تعيش دولة النيجر، التي تتقاسم حدودا شاسعة مع الجزائر وليبيا، على إيقاع تداعيات انقلاب عسكري، أطاح فيه قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني بالرئيس المنتخب ديمقراطيّا محمد بازوم، ويُخشى من تأثيرات هذا الانقلاب على البلدين المغاربيين الكبيرين.
إدانة الانقلاب
وفور الإعلان عن الانقلاب سارعت السلطات السياسية في البلدين المغاربيين إلى إدانته بأشدّ العبارات، حيث وصفت الخارجية الجزائرية في بيان لها، الأربعاء، ما يجري في النيجر بـ"الاعتداء غير المقبول على النظام الدستوري والانتهاك الخطير لمقتضيات سيادة القانون"، ودعت إلى توقيفه "فورا".
كما دان رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة الانقلاب عبر تغريدة في تويتر، دعا فيها لـ"وضع حد فوري لهذه التحركات العسكرية، التي تقوض أمن المنطقة واستقرارها، وتشكل مصدر قلق لجميع البلدان المجاورة، والمجتمع الدولي ككل".
رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي هاجم الانقلاب بدوره، وقال إنه "تغيير غير دستوري للنظام"، ونعتهُ بـ"العملية الخارجة عن القانون والشرعية"، ودعا المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى "اتخاذ كل ما من شأنه تأمين سلامة الرئيس محمد بازوم وأسرته ورئيس وأعضاء الحكومة"، مع العلم أن الرئيس النيجري ينحدر من قبيلة أولاد سليمان الليبية.
حدود كبيرة ومصالح
ويزيد إجمالي طول حدود النيجر مع الجزائر وليبيا عن 1390 كلم، إذ تبلغ الحدود النيجرية الجزائرية أكثر من 950 كلم، أما الحدود النيجرية الليبية فتزيد عن 440 كلم.
وتعتبر هذه الحدود مصيرية بالنسبة للبلدان الثلاثة، حيث تشهد حركة تجارية كبيرة ونشطة خصوصا للسكان المقيمين في هذه المناطق الحدودية، حيث يتم التعامل بالمقايضة بشكل كبير لتسهيل حياة المواطنين.
من جهة أخرى تشكل هذه الحدود المترامية مصدر توجّس خصوصا للجزائر وليبيا، بسبب وجود جماعات إرهابية نشطة شمالي النيجر، تواجهها الجزائر عسكريا في إطار تجمّع "دول الميدان"، الذي يضم كلا من؛ الجزائر والنيجر ومالي وموريتانيا.
الجزائر.. مخاوف اقتصادية وأمنية
وقد وقعت الجزائر والنيجر العام 2021، اتفاقا للتعاون الأمني، ينص على تنسيق عمليات محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والهجرة غير النظامية.
وفضلا عن التجارة والأمن، تعرف تلك الحدود تدفقا لآلاف المواطنين من النيجر، يحاولون الوصول من خلالها العبور إلى أوروبا، ومنهم من يختار الاستقرار في الجزائر أو ليبيا، وتتعاون السلطات في الجزائر وليبيا مع النيجر للحد من هذه الهجرات.
وتعتبر النيجر بالنسبة للجزائر ممرا مهما لسلعها نحو العمق الإفريقي، خصوصا في ظل سعيها إلى تعزيز حركة صادراتها جنوبا، في إطار تنويع مداخيلها الاقتصادية بعيدا عن الريع النفطي.
وترتبط الجزائر مع النيجر بمشاريع كبيرة أهمها؛ "الطريق العابر للصحراء" الرابط بين الجزائر ونيجيريا عبر النيجر، وخط للألياف البصرية بين الدولتين، وأنبوب مرتقب لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا مرورا بالبلدين، أعلنت عنه البلدان المعنية.
العملاق النفطي الجزائر "سوناطراك" وقع بدوره اتفاقا مع وزارة الطاقة النيجرية في فبراير 2022 لتقاسم الإنتاج في حقل "كفرا" النفطي شمالي البلاد والذي تقدر احتياطاته بنحو 400 مليون برميل، وهو حقل اكتشفته "سوناطراك" في 2018.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، الدكتور حكيم بوغرارة قال إن الانقلابيين "لم يبدوا أي اتجاه ولم تتضح نواياهم بعد، لكن الجزائر لم تنتظر وكانت واضحة بإدانة سريعة ومباشرة لهم، وهي التي كانت وراء بند معاقبة الدول التي تحدث فيها انقلابات بتعليق عضوتها في الاتحاد الأفريقي".
وبرأي بوغرارة فإن تأثيرات وارتدادات الانقلاب على الجزائر "ستكون كبيرة خصوصا أمنيا واقتصاديا، إذ ستتأثر مشاريع اقتصادية للجزائر في هذا البلد خصوصا الطريق العابر للصحراء وخط الألياف البصرية، فضلا عن مخاوف من نشاط مسلح وازدياد تدفق المهاجرين غبر الشرعيين على أراضيها إذا ما ساءت الأمور هناك".
ليبيا.. "الجنوب بات مكشوفا"
بالنسبة لليبيا شكلت النيجر مصدرا رئيسيا لتضاعف الهجرة غير النظامية وتجارة البشر نحوها، خصوصا منذ سقوط نظام معمر القذافي العام 2011.
وتنتعش على طول الحدود بين الدولتين ظاهرة التهريب بأنواعها، سواء تهريب البشر أو تهريب السلاح أو الوقود، وتسعى ليبيا بمساعدة الاتحاد الأوروبي إلى مواجهتها.
أمنيّا عانت ليبيا من الجامعات الإرهابية بعد سقوط نظام القذافي، وهي جماعات وجدت في شمال النيجر والساحل عموما ملاذا، خصوصا بعدما تم القضاء على "إمارة داعش" في مدينة سرت نهاية 2016.
كما سيكون للانقلاب الحالي تأثير على خطط ومشاريع عديدة، منها ربط تشاد والنيجر وليبيا بخط للسكك الحديدية.
المحلل السياسي الليبي إبراهيم بلقاسم، قال إن المخاوف الليبية مما يحدث في النيجر "أمنية" بالدرجة الأولى.
وأوضح بلقاسم بأن الجنوب الليبي "بات الآن مكشوفا أمام تهديدات الجماعات الإرهابية المتشددة، وحتى أمام نشاط مجموعة فاغنر الروسية وتزايد الهجرة غير الشرعية، في ظل مخاطر الحرب في السودان ونشاط جماعات مسلحة معارضة تشادية أيضا".
وحذر المتحدث من أن "عسكرة المشهد في دولة مهمة كالنيجر، والتي ترتبط اجتماعيا مع ليبيا في المكوّن العربي، سيجعل السلطات الليبية مستعدّة لأي تداعيات محتملة، حتى وإن كانت الحدود البرية والجوية مغلقة بين البلدين بقرار من منفذي الانقلاب".
المصدر: أصوات مغاربية