تقارير

بعد هجوم جربة.. هل تتأثر علاقة يهود تونس بوطنهم الأم؟

12 مايو 2023

بعد مضي ثلاثة أيام من الهجوم المسلح على محيط معبد الغريبة بجزيرة جربة التونسية تزامنا مع إقامة  شعائر حج الغريبة السنوية بأقدم كنيس يهودي في شمال أفريقيا، لا يزال يهود المدينة يشعرون بالصدمة وسط تساؤلات عن مستقبل اليهود التونسيين، خاصة المقيمين في الخارج، بوطنهم الأم.

وبينما تسعى السلطات في تونس للتخفيف من وطأة هذه الصدمة، لا يخفي البعض قلقهم من أن يؤثر هذا الاعتداء على علاقة يهود المهجر بوطنهم الأم الذين يزورونه سنويا لأداء طقوس "الغريبة" ولقاء أحبابهم الذين يتعايشون مع المسلمين بجزيرة جربة التي طالما مثلت أنموذجا للتعايش بين مختلف الأديان.

صدمة ومخاوف من أثارها على علاقة اليهود بوطنهم 

عادت الحياة لطبيعتها بجزيرة جربة جنوبي تونس بعد أن انتهى موسم حج اليهود لمعبد الغريبة الذي يعد أقدم كنيس في أفريقيا وأحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، لكن مشاعر الصدمة والخوف ما زالت تلقي بضلالها داخل حارة اليهود الكبرى حيث يوجد المعبد الذي استهدف محيطه قبل ثلاثة أيام بهجوم مسلح بينما كان الزوار اليهود على وشك إنهاء مراسم الاحتفالات والطقوس التي يقيمونها سنويا .

وخلال شهر مايو من كل عام، يستقبل المعبد نحو ٥  آلاف يهودي من كل أنحاء العالم أغلبهم من أصل تونسي يأتون لأداء طقوس وشعائر تستمر لمدة ثلاثة أيام وتسمى "زيارة الغريبة".

 

ولا يخفي رئيس هيئة تنظيم الغريبة بيريز الطرابلسي في حديثه لـ"أصوات مغاربية" "صدمته" مما حصل أمام بوابة المعبد قائلا "ما زال يهود جربة يشعرون بالصدمة.. ظل أزيز الرصاص يتردد في آذاننا  ..لقد كان مشهدا مرعبا لكننا نجونا من مذبحة حقيقية".

ويستحضر الطرابلسي ما يصفه باللحظات المرعبة قائلا "كنا نسمع الطلق الناري قرب المعبد ... كان من المكن أن يحصد هذا المعتدي مئات الضحايا لكن أجهزة الشرطة حيّدته وتصدت له قبل تنفيذ مخططه."

وأضاف بيريز "أطفالنا ما زالوا يشعرون بالخوف حتى إن بعضهم فضل البقاء في البيت ولم يتوجه للمدرسة اليوم، مع ذلك لن نبارح حارة اليهود بجربة، نحب كثيرا تونس
وجربة وسنظل نتمسك بإقامة طقوسنا السنوية بالكنيس". 

ويشعر بيريز بخيبة أمل إزاء تنظيم "زيارة الغريبة" في المستقبل وإعادة الثقة لليهود مجددا وإقناعهم بزيارة الكنيس لإقامة شعائرهم الدينية يحتاج لوقت طويل جدا، مشيرا إلى أنهم عملوا خلال السنوات الماضية لمحو صورة التفجير الذي استهدف المعبد عام ٢٠٠٢ و أعادوا  لزيارة الغريبة بريقها لكن هذا الهجوم الجديد سيرجع به إلى المربع الأول .

وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها  كنيس الغريبة لهجوم مسلح، إذ  تعرض المعبد لاعتداء عام 1985 حين قتل شرطي العديد من الأشخاص، كما أسفر تفجير استهدف المعبد في  أبريل 2002،  عن 21 قتيلاً من بينهم 14 سائحاً ألمانيا.

ولم يستبعد المتحدث أن يكون لهذا الاعتداء تأثير على علاقة يهود المهجر بوطنهم الأم مستقبلا بسبب فقدانهم لذويهم لكن استدرك القول "إنهم يحبون تونس كثيرا وسيعودون لإشعال الشموع في الغريبة".

ويعيش في تونس حاليا نحو ١٤٠٠ يهودي معظمهم يستقرون في حارتين تسميان "الحارة الكبيرة" و"الحارة الصغيرة" في جزيرة جربة بعد أن كانت أعدادهم تقدر بعشرات الآلاف قبيل الاستقلال عام ١٩٥٦ لكنهم غادروا البلاد نحو بلدان أخرى وخيروا الاستقرار فيها لعل أبرزها فرنسا.

مساع لتخفيف وطأة الصدمة

وتبذل السلطات التونسية مساع كبيرة للتخفيف من تداعيات الهجوم الذي نفذه عنصر أمن بعد ما قتل زميله واستولى على ذخيرته و حاول الوصول إلى المعبد قبل أن تتصدى له أجهزة الشرطة التي تبادلت معه إطلاق النار وأردته قتيلا، وفق الداخلية التونسية.

وقال وزير الداخلية التونسي كمال الفقي إن العملية خلفت 5 قتلى وهم كل من التونسي أفيال حداد والفرنسي بنيامين حداد إلى جانب 3 أمنيين وهم كل من العميد بالأمن الوطني ماهر العربي والوكيل أوّل بالحرس الوطني خير الدين اللافي وناظر الأمن أول محمد عبد المجيد عتيق التابع للفوج الوطني لمجابهة الإرهاب.

 

كما أوقع  الهجوم أيضا 5 إصابات بين المدنيين والأمنيين، أغلب حالتهم مستقرة وقد تم "الإحاطة الكاملة بهم منذ انتهاء العملية" حسب المصدر ذاته.

وحسب الوزير التونسي "فإن الاحتفالات قد عادت للمعبد في وقت وجيز وسريع بالمعبد وأحوازه وكامل جزيرة جربة أرض التسامح والتآخي"، مضيفا " أن تونس ستبقى آمنة رغم المحاولات اليائسة التي لا يترددون في اللجوء إليها".

هذه التصريحات الرسمية يرى المحلل السياسي قاسم الغربي أنها محاولة من السلطة التونسية للتخفيف من حدة التداعيات السلبية لهذا الهجوم وآثاره السياسية والاقتصادية .

وأكد المتحدث أن وزير الداخلية أراد أن يبعث برسالة إلى يهود جربة مضمونها أن ما حصل هو عمل إجرامي معزول وذلك بهدف التقليل من حدة التوتر  وطمأنة مئات اليهود الذين يعيشون بجربة وذلك من خلال إشارته إلى عودة الحياة بسرعة إلى الحارة و تواصل مظاهر الاحتفال.

وتعليقا على التصريحات ذاتها أوضح الغربي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" أن السلطة السياسية  تشعر "بالحرج الشديد"، فمهما كانت توصيف العملية سواء اعتبرت "إجرامية " أو "إرهابية " فإنه سيكون لها في كل الأحوال تداعيات اقتصادية خاصة على مستقبل السياحة في البلاد.

وأضاف المتحدث "من الواضح أن الجهاز التنفيذي للدولة يحاول التقليل من أثار هذه العملية حتى يحاول إنقاذ الموسم السياحي الذي يمثل آخر أمل للملمة الوضع الاقتصادي المتردي"، مشيرا إلى وجود انعكاسات سياسية أيضا إذ تحاول السلطات من خلال تصريحات وزارة الداخلية نفي الاتهامات الدولية بوجود تراخ من أجهزة الدولة التونسية في التصدي لهذا الهجوم الذي جاء من داخل أجهزتها هذه المرة.

المصدر : أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

خطر الإرهاب يتهدد منطقة الساحل وضمنها الجزائر
خطر الإرهاب يتهدد منطقة الساحل وضمنها الجزائر

تمر الإثنين 16 سبتمبر 25 سنة على "استفتاء الوئام المدني" الذي أقرته الجزائر "آلية للمصالحة" مع الجماعات المتشددة.

وتتزامن الذكرى مع فوز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية ثانية، وهو الذي كان قد أمر الحكومة بـ"إعادة النظر في قانون 'لم الشمل' لفائدة الأشخاص الذين سلموا أنفسهم"، في أغسطس 2022، إلا أن القانون لم الجديد يصدر بعد.

وعول الرئيس الجزائري على قانون "لم الشمل" لتحديد طرق التعامل مع المتشددين الذين يسلمون أنفسهم، وذلك بعد انقضاء الحيز الزمني لتطبيق قانون "الوئام المدني"، وفق بيان لمجلس الوزراء آنذاك.

وسبق لتبون أن أعلن في لقاء دوري مع وسائل إعلام محلية نهاية يوليو 2022 أن هذه المبادرة "ستكون امتدادا لقوانين الرحمة والوئام المدني والمصالحة الوطنية، وستشمل كل من تم تغليطهم وأدركوا بعدها أن مستقبلهم مع الجزائر، وليس مع بعض الأطراف الخارجية".

وتعود قوانين المصالحة الوطنية في الجزائر إلى عهد الرئيس الأسبق ليامين زروال الذي أصدر قانون "الرحمة" في فبراير 1995، ثم قانون "الوئام المدني" الذي تبناه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وعرضه لاستفتاء 16 سبتمبر 1999، تلاه ميثاق "السلم والمصالحة" في سبتمبر 2005. وشجعت هذه القوانين مئات المتشددين المسلحين على الاستسلام والتخلي الطوعي عن أسلحتهم.

ومع تزايد أعداد المتشددين الذين يتم توقيفهم من قبل وحدات الجيش الجزائري (تحييد 30 مسلحا خلال السداسي الأول من 2024)، أو الذين يسلمون أنفسهم، تثار تساؤلات بشأن الإطار القانوني للتعامل معهم، بين من يرى إمكانية إصدار قانون جديد ينظم الأمر، وبين من يعتبر أن التغييرات السياسية والأمنية "طوت صفحة الوئام المدني والمصالحة مع المتشددين".

"روح المصالحة" 

وتعليقا على هذا النقاش، يؤكد الحقوقي فاروق قسنطيني أن "روح المصالح باقية في الجزائر"، لافتا في حديثه لـ"أصوات مغاربية" إلى "أهمية الحلول السلمية في معالجة قضايا الإرهاب والتشدد الديني بالجزائر".

ويتوقع قسنطيني إمكانية أن تلجأ الحكومة إلى "عرض مشروع قانون تكميلي للوئام المدني والمصالحة من أجل استكمال ملف العفو المشروط الذي تبنته الدولة سابقا".

وأشار المتحدث إلى أن "نجاح مشاريع المصالحة السابقة في حقن الدماء بالجزائر، سيكون حافزا أمام الرئيس عبد المجيد تبون لعرض مشروع جديد للتكفل بالمسلحين الذين سلموا أنفسهم خلال السنوات الأخيرة".

"صفحة مطوية"

ويرى المحلل السياسي، فاتح بن حمو، أن التعامل مع الحالات الجديدة وفق قانون الوئام المدني "لا يبدو ممكنا اليوم، بحكم أن هذا القانون يعتبر صفحة مطوية في الجزائر".

ويتابع بن حمو قائلا لـ"أصوات مغاربية" إن قانون الوئام المدني "حقق جزءا كبيرا من أهدافه قبل 25 سنة من اليوم، ولا يمكن إعادة العمل به لاختلاف الظروف والأولويات".

ويعتقد المتحدث أن إمكانية صدور قانون للمصالحة "أمر لن يتحقق على الأقل في المديين القريب والمتوسط، بحكم أن الأولوية الحالية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية التي يعمل عليها الجميع، بينما تتواصل عمليات مكافحة الإرهاب في شقها الأمني".

 

المصدر: أصوات مغاربية