خرج عدد من أنصار العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في بعض المناطق ملوحين بالأعلام الخضراء وصور "القائد" بمناسبة الذكرى 54 لاستيلائه على السلطة في عام 1969، وذلك رغم مرور أكثر من عقد على سقوط نظامه في خضم ثورات الربيع العربي.
و قاد القذافي في مثل هذا اليوم انقلاباً عسكرياً على حكم الملك الليبي الراحل محمد إدريس السنوسي (1951 - 1969) ثم حول نظام الحكم بالبلاد إلى "جماهيرية" عاشت البلاد في ظله لأربعة عقود يصفها معارضوه بالفوضى الإدارية والفساد وحكم الفرد المطلق.
كيف استقبلها البعض
ورغم أن الاحتفاء بالنظام السابق يعد من الأمور المحظورة في ليبيا اليوم، ما زال بعض مؤيديه يصرون على إظهار ولائهم له زاعمين أن جهات أمنية قامت بملاحقتهم خلال اليومين الماضيين لمنعهم من الاحتفال بما يطلقون عليه "عيد الفاتح".
وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو تظهر مؤيدين للقذافي وهم يحملون رايات خضراء وصور العقيد في بعض المدن وعلى رأسها بني وليد (غرب)، و سبها (جنوب)ا، إضافة إلى مدينة سرت (مسقط رأس القذافي) في وسط البلاد.
بداية الاحتفالات بعيد ثورة الفاتح في مدينة #بني_وليد معقل قبائل ورفلة ( الرصيفة ) pic.twitter.com/HLZeu0g50v
— تك يحرق كل شي (@tkyroogklshytk) August 31, 2023
وباستثناء الاحتفالات الخجولة، مر الأول من سبتمبر هذا العام على ليبيا كغيره من السنوات القليلة الماضية وسط حالة قطيعة تامة مع إرث "الجماهيرية" في صفوف غالبية الليبيين الذين أيدوا الثورة التي أطاحت بنظام القذافي عام 2011.
ومقابل المحتلفين، يعتبر كثير من الليبيين يوم انقلاب القذافي على النظام الملكي في الفاتح سبتمبر 1969 يوماً "مشؤوماً" في تاريخ البلاد لانه أسقط النظام الملكي بطريقة غير ديمقراطية وألغى الدستور ليحكم البلاد بعد ذلك بـ"مزاجه الشخصي".
وتشهد ليبيا فوضى أمنية وانقساما سياسيا بين حكومتين إحداهما تسيطر على غرب البلاد والأخرى على الشرق وكلاهما تدعيان الشرعية من صلب ثورة 17 فبراير التي أيدتها غالبية المناطق باستثناء تلك المعروفة تاريخيا بولاء سكانها للنظام السابق.
لماذا يؤيدونه؟
وعلى مدى 42 سنة قضاها في الحكم، سعى القذافي لتأسيس نظام حكم (فريد) قائم على مبدأ أن "السلطة بيد الشعب" الذي يمارسها من خلال "مؤتمرات شعبية" تضم ممثلين عن كل المناطق، وفقاً لنظريته الواردة في "الكتاب الاخضر" وروج لها على أنها النظام "الأمثل" لخلاص البشرية من الأنظمة التقليدية.
وتطبيقاً لفلسفته، منع القذافي إقامة الأحزاب السياسية في البلاد وفق قانون "تجريم الحزبية" عام 1972، الذي يعتبر أن تكوين الأحزاب "خيانة في حق الوطن"، كما منع تبني أية أفكار سياسية مخالفة كالشيوعية والرأسمالية باعتبارها أفكاراً "رجعية".
ورغم الشعارات التي فرضها القذافي على مدى سنوات حكمه، يصفه معارضوه بأنه كان "ديكتاتورا مطلقا"، حكم البلاد بشكل فردي ونشر فيها "الفوضى" والفساد، إضافة إلى توريطها في قضاياً وملفات خارجية أدت إلى عزل البلاد دولياً وإقليمياً.
يزيدكم عز يا احرار 💚
— حنين المعداني 👑 (@Haneen_Elmadani) August 31, 2023
الله اكبر #الفاتح أبدا pic.twitter.com/IRpzpEMboZ
ويستدل هؤلاء بخلو البلاد من أية معارضة ساسية أو آراء مستقلة خلال فترة حكم القذافي الذي أطلق على نفسه لقب "ملك ملوك إفريقيا" وزج بآلاف المخالفين له في السجون أو دفع بهم إلى ساحات الإعدام بعد وصفهم بالـ"الكلاب الضالة".
بالمقابلن يتمسك أغلب مؤيدي القذافي بولائهم له شخصياً وإيمانهم بأفكاره التي يرون أنها "تحررية" ومناصرة لقضايا العرب والمسلمين، فيما يعزو قسم آخر من مؤيديه إصرارهم على موقفهم إلى حالة "الأمن والاستقرار " التي كانت موجودة خلال فترة حكمه، مقابل الفوضى والانقسام الحاليين.
ماذا تبقى من إرث القذافي
وبين الرأيين المؤيد والمعارض للاحتفال بيوم "الفاتح سبتمبر"، يرى كثير من الليبيين أن فترة حكم القذافي ما زالت تلقي بظلالها على البلاد رغم مرور 12 سنة على مقتله في 20 أكتوبر 2011 وانتهاء حكمه للأبد.
ويرى المحلل والناشط السياسي الليبي، أحمد الساعدي، أن القذافي حكم ليبيا أكثر من 4 عقود عاشتها في "حالة فوضى" ما زالت تبعاتها قائمة إلى اليوم، مشيراً إلى أن التخلص من "إرث القذافي" بالكامل ليس بالأمر الهين.
ومع الحصار الخانق والتهـديد والخــطف الا ان سرت تأبى الخضوع وتشارك الشعب الليبي افراحه في هذه الليلة العظيمة .#الموسيقار pic.twitter.com/snYuaRIpAB
— الموسيقار (@rg1k1) August 31, 2023
وبحسب المتحدث فإن أفكار القذافي مازالت تسيطر على سلوكيات بعض النخب السياسية في ليبيا حالياً وينعكس ذلك في حب السيطرة والنزعة إلى الانفراد وإقصاء الخصوم السياسيين بالقوة.
ويتطلع الليبيون إلى إجراء انتخابات تؤسس لحياة ديمقراطية واستقرار حقيقيين من أجل الوصول إلى حالة "قطيعة حقيقية" مع نظام القذافي والفوضى التي عاشتها البلاد لعقود بسبب أفكاره، كما يراها هؤلاء.
لن يسمح الشعب الليبي بعودة حكم القذافي و جماهيريته الفوضوية بعد ان خلصنا الله منها. ليبيا للجميع وبالجميع تحت راية الاستقلال 🇱🇾.
— Ahmed Mohamed Ali Langi (@EuXMlp0qPpadTm5) August 31, 2023
ومن أراد ان يحتفل بزوال حكم القذافي له ذلك شريطة الا يخل ذلك بالأمن و النظام العام.
وتسعى الأمم المتحدة ومعها المجتمع الدولي للتقريب بين الأطراف الليبية المتنازعة بهدف وضع حد للعنف وإنهاء حالة الانقسام الحالية من خلال إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية للوصول بالبلاد إلى مرحلة الاستقر ار وبناء الدولة.
كما تعمل جهات داخلية وخارجية على تحقيق مصالحة وطنية تشمل الجميع بمن فيهم من تبقى من مؤيدي العقيد القذافي، وقد بدأت خطواتها بالفعل منذ فترة من خلال "مؤتمر المصالحة الوطنية الشاملة" الذي نظمه المجلس الرئاسي الليبي قبل أشهر بدعم ورعاية من الاتحاد الإفريقي.
المصدر: أصوات مغاربية