ألقت المواجهات الدامية التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين بظلال ثقيلة على المشهد السياسي والأمني في ليبيا الذي اتفق مراقبون من الداخل والخارج على أنه لم يعد يحتمل المزيد من التأزيم، وسط تعالي الأصوات المحذرة من خطر اتساع نفوذ الميليشات المسلحة في البلاد.
وخلال يومين من المواجهات فقدت ليبيا نحو 55 شخصا فيما أصيب نحو 150 بحسب مصادر طبية، بينما لا يزال التوتر يخيم على المشهد في طرابلس رغم التهدئة التي تم التوصل إليها بوساطة من أعيان منطقة "سوق الجمعة" و"النواحي الأربع"، وهي المناطق التي ينتمي إليهما قائدا اللواء "444" وقوة "الردع" المتقاتلين.
الحكومة تحذر
وأثارت المواجهات الأخيرة حالة من السخط والانتقادات اللاذعة التي طالت المجلس الرئاسي الليبي، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد وتتبعه القوتان المتصارعتان. كما نال رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، نصيبه من سهام النقد كونه يشغل منصب وزير الدفاع الحالي.
وفي لقاء جمعه مع أعيان "سوق الجمعة" مساء أمس الأربعاء، حذر رئيس حكومة الوحدة الوطنية من أن أي خرق للهدنة التي تم التوصل إليها "سيُعد نية سيئة"، مؤكدا أنه لن يتم القبول بها أو التسامح معها، دون التطرق إلى مسألة "محاسبة المتورطين في الاقتتال الأخير صراحة".
متابعات | الدبيبة عن طرفي الاشتباكات الاخيرة : نتحشموا نديرولهم حاجة تعسفية لأنهم قاوموا الفاغنر والعدوان على #طرابلس . #ليبيا #المرصد ( كلمة خلال لقاء اعيان سوق الجمعة ) pic.twitter.com/kxnlapSymO
— صحيفة المرصد الليبية (@ObservatoryLY) August 17, 2023
وأقر الدبيبة من جهة أخرى بعجزه عن القيام بأي شيء حيال كل من قائد قوة الردع الخاصة، عبد الرؤوف كارة، و آمر اللواء "444" محمود حمزة، بسبب ما وصفه بجهودهم السابقة في الدفاع عن طرابلس، ولقيامهما بمواقف "رجولية" معه شخصياً.
وتعليقاً على كلمة الدبيبة أمام الأعيان، قال الناشط السياسي الليبي أحمد الساعدي إن رئيس الحكومة لخص حقيقة الموقف "المأساوي" لليبيا من خلال عبارة واحدة وهي أن زعيمي الميليشيتين "كاسرين في عينا عود"، بمعنى أنهما في موقف أقوى من موقفه كرئيس للحكومة ووزير للدفاع "بصرف النظر عن المبررات التي قدمها لذلك".
وأضاف الساعدي، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن ما ذكره رئيس الحكومة هو "إقرار صريح بعجز الأجسام السياسية في طرابلس أمام الميليشيات المسلحة التي تملك المال والعتاد والدعم بما في ذلك دعم خارجي".
بحث عن حل
من جانبه قال رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية، جمال الفلاح، إن الأحداث الأخيرة أثبتت أن لا سلطة للحكومة ولا للمجلس الرئاسي على المجموعات المسلحة في طرابلس، لافتاً إلى أن الهدنة التي تم التوصل إليها جاءت بضغوطات خارجية.
وتوقع الفلاح، في حديث لـ "أصوات مغاربية"، أن تشهد ليبيا المزيد من الاشتباكات ما لم يتم تفكيك الجماعات المسلحة في طرابلس "مهما اختلفت تسمياتها وتصنيفاتها"، وإعداد هيكلية واضحة للمنطقة الغربية من البلاد.
ووصف المتحدث الوضع في الجزء الغربي من البلاد بالمتوتر بين الكتائب المسلحة بسبب استمرار تحشيدها وتآمرها على بعضها البعض، معرباً عن تخوفه من "انفجار الوضع" بشكل أكبر في أية لحظة.
في السابق، الان، ومستقبلا - اي حل لم/لن يشتمل على حل الميليشيات وجمع السلاح قاد/سيقود الى صراع وحروب جديدة. استمرار وجود الميليشيات في #طرابلس وفشل تنفيذ الترتيبات الامنية لاتفاق الصخيرات كان احد الاسباب الاساسية للحروب التي حدثت في طرابلس منذ ال 2016 وحتى حرب 4 ابريل. #ليبيا
— Mohamed Eljarh (@Eljarh) May 8, 2020
وتعليقاً على جهود الوساطة التي قام بها الأعيان في طرابلس، شكك الفلاح في قدرة أي من هؤلاء على ضبط المجموعات المسلحة.
وبحسب الفلاح فإنه "لا حل ممكنا لمسألة تغول الميليشيات المسلحة على المشهد في ليبيا إلا من خلال قيام كل من الحكومة والمجلس الرئاسي بالعمل والتعاون مع الأمم المتحدة والأطراف الدولية النافذة من أجل تفكيك المجموعات المسلحة".
وفي إشارة إلى استعصاء مشكلة الميليشيات في ليبيا قال وزير الدفاع الليبي السابق، محمد البرغثي، إن ليبيا أصبحت "هشة ولا دولة فيها" بسب الميليشيات، مشدداً في منشور له على فيسبوك على أن "الحل يكمن في وجود مشروع الوطني وقيادة سياسية نزيهة مقتدرة إضافة إلى جيش وطني قوي وموحد".
وكان البرغثي نفسه قد أقيل من منصبه عام 2013 على خلفية مواجهات دامية وقعت بين اثنين من الميليشيات في العاصمة طرابلس، وأسفرت حينها عن مقتل 10 أشخاص وجرح أكثر من 100 آخرين.
وأصبحت وجهة النظر القائلة بضرورة إشراك المجتمع الدولي من أجل وضع حد لهيمنة المليشيات المسلحة تكتسب زخما متزايداً بعد ما أظهرته الأحداث الاخيرة من عجز واضح لكل الأجسام السياسية في البلاد أمام قوة ونفوذ المجموعات المسلحة.
تاريخ عنيف
وتعقيباً على دور محتمل للمجتمع الدولي في حل معضلة الميليشيات، أعرب الناشط السياسي أحمد الساعدي عن تحفظه بخصوص ذلك، مشيراً إلى أن السبب "هو ببساطة تناقض أجندات الدول الخارجية في ليبيا، خصوصاً أن بعضها يدعم ميليشيات بعينها وله مصلحة في استمرار الوضع الحالي".
عمليات التصفية تبين الجانب الاجرامي و أنعدام الاخلاق و المروءة عند فاعليها و هي جريمة حرب مكتملة الاركان ….
— Husam El Gomati (@HusamKranda) August 16, 2023
للأسف هذه العمليات تمارس فيها معظم التشكيلات المسلحة و الميليشيات و من سنوات في إنعدام كامل لمبدأ المحاسبة .
ما حدث لشباب من النواصي قبل سنة من قبل قوات الردع و ما حدث… pic.twitter.com/YfCfbJxy6T
ومنذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في أعقاب ثورة 2011، شهدت ليبيا أحداثاً دامية، شاركت في معظمها مجموعات مسلحة لاتخضع لسلطة الدولة، أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من المدنيين، دون أن تتمكن أي من الحكومات المتعاقبة طيلة الـ 12 سنة الماضية من معاقبة قادة أو أفراد الميليشيات المتورطة في أحداث العنف تلك.
كما أن معضلة انتشار الميليشات والكتائب المسلحة في ليبيا، المنقسمة بين معسكرين متنازعين في الشرق والغرب، تطرح إشكالية أخرى من حيث التصنيف أو علاقتها بالدولة، خاصة ان بعضها تمت "شرعنته" من خلال إضفاء مسميات أو صفات ترتبط بالجيش أو القوات الأمنية كما هو الحال في كل من "قوة الردع الخاصة" و اللواء "444" المتصارعين.
المصدر: أصوات مغاربية