أثار لقاء وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين أسئلة عدة حول طبيعة اللقاء وما إذا كان تصرفاً "فردياً" أم أنه تتويج لتنسيق عالي المستوى بين الجانبين، كما أعاد إلى الواجهة الحديث عن تقارير سابقة تفيد بتواصل أطراف ليبية من معسكر الشرق مع مسؤولين إسرائيليين.
وتسبب كشف إيلي كوهين، الأحد الماضي، عن لقائه في روما بنجلاء المنقوش في احتجاجات وغضب شعبي ورسمي في ليبيا التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فضلاً عن قرار رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة إقالة المنقوش بحجة أن اللقاء كان "تصرفا فرديا" دون علم الحكومة.
هل تطيح الأزمة بالدبيبية؟
لكن إقالة المنقوش لم تؤد إلى تهدئة المشهد الداخلي على ما يبدو، فالمظاهرت والاحتجاجات المنددة بالحكومة مازالت تخرج في بعض المدن الليبية بما فيها العاصمة طرابلس، حاضنة الدبيبة الرئيسية.
ورسمياً، أعلنت المجالس الثلاثة (النواب والأعلى للدولة والرئاسي) رفضها الخطوة باعتبارها تتعارض مع "ثوابت" الدولة الليبية ومخالفة للقانون الليبي الذي يجرم التواصل مع الجانب الإسرائيلي.
كما طالب مجلس النواب، الذي لايعترف بحكومة الدبيبة أصلاً، النائب العام الليبي بمحاسبة كل من شارك في "جريمة التواصل مع الكيان الصهيوني"، وأعاد التأكيد على أن قراره بسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية في 2021 كان "قرارا صائبا"، وذلك في بيان أصدره أمس الاثنين من بنغازي.
🔴 #عاجل | صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية:
— تلفزيون المسار (@almasartvlibya) August 28, 2023
♦ سلسلة من الاتصالات السرية بين إسرائيل وحكومة الدبيبة في اليونان وتونس وإيطاليا
♦ اللقاء السري في روما بين المنقوش وكوهين لم يكن الأول بين مسؤولين ليبيين وإسرائيليين
♦ المنقوش بحوزتها وثائق كثيرة ولن تقبل بأن تكون الضحية في… pic.twitter.com/nWCDhv2PNw
وأعاد البيان التأكيد على أن الحكومة الشرعية هي الحكومة المكلفة من مجلس النواب، داعيا جميع الأجهزة والمؤسسات في الدولة الليبية لعدم التعاون مع حكومة الوحدة حتى تشكيل حكومة (مصغرة) جديدة.
ووفق هذه المعطيات فإن السؤال الذي بات مطروحاً بقوة هو عما إذا كان الدبيبة نفسه سيدفع ثمن التواصل مع إسرائيل، خاصة في ظل استمرار الغضب الداخلي واستثمار خصومه للأزمة الحالية في التخلص منه.
واستبعد الكاتب الصحفي الليبي، عبدالله الكبير، أن تطيح الأزمة بالحكومة لغياب "مسار واضح لتشكيل حكومة بديلة". لكنه توقع أن يتم دفع الدبيبة للاستقالة وأن ويتولى أحد الوزراء قيادة الحكومة بدلاً عنه.
وأضاف الكبير، في حديث لـ "أصوات مغاربية"، أنه لا يمكن قبول رواية "التصرف الفردي" من الوزيرة دون علم رئيس الحكومة وأعضاء آخرين فيها، لافتاً إلى أن عدم إجراء تحقيق لمعرفة المشاركين في هذا اللقاء "يفسر التضحية بالمنقوش".
حكومة الدبيبة ليست الأولى
وفي انتظار ما سيؤول إليه مصير الدبيبة، فإن الأزمة الحالية أعادت إلى الواجهة الحديث عن تقارير سابقة تفيد بتواصل أطراف ليبية خاصة من معسكر الشرق مع دولة إسرائيل، بما في ذلك زيارة البعض إلى تل أبيب.
وفي مطلع نوفمبر 2021 كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن صدام، نجل قائد الجيش الوطني في شرق البلاد، خليفة حفتر، قد زار إسرائيل "سرا" سعيا لتوطيد العلاقات، متسائلة "هل يلوح التطبيع الإسرائيلي الليبي في الأفق"؟
وقالت الصحيفة إن طائرة خاصة تقل صدام هبطت في مطار "بن غوريون" في تل أبيب قادمة من دبي، وبقيت على الأرض قرابة 90 دقيقة، ثم واصلت طريقها إلى وجهتها النهائية في ليبيا.
The historical backdrop is crucial here. Let’s rewind to Nov 2021 when Saddam Haftar discreetly met Israeli officials in Tel Aviv.
— Anas El Gomati (@AGomati) August 28, 2023
The agenda?
Seeking diplomatic & military support to potentially take power in Libya in exchange for normalisation https://t.co/VjTJvc0FXF
وأشارت إلى أن حفتر الأب أجرى بدوره أيضاً اتصالات سرية مع إسرائيل في الماضي، عبر دائرة "تيفل" للاتصال الخارجي بجهاز الموساد، حيث التقى بممثليها في عدد من المناسبات، لافتة إلى أن مسؤولا كبيرا سابقا في جهاز الـ"شاباك" يتولى مسؤولية الملف الليبي.
وأكدت الصحيفة أن حفتر الأب والابن كانا "يسعيان إلى الحصول على مساعدة عسكرية ودبلوماسية من إسرائيل" مقابل وعد منهما ببدء علاقة دبلوماسية معها، وذلك في حال ترأس حكومة كانا يتوقعان أن تنبثق عن الانتخابات التي كانت المقررة في 24 ديسمبر 2021.
وعقب نشر التقرير المذكور لم يصدر عن أيٌ من الجانبين (إسرائيل ومعسكر حفتر) تعليق رسميٌ حوله، واستمر الأمر مجرد "تسريبات صحفية" دون تأكيد.
دافع مؤقت
وتعليقاً على عودة الكلام عن التقارير المذكورة، قال المحلل السياسي الليبي أحمد الساعدي، إن عدم تعليق معسكر حفتر على الأنباء حينها "أمر متوقع" في ظل حساسية الموضوع الشديدة في الداخل الليبي، مشيراً إلى أن ذلك لا يؤثر في صحة تلك التقارير، والتي تداولتها عدة مواقع إسرائيلية آنذاك.
ورأى الساعدي، في حديث لـ"أصوات مغاربية"، أن عدم تطور الاتصالات "التي أجراها نجل حفتر" مع الجانب الإسرائيلي إلى خطوات لاحقة يعود لأمر عملي، وهو تعثر انتخابات 24 ديسمبر 2021 التي كان حفتر يعول على الفوز فيها "وبالتالي انتفى الدافع الرئيسي وراء مغازلة الإسرائيليين".
ولم تكشف صحيفة "هآرتس" في تقريرها المذكور عن طبيعة المسؤولين الإسرائيليين الذين قالت إن نجل حفتر التقاهم خلال "زيارته القصيرة" إلى تلك أبيب، معللة ذلك بعدم علمها بمن كان هؤلاء.
من جانبه اعتبر المحلل السياسي الليبي، خالد الترجمان، أن تقرير الصحيفة آنذاك محاولة "للتشويش على رغبة حفتر في الترشح للانتخابات الرئاسية، عبر خلق تساؤلات وجدل حوله بعد أن نال شعبية كاسحة وحصوله على نحو 800 ألف تزكية قبل حتى أن يترشح للانتخابات رسميا".
ويرى خالد الترجمان أن الليبيين غير مستعدين حاليا لقبول أي تقارب مع إسرائيل، وهو ما اتفق عليه أيضا المحلل السياسي أحمد الساعدي، مستدلاً بطبيعة ردة الفعل الحالية.
المصدر: أصوات مغاربية