لا يزال الحديث عن مسلسل التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا مستمرا بعد إرجاء زيارة رئيس جمعية رجال الأعمال الفرنسية إلى المغرب مؤخرا ، مما يجدد النقاش حول مستقبل العلاقات بين البلدين.
ويأتي إرجاء زيارة رئيس "حركة مقاولات فرنسا" جوفروا رو دو بيزيو بطلب من الجانب المغربي في سياق "أزمة صامتة" تتسم بها العلاقات الثنائية، حيث لم تعين الرباط سفيرا لها بباريس ولم تحدد فرنسا موعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المغرب.
وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا خلال زيارتها إلى المغرب، ديسمبر الماضي، كشفت أن ماكرون سيقوم بزيارة إلى المغرب خلال الربع الأول من العام القادم، إلا أنه إلى حدود اليوم لم تعلن باريس أي مستجدات بشأن هذه الزيارة.
وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها إرجاء اجتماعات لمسؤولين فرنسيين بالمغرب، بل تم في يناير الماضي إلغاء زيارة نائب مدير شمال إفريقيا والشرق الأوسط في الدائرة العامة للتسليح في وزارة الدفاع الفرنسية، وأيضا انعقاد اللجنة الاستشارية المشتركة حول التعاون القضائي، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.
نزعة مؤقتة
وتعليقا على الموضوع، يرى أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد الشيات، أن العلاقات المغربية الفرنسية تعرف مدا وجزرا كما هو الحال لجميع العلاقات الأخرى، مستدركا "وإن كانت منذ الاستقلال توجد في نوع من الاستقرار العام القائم على احترام فرنسا للوحدة الترابية للمغرب".
ويتابع الشيات حديثه لـ"أصوات مغاربية" موضحا أن هناك تحولات على مستوى الممارسة العملية وطبيعة الرؤية الاستراتيجية الفرنسية في شمال أفريقيا التي تعتمد على "النزعة المؤقتة"، مبررا فكرته بما يعتبرها "حاجة باريس إلى الغاز والبترول والطاقة بشكل آني ومستعجل غيَّر اختياراتها الاستراتيجية".
وفي هذا الصدد، ينبه الخبير في العلاقات الدولية إلى أن ذلك أثر على التوازن الذي كانت تعتمده فرنسا في علاقتها بالمغرب على حساب مصالحها والعلاقات التاريخية المستقرة بين البلدين، مسجلا بعض الممارسات الصادرة من جهات حكومية ورسمية فرنسية "غير مطمئنة لمآلات موقف باريس من قضية الوحدة الترابية"، وفق تعبيره.
وعما إذا كان الوضع سيبقى كما هو عليه بغياب سفير في باريس وإرجاء زيارات مسؤولين فرنسيين، يقول الشيات "إذا تغيرت المسببات تتغير النتائج".
مشكل الوضوح
ومن جانبه، يعزو أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، عراقيل عودة العلاقات الثنائية وفق ما كانت عليه في السابق إلى "إصرار فرنسا على عدم الوضوح في علاقتها مع المغرب في ما يخص قضية الوحدة الترابية".
ويضيف لزرق، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "فرنسا مرغمة اليوم على اتخاذ موقف واضح في قضية الصحراء المغربية خاصة أن حاجتها للمغرب أكثر من حاجة المغرب إليها".
وبشأن مستقبل هذه العلاقات الثنائية بين البلدين، يذكر لزرق أن مصيرها أصبح بيد قصر الإليزيه "الذي يحاول المناورة للحفاظ على مصالحه في المغرب لا سيما مع اقتراب الانتخابات الرئاسية بعد أن لعب أوراق الابتزاز سواء بالتأشيرات أو حقوق الإنسان وغيرها"، على حد قوله.
وشدد المتحدث ذاته على أن المغرب "لا يمكن أن يرضى لإنهاء هذا الفتور السياسي إلا بوضوح الموقف الفرنسي تجاه قضية الوحدة الترابية".
تغير المؤشرات الاقتصادية
ويعتقد المحلل الاقتصادي المغربي، إدريس العيساوي، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن مصير العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا "سيبقى مرتبطا بالتشنج الحاصل بينهما لا سيما الإشارة القوية التي تبعث بها الرباط بعدم تعيين سفير لها في باريس التي تعد أقوى السفارات عبر العالم".
ولم يستبعد العيساوي أن يكون لهذا "التشنج" في العلاقات تأثير على الاستثمارات والمبادلات التجارية بين البلدين، قائلا "تمر العلاقات الدبلوماسية من عنق الزجاجة حاليا وستؤثر بدون شك على ما هو اقتصادي".
ويوضح العيساوي أن كل المؤشرات الاقتصادية بين البلدين "ستتغير بشكل قوي" في الفترة المقبلة أمم استمرار التوتر الدبلوماسي، لافتا إلى أن "مجموعة من المبادلات الثنائية تمر من وضعية صعبة حاليا".
وفي هذا السياق، يبرز المتحدث ذاته أن المغرب اعتمد على مبدأ التنويع في شركائه وأن فرنسا لم تعد "الشريك الاقتصادي الوحيد" على مستوى القارة الأوروبية بل دخلت إسبانيا وهولندا وبريطانيا وروسيا.
- المصدر: أصوات مغاربية