Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة- أرشيف
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة- أرشيف

فتحت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة في تركيا بعد يومين الباب أمام أسئلة كثيرة حول مستقبل سياسات هذا البلد حيال عدة ملفات في المنطقة تبعاً لنتائج الاستحقاقات، لاسيما في حال خسارة الرئيس رجب طيب أردوغان معركة رئاسة الجمهورية، التي تبنت في عهده سياسات وُصفت بـ "التوسعية" تمخضت عن تدخلها عسكرياً في دول قريبة وبعيدة من بينها ليبيا.  

ومن بين الأسئلة الكثيرة المطروحة بقوة مع اقتراب موعد الحسم الانتخابي في تركيا، في 14 ماي الجاري، ذلك المتعلق بمآلات الصراع الليبي وتوازن القوى المنخرطة فيه، والتي ربما كانت ستكون مختلفة عما هي عليه اليوم لولا التدخل التركي لصالح حكومة "الوفاق الوطني" إبان حرب طرابلس عام 2019 

أردوغان وموازين القوى في ليبيا

ويعزو البعض حفظ موازين القوة بين شرق وغرب ليبيا على النحو الذي هي عليه عليه اليوم، إلى تدخل أنقرة العسكري لصالح طرابلس عام 2019، وما تبعه من هزيمة قوات المشير خليفة حفتر والتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020. 

والعام الماضي عاد التدخل العسكري التركي لصالح معسكر الغرب الليبي من خلال دعمه رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، في وجه محاولات الدخول إلى طرابلس من طرف خصمه فتحي باشاغا عقب تكليفه برئاسة حكومة جديدة من قبل مجلس النواب في شرق البلاد مطلع 2022.

وتعليقا على ذلك يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "نالوت" الليبية، إلياس الباروني، أن تدخل تركيا العسكري في الصراع الليبي عام 2019 كان "إيجابيا" لجهة الدور الذي لعبه في إنهاء "حرب غير متوازنة شنها حفتر مدعوما بقوى أجنبية ومرتزقة فاغنر على حكومة الوفاق".

ولفت الباروني في حديث لـ "أصوات مغاربية" إلى أن التدخل التركي أدى إلى وقف حرب "كانت ستعود بالخسارة على كل الليبيين" ومن ثم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار واللجوء إلى الحوار الذي أفضى إلى اتفاق ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس وجنيف عام 2021.

بدوره، ذكّر المحلل السياسي الليبي، حازم الرايس، بأن تدخل تركيا العسكري في ليبيا جاء بناء على اتفاق وقعته أنقرة مع حكومة "الوفاق الوطني" برئاسة فايز السراج، في 27  نوفمبر 2019، يسمح لها  بإرسال قوات عسكرية لدعم الأخير في مواجهة قوات المشير خليفة حفتر (شرق) أثناء حصارها العاصمة طرابلس.

وشدد  الرايس، في حديث لـ"أصوات مغاربية" على أن تدخل تركيا وتواجد قواتها المستمر بعد ذلك "ساهم بشكل كبير في خلق توازن على الأرض ومنع خليفة حفتر والدول التي تقف وراءه" من السيطرة على العاصمة طرابلس عبر معادلة صفرية". 

وبعد أكثر من 3 سنوات على حرب طرابلس يعود الحديث مجدداً عن مصير فرضية "توازن القوة" في ليبيا خاصة مع ضبابية سيناريوهات ما بعد الانتخابات التركية حتى اللحظة، بما في ذلك احتمال خسارة أردوغان، الموصوف بـ"ذي التوجه الإسلامي التوسعي"، لصالح معارضه كليجدار أوغلو الذي يميل إلى إعادة بوصلة سياسة بلاده الخارجية نحو الغرب وحلف الناتو، بحسب مراقبين.

انفراج أم مزيد من التأزيم؟

وتعليقاً على الدور المفترض لتركيا في الصراع الليبي، يرى أستاذ العلوم السياسية الليبي، أحمد المهدوي، أن نتيجة الانتخابات ستنعكس "إيجابيا" على الأزمة الليبية في حال خسارة رجب طيب أردوغان. 

وأضاف المهدوي في حديث لـ "أصوات مغاربية" أن فوز أردوغان مجدداً يعني أن الأوضاع في ليبيا قد تسوء بشكل أكبر مما هي عليه اليوم بسبب استمراره في دعم معسكر الغرب المتمثل في حكومة الوحدة الوطنية، ورفضه بالمقابل التعامل مع قوى الشرق الليبي المتمثلة في مجلس النواب والجيش الذي يدعمه بقيادة المشير حفتر. 

وتابع "سنشهد استقرارا نسبيا في العلاقات الليبية التركية وربما انفراجا للأزمة في البلاد، لاسيما وأن فترة قيادة أردوغان قسمت البلاد ما بين مؤيد ومعارض لسياساته".

ويشير  بالمقابل إلى أن المعادلة "ستتغير تماماً في حال فوز المعارضة التركية التي ستعيد النظر في كل تصرفات أردوغان السابقة فيما يخص القضيتين الليبية والسورية". 

من جانبه يصف الدكتور إلياس الباروني مرشح الرئاسة التركي، كليجدار أوغلو، بأنه خصم قوي لأردوغان وبأنه "محسوب على التيار العلماني المعروف بعدائه للتيار الإسلامي متمثلاً في حزب العدالة والتنمية الحاكم"، وبأنه يحظى بدعم من دول كانت تقف عائقاً أمام استقرار ليبيا و"التي دعمت حفتر وعملت على تأجيج الحرب في 2019".

ويؤكد تبعاً لذلك أن فوز المعارضة التركية بقيادة أوغلو في الانتخابات التركية يعني تغيير العديد من التوازنات فيما يتعلق بـ"خيوط اللعبة" في ليبيا وربما يؤدي ذلك لسحب الدعم العسكري التركي للطرف المضاد لحفتر بحسب المتحدث. 

وفي حال تحقق سيناريو فوز المعارضة التركية بالانتخابات، يتخوف المحلل السياسي حازم الرايس، من أن ينتج عن ذلك فقدان حالة التوازن العسكري الحالي "الذي أتاح مساحة جيدة للقيام بجهود من داخل ليبيا مثل تلك التي تقوم بها اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)".

ويشير في هذا الخصوص إلى "احتمال انزلاق البلاد إلى حرب جديدة خاصة في ظل الصراع الحالي في السودان واحتمال أن ينتقل إلى ليبيا في حال انسحاب أحد الأطراف أو تغيرت موازين القوة في ليبيا".

"دور وسيط"

من جهته، يقول الصحفي السوري المقيم في تركيا، عمر الخطيب، إن المعارضة التركية استحضرت الملف الليبي ضمن شكواها مما سمته بتدخلات أردوغان الخارجية، معلنة أنها ستعتمد على الحوار والوساطة وتهتم أكثر بما يمس أمنها القومي بشكل مباشر، قاصدة سوريا والعراق.

وفيما يتعلق بالملف الليبي، ذكر الخطيب في حديث لـ "أصوات مغاربية"  أن تصريحات المعارضة كانت عامة لأنها لا تريد الظهور بمظهر من يحاول التقليل من حضور تركيا الإقليمي، مضيفاً أنه على ذلك الأساس "ليس من المتوقع أن تغير المعارضة التركية بحال نجاحها من سياستها في ليبيا لا سيما الاتفاقيات التي أبرمها أردوغان."

في المقابل، يتوقع الخطيب احتمالية أن تسعى المعارضة التركية، في حال فوزها بالرئاسة، إلي تقليل حضور بلادها العسكري في ليبيا ولعب "دور وسيط" عبر تحسين العلاقات مع مختلف الأطراف الليبية "في الغرب الليبي الحليف مع أردوغان والشرق الذي ربما يرى أن تغيير الحكومة التركية يحمل تغييرات لصالحه".

وأشار الخطيب إلى أن الأتراك بشكل عام ينظرون إلى دور بلادهم في البحر الأبيض المتوسط بكثير من الاهتمام وسط النزاع المستمر مع اليونان، وبالتالي يعتبرون "الاتفاق التركي الليبي" الذي أبرمه أردوغان عام 2019 يصب في مصلحة تركيا وتأكيد وجودها وحماية مصالحها في البحر الأبيض المتوسط.

وتبعا لذلك، يرى المتحدث أن المعارضة التركية لن تجد، في حال فوزها، راحة كبيرة في تغيير هذه الاتفاقيات أو الانقلاب على حلفاء تركيا في طرابلس الغرب.

  • المصدر : أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

العنف الرقمي يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف
العنف الرقمي يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف

"أتمنى من الله أن يعجل بموتي حتى لا أعيش في هذا العذاب"، هكذا بدأت نعيمة حديثها لـ"الحرة"، وهي تصف الصدمة العميقة التي اجتاحت عائلتها بعد تعرض ابنتها القاصر مريم لابتزاز رقمي إثر نشر فيديو اعتداء ومحاولة اغتصاب لها عبر تطبيق التواصل الفوري "واتساب".

نعيمة (44 سنة)، أم لولد وثلاث بنات بمدينة الدار البيضاء، وجدت نفسها في مواجهة أزمة تفوق قدرتها على التحمل وغارقة في دوامة اليأس والقلق وهي تشاهد حياة أسرتها تنهار أمام عينيها، حيث بدأت مأساتها عندما أخذ شاب رقم هاتف ابنتها مريم عنوة أثناء اشتغالها كبائعة متجولة لشرائح الهاتف، وأصبح يضايقها رغم محاولاتها التخلص منه، وانتهت بالاعتداء عليها وتصويرها في وضع مهين، ما أدى إلى انهيارها النفسي وعزلتها عن العالم.

ورغم تقديم نعيمة لشكوى ضد الشاب الذي عنف ابنتها وحاول اغتصابها وتم الحكم عليه مؤخرا بالسجن لثلاث سنوات، إلا أن معاناة الأم المكلومة لا تزال متواصلة بعد أن تسبب الفيديو الذي أرسله الجاني إلى أخت مريم في تفكيك كامل للأسرة، زوجها هجرها وابنها الأكبر ترك المنزل، ومريم تزوجت عرفيا بشاب آخر وعدها بكتابة عقد الزواج عند إتمامها السن القانوني (18 سنة).

تعيش نعيمة اليوم مع ابنتيها المتبقيتين في حالة من الصدمة والاضطرابات النفسية، تتنقل بين المستشفى ومحاولات العمل لتوفير لقمة العيش، وتخشى نشر الفيديو على المنصات الاجتماعية أمام تهديدات مستمرة لأخ الجاني، معتبرة أن حياة أسرتها مرهونة بحجب هذا الفيديو مما يعمق معاناتها.

انتقام وتهديد
كما هو الحال مع مريم، نجد في قصة نجوى (19 سنة) نموذجا آخر لامرأة اختارت مواجهة العنف الرقمي بعد أن تعرضت لمحاولة اغتصاب من طرف شاب تعرفت عليه وعمرها يصل 16 سنة، فاضطرت للزواج من المعتدي تحت ضغوط اجتماعية رغم عدم تحرير عقد زواج رسمي بسبب سنها غير القانوني.

لم تنته معاناة نجوى بعد انتقالها إلى بيت زوجها، بل تحولت إلى حلقة من العنف الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى تصويرها سرا وهي تغير ملابسها وفي وضعيات حميمية معه، وبعد بلوغها 18 سنة تم توثيق الزواج لكن سرعان ما طردها زوجها من المنزل وهي حامل، مهددا إياها بنشر فيديوهاتها إذا لم تتقدم بطلاق اتفاقي والتنازل عن حقوقها.

تقول نجوى لـ"الحرة": "رفضت الخضوع لابتزازه رغم الظروف الصعبة بعد الإنجاب والعيش مع أسرتي الفقيرة القاطنة بإحدى بيوت دور الصفيح، إذ رفعت دعوى قضائية ضده وتم اعتقاله لسبعة أشهر إلى أن تنازلت عن الدعوى بعد تسوية مع عائلته بأداء واجبات النفقة والحضانة، لكن التهديدات استمرت بعد الإفراج عنه ورفض أداء مستحقاتي".

لا تزال نجوى تواجه الابتزاز الرقمي من زوجها وتقف عاجزة على رفع دعوى قضائية جديدة بسبب ظروفها المادية الصعبة، مشيرة إلى أنها تعيش وضعا من اليأس والاكتئاب والخوف المستمر بعد أن أصبح هاتفها رمزا للرعب إذ في أي لحظة قد تنشر تلك الصور لتدمر ما تبقى من حياتها.

التفكير في الانتحار
وفي الوقت الذي قررت مريم ونجوى التبليغ ضد العنف الرقمي، فإن أغلب النساء في المغرب مازلن يترددن في اتخاذ هذه الخطوة مخافة الوصم الاجتماعي، وهو ما حصل مع قصة هدى (26 سنة)، وهي طالبة في السنة الأخيرة بشعبة الطب والصيدلة، حيث تعيش تجربة قاسية مع العنف الرقمي الذي قلب حياتها رأسا على عقب.

وفي حديثها لـ"الحرة"، تحكي هدى أنها كانت على علاقة عاطفية لمدة ثلاث سنوات مع شاب يبلغ من العمر 29 سنة، يشتغل في مركز اتصال بمدينة المحمدية، وتقول "رغم أنني كانت على علاقة رضائية معه إلا أنني قررت إنهاءها للتركيز على دراستي، لكنه لم يتقبل ذلك وبدأ يهددني بنشر فيديو جنسي سجله لي دون علمي".

وتوضح هدى أن التهديدات كانت موجهة إلى أسرتها ومعارفها على منصات التواصل الاجتماعي وتخاف أن تدمر سمعتها المهنية كمستقبل طبيبة، منبهة إلى أنها "تحولت من شابة مفعمة بالحياة ومقبلة على مهنة إنقاذ الأرواح إلى شابة مكتئبة تعيش في السواد وتفكر في الانتحار".

رغم رغبتها في تقديم شكاية، تخشى هدى من اتهامها بالفساد نظرا لتجريم القانون الجنائي للعلاقات الرضائية، ولا تزال مترددة في اتخاذ هذه الخطوة، مكتفية بالبوح وكسر حاجز الصمت مما وفر لها بعض الارتياح بعيدا عن أحكام المجتمع القاسية، بحسب تعبيرها.

أرقام مقلقة
في السنوات الأخيرة، نبهت تقارير رسمية وحقوقية إلى تنامي معدلات العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب، إذ سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي) في دراسة أجراها عام 2023 وشملت 180 حكما قضائيا تتعلق بقضايا العنف ضد النساء، بأن العنف الرقمي يتصدر قائمة أشكال العنف التي تتعرض لها النساء بنسبة 33٪.

وذكر تقرير للمندوبية السامية للتخطط (مؤسسة رسمية) صدر خلال مارس من العام الماضي، أن قرابة 1.5 مليون امرأة تعرضن للعنف الرقمي إما بواسطة الرسائل الإلكترونية أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية، بينما تؤكد معطيات المديرية العامة للأمن الوطني وجود ارتفاع في عدد الشكايات المتعلقة بالعنف ضد النساء والفتيات بواسطة التكنولوجيا الحديثة، إذ سجلت 622 شكاية عام 2019 و761 عام 2020.

وسجلت دراسة أعدتها جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" تزايد العنف الرقمي خلال الخمس سنوات الأخيرة (سبتمبر 2018 إلى غاية سبتمبر 2023)، موضحة أن العنف الرقمي يمارس في معظم الحالات من قبل الأشخاص المقربين من الضحية بما في ذلك الزوج (14٪) والمقربون بنسبة 36٪، وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأكثر استخداما في ممارسة العنف الرقمي ضد المرأة بنسبة 70.2٪ من إجمالي وسائل التواصل التي تم استخدامها.

وبحسب الجمعية، فإن العنف الرقمي هو "كل عمل من أعمال العنف ضد المرأة التي تستخدم في ارتكابه أو تساعد عليه أو تزيد من حدته جزئيا أو كليا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كالهواتف المحمولة والذكية أو الانترنت أو منصات التواصل الاجتماعي أو البريد الالكتروني، ويستهدف المرأة أو يؤثر في النساء بشكل غير متناسب".

"أكثر تعقيدا"
وتعتبر منسقة مراكز الاستماع بجمعية "تحدي المساواة والمواطنة"، رجاء حمين، أن العنف الرقمي ضد النساء هو "أخطر أنواع العنف ضد المرأة وأكثر تعقيدا من أشكال العنف التقليدية وأعمقها أثرا حيث ينتشر بسرعة وغير محدود في الزمان والمكان"، مشيرة إلى أنه يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف والتهديد بنشر صور حميمة وأنه يبقى مفتوحا على أشكال أخرى أمام التطور التكنولوجي.

وتؤكد حمين في حديثها لـ"أصوات مغاربية"، أن هذا العنف لا يقتصر على فئة عمرية أو اجتماعية محددة، بل يستهدف نساء وفتيات من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، بما في ذلك المتزوجات اللواتي يتعرضن للابتزاز والتهديد بنشر صورهن الحميمية من أجل التنازل عن حقوقهن في النفقة أو حضانة الأطفال.

وتشدد الناشطة الحقوقية على ضرورة تعزيز التوعية والتحسيس في ظل التنامي المهول لهذه الظاهرة بسبب انتشار الأمية الرقمية، داعية إلى تشجيع الضحايا على التبليغ عن الجرائم التي يتعرضن لها "لأن الصمت يشجع الجناة على الإفلات من العقاب واستهداف ضحايا جدد".

وبشأن تداعيات العنف الرقمي، تقول المتحدثة ذاتها إنه "يدمر حياة الأسر ويصعب علاج آثاره النفسية التي تصل إلى حد انتحار الضحايا أو أقربائهم"، مؤكدة أنه لا يمكن الحديث عن ناجيات من هذا العنف في غياب أي ضمان لإعادة نشر مثلا تلك الصور أو مقاطع الفيديو على المواقع الرقمية بعد مرور سنوات.

"أزمة قيم"
ومن جانبها، ترى عضوة "فيدرالية رابطة حقوق النساء"، خديجة تيكروين، أن البيئة الاجتماعية والثقافية بالمغرب تشكل تربة خصبة لانتشار العنف الرقمي ضد النساء، حيث تعامل المرأة كجسد ويطبع المجتمع مع العنف ضدها، سواء في الواقع أو الفضاء الرقمي.

وأوضحت تيكروين في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن العديد من شهادات النساء ضحايا العنف الرقمي أظهرت قلة الوعي التقني والجهل بإدارة المحتوى الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي مما يعرضهن لخطر انتشار صورهن الخاصة بسبب ضعف أدوات الحماية، إضافةً إلى العقلية الاجتماعية التي غالبا ما تلقي باللوم على الضحية.

وفي هذا السياق، تحذر الناشطة الحقوقية أن هناك أزمة قيم اجتماعية باتت تساهم بارتفاع نسبة ضحايا العنف الرقمي عبر ما يتم ترويجه في تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك"، إذ تدفع الفتيات للتركيز على مظهرهن الخارجي كأداة لجذب الانتباه، ما يغير من نظرة المجتمع لهن كأفراد رغم أن الواقع والإحصائيات تشير إلى أن الفتيات متفوقات أكاديميا.

ويضيف المصدر ذاته، أن القوالب الثقافية السائدة تدين النساء بشكل مضاعف وتحد من الإبلاغ عن حالات الابتزاز الرقمي، خاصة عندما ينظر للنساء على أنهن مسؤولات عن تعرضهن للعنف، منبهة إلى تفاقم آثار العنف الرقمي ضد النساء في ظل غياب الدعم النفسي والمجتمعي الكافي لهن.

ضعف المعالجة الرقمية
وبدوره يؤكد الخبير في الأمن الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، أمين رغيب، استمرار تنامي العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب بسبب الارتفاع المتزايد لمستخدمي المنصات الاجتماعية وتطور التكنولوجيات الحديثة وغياب الوعي بمخاطرها لاسيما في صفوف النساء، مشيرا إلى استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي في توليد صور وفيديوهات غير حقيقية للضحايا مما يساهم في انتشار الظاهرة.

وينبه رغيب في حديثه لـ"أصوات مغاربية"، إلى أنه من الناحية التقنية يصعب القضاء على جريمة العنف الرقمي لأن الأمر لا يتعلق بحجب الفيديو حتى لا ينتشر أكثر وإنما لغياب ضمانات بعدم تخزينه ونشره لاحقا، مسجلا ضعف الاستجابة من منصات التواصل الاجتماعي أثناء الإبلاغ عن المحتوى المسيء لضحايا العنف الرقمي.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير الرقمي على أهمية وعي النساء بمخاطر العالم الرقمي وضرورة وضع حدود واضحة للعلاقات خاصة ما يتعلق بتوثيق اللحظات ومشاركتها تجنبا للمشاكل المستقبلية، مقترحا أن يكون هناك ممثلون قانونيون لشبكات التواصل الاجتماعي في المغرب لتسهيل التعامل مع الشكاوى وحماية الضحايا بشكل أفضل.

ضعف الحماية القانونية
وأفادت المحامية والحقوقية، سعاد بطل، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن الإطار القانوني في البلاد يجرم العنف ضد النساء بكل أشكاله مثل العنف النفسي والجسدي والاقتصادي، مستدركة "إلا أنه لم يشمل العنف الرقمي بنص صريح مما يجعل إثبات العنف الإلكتروني يمثل تحديا صعبا ويساهم في تنامي هذه الظاهرة".

وتسجل بطل في حديثها "ضعف الحماية القانونية لضحايا العنف الرقمي نظرا لغياب تعريف واضح في القانون وضعف تنفيذ العقوبات رغم كونها مخففة"، منتقدة ما جاء في القانون الجنائي من فصول غير رادعة لجريمة العنف الرقمي ضد النساء سواء من حيث الجزاء أو الحماية أو آليات التنفيذ.

وتشدد المحامية على ضرورة مراجعة المساطر القانونية التي تقف عاجزة في مكافحة هذه الظاهرة عبر تسهيل مسطرة التبليغ وحماية المبلغين وتشديد العقوبات وإنصاف الضحايا بتوفير مؤسسات الدعم النفسي للمواكبة والشعور بالأمان الثقة.

المصدر: موقع الحرة