مع استمرار حالة الانسداد السياسي في النيجر، يتساءل مراقبون عن تداعيات ذلك الوضع على المشهد الأمني في المنطقة المغاربية، خاصة بعد بروز مؤشرات جديدة تؤكد عودة بعض الجماعات الإرهابية للنشاط في منطقة الساحل الأفريقي، بالإضافة إلى تحذيرات رسمية تتحدث عن احتمال توسع نفوذ جماعة "فاغنر".
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس"، أمس الأحد، تصريحات عن جهات رسمية أكدت أن الاتصالات الجارية بين القادة العسكريين المتمردين في النيجر ووفد من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" لم تأت بأي جديد يذكر، ما يعني أن تعقيدات المشهد الأمني والسياسي هناك ستبقى مستمرة، الأمر الذي قد يفتح المجال أمام تدخل عسكري وشيك في نيامي، وفق ما تشير إليه العديد من التقارير.
أزمة سياسية وإرهاب
وتخشى العديد من الأوساط أن تستغل الجماعات الإرهابية استمرار الأزمة السياسية في النيجر لصالحها وتتمكن من إعادة ترتيب صفوفها تحضيرا لعمليات جديدة في المنطقة.
وقبل 5 أيام، تم الإعلان عن مقتل 17 جنديا نيجريا على الأقل مع إصابة عشرين آخرين في هجوم نفذه مسلحون، يرجح أنهم متشددون قرب الحدود مع مالي، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع في نيامي.
وأوضحت الوزارة في بيان أن "فرقة من القوات المسلحة النيجرية كانت تتحرك بين بوني وتورودي، وقعت ضحية كمين إرهابي عند أطراف بلدة كوتوغو".
وجاءت العملية لتؤكد مخاوف سابقة عبرت عنها مساعدة الأمين العام لشؤون أفريقيا، مارثا بوبي، في إحاطة قدمتها شهر ماي الماضي أمام مجلس الأمن، حيث أكدت أن "الوضع الأمني في منطقة الساحل لا يزال مقلقا للغاية على خلفية استمرار الجماعات المسلحة غير الحكومية في شن هجمات واسعة النطاق ضد أهداف مدنية وعسكرية، والانخراط في مواجهات للوصول إلى الموارد وفرض السيطرة الإقليمية والنفوذ".
كما أشار الأمين التنفيذي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إريك تياري، إلى أن الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة، خاصة "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" و"تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"، شهدت "زيادة مذهلة" في السنوات الأخيرة، وهي ترتكب بشكل أساسي في منطقة حدود بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
خطير حقيقي
ويعتبر الخبير الأمني التونسي، فيصل الشريف، أن "ما يجري حاليا في النيجر يشكل تحديا خطيرا بالنسبة لدول المنطقة المغاربية، ما لم يسارع المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي ودبلوماسي للوضع هناك".
وقال المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إن "استمرار التوتر معناه منح المزيد من الوقت للجماعات الإرهابية التي تفضل كثيرا العمل في مثل هذه الظروف لتنفذ مخططاتها الإرهابية".
وأردف الشريف "في حال وقع تدخل عسكري في النيجر سيتعقد الأمر أكثر وسيمهد لبروز نشاط إرهابي كبير في المنطقة لن تسلم منه المنطقة المغاربية".
وسبق للجزائر أن عايشت تجربة مريرة تمثلت في هجوم نفذه إرهابيون على القاعدة النفطية "تيقنتورين"، الواقعة في منطقة عين آمناس جنوب شرق البلاد، في سنة 2013، وتبين في ما بعد أن عناصر من هذه المجموعة تسللوا عبر الحدود الجزائرية مع النيجر وليبيا.
انطلاقا من ذلك، يدعو الخبير الأمني التونسي البلدان المغاربية إلى الانخراط في المساعي السياسية والدبلوماسية من أجل حل الأزمة القائمة في التوتر، مؤكدا أن "عدم الاعتراف والتعامل مع قادة الانقلاب العسكري يعد أحد أهم أدوات الضغط في الوقت الحالي حتى يعود المدنيون إلى السلطة في هذا البلد الأفريقي وتتجنب المنطقة مشاكل أمنية هي في غنى عنها".
وبحسب الأستاذ الجامعي والمحلل الأمني الجزائري، أحمد ميزاب، فإن "منطقة الساحل الأفريقي صارت على مشارف حرب إقليمية بالنظر إلى تسارع الأحداث الأمنية فيها وفشل الأطراف المعنبية بإيجاد حل للأزمة لحد الساعة".
وأردف المتدخل، في مكالمة هاتفية مع "أصوات مغاربية"، قائلا "التهديدات الموجودة في المنطقة الأمنية في منطقة الساحل تقابلها هشاشة في المنظومة الأمنية للعديد من الدول هناك، تنضاف إليها الصراعات العرقية والقبلية التي قد تزيد من تعقيد الوضع".
ويرى ميزاب أن "استعمال القوة في النيجر، وفق المعطيات المذكورة، قد يؤدي إلى تفجير المنطقة برمتها وينفس كل المجهودات المبذولة من أجل الاستقرار الأمني في المنطقة".
وأضاف "المنطقة المغاربية ستكون مهددة بشكل مباشر في حال فسح المجال أمام الحل العسكري في النيجر"، مؤكدا أن "المطلوب حاليا هو الالتقاء عند مبادرة سياسية ترضي جميع أطراف النزاع والصراع".
"فاغنر".. مشكل آخر
وينضاف إلى التهديدات المترتبة عن تحركات الجماعات الإرهابية، أزمة أمنية أخرى في المنطقة، تتعلق باتساع نشاط مجموعة "فاغنر" بالنظر إلى التقارير التي تتحدث عن وجود مجموعة لعناصرها في النيجر.
ومؤخرا قال موقع "إل إس آي أفريكا" إن "قوات فاغنر ستوفر الدعم اللوجستي لقادة الانقلاب في نيامي بهدف تعزيز سلطتهم" في ظل التوتر القائم في المنطقة.
وقد نبه وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن، إلى ذلك من خلال تأكيده على أن "مجموعة فاغنر الروسية تستغل عدم الاستقرار في النيجر".
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الليبي، صلاح البكوش، إن "تجارب عديدة في العالم أكدت أن تواجد القوات والمليشيات الأجنبية لن يزيد الأمور إلا تعقيدا".
وأفاد، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن "الدور الأساسي الذي تلعبه فاغنر في أية نقطة توتر في العالم هو تعطيل الحل السياسي للأزمات من خلال إقناع الأطراف الموالية لها بضرورة التمسك بخيار القوة كحل أولي في صراعها مع الخصوم".
وأضاف "تعطل التسوية السياسية في ليبيا كان بسبب الارتهان إلى القوة والسلاح بدل الحوار، ومجموعة فاغنز كان واحدة من أهم المجموعات المسلحة التي ظلت تقدم الدعم اللوجيستيكي لجهة على حساب جهة أخرى، الأمر الذي أطال عمر الأزمة عندنا".
وتنبأ البكوش بأن "يؤدي تواجد جماعة فاغنر في النيجر إلى تأزيم الوضع أكثر وتأخير الحل الدبلوماسي الذي تعسى إليه بعض الأطراف".
المصدر: أصوات مغاربية