تستعد الحكومة الجزائرية للتوجه، مجددا، إلى البرلمان من أجل عرض حصيلة نشاطها وسط حملة انتقادات لأدائها مقابل اتهامات تطلقها أوساط رسمية وحزبية تؤكد وجود "لوبيات ضاغطة تسعى لعرقل نشاطها".
وسيكون موضوع عرض بيان السياسة العامة أهم محور في الدورة البرلمانية الجديدة، التي من المرجح أن تنطلق شهر سبتمبر المقبل، على خلفية تزامن ذلك مع الدخول الاجتماعي، وبالنظر كذلك إلى سلسلة من الاحتجاجات تقودها تنظيمات نقابية تستمر في مطالبة الجهاز التنفيذي بمجموعة من الإصلاحات، يأتي على رأسها تحسين القدرة الشرائية والقضاء على أزمة أسعار المواد الغذائية، واسعة الانتشار.
ويفرض الدستور الجزائري على الحكومة ضرورة تقديم بيان السياسة العامة بهدف مناقشة حصيلة نشاطها السنوية مع ممثلي الشعب، وهو تقليد ظل معمولا به في الجزائر قبل أن يختفي بصورة كلية في السنوات الأخيرة من عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وتنص المادة 111 من الدستور الجزائري على أنه "يجب على الوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، أن يقدم سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا على السياسة العامة، تعقُب بيان السياسة العامة مناقشة عمل الحكومة، يمكن أن تُختتم هذه المناقشة بلائحة، ويمكن أن تُختتم هذه المناقشة بلائحة".
ويضيف المصدر ذاته "للوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة، وفي حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة، يقدم الوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، استقالة الحكومة".
انتقادات واتهامات
وستكون حكومة أيمن بن عبد الرحمان ملزمة بالرد على جملة من التساؤلات مطروحة في المشهد الإعلام، تتعلق في مجملها بمشاكل اقتصادية وأزمات اجتماعية، خاصة ملف ارتفاع الأسعار والنقص الذي تعاني منه السوق في ببعض المواد الأساسية وممارسات المضاربة المستمرة التي أثرت بشكل كبير على نشاط الاستهلاك المحلي.
إضافة إلى ذلك، اتهم عدد كبير من الفاعلين والنشطاء الجهاز التنفيذي، مؤخرا، بالتقصير وعدم الاستعداد الجيد لمواجهة خطر حرائق الغابات، بعدما تسببت في خسائر بشرية ومادية معتبرة، رغم جميع الإجراءات والاحتياطات المعلنة من طرف الدوائر الرسمية في وقت سابق.
في المقابل، تشير جهات رسمية إلى وجود "أطراف مؤثرة محسوبة على النظام السياسي السابق تسعى إلى عرقلة نشاط الحكومة وإعاقة برنامح الرئيس عبد المجيد تبون".
وكان الرئيس الجزائري قد أشار إلى ذلك خلال آخر لقاء جمعه بممثلي وسائل الإعلام المحلية عندما تكلم عن "دور محتمل لبقايا العصابة ومحاولة أفرادها ضرب استقرار البلاد من خلال افتعال أزمات مختلفة".
وتتبنى أطراف حزبية في الجزائر هذا الطرح كما هو الشأن بالنسبة لحركة مجتمع السلم (حزب إسلامي)، حيث أكد رئيسها عبد العالي حساني شريف، في تصريحات أدلى بها أمس السبت، "وجود أطراف تقاوم التغيير الذي تسعى الحكومة إلى إحداثه في قطاعات عدة".
المصالح وبقايا العصابة
و"العصابة" هو مصطلح سياسي جديد ظهر في المشهد السياسي الجزائري في بدايات الحراك الشعبي، وكان قائد أركان الجيش السابق، أحمد قائد صالح، هو أول مسؤول رسمي استعمله خلال حديثه عن شخصيات وفاعلين مؤثرين في محيط الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
ويرى أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة معسكر، غرب البلاد، بهلولي أبو الفضل، أن "نشاط أفراد العصابة يبقى مستمرا في الجزائر ويرتبط بمصالح مالية وسياسية تدفع أصحابها لمقاومة أي تغيير إيجابي منشود تسعى الحكومة لتحقيقه في المجال السياسي، الاقتصادي أو الاجتماعي".
وأكد في تصريح لـ"أصوات مغاربية": "لا يمكن الاكتفاء بتوجيه الانتقادات لحكومة أيمن بن عبد الرحمان دون الحديث عما يقوم به أفراد العصابة بالنظر إلى نفوذهم الكبير في بعض المؤسسات الرسمية".
وأضاف "الهدف الرئيسي لهؤلاء هو ضرب الثقة بين السلطة التي تحكم البلاد حاليا وبين الشعب من خلال الترويج لمجموعة من الأكاذيب والتلفيقات التي ليس لها أي أساس من الصحة اعتمادا على وسائل التواصل الاجتماعي".
وبحسب بهلولي، فإن "العديد من الانتقادات الموجهة لحكومة أيمن بن عبد الرحمان ليست موضوعية على بالنظر إلى طبيعة بعض المشاكل والأزمات مثل الحرائق التي ضربت مختلف دول العالم أو مشكل غلاء الأسعار المرتبطة أساسا بمتغيرات السوق الدولية".
الأزمات والتقنوقراط
وراهن الرئيس عبد المجيد تبون، منذ انتخابه رئيسا للبلاد نهاية 2019، على شخصيات تقنوقراطية في جميع الحكومات التي شكلها، في وقت تتساءل فيه أطراف عن سبب استغنائه عن شخصيات سياسية معروفة لإدارة بعض القطاعات الهامة، كما كان يحدث في العهد السابق.
وقال الإعلامي محمد سيدمو إن "أول مشكل واجه أيمن عبد الرحمان هو طبيعة تكوينه، كونه شخصية تقنوقراطية محسوبة على قطاع المالية ولم يسبق له أبدا العمل في الميدان أو الاحتكاك بمختلف المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للشعب.
وأضاف في تصريح لـ"أصوات مغاربية": "هذا العامل في نظري أثر بشكل كبير على نشاط الحكومة خلال السنتين الماضيتين وقلل من مبادراتها لتحريك العديد من الورشات الجامدة".
وأردف المتحدث "ما يعاب على الحكومة الحالية هو عدم قيامها باللازم من أجل إنجاز جملة من المشاريع تم الإعلان عنها في وقت سابق، كما هو الأمر مثلا لمشروع السكة الحديدية الرابطة بين شمال وجنوب البلاد".
وأكد سيدمو أن "وجود لوبيات تتحكم في قطاعات بعينها كان دائما مطروحا في الجزائر منذ بدء الانفتاح الاقتصادي وهو أمر يسبق مرحلة ما يسمى بالعصابة، مشيرا إلى أن "المشكلة تتعلق بطبيعة النظام الذي ينتج مناخا يسمح بظهور هذه اللوبيات، بسبب ضعف البرلمان وباقي مؤسسات الدولة التي بإمكانها التصدي لذلك".
المصدر: أصوات مغاربية