تعيش موريتانيا منذ أيام على وقع تحذيرات من أزمة عطش محدقة، بعد انقطاعات متكررة للماء الصالح للشرب عن الأحياء بالعاصمة نواكشوط.
وإلى جانب التوسع العمراني والترسبات الطينية في نهر السنغال، يُرجع المسؤولون سبب شح مياه الشرب إلى مشاكل عدة تعتري محطة ضخ المياه في مشروع آفطوط الساحلي، بمقاطعة كرمسين، جنوب غرب البلاد.
ويعتبر هذا المشروع بمثابة الشريان الرئيسي الذي يزود العاصمة بالمياه النابعة من نهر السنغال.
بحث عن حلول سريعة
وخلال الأيام الماضية، تحركت حكومة الرئيس، محمد ولد الشيخ الغزواني، على أكثر من صعيد لتجنيب البلاد أزمة عطش حقيقية.
فقد قام الغزواني، الأربعاء، بزيارة "غير معلنة، لعدة مواقع على مسار مياه آفطوط الساحلي"، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الرسمية.
وبحسب المصدر نفسه، فإن الرئيس "أصرّ على الإطلاع عن قرب على أسباب الانقطاعات التي شهدتها مؤخرا شبكة المياه بمدينة نواكشوط".
وقد "ألزم" أيضا المسؤولين - تقول الوكالة - من خلال تعليماته بـ"ضرورة العمل على إيجاد بدائل لتخفيف معاناة المواطنين والعمل بجدية لوضع حلول مستدامة للمشاكل التي تؤثر على انسيابية وانتظام تزويد السكان بالماء الشروب".
وفي غضون ذلك، عقدت الحكومة اجتماعات لمناقشة الأزمة، بينما تعهد وزير المياه والصرف الصحي، إسماعيل ولد عبد الفتاح، بـ"توزيع الكميات المنتجة حاليا من المياه بشكل متساوٍ وعادل بين مختلف أحياء العاصمة نواكشوط".
وأضاف أن القطاع عمل على "تعبئة أسطول من الصهاريج كحل مؤقت لتلبية حاجيات المواطنين في النقاط الحساسة والمناطق غير المغطاة بشبكة التوزيع".
وقال إن توزيع المياه يتم بشكل مجاني في أوقات محددة كل يوم.
وتأتي هذه الحلول الحكومية المؤقتة بعد أن ارتفع سعر قنينة مياه من سعة 20 لترا من 70 أوقية (حوالي دولارين) إلى 200 أوقية (نحو 5 دولارات ونصف)، كما ارتفعت أسعار الصهاريج المائية بنسبة كبيرة.
وتتخوف الحكومة من تداعيات أزمة العطش، إذ دعت حركة "كفانا" الحقوقية، مطلع الأسبوع، إلى وقفة احتجاجية أمام الشركة الوطنية للماء، مطالبة ساكنة العاصمة والفاعلين والنشطاء الحقوقيين بالانضمام إليها للاحتجاج على الاضطراب الحاصل في التزود بالمياه.
أسباب متعددة للأزمة
وكان النائب البرلماني المعارض، عبد السلام ولد حرمة، ضمن أول السياسيين المحذرين من النقص الحاد في المياه، قائلا إن "انقراضها أحيانا سببه سوء الإدارة، والفساد، وعدم كفاية المؤسسات والزبونية والركود البيروقراطي".
لكن الوزارة المسؤولة عن القطاع تشير إلى أن سبب نقص المياه الحاد في نواكشوط راجع إلى "الارتفاع الكبير في منسوب الطمي في مياه النهر الناجم عن الأمطار الغزيرة التي عرفتها مناطق الضفة".
وأشارت إلى "تراجع الإنتاج اليومي من المياه إلى 70 ألف متر مكعب، بعد أن كان 130 ألف متر مكعب"، علاوة على "تأخر تنفيذ توسعة وتأهيل منشآت الإنتاج في آفطوط حيث كان من المبرمج في التصاميم الفنية للمشروع أن تنجز قبل سنة 2020".
وحالياً، يتكون مشروع آفطوط من ثلاث محطات سعة كل واحدة منها 5700 متر مكعب للساعة، وفق وزارة المياه.
وتزود المحطات الثلاث نقاط توزيع تعالج المياه في منطقة بني نعج قرب مقاطعة كرمسين، قبل أن يتم ضخها إلى العاصمة.
وتعتقد السلطات الموريتانية أن إنتاج مياه الشرب "لم يواكب متطلبات التوسع العمراني السريع" الذي عرفته نواكشوط في غضون السنوات الماضية.
ووفقا لوزير المياه، فقد "انتقلت التوصيلات المنزلية من 50 ألف سنة 2012 إلى قرابة 200 ألف حاليا، مع تمدد طول شبكة التوزيع ليصل إلى 2800 كيلومتر بعد أن كان لا يتجاوز حاجز 600 كيلومتر".
أما المدير العام للشركة الموريتانية للماء، محمد محمود ولد جعفر، فقد أكد أن بعض محطات آفطوط "كان من المفترض أن تتم صيانتها سنة 2015، إلا أن ذلك لم يتم في تلك الفترة ويجري العمل على إعادة تأهيلها".
وقال في تصريحات للتلفزيون الرسمي، إن"عدم انتظام تزويد بعض المقاطعات بالماء راجع بالأساس للأشغال الجارية في تجديد شبكة التوزيع".
معاناة مناطق الداخل
وبالإضافة إلى معاناة سكان نواكشوط (البالغ تعدادهم نحو مليون نسمة)، فإن المناطق الداخلية للبلاد تعاني أيضا من غياب المياه الصالحة للشرب.
وبحسب منظمات دولية، فإن معدلات ربط المناطق الريفية وشبه الحضرية بالمياه جد ضعيفة، إذ لا تتجاوز أحيانا 19 في المئة.
ووفقا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، في فبراير الماضي، فإن الظروف المناخية القاسية تعمق مشاكل الإجهاد المائي، مشيرا إلى أن تغير المناخ يؤثر سلبا على الفرشة المائية الجوفية للبلاد، ما يؤثر أيضا على الزراعة.
ولفت التقرير إلى أنه من المرجح أن يؤدي انعدام المياه والأمن الغذائي إلى تفاقم الضغوط التضخمية على اقتصاد البلاد.
مبادرات على المدى البعيد
ووفق بعض الأرقام، فإن حل الأزمة الحالية سيتطلب وقتاً، إذ تقلصت نسبة الإنتاج اليومي للمياه القادمة من نهر السنغال إلى 50 في المائة.
وتسعى البلاد، منذ مطلع العام الجاري، إلى تذليل العقبات التي تواجه منظومتها المائية عبر جمع التمويلات الدولية لإنشاء البنيات التحتية اللازمة في مختلف مناطق البلاد، وذلك في أفق تمكين كل السكان من الولوج الكامل للمياه بحلول عام 2030.
واعتمد هذا البلد المغاربي، في فبراير الماضي، "استراتيجية وطنية للنفاذ المستدام إلى المياه والصرف الصحي بحلول عام 2030"، تستهدف "إنشاء إدارة متكاملة لموارد المياه الجوفية والسطحية، بحسب وزارة المياه والصرف الصحي.
وأعلنت الحكومة، نهاية مارس الماضي، اكتمال إنشاء بنية تحتية لمياه الشرب في 670 بلدة، ومد 1400 كلم من الأنابيب، وتوفير المياه لـ150 ألف أسرة وإكمال 19 حوضا جديدا لتخزين وحفظ مياه الأمطار.
كما ضاعفت الحكومة الموريتانية الموارد المالية المخصصة لقطاع المياه في موازنة العام الحالي، في إطار خطة لإيصال الماء إلى مئات التجمعات المحلية في المناطق الريفية قبل عام 2025.
- المصدر: أصوات مغاربية/ وسائل إعلام موريتانية