع مكانة أفريقيا في سياسات تونس الخارجية"، مشيرين أيضا إلى "صعوبات لوجستية وتقنية تحول دون تحقيق الأهداف المرسومة.

"أرقام محتشمة"

لم يتجاوز حجم المبادلات التجارية بين تونس ودول أفريقيا جنوب الصحراء عتبة الـ3 بالمئة  في عام 2021، وفق تصريحات صحفية سابقة لهشام اللومي نائب رئيس اتحاد الصناعة والتجارة بتونس والذي وصف هذه الأرقام بـ"الضعيفة والمحتشمة".

ورغم "ضعفها" فإن هذه المبادلات شهدت ارتفاعا من 200 مليون دولار في السنوات الماضية إلى  ما يناهز 420 مليون دولار العام الفائت، حسب أرقام مجلس الأعمال الأفريقي التونسي.

وكانت تونس قد انضمت في عام 2018 إلى السوق المشتركة لجنوب وشرق أفريقيا، المعروفة اختصارا بـ"الكوميسا"، وهو تجمع اقتصادي يضم 21 دولة أفريقية يتجاوز عدد سكانها حاجز الـ500 مليون نسمة.

كما احتضنت البلاد العديد من اللقاءات الاقتصادية المعنية بالاقتصاد في القارة، آخرها ندوة طوكيو الدولية حول التنمية في أفريقيا المعروفة اختصارا بـ"تيكاد" التي انتظمت بتونس الصائفة الفائتة.

والسبت الماضي، شدد مدير عام التعاون الاقتصادي والتجاري بوزارة التجارة التونسية الأزهر بنور على "أهمية الشراكة مع القارة في إطار العلاقات الاقتصادية الدولية"، وذلك على هامش ملتقى تحسيسي حول الاتفاقيات التجارية مع أفريقيا.

ما أسباب "ضعف" المبادلات؟

إجابة على هذا السؤال، يرى المحلل السياسي إبراهيم الوسلاتي أن "القارة الإفريقية لم تكن على رادارات السياسات الخارجية التونسية منذ تسعينات القرن الفائت، ما يفسر ضعف حجم التبادلات التجارية بين الطرفين".

ويفسر الوسلاتي موقفه بالقول في تصريح لـ"أصوات مغاربية" "اليوم هناك عدد من الشغورات في السفارات التونسية بالعواصم الإفريقية كما لم يحضر رئيس الدولة أي قمة إفريقية بعد منذ توليه منصبه".

ولم تعلن الخارجية  التونسية بعد عن الحركة الديبلوماسية رغم تأكيد المسؤولين سابقا على أنها ستجرى "قريبا"، وسط مطالبات بسد الشغور في عدد من السفارات والقنصليات.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن "هذا الأمر جاء على خلاف سياسات الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي كان يولي هذه القارة اهتماما خاصا إذ قام  على سبيل المثال بزيارة امتدت لأسابيع نحو إفريقيا مرفوقا بوفد هام من المسؤولين ورجال الأعمال".

وأوضح أن "حضور تونس إفريقيا في ذلك العهد كان لافتا مع مشاركة البلاد في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية التي تحولت لاحقا إلى الاتحاد الإفريقي فضلا عن منظمة الفرنكفونية".

"إشكاليات لوجستية"

بدوره، يصف الخبير الاقتصادي وجدي بن رجب حجم المبادلات التجارية بين الطرفين بـ"الضعيف"، قائلا إن "عراقيل عديدة تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة".

ومن وجهة نظر المصدر نفسه فإن "غياب أي خطوط تجارية بحرية أو جوية بين الجهتين، جعل المنتجات التونسية غير قادرة على المنافسة في إفريقيا بسبب ارتفاع تكاليف نقلها".

ويؤكد بن رجب في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن "القارة باتت ساحة للتنافس الدولي والإقليمي ما قلص من حظوظ تونس في إفريقيا التي نجحت في تحقيق معدلات نمو عالية في السنوات الأخيرة".

ويشدد المتحدث ذاته على أهمية أن "يكون التوجه نحو إفريقيا مدعوما بسياسة دولة متكاملة تشمل التمويلات البنكية"، موضحا أن "هذه العراقيل لم تمنع بعض الخواص من خوض تجارب ناجحة في عدد من البلدان على غرار ساحل العاج".

  • المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

أمطار فيضان زاكوة المغرب
مناطق جنوب وجنوب شرق المغرب شهدت عواصف وفيضانات غير مسبوقة خلفت 18 قتيلا على الأقل

تستفيد العديد من الواحات المغربية من الأمطار الغزيرة الاستثنائية التي هطلت نهاية الأسبوع الماضي في الجنوب مع ارتفاع مستوى تعبئة السدود وتغذية المياه الجوفية، لكن الجفاف متواصل في باقي أنحاء البلاد، وفق خبراء.

وشهدت مناطق جنوب وجنوب شرق المغرب عواصف وفيضانات عنيفة غير مسبوقة خلفت 18 قتيلا على الأقل، بحسب أحدث حصيلة نشرت مساء الاثنين.

وهي مناطق صحراوية وشبه قاحلة تأثرت بظاهرة مناخية "استثنائية" مرتبطة بصعود للجبهة المدارية التي تتميز بكتلة هوائية حارة ممطرة للغاية وتلاقيها مع كتل أخرى باردة قادمة من الشمال.

يوضح الخبير في شؤون المناخ والموارد المائية محمد جليل لوكالة فرانس برس أن "هذه الأحداث تذكرنا بمظهر تم تجاهله لتغير المناخ، إذ إنه لا يؤدي فقط إلى قلة الأمطار بل أيضا إلى ارتفاع كبير في معدلات هطول الأمطار".

ويحذّر المهندس الزراعي محمد الطاهر السرايري من أن "هذه الأمطار ستعطي متنفسا للواحات وزراعتها المعيشية، لكنها لم تهطل في أي مكان آخر. لا تزال البلاد تعاني من جفاف هيكلي شديد".

يواجه المغرب أسوأ موجة جفاف خلال قرابة 40 عاما، وهي مستمرة منذ ست سنوات وتهدد القطاع الزراعي الهام (11 إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من ثلث السكان العاملين)، ما يؤدي إلى تفاقم إجهاده المائي.

ووفق خبراء، تحتاج المياه الجوفية إلى هطول أمطار مستدامة حتى تعود إلى مستوياتها الطبيعية بعد فترة جفاف طويلة.

ولكن على المستوى المحلي، مكنت هذه الأمطار النادرة من رفع منسوب بعض السدود، وستساهم على تجديد المياه الجوفية التي قاربت على النضوب وتبشر بمحصول زراعي أفضل.

يقول يوسف بن حمو مدير وكالة الحوض المائي لهذه المنطقة لفرانس برس إن الخزانات الأربعة لحوض درعة واد نون التي تغطي عدة مناطق متضررة من سوء الأحوال الجوية، "شهدت ارتفاعا في مناسيبها، من 23 أغسطس إلى 9 سبتمبر، من 101 مليون متر مكعب إلى 191 مليون مكعب، أي بنسبة امتلاء 19 بالمئة".

في هذه المنطقة، استحوذ سد ورزازات الكبير على بعد 500 كلم جنوب الرباط، وحده على 70% من التساقطات بمعدل 69 مليون متر مكعب، حسب ما أفاد بن حمو، موضحا أن سد فاصك الجديد الذي بدأ تشغيله منذ مارس 2024، حصل على 10 ملايين متر مكعب من المياه في غضون أربع وعشرين ساعة.

"أمل"
يؤكد يوسف بن حمو أن "هذه الأمطار تعتبر نعمة للمنطقة لأن هذه الاحتياطيات ستكون قادرة على ضمان أمن إمدادات مياه الشرب التي تظل أولوية".

كما ستعيد تغذية منسوب المياه الجوفية في المناطق المتضررة من الفيضانات جزئيا على الأقل، الأمر الذي من شأنه أن ينعش النشاط الزراعي المحلي.

بدوره، يؤكد الخبير محمد جليل أن "هذه المناطق تعتمد بشكل كبير على المياه الجوفية، وستعمل الأمطار الغزيرة على تجديد طبقات المياه الجوفية وتحسينها، ما سيعطي متنفسا للواحات، خاصة بالنسبة للزراعة".

ورغم الظروف المناخية الصعبة، تنتشر الزراعة (أشجار النخيل، البستنة، الحبوب) على نطاق واسع في المنطقة.

يشير جليل إلى أن "التأثير النفسي مهم. فهذه الأمطار الأولى تعطي الأمل، ولكن الموسم قد بدأ للتو، ولن نتمكن من إجراء تقييم إلا بحلول مارس".

من جانبه، أعلن وزير الفلاحة محمد صديقي الثلاثاء، خلال زيارة إلى ورزازات، أنه سيتم تعبئة ميزانية تزيد على 3.7 مليون يورو من أجل "إنعاش الأنشطة الفلاحية وفك العزلة عن الساكنة المتضررة" وإعادة تأهيل البنى التحتية المائية المتضررة بسبب الفيضانات.

وفي المستقبل القريب، لا تتوقع مصالح الأرصاد الجوية المغربية فترات ذروة جديدة من الأمطار الغزيرة في الجنوب. لكن أستاذ علم المناخ محمد سعيد كروك حثّ على "الاستعداد لظواهر جديدة لا يعرف تواترها وعنفها، مع الأخذ في الاعتبار تأثيرات التغير المناخي".

المصدر: فرانس برس