تؤرّق الأحداث الجارية في النيجر، جيرانها، وبشكل أخص، الجزائر، المتاخمة لها على حدود صحراوية شاسعة، والتي دأبت على التنسيق معها أمنيا، وعلى أكثر من صعيد.
تخشى الجزائر، من أن تنزلق النيجر إلى العنف، إثر الانقلاب الجاري على الرئيس المحتجز، محمد بازوم، ما قد يخلق بؤرة توتر أخرى في الساحل الأفريقي، الذي يشتكي أصلا من عدم الاستقرار، بفعل الانقلابات المتكررة، وخطر الجريمة العابرة للحدود، والتطرف المسلح، وهو ما يظهر في بيان لها بالخصوص، صدر الثلاثاء.
وأصدرت وزارة الخارجية الجزائرية، بيانا يوضح موقفها الرافض للانقلاب، لكنه يحمل إشارات على تخوفها من أن يمتد تأثير الخلاف الداخلي في النيجر إلى دول الجوار، خصوصا مع إعلان الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس)، الأحد، تسليط عقوبات تجارية ومالية على النيجر ومنحوا الانقلابيين أسبوعا لإعادة الرئيس بازوم، إلى السلطة، تحت طائلة اللجوء إلى القوة.
في أعقاب ذلك، حذرت السلطات في واغادوغو وباماكو، الاثنين، في بيان مشترك من أن أي تدخل عسكري في النيجر لإعادة بازوم، إلى الحكم، سيكون بمثابة "إعلان حرب على بوركينا فاسو ومالي".
إثر ذلك، تضمن البيان الجزائري، الثلاثاء، دعوة لضبط النفس "أمام نوايا التدخل العسكري الأجنبي، التي تعتبر للأسف، خيارات غير مستبعدة (..) لا تمثل سوى عوامل تعقد، وتزيد من خطورة الأزمة الحالية".
فهل تخشى الجزائر من أن تنقلب الأوضاع في النيجر بالنحو الذي يؤثر على تنسيقها الأمني معه؟ وهل يمكن أن يؤثر أي انزلاق على التعاون بينهما؟
تعول الجزائر، وهي ثالث مصدر للغاز الطبيعي إلى أوروبا، على مشروع نقل غاز من نيجيريا لأوروبا عبر النيجر، لترفع صادراتها من الغاز نحو الضفة المقابلة، مستفيدة من توقف الإمدادات الروسية، إثر الحرب على أوكرانيا، فهل لانقلاب النيجر تأثير على هذا المشروع أيضا؟
"حدود هائلة"
سينقل خط أنابيب الغاز الجزائر العابر للصحراء "تي أس جي بي" مليارات الأمتار المكعبة من الغاز من نيجيريا في غرب أفريقيا إلى النيجر شمالا ثم إلى الجزائر.
ومن هناك، يمكن ضخ الغاز عبر خط أنابيب عبر المتوسط "ترانسميد" إلى إيطاليا، أو تصديره بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال.
ويقول المحلل السياسي الجزائري، فيصل مطاوي، إن المشهد في النيجر، يهم حتما الجزائر، باعتبارها تتشارك معه في حدود هائلة، لكنه استبعد أن يؤثر ما يجري هناك في العلاقة بينهما، وفق تعبيره، ولم يستثن، مشروع أنبوب الغاز.
وقال في مقابلة مع موقع "الحرة"، إن بلاده تتعامل مع الدول وليس الأنظمة أو الحكومات المتعاقبة، رغم حرصها على التعامل مع حكومات منبثقة عن إرادة شعبية "بالتالي لن يتأثر التنسيق بين الجزائر والنيجر في أي من المجالات" وفقه.
من جانبه، يرى المحلل، علي بوخلاف، أن التراجع عن خط مشروع خط الأنابيب، أو الاستمرار به، ليس من اختصاص النيجر، بل بيد نيجيريا، حيث ينطلق المشروع.
وفي حديث لموقع "الحرة"، ذكّر بأن نيجيريا لها الخيار بين خط الأنابيب الذي يمر عبر النيجر أو ذلك الذي يمر عبر 14 دولة أفريقية وينتهي إلى المغرب، ومن ثم أوروبا.
لكنه عاد ليستبعد هذا الاحتمال بالقول "الذين نفذوا هذا الانقلاب هم أصلا بحاجة إلى المشروع وسيعملون ما بوسعهم لحمايته".
ويلفت بوخلاف، إلى قرار إعادة فتح الحدود الذي تقرر، الثلاثاء، في النيجر، مع خمسة دول ومن بينها الجزائر واصفا إياه بـ"عربون النية السليمة تجاه الجزائر".
وأعيد فتح الحدود البرية والجوية للنيجر مع خمس دول حدودية، بعد نحو أسبوع على إغلاقها في أعقاب الانقلاب الذي يهدف للإطاحة بالرئيس المنتخب، محمد بازوم، حسبما أعلن أحد الانقلابيين عبر التلفزيون الوطني.
وقال "أعيد فتح الحدود البرّية والجوّية مع الجزائر وبوركينا فاسو وليبيا ومالي وتشاد اعتبارا من اليوم".
"أكثر من سيناريو"
ويأتي قرار إعادة فتح الحدود مع خمس دول مجاورة قبل أيّام قليلة من انتهاء المُهلة النهائيّة التي أعطتها (إيكواس) للإنقلابيين.
يذكر أن وفدا من "إكواس" وصل إلى النيجر، الأربعاء، للتفاوض مع الانقلابيين، بحسب ما أكد أحد المسؤولين في الجماعة، في افتتاح اجتماع لرؤساء أركان الدول الأعضاء في "إكواس" في أبوجا.
وقال مفوض "إكواس" للشؤون السياسية والأمن، عبد الفتار موسى، إن "رئيس الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا كان يرغب بأن يكون هنا، ولكن بينما نتحدث، يتواجد هو في النيجر كجزء من وفد رفيع المستوى بقيادة الرئيس النيجيري السابق الجنرال عبد السلام أبو بكر، بهدف التفاوض".
وفي قراءته لهذا الوضع، يرى بوخلاف أن الأمور في النيجر قد تسير إلى أكثر من سيناريو، وعندها يمكن الحديث عن تأثر الجزائر أو دول الجوار مما يحدث.
وخلال حديثه عن الشق الأمني، قال مطاوي إن هناك اتجاها لأن تفرض سياسة الأمر الواقع نفسها على المشهد في النيجر ومن ثم علاقتها مع جيرانها وخص بالذكر الجزائر.
وقال "مثلما حدث في مالي وبوركينافاسو، وحتى غينيا، فإن الأشياء آلت إلى فرض الأمر الواقع على الجميع، بالتالي لن يتغير المشهد حتى في النيجر".
وأضاف مؤكدا أن من مصلحة النيجر، بغض الطرف عمن يحكمها أن تتعامل مع الجزائر، التي تتعاون معها منذ عقود على أكثر من صعيد، ولا سيما الجانب الأمني، مذكرا بأن بلاده هي من تواجه التنظيمات المتطرفة على الحدود وليس الجيش النيجيري، الذي يحاول فقط مساعدة الجيش الجزائري.
وفي شق التعاون على صعيد مشروع أنبوب الغاز، شدد مطاوي على أن النيجر حريصة هي الأخرى على إنجاح المشروع، الذي يخدم مصالحها العليا "بالتالي لن يتأثر المشروع بما يجري" وفقه.
من جانبه، يرى بوخلاف أن النيجر التي تريد استغلال آبار النفط المكتشفة حديثا من قبل شركة "سوناطراك الجزائرية"، حريصة هي الأخرى على إبقاء التعاون مع جارتها الشمالية على أوجه، في إشارة إلى أن مشروع الغاز بينهما لن يتأثر بما يمكن أن يحدث على خلفية الانقلاب الجاري في نيامي.
- المصدر: موقع "الحرة"