Logos

أصوات مغاربية الآن علي موقع الحرة

اضغط. هنا لزيارة موقع الحرة

In this Thursday, Sept. 7, 2017 photo, pharmacists Mokhtar Agrebi, left, and Latifa Trabelsi work in their drugstore in Tunis…
صيدلية في تونس- أرشيف

تعيش تونس على واقع أزمة "نقص دواء" جراء المشاكل المالية المتفاقمة في البلاد، ما يهدد حياة الآلاف من المصابين بأمراض مزمنة، فيما يكشف مختصون لموقع "الحرة"، أسباب تلك الأزمة وتأثيرها على حياة التونسيين، وتداعياتها السياسية والاجتماعية.

ومنذ شهور، اختفت مئات الأدوية من أرفف الصيدليات في أرجاء البلاد بما في ذلك علاجات مهمة لأمراض مزمنة مثل القلب والسرطان والسكري.

ناقوس خطر

في حديثه لموقع "الحرة" يدق رئيس جمعية التحدي لمكافحة السرطان في تونس، نبيل فتح الله، ناقوس الخطر بشأن "اختفاء الأدوية" من الصيدليات والمستشفيات.

ويشير إلى معاناة المرضى من "أزمة نقص دواء غير مسبوقة"، ويقول "المريض يعاني لتوفير العلاج ويدور في حلقة فارغة".

ويزور المريض الطبيب الذي يعطيه "وصفة طبية"، وعندما يذهب للصيدليات لا يجد " الدواء أو بدائله".

ويوضح أن مرضى السرطان يلجؤون للجمعية لتوفير العلاجات، والتي تتحدث بدورها للصيدلية المركزية التي تجيب بأن "هذا الدواء غير موجود ولا يمكن توفيره".

وتلجأ الجمعية لجمع طلبات المرضى، ثم يسافر بعض أعضائها إلى دول أوروبية مثل فرنسا أو إيطاليا لشراء الدواء، لكن الأمر يكون مكلفا، حيث قد يصل سعر العلاج إلى 20 ألف دينار تونسي بما يعادل 6500 دولار تقريبا، وفقا لحديث فتح الله.

ويشدد المتحدث على أن مرضى السرطان من "الفقراء" لا يستطيعون توفير المبالغ المالية اللازمة لشراء الدواء من الخارج.

ما أبعاد الأزمة؟

يكشف أمين المال بالمجلس الوطني لصيادلة تونس، الدكتور وليد بوبكر، لموقع "الحرة" أبعاد الأزمة التي يقول إنها "مستمرة منذ سنوات".

ويوضح المسؤول بالمجلس أن الأزمة مستمرة منذ عام 2016، ويقول "الوضع يتحسن في بعض الأوقات ثم يعود كما كان".

وفي تونس، هناك أدوية مصنعة محليا وأخرى مستوردة عبر الصيدلية المركزية المملوكة للدولة، والتي توفر الأدوية للمستشفيات والصيدليات في جميع أنحاء البلاد.

ويرجع بوبكر أزمة نقص الأدوية المستوردة، لوجود "ديون متراكمة على الصيدلية المركزية تجاه المزودين الأجانب".

وتناهز تلك الديون 750 مليون دينار تونسي، بما يعادل 243 مليون دولار تقريبا، ما تسبب في "اضطراب بالاستيراد"، وفقا لحديثه.

وفيما يخص الدواء المصنع محليا، يشير بوبكر إلى أن المصنعين المحليين لديهم "مشكلات تتعلق بارتفاع تكلفة المواد الأولية والشحن".

وتغطي تونس محليا 60 إلى 65 بالمئة من احتياجاتها من الدواء.

لكن هناك ضغوطات على صناعة الدواء نظرا لتحديد "أثمانها من طرف الدولة"، حسبما يوضح.

ويشير بوبكر إلى ارتفاع تكاليف المواد الأولية على النطاق العالمي، وزيادة مصاريف الشحن بين 3 إلى 4 مرات، ما تسبب في " نقص العديد من الأدوية".

وبالتالي فالأزمة "مالية" في المقام الأول، ويتعين وضع دراسة جدية حول تأثيرات وتداعيات "الغلاء" على نقص العلاجات في تونس، ومراجعة الجهات المختصة "لأسعار الأدوية"، وفقا للمتحدث.

وتواصل موقع "الحرة" مع المسؤول الإعلامي بوزارة الصحة التونسية، حافظ العلياني، للتعليق على الأزمة، لكنه طلب إرسال بريد إلكتروني للرد على الأسئلة.

وراسل موقع "الحرة" الوزارة عبر البريد الإلكتروني للحصول على رد، لكن لم يتسن ذلك حتى نشر التقرير.

ما وراء الأزمة

المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة التونسية، رياض الشعيبي، يصف أزمة الدواء بـ"مظهر جديد من مظاهر عجز السلطة عن إدارة البلاد وفشلها في رعاية مصالح التونسيين".

وتتفاقم أزمة الدواء منذ مدة في تونس، حيث ظن المواطنون أن النقص يشمل فقط المستشفيات العمومية، لكن مع مرور الوقت، تبين أن الأمر ناتج عن عدم توفره لدى الصيدلية المركزية المسؤولة على توزيع الأدوية على الصيدليات، بما في ذلك الخاصة، وفقا للشعيبي.

ويقول المتحدث لموقع "الحرة" إن المشكلة الأخطر تتعلق بـ"مس النقص أدوية حيوية مثل تلك المتعلقة بعلاج السرطان والسكري وأمراض القلب".

ويشير إلى "خطورة ظاهرة نقص الأدوية"، ويقول "العديد من المرضى يستغيثون بحثا عن أدويتهم، وأصبحت حياتهم مهددة في حال لم يتوصلوا بها في الوقت، مثل تلك المتعلقة بالإشعاع الكيماوي عند مرضى السرطان".

ويقول "هذا الوضع غير مسبوق في تونس، ولم تشهد البلاد من قبل مثل هذه الأوضاع".

ويرى أن السلطات تتحمل "مسؤولية أخلاقية وسياسية وكذلك قانونية بسبب عدم قيامها بما يتوجب عليها لتأمين ما يحتاجه المجتمع من أدوية وغذاء".

ويتهم الشعيبي السلطة السياسية بتعريض صحة المجتمع وسلامته للخطر الأكيد بتوخي سياسات "إيديولوجية عدائية" ضد شركاء تونس التقليديين، ما نتج عنه إغلاق باب التمويل الخارجي الذي تسبب في شح موارد تونس من العملة الصعبة الضرورية لتأمين وارداتها من الأدوية والطاقة وتغطية النقص الحاصل في بقية المواد الأساسية، على حد قوله.

لكن من جانب آخر، يرى المحلل السياسي التونسي، باسل الترجمان، أن هناك "محاولة لخلق أزمة" بالحديث عن نقص بعض الأدوية على مستوى السوق الطبية في تونس. 

وتحاول بعض الأطراف مدفوعة بأهداف سياسية تحويل الأمر لـ"كارثة" وكأن الناس تموت في الشوارع، وهذا ليس صحيح وغير واقعي، وفقا لحديثه لموقع "الحرة".

ويوضح أن فقدان أدوية أمراض السكري والقلب والسرطان يؤدي إلى "وفاة المئات من المصابين"، لكن ذلك لم يحدث أيضا، وبالتالي محاولة تصوير الأمر كـ"أزمة"، غير واقعي أو متناسق مع حقيقة الأوضاع في تونس".

ويرى المتحدث أن هناك محاولات لتحميل الحكومة المسؤولية عن "نقص بعض الأدوية"، مشيرا إلى أن "هذا غير حقيقي وقبل 25 يوليو 2021، كان الآلاف من أبناء تونس يموتون جراء التقاعس الحكومي".

وحسب حديثه فقد كانت حكومة هشام المشيشي، التي كان يشرف عليها رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، تمنع وصول اللقاحات لمواجهة جائحة كورونا، وشهدت تونس أزمة نقص أوكسجين مزمنة جراء الإهمال وقتها.

ويؤكد أن العديد من دول العالم تعاني من "نقص الأدوية" بسبب توقف الكثير من المصانع خلال أزمة كورونا، معتبرا أن هناك "مبالغة وتشويه مقصود ممنهج" للدولة التونسية.

وبحسب المحلل السياسي التونسي، تشهد البلاد إشكالا في توفير الدواء، لكنه لا يصل لحد الأزمة، ويرى أن محاولة بعض الأطراف تحويل الأمر لـ"قضية رأي عام"، يأتي في سياق "تحقيق أجندة سياسية".

أزمة مالية شاملة

منذ العام الماضي، تواجه تونس صعوبات في دفع أثمان سلع أخرى تُباع بأسعار مدعومة، مما تسبب في نقص دوري في الخبز ومنتجات الألبان وزيت الطهي والسكر والأرز، مع انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي إلى ما يكفي 93 يوما فقط من الواردات في نهاية شهر مايو الماضي، مقابل 130 يوما خلال نفس التوقيت من العام الماضي، وفقا لـ"رويترز".

وتستهدف تونس خطة إنقاذ مالي بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

وحذرت وكالات التصنيف من أن البلاد، بدون هذه الخطة، قد تتخلف عن سداد الديون السيادية. لكن الرئيس التونسي، قيس سعيد، رفض الشروط الرئيسية للاتفاق. 

ورغم التوصل إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق بشأن القرض في منتصف أكتوبر، تعثرت المحادثات منذ أشهر بسبب عدم وجود التزام ثابت من سعيّد بالإصلاحات التي يقترحها الصندوق، من مراجعة سياسة دعم المواد الأساسية وإعادة هيكلة العشرات من الشركات الحكومية، وفقا لـ"فرانس برس".

ويقول مانحون غربيون إن "المحادثات تعثرت".

ولذلك يشير الكاتب والمحلل السياسي التونسي، برهان العجلاني، إلى أن أزمة الدواء "ليست جديدة"، ويقول إن هناك اضطرابات في تزويد السوق التونسية بالسلع المستوردة بشكل عام.

ويعود سبب ذلك للمشكلات التي يعاني منها الاقتصاد التونسي، والتضخم وانهيار قيمة الدينار أمام العملات العالمية، وتعطل تمكين تونس من القروض اللازمة لاستكمال ميزانية الدولة، وفقا لحديثه لموقع "الحرة".

ويواجه الاقتصاد التونسي تضخما مرتفعا تجاوزت نسبته 10 بالمئة، ومعدلات بطالة تجاوزت 15 بالمئة، ونسبة مديونية في حدود 90 بالمئة، من إجمالي الناتج الداخلي.

وتفاقمت حدة نقص الدواء جراء الأزمة الاقتصادية "الخانقة" وعدم توفر المبالغ الكافية من العملة الصعبة لاقتناء المواد الغذائية والأدوية، والتي تمس حياة المواطن التونسي اليومية، حسبما يوضح العجلاني.

ويقول "هناك أزمة حقيقية مزمنة فيما يتعلق بالتزود بالأدوية المتعلقة بعلاج الأمراض المزمنة".

ويشير إلى شبكات احتكار تمنع وتعطل تزويد السوق التونسية بـ"الأدوية والمواد الأساسية" في إطار تعطيلها للحركة الاقتصادية في تونس.

ويوضح أن الأزمة المالية "تشتد يوميا" في تونس، في ظل عدم وضوح السياسة الخارجية التونسية على المستوى الإقليمي والعالمي، وهو ما يعرقل نفاذ تونس لمصادر التمويل الدولي.

تداعيات الأزمة

يؤكد أمين المال بالمجلس الوطني لصيادلة تونس، أن هناك "تداعيات خطيرة لأزمة نقص الدواء"، في ظل عدم وجود علاجات خاصة بالأمراض المزمنة في البلاد.

والمريض "لا يجد الدواء"، وأحيانا يتجه للعلاجات "البديلة"، وإذا لم يجدها يتم تغيير "البرتوكول العلاجي"، وفقا لحديثه.

لكنه يشير إلى "الإشكالية الكبيرة"، عندما لا تتوفر "البدائل العلاجية"، ووقتها يجد المرضى أنفسهم "بلا علاج".

ومن جانبه يؤكد رئيس جمعية التحدي لمكافحة السرطان أن الأزمة "متفاقمة" ولها "تداعيات خطيرة".

وفي تونس، الدواء مفقود وفي حال توفره يكون "مكلفا"، والدولة تترك المرضى لمواجهة "مصيرهم وحدهم"، ما يعني أن المريض الفقير "سيموت"، على حد قوله.

ولذلك يحذر العجلاني من "تداعيات اجتماعية" للأزمات المتصاعدة التي تشهدها تونس، ويقول "التخوف الحقيقي أن زمن الإصلاح الاقتصادي والسياسي يسير بوتيرة بطيئة جدا غير مواكبة لتطلعات التونسيين".

وفي زمن التغيير لا توجد مطابقة مع "الصبر الشعبي"، وسيكون لذلك تأثيرات اجتماعية "خطيرة"، وفقا للعجلاني.

مواضيع ذات صلة

العنف الرقمي يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف
العنف الرقمي يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف

"أتمنى من الله أن يعجل بموتي حتى لا أعيش في هذا العذاب"، هكذا بدأت نعيمة حديثها لـ"الحرة"، وهي تصف الصدمة العميقة التي اجتاحت عائلتها بعد تعرض ابنتها القاصر مريم لابتزاز رقمي إثر نشر فيديو اعتداء ومحاولة اغتصاب لها عبر تطبيق التواصل الفوري "واتساب".

نعيمة (44 سنة)، أم لولد وثلاث بنات بمدينة الدار البيضاء، وجدت نفسها في مواجهة أزمة تفوق قدرتها على التحمل وغارقة في دوامة اليأس والقلق وهي تشاهد حياة أسرتها تنهار أمام عينيها، حيث بدأت مأساتها عندما أخذ شاب رقم هاتف ابنتها مريم عنوة أثناء اشتغالها كبائعة متجولة لشرائح الهاتف، وأصبح يضايقها رغم محاولاتها التخلص منه، وانتهت بالاعتداء عليها وتصويرها في وضع مهين، ما أدى إلى انهيارها النفسي وعزلتها عن العالم.

ورغم تقديم نعيمة لشكوى ضد الشاب الذي عنف ابنتها وحاول اغتصابها وتم الحكم عليه مؤخرا بالسجن لثلاث سنوات، إلا أن معاناة الأم المكلومة لا تزال متواصلة بعد أن تسبب الفيديو الذي أرسله الجاني إلى أخت مريم في تفكيك كامل للأسرة، زوجها هجرها وابنها الأكبر ترك المنزل، ومريم تزوجت عرفيا بشاب آخر وعدها بكتابة عقد الزواج عند إتمامها السن القانوني (18 سنة).

تعيش نعيمة اليوم مع ابنتيها المتبقيتين في حالة من الصدمة والاضطرابات النفسية، تتنقل بين المستشفى ومحاولات العمل لتوفير لقمة العيش، وتخشى نشر الفيديو على المنصات الاجتماعية أمام تهديدات مستمرة لأخ الجاني، معتبرة أن حياة أسرتها مرهونة بحجب هذا الفيديو مما يعمق معاناتها.

انتقام وتهديد
كما هو الحال مع مريم، نجد في قصة نجوى (19 سنة) نموذجا آخر لامرأة اختارت مواجهة العنف الرقمي بعد أن تعرضت لمحاولة اغتصاب من طرف شاب تعرفت عليه وعمرها يصل 16 سنة، فاضطرت للزواج من المعتدي تحت ضغوط اجتماعية رغم عدم تحرير عقد زواج رسمي بسبب سنها غير القانوني.

لم تنته معاناة نجوى بعد انتقالها إلى بيت زوجها، بل تحولت إلى حلقة من العنف الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى تصويرها سرا وهي تغير ملابسها وفي وضعيات حميمية معه، وبعد بلوغها 18 سنة تم توثيق الزواج لكن سرعان ما طردها زوجها من المنزل وهي حامل، مهددا إياها بنشر فيديوهاتها إذا لم تتقدم بطلاق اتفاقي والتنازل عن حقوقها.

تقول نجوى لـ"الحرة": "رفضت الخضوع لابتزازه رغم الظروف الصعبة بعد الإنجاب والعيش مع أسرتي الفقيرة القاطنة بإحدى بيوت دور الصفيح، إذ رفعت دعوى قضائية ضده وتم اعتقاله لسبعة أشهر إلى أن تنازلت عن الدعوى بعد تسوية مع عائلته بأداء واجبات النفقة والحضانة، لكن التهديدات استمرت بعد الإفراج عنه ورفض أداء مستحقاتي".

لا تزال نجوى تواجه الابتزاز الرقمي من زوجها وتقف عاجزة على رفع دعوى قضائية جديدة بسبب ظروفها المادية الصعبة، مشيرة إلى أنها تعيش وضعا من اليأس والاكتئاب والخوف المستمر بعد أن أصبح هاتفها رمزا للرعب إذ في أي لحظة قد تنشر تلك الصور لتدمر ما تبقى من حياتها.

التفكير في الانتحار
وفي الوقت الذي قررت مريم ونجوى التبليغ ضد العنف الرقمي، فإن أغلب النساء في المغرب مازلن يترددن في اتخاذ هذه الخطوة مخافة الوصم الاجتماعي، وهو ما حصل مع قصة هدى (26 سنة)، وهي طالبة في السنة الأخيرة بشعبة الطب والصيدلة، حيث تعيش تجربة قاسية مع العنف الرقمي الذي قلب حياتها رأسا على عقب.

وفي حديثها لـ"الحرة"، تحكي هدى أنها كانت على علاقة عاطفية لمدة ثلاث سنوات مع شاب يبلغ من العمر 29 سنة، يشتغل في مركز اتصال بمدينة المحمدية، وتقول "رغم أنني كانت على علاقة رضائية معه إلا أنني قررت إنهاءها للتركيز على دراستي، لكنه لم يتقبل ذلك وبدأ يهددني بنشر فيديو جنسي سجله لي دون علمي".

وتوضح هدى أن التهديدات كانت موجهة إلى أسرتها ومعارفها على منصات التواصل الاجتماعي وتخاف أن تدمر سمعتها المهنية كمستقبل طبيبة، منبهة إلى أنها "تحولت من شابة مفعمة بالحياة ومقبلة على مهنة إنقاذ الأرواح إلى شابة مكتئبة تعيش في السواد وتفكر في الانتحار".

رغم رغبتها في تقديم شكاية، تخشى هدى من اتهامها بالفساد نظرا لتجريم القانون الجنائي للعلاقات الرضائية، ولا تزال مترددة في اتخاذ هذه الخطوة، مكتفية بالبوح وكسر حاجز الصمت مما وفر لها بعض الارتياح بعيدا عن أحكام المجتمع القاسية، بحسب تعبيرها.

أرقام مقلقة
في السنوات الأخيرة، نبهت تقارير رسمية وحقوقية إلى تنامي معدلات العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب، إذ سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي) في دراسة أجراها عام 2023 وشملت 180 حكما قضائيا تتعلق بقضايا العنف ضد النساء، بأن العنف الرقمي يتصدر قائمة أشكال العنف التي تتعرض لها النساء بنسبة 33٪.

وذكر تقرير للمندوبية السامية للتخطط (مؤسسة رسمية) صدر خلال مارس من العام الماضي، أن قرابة 1.5 مليون امرأة تعرضن للعنف الرقمي إما بواسطة الرسائل الإلكترونية أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية، بينما تؤكد معطيات المديرية العامة للأمن الوطني وجود ارتفاع في عدد الشكايات المتعلقة بالعنف ضد النساء والفتيات بواسطة التكنولوجيا الحديثة، إذ سجلت 622 شكاية عام 2019 و761 عام 2020.

وسجلت دراسة أعدتها جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" تزايد العنف الرقمي خلال الخمس سنوات الأخيرة (سبتمبر 2018 إلى غاية سبتمبر 2023)، موضحة أن العنف الرقمي يمارس في معظم الحالات من قبل الأشخاص المقربين من الضحية بما في ذلك الزوج (14٪) والمقربون بنسبة 36٪، وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأكثر استخداما في ممارسة العنف الرقمي ضد المرأة بنسبة 70.2٪ من إجمالي وسائل التواصل التي تم استخدامها.

وبحسب الجمعية، فإن العنف الرقمي هو "كل عمل من أعمال العنف ضد المرأة التي تستخدم في ارتكابه أو تساعد عليه أو تزيد من حدته جزئيا أو كليا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كالهواتف المحمولة والذكية أو الانترنت أو منصات التواصل الاجتماعي أو البريد الالكتروني، ويستهدف المرأة أو يؤثر في النساء بشكل غير متناسب".

"أكثر تعقيدا"
وتعتبر منسقة مراكز الاستماع بجمعية "تحدي المساواة والمواطنة"، رجاء حمين، أن العنف الرقمي ضد النساء هو "أخطر أنواع العنف ضد المرأة وأكثر تعقيدا من أشكال العنف التقليدية وأعمقها أثرا حيث ينتشر بسرعة وغير محدود في الزمان والمكان"، مشيرة إلى أنه يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف والتهديد بنشر صور حميمة وأنه يبقى مفتوحا على أشكال أخرى أمام التطور التكنولوجي.

وتؤكد حمين في حديثها لـ"أصوات مغاربية"، أن هذا العنف لا يقتصر على فئة عمرية أو اجتماعية محددة، بل يستهدف نساء وفتيات من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، بما في ذلك المتزوجات اللواتي يتعرضن للابتزاز والتهديد بنشر صورهن الحميمية من أجل التنازل عن حقوقهن في النفقة أو حضانة الأطفال.

وتشدد الناشطة الحقوقية على ضرورة تعزيز التوعية والتحسيس في ظل التنامي المهول لهذه الظاهرة بسبب انتشار الأمية الرقمية، داعية إلى تشجيع الضحايا على التبليغ عن الجرائم التي يتعرضن لها "لأن الصمت يشجع الجناة على الإفلات من العقاب واستهداف ضحايا جدد".

وبشأن تداعيات العنف الرقمي، تقول المتحدثة ذاتها إنه "يدمر حياة الأسر ويصعب علاج آثاره النفسية التي تصل إلى حد انتحار الضحايا أو أقربائهم"، مؤكدة أنه لا يمكن الحديث عن ناجيات من هذا العنف في غياب أي ضمان لإعادة نشر مثلا تلك الصور أو مقاطع الفيديو على المواقع الرقمية بعد مرور سنوات.

"أزمة قيم"
ومن جانبها، ترى عضوة "فيدرالية رابطة حقوق النساء"، خديجة تيكروين، أن البيئة الاجتماعية والثقافية بالمغرب تشكل تربة خصبة لانتشار العنف الرقمي ضد النساء، حيث تعامل المرأة كجسد ويطبع المجتمع مع العنف ضدها، سواء في الواقع أو الفضاء الرقمي.

وأوضحت تيكروين في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن العديد من شهادات النساء ضحايا العنف الرقمي أظهرت قلة الوعي التقني والجهل بإدارة المحتوى الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي مما يعرضهن لخطر انتشار صورهن الخاصة بسبب ضعف أدوات الحماية، إضافةً إلى العقلية الاجتماعية التي غالبا ما تلقي باللوم على الضحية.

وفي هذا السياق، تحذر الناشطة الحقوقية أن هناك أزمة قيم اجتماعية باتت تساهم بارتفاع نسبة ضحايا العنف الرقمي عبر ما يتم ترويجه في تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك"، إذ تدفع الفتيات للتركيز على مظهرهن الخارجي كأداة لجذب الانتباه، ما يغير من نظرة المجتمع لهن كأفراد رغم أن الواقع والإحصائيات تشير إلى أن الفتيات متفوقات أكاديميا.

ويضيف المصدر ذاته، أن القوالب الثقافية السائدة تدين النساء بشكل مضاعف وتحد من الإبلاغ عن حالات الابتزاز الرقمي، خاصة عندما ينظر للنساء على أنهن مسؤولات عن تعرضهن للعنف، منبهة إلى تفاقم آثار العنف الرقمي ضد النساء في ظل غياب الدعم النفسي والمجتمعي الكافي لهن.

ضعف المعالجة الرقمية
وبدوره يؤكد الخبير في الأمن الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، أمين رغيب، استمرار تنامي العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب بسبب الارتفاع المتزايد لمستخدمي المنصات الاجتماعية وتطور التكنولوجيات الحديثة وغياب الوعي بمخاطرها لاسيما في صفوف النساء، مشيرا إلى استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي في توليد صور وفيديوهات غير حقيقية للضحايا مما يساهم في انتشار الظاهرة.

وينبه رغيب في حديثه لـ"أصوات مغاربية"، إلى أنه من الناحية التقنية يصعب القضاء على جريمة العنف الرقمي لأن الأمر لا يتعلق بحجب الفيديو حتى لا ينتشر أكثر وإنما لغياب ضمانات بعدم تخزينه ونشره لاحقا، مسجلا ضعف الاستجابة من منصات التواصل الاجتماعي أثناء الإبلاغ عن المحتوى المسيء لضحايا العنف الرقمي.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير الرقمي على أهمية وعي النساء بمخاطر العالم الرقمي وضرورة وضع حدود واضحة للعلاقات خاصة ما يتعلق بتوثيق اللحظات ومشاركتها تجنبا للمشاكل المستقبلية، مقترحا أن يكون هناك ممثلون قانونيون لشبكات التواصل الاجتماعي في المغرب لتسهيل التعامل مع الشكاوى وحماية الضحايا بشكل أفضل.

ضعف الحماية القانونية
وأفادت المحامية والحقوقية، سعاد بطل، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن الإطار القانوني في البلاد يجرم العنف ضد النساء بكل أشكاله مثل العنف النفسي والجسدي والاقتصادي، مستدركة "إلا أنه لم يشمل العنف الرقمي بنص صريح مما يجعل إثبات العنف الإلكتروني يمثل تحديا صعبا ويساهم في تنامي هذه الظاهرة".

وتسجل بطل في حديثها "ضعف الحماية القانونية لضحايا العنف الرقمي نظرا لغياب تعريف واضح في القانون وضعف تنفيذ العقوبات رغم كونها مخففة"، منتقدة ما جاء في القانون الجنائي من فصول غير رادعة لجريمة العنف الرقمي ضد النساء سواء من حيث الجزاء أو الحماية أو آليات التنفيذ.

وتشدد المحامية على ضرورة مراجعة المساطر القانونية التي تقف عاجزة في مكافحة هذه الظاهرة عبر تسهيل مسطرة التبليغ وحماية المبلغين وتشديد العقوبات وإنصاف الضحايا بتوفير مؤسسات الدعم النفسي للمواكبة والشعور بالأمان الثقة.

المصدر: موقع الحرة