عاد ملف التبو ليعتلي المشهد الحقوقي والسياسي في ليبيا بعد اتهامات وجهها فاعلون إلى قوات المشير خليفة حفتر بـ"ارتكاب تجاوزات" في حق ذلك المكون، منذ أعلنت، الجمعة الماضي، عن عملية عسكرية قالت إنها تهدف إلى "تطهير" مناطق جنوب البلاد من "الجماعات المسلحة" و"تأمين الحدود".
ونشر مدونون عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات قالوا إنها "تظهر عمليات عسكرية استهدفت التبو في مدينة أم الأرانب في جنوب البلاد"، مشيرين إلى أن "العديد من العائلات هناك تعرضت إلى عملية تهجير جماعي، فيما تم اعتقال البعض منها".
وفي سلسة تدوينات نشرها عبر حسابه في "فيسبوك"، مؤخرا، قال عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي عن التبو، السنوسي حامد، إن هناك "عمليات عسكرية تنفذها الوحدات العسكرية التابعة للمشير خليفة حفتر ضد سكان التبو في مدينة أم الأرانب بإقليم فزان، جنوب البلاد".
وأضاف حامد "غزت مليشيات تابعة لحفتر حي التبو يوم الخميس 24 أغسطس 2023 وقامت باقتحام البيوت ونفذت اعتقالات كما قامت بالاعتداء على النساء والأطفال، ونهبت السيارات والأموال"، مشيرا إلى أن "الأمر يتعلق بانتهاكات عرقية مستمرة".
مقابل ذلك، لم يصدر عن الجهات الرسمية في ليبيا أي تعليق على ما أورده هؤلاء الناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يتألف التبو من قبيلتين أساسيتين هما التدّا والدازا، وهم رحل من ذوي البشرة السوداء ومختلفون عن الأمازيغ والطوارق.
وبحسب ما أفاد به الباحث في الشؤون الثقافية واللغوية لقبائل التبو في ليبيا، حامد آدم، في حوار سابق مع "أصوات مغاربية" "يتوزع التبو في كامل ليبيا بصفة عامة، غير أنهم ينتشرون بكثرة بالجنوب وتحديدا في مرزق والقطرون وأوباري وسبها والكفرة".
تعرضت أقلية التبو للتهميش طيلة فترة حكم الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي وفي سنة 2008، جرّدتهم السلطات الليبية من الجنسية.
وفي عام 2019 لقي أزيد من 40 شخصا محسوبين على التبو حتفهم وجرح أكثر من 60 آخرين في قصف استهدف مدينة مرزق جنوب البلاد، اتهمت قوات حفتر بتنفيذه.
وقد دان، وقتها، المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية تلك العمليات، و"حمل قوات المشير خليف حفتر المسؤولية كاملة عن هذا العدوان وعن كل ما شهدته المدينة من اعتداءات وانتهاكات في فترة سابقة ".
واعتبر المجلس الرئاسي حينها أن حفتر "يحاول إشعال الفتنة والنزاعات بين المكونات الاجتماعية في المدينة".
"اعتقالات وتهجير"
وتعليقا على الموضوع، قال عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي عن التبو، السنوسي حامد، إن "ما يجري حاليا في مدينة أم الأرانب بإقليم فزان، جنوب البلاد، يعد تكملة لنفس المشروع الذي شرع فيه المشير خليفة حفتر في سنة 2019".
وأفاد المتحدث في تصريح لـ"أصوات مغاربية" بأن "قوات الجيش الليبي قامت، منذ الجمعة الماضي، باقتحام الحي الصيني بمدينة الأرانب واعتقلت العديد من العائلات، كما قامت بفصل أطفال عن أمهاتهم في مشهد مأساوي".
وأضاف بأن "العديد من سكان التبو تعرضوا إلى عمليات تهجير جماعي من المنطقة بعدما تعرض الحي الذين يقيمون فيه إلى حصار عسكري"، مؤكدا "تسجيل العديد من الجرحى"، كما صرح بأنه "لم يتوصل لحد الساعة بأية معلومة رسمية تفيد بوقوع قتلى".
وأكد السنوسي أن "العلاقة بين التبو وقوات المشير خليفة حفتر متوترة منذ وقت طويل" وتحدث عن "وجود نزاعات أخرى بينهم وبين قبائل ليبية تقطن في مناطق مجاورة من الجنوب الليبي".
وتساءل عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي، الممثل لمكون التبو، عن خلفيات ما وصفه بـ"السكوت المطبق للسلطات الليبية حيال ما يجري في مدينة أم الأرانب"، مستبعدا "تحرك حكومة الوحدة الوطنية أو تلك المتواجدة في منطقة بنغازي بالنظر إلى السياسة العنصرية والتمييزية التي ارتكبتهما في السابق ضد التبو بخصوص توزيع المناصب والمسؤوليات" بحسب تعبيره.
وطالب المتحدث في المقابل بـ"ضرورة التحرك الفوري لممثل البعثة الأممية عبد الله باتيلي وسفير الاتحاد الأوروبي من أجل وقف التجاوزات في حق سكان التبو".
"أزمة معقدة"
في المقابل يبدي البعض تحفظات بشأن "نشاط وولاءات" سكان التبو في ليبيا بالنظر إلى العديد من الأحداث التي عاشتها منطقة الجنوب الليبي في السنوات الأخيرة.
وفي هذا الإطار، قال الناشط السياسي والمترشح السابق للرئاسيات في ليبيا، سلميان البيوضي، إن "أزمة التبو معقدة ومتداخلة وهي مرتبطة بثقافة الترحال في الصحراء".
وتابع البيوضي أن "العديد من سكان إقليم أوزو تنازلوا عن جنسياتهم الليبية بعد الحرب ضد الحكومة التشادية بين عامي 1981 و1987، وبموجب استفتاء أممي قرروا أن يكونوا تشاديين، ما جعل ليبيا تتنازل عن هذا الإقليم"، مشيرا إلى أن "هؤلاء يشكلون اليوم أعدادا كبيرة ومنهم من دخلوا إلى ليبيا رفقة قبائل أخرى، خاصة الواجنكا والقرعان وتمددوا في البلاد حتى سبها ومرزق وغيرها".
وقطاع أوزو هو مساحة جغرافية يمتد شمال تشاد على طول الحدود مع ليبيا، يبلغ طوله أزيد من 900 كيلومتر، ويتوسع جنوبا إلى عمق 100 كيلومتر ويختلف عرضه من منطقة إلى أخرى.
وقال البيوضي إن المطلوب حاليا هو "ضرورة مراجعة السجل المدني والأرقام الوطنية المزورة لفرز المواطن الليبي الحقيقي عن الدخيل، وهو أمر معقد ويحتاج إلى سلطة موحدة حقيقية قادرة على الحسم في هذا الملف".
ويرى المتحدث ذاته أن "العمل الأمني القائم حاليا في منطقة الجنوب الليبي لا يشكل أي خطر أو عائق على التسوية السياسية فهو غير مرتبط بها، وهو متعلق بتأمين الحدود الليبية مع تشاد والنيجر في ظل ما يشهده الساحل الأفريقي من تجاذبات داخلية بين الدول" في حين أن "الأزمة السياسية الليبية تدور حول المركز" وفق تعبيره.
تحذيرات حقوقية
وتحذر أوسط حقوقية في ليبيا من تداعيات حدوث أي تجاوزات حقوقية في حق سكان التبو خلال العملية العسكرية التي تقودها حاليا قوات حفتر في منطقة الجنوب.
واعتبر المستشار القانوني للمنظمة الليبية لحقوق الإنسان، أبو عجيلة علي العلاقي، أن "ذلك من شأنه أن يؤزم الملف الحقوقي أكثر في البلاد ويعمق أكثر تفكك فئات المجتمع".
وقال أبو عجيلة في تصريح لـ"أصوات مغاربية" إنه "قد يكون جزء مما يشاع حول التجاوزات المسجلة في حق سكان التبو حاليا صحيح، وهو ما دفعنا لمتابعة هذا الملف عن كثب".
وأكد أبو عجيلة أن "العملية العسكرية الجارية حاليا في الجنوب الليبي تهدف إلى تطهير المنطقة من الجماعات المسحلة التي تحاول استفزاز السلطات المركزية"، مستبعدا "وجود نية لدى قوات الجيش لاستهداف سكان التبو على أساس العرق أو شيء من هذا القبيل".
وكشف المستشار القانوني للمنظمة الليبية لحقوق الإنسان أن "هيئته وجهت نداء إلى وحدات الجيش من أجل التقيد بكل النصوص القانونية التي تؤطر مثل هذه العمليات العسكرية، خاصة اتفاقية جنيف التي تحرص على المعاملة الجيدة لأسرى وجرحى الحروب".
- المصدر: أصوات مغاربية