تضم تونس أكثر من 23 ألف جمعية وينشط الجزء الأهم منها في المجال الخيري
تضم تونس أكثر من 23 ألف جمعية وينشط الجزء الأهم منها في المجال الخيري

عاد ملف "الأموال المنهوبة" إلى واجهة النقاش بالأوساط التونسية بعد "تراشق" بالبيانات، بين وزارة الخارجية التونسية والمنظمة الرقابية "أنا يقظ" المتخصصة في قضايا مكافحة الفساد المالي، في أعقاب إعلان الرئيس التونسي عن خطوات جديدة لمواجهة الجرائم الاقتصادية في البلاد.

وبعد بيان أول، انتقدت فيه المنظمة الرقابية غير الحكومية ما اعتبرته "الفشل الذريع" للسلطات التونسية في استرجاع الأموال المجمدة بالخارج، و"غياب سياسة واضحة" في التعامل مع الملف على المستوى الدبلوماسي الذي يعد من "الصلاحيات الحصرية" للرئيس، قيس سعيد.

ردت وزارة الخارجية التونسية على منظمة "أنا يقظ"، معتبرة أن بيانها "يؤكد بوضوح أجندتها السياسية التي ليست لها أية صِلة بالمصلحة المشروعة للشعب التونسي في استرداد هذه الأموال"، على حد تعبيرها.

وعبرت "أنا يقظ" عن استنكارها لـ"الحصيلة السلبيّة" لوزير الخارجية الذي كان "المعني الأول بالملف" بصفته المسؤول عن السياسات الدبلوماسية للبلاد، مشيرة أيضا إلى أنه "شغل قبلها منصب سفير تونس ببروكسيل ولدى الاتحاد الأوروبي، حيث جمدت أرصدة وأموال بن علي وعائلته". 

واعتبرت الخارجية التونسية أن بيان المنظمة "يفضح سوء النية والجهل بالإجراءات القضائية والدبلوماسية"، كما "يقوّض مصداقية محرِّريه، وكذلك الأطراف الأجنبية التي تقف وراء هذه المنظمات والتي تواصل تمويلها ودعمها بشتى الوسائل".

وعادت المنظمة غير الحكومية للتفاعل مع رد الخارجية التونسية، معربة عن "استغرابها الشديد من المستوى الّذي أصبحت عليه الدبلوماسيّة التونسية التي أخذت الأمور بشكل شخصي، وأصبحت تعالج كبرياء الأشخاص عن طريق البلاغات الرسميّة للدولة التونسية".

وأضافت "أنا يقظ" في بيان، الجمعة، أنها تعمل على ملف استرجاع الأموال المنهوبة والمجمّدة بالخارج منذ سنة 2013، وأنّها طالما "كانت حريصة على التنبيه والإشارة إلى أهميّة العمل عليه"، داعية الوزارة إلى الإجابة على محتوى بيانها وتفسير "أسباب فشلها" منذ 2011، في تحقيق نجاحات تذكر في ملف الأموال المنهوبة".

"شروط غير بريئة"
وبعد مرور أكثر من 12 سنة على الثورة التونسية، لم تنجح الحكومات التونسية المتعاقبة منذ عام 2011، في استرداد الجزء الأكبر من الأموال المهربة من قبل عائلة بن علي وحاشيته، والتي تقدر مؤسسات رقابية بأنها تصل إلى 23 مليار دولار.

وكثفت السلطات التونسية خلال السنوات الأخيرة، جهودها من أجل استعادة الأموال المنهوبة سواء بالداخل والخارج، غير أن تعقيدات إدارية وقانونية، تحول دون إصدار أحكام نهائية بالإفراج، وفقا للرئاسة التونسية.

وبداية الأسبوع الجاري، استنكر الرئيس التونسي قيس سعيد، ما اعتبرها "الإجراءات المطولة والشروط غير البريئة للدول والمصارف التي توجد بها الأموال المنهوبة"، موضحا أن "بعضها يطلب حكما حضوريا ضد المتهمين في حين أنها تعلم أنهم فارون بالخارج".

وتابع بيان الرئاسة التونسية أن التجربة "أثبتت أن الأحكام التي يكتب لها أن تصدر في بعض الدول، لا تنفّذ إلا بعد عقود طويلة، ولا يسترجع الشعب الذي نهبت أمواله إلا بقية باقية من فتات".

وتتمركز معظم الممتلكات والأموال "المنهوبة" بكل من سويسرا وفرنسا وكندا وبلجيكا، بالإضافة إلى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا ولبنان ولوكسمبورغ، بحسب ما كشفه البنك المركزي التونسي في عام 2015.

"عمليات معقدة"
القيادي في حزب التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، يرى أن عمليات استعادة هذه الأموال "معقدة جدا"، لأن المتورطين في جرائم تهريبها أسسوا شركات واجهة وعمليات مالية جد معقدة يصعب من خلال تتبع هذه الأموال ورصدها، متأسفا لـ"تأخر حلحلة الملف مباشرة بعد الثورة".

بدوره، يشير الخبير الاقتصادي التونسي، رضا شنكدالي، إلى أن معالجة قضايا هذه الأموال كان ينبغي أن تتم في السنوات الأولى التي أعقبت الثورة التونسية، مشيرا إلى أن "المسألة أصبحت اليوم جد معقدة".

ويضيف شنكدالي أنه بعد كل هذه السنوات أصبح استرداد هذه الأموال "أكثر صعوبة"، في ظل نهاية الفترة التي أقرتها بعض الدول لإصدار قرارات قضائية برفع التجميد عن الأرصدة البنكية التي أعلنت عن حجزها بعد الثورة.

وأعادت لبنان إلى تونس مبلغ 28 مليون دولار هو رصيد، ليلى الطرابلسي، أرملة بن علي، في بنوك لبنانية في عام 2013، فيما يبقى إجمالي الأموال التي تم استردادها بعد الثروة غير معلن، وفقا لفرانس برس.

وكانت سويسرا ثاني بلد يعيد أموال منهوبة تطالب تونس باسترجاعها منذ الاطاحة بالنظام السابق، ولم يتجاوز حجم ما استردته الحكومة التونسية من سويسرا، 4 ملايين دولار، رغم أن حجم الأموال التي رفعت عنها السلطات السويسرية قرار التجميد، يصل إلى عشرات الملايين، بحسب وكالة فرانس برس.

وأشار سعيد، بحسب بيان الرئاسة التونسية، أنه "لو استرجع الشعب التونسي هذه الأموال التي بآلاف المليارات من الدينار، من حسابات بنكية وعقارات ومنقولات، لما عاش في هذه الأزمة المالية"، مبرزا أن "أموال الشعب عندهم وهم يريدون إقراضنا بشروطهم".

في هذا الجانب، يشدد الخبير الاقتصادي التونسي على أن الملف أخذ "حجما أكبر مما يستحق"، مضيفا أن "الوعود التي قدمت للشعب التونسي بشأنه هذه الأموال المنهوبة لا تعكس الواقع".

ويوضح المتحدث ذاته "حتى لو تمكنا من استردادها كلها فإنها لن تكون حلا ينهي الأزمة الحادة التي تمر منها البلاد"، مضيفا بإمكانها "تمويل احتياجات في ميزانية الدولة، وبعد أن تنتهي سنجد أنفسنا أمام نفس المشاكل الاقتصادية مرة أخرى".

"هروب إلى الأمام"
وأنشأ سعيد "اللجنة الوطنية للصلح الجزائي" في 2022 وعيّن في نوفمبر الماضي، أعضاءها وتتمثل مهامهم في إبرام صلح جزائي مع المتورطين في الفساد من رجال أعمال قبل ثورة 2011، والذين سبق أن أعدت الحكومة قائمة بأسمائهم في العام 2012.

ويقوم الصلح على إبرام اتفاق بين المتورطين والدولة على أساس استرجاع الأموال التي حصلوا عليها، مقابل إسقاط الملاحقة القضائية.

وتوظف الأموال المسترجعة في الاستثمارات في المناطق المهمشة في البلاد.

في هذا الجانب، يضيف الخبير الاقتصادي، أن "رجال أعمال تورطوا في هذه الجرائم انضموا حاليا إلى أحزاب وبينهم من دخل البرلمان"، إضافة إلى "آخرين توفوا وشركات أفلست"، ما جعل اللجنة التي أحدثها الرئيس، قيس سعيد، قبل سنة "لا تقوم بأدوارها".

ودعا الرئيس التونسي، الاثنين، بعد اجتماع مع محمد الرقيق، وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، وعلي عبّاس، المكلف العام بنزاعات الدولة، إلى أن "يكون العمل الدبلوماسي موازيا للعمل القضائي"، كما طالب بطرح قضايا الأموال المنهوبة في إطار المنظمات الدولية الأممية والإقليمية لتوحيد مواقف الدول المتضررة من الاستيلاء على ثروات شعوبها.

السياسي التونسي، هشام العجبوني يضيف في تصريحه لموقع "الحرة"، أن معالجة الملف "كانت خاطئة" منذ البداية، موضحا أنه "كان ينبغي تكليف مكاتب محاماة دولية ومعروفة لمتابعة هذه الأموال والمطالبة بها، حيث لم يكن بإمكان السلطات أو الإدارة التونسية الخبرة الكافية للقيام بهذه العملية على أكمل وجه".

وينتقد المتحدث ذاته توجه الرئيس قيس سعيد لـ"بناء كل سرديته على استرجاع الأموال المنهوبة وبيع الأوهام ودغدغة المشاعر"، موضحا أن "هذه خطوات للتغطية عن الفشل الاقتصادي وغياب الحلول للمشاكل التي تعرفها البلاد".

وتونس، المثقلة بديون تناهز 80 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، حصلت على موافقة مبدئية من صندوق النقد الدولي في منتصف أكتوبر الماضي للحصول على قرض يقارب ملياري دولار، لكن المفاوضات متعثرة منذ ذلك التاريخ لعدم وجود التزام واضح من السلطات بتنفيذ برنامج الإصلاحات الهيكلية.

في هذا الجانب، يشير السياسي التونسي إلى أن على الدولة التونسية التركيز على تنمية الاقتصاد المحلي وإحداث مناصب عمل وبناء اقتصاد يخلق الثروة، و"ليس مواصلة الهروب إلى الأمام وبيع الأوهام للشعب التونسي".

المصدر: الحرة/خاص

مواضيع ذات صلة

العنف الرقمي يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف
العنف الرقمي يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف

"أتمنى من الله أن يعجل بموتي حتى لا أعيش في هذا العذاب"، هكذا بدأت نعيمة حديثها لـ"الحرة"، وهي تصف الصدمة العميقة التي اجتاحت عائلتها بعد تعرض ابنتها القاصر مريم لابتزاز رقمي إثر نشر فيديو اعتداء ومحاولة اغتصاب لها عبر تطبيق التواصل الفوري "واتساب".

نعيمة (44 سنة)، أم لولد وثلاث بنات بمدينة الدار البيضاء، وجدت نفسها في مواجهة أزمة تفوق قدرتها على التحمل وغارقة في دوامة اليأس والقلق وهي تشاهد حياة أسرتها تنهار أمام عينيها، حيث بدأت مأساتها عندما أخذ شاب رقم هاتف ابنتها مريم عنوة أثناء اشتغالها كبائعة متجولة لشرائح الهاتف، وأصبح يضايقها رغم محاولاتها التخلص منه، وانتهت بالاعتداء عليها وتصويرها في وضع مهين، ما أدى إلى انهيارها النفسي وعزلتها عن العالم.

ورغم تقديم نعيمة لشكوى ضد الشاب الذي عنف ابنتها وحاول اغتصابها وتم الحكم عليه مؤخرا بالسجن لثلاث سنوات، إلا أن معاناة الأم المكلومة لا تزال متواصلة بعد أن تسبب الفيديو الذي أرسله الجاني إلى أخت مريم في تفكيك كامل للأسرة، زوجها هجرها وابنها الأكبر ترك المنزل، ومريم تزوجت عرفيا بشاب آخر وعدها بكتابة عقد الزواج عند إتمامها السن القانوني (18 سنة).

تعيش نعيمة اليوم مع ابنتيها المتبقيتين في حالة من الصدمة والاضطرابات النفسية، تتنقل بين المستشفى ومحاولات العمل لتوفير لقمة العيش، وتخشى نشر الفيديو على المنصات الاجتماعية أمام تهديدات مستمرة لأخ الجاني، معتبرة أن حياة أسرتها مرهونة بحجب هذا الفيديو مما يعمق معاناتها.

انتقام وتهديد
كما هو الحال مع مريم، نجد في قصة نجوى (19 سنة) نموذجا آخر لامرأة اختارت مواجهة العنف الرقمي بعد أن تعرضت لمحاولة اغتصاب من طرف شاب تعرفت عليه وعمرها يصل 16 سنة، فاضطرت للزواج من المعتدي تحت ضغوط اجتماعية رغم عدم تحرير عقد زواج رسمي بسبب سنها غير القانوني.

لم تنته معاناة نجوى بعد انتقالها إلى بيت زوجها، بل تحولت إلى حلقة من العنف الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى تصويرها سرا وهي تغير ملابسها وفي وضعيات حميمية معه، وبعد بلوغها 18 سنة تم توثيق الزواج لكن سرعان ما طردها زوجها من المنزل وهي حامل، مهددا إياها بنشر فيديوهاتها إذا لم تتقدم بطلاق اتفاقي والتنازل عن حقوقها.

تقول نجوى لـ"الحرة": "رفضت الخضوع لابتزازه رغم الظروف الصعبة بعد الإنجاب والعيش مع أسرتي الفقيرة القاطنة بإحدى بيوت دور الصفيح، إذ رفعت دعوى قضائية ضده وتم اعتقاله لسبعة أشهر إلى أن تنازلت عن الدعوى بعد تسوية مع عائلته بأداء واجبات النفقة والحضانة، لكن التهديدات استمرت بعد الإفراج عنه ورفض أداء مستحقاتي".

لا تزال نجوى تواجه الابتزاز الرقمي من زوجها وتقف عاجزة على رفع دعوى قضائية جديدة بسبب ظروفها المادية الصعبة، مشيرة إلى أنها تعيش وضعا من اليأس والاكتئاب والخوف المستمر بعد أن أصبح هاتفها رمزا للرعب إذ في أي لحظة قد تنشر تلك الصور لتدمر ما تبقى من حياتها.

التفكير في الانتحار
وفي الوقت الذي قررت مريم ونجوى التبليغ ضد العنف الرقمي، فإن أغلب النساء في المغرب مازلن يترددن في اتخاذ هذه الخطوة مخافة الوصم الاجتماعي، وهو ما حصل مع قصة هدى (26 سنة)، وهي طالبة في السنة الأخيرة بشعبة الطب والصيدلة، حيث تعيش تجربة قاسية مع العنف الرقمي الذي قلب حياتها رأسا على عقب.

وفي حديثها لـ"الحرة"، تحكي هدى أنها كانت على علاقة عاطفية لمدة ثلاث سنوات مع شاب يبلغ من العمر 29 سنة، يشتغل في مركز اتصال بمدينة المحمدية، وتقول "رغم أنني كانت على علاقة رضائية معه إلا أنني قررت إنهاءها للتركيز على دراستي، لكنه لم يتقبل ذلك وبدأ يهددني بنشر فيديو جنسي سجله لي دون علمي".

وتوضح هدى أن التهديدات كانت موجهة إلى أسرتها ومعارفها على منصات التواصل الاجتماعي وتخاف أن تدمر سمعتها المهنية كمستقبل طبيبة، منبهة إلى أنها "تحولت من شابة مفعمة بالحياة ومقبلة على مهنة إنقاذ الأرواح إلى شابة مكتئبة تعيش في السواد وتفكر في الانتحار".

رغم رغبتها في تقديم شكاية، تخشى هدى من اتهامها بالفساد نظرا لتجريم القانون الجنائي للعلاقات الرضائية، ولا تزال مترددة في اتخاذ هذه الخطوة، مكتفية بالبوح وكسر حاجز الصمت مما وفر لها بعض الارتياح بعيدا عن أحكام المجتمع القاسية، بحسب تعبيرها.

أرقام مقلقة
في السنوات الأخيرة، نبهت تقارير رسمية وحقوقية إلى تنامي معدلات العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب، إذ سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي) في دراسة أجراها عام 2023 وشملت 180 حكما قضائيا تتعلق بقضايا العنف ضد النساء، بأن العنف الرقمي يتصدر قائمة أشكال العنف التي تتعرض لها النساء بنسبة 33٪.

وذكر تقرير للمندوبية السامية للتخطط (مؤسسة رسمية) صدر خلال مارس من العام الماضي، أن قرابة 1.5 مليون امرأة تعرضن للعنف الرقمي إما بواسطة الرسائل الإلكترونية أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية، بينما تؤكد معطيات المديرية العامة للأمن الوطني وجود ارتفاع في عدد الشكايات المتعلقة بالعنف ضد النساء والفتيات بواسطة التكنولوجيا الحديثة، إذ سجلت 622 شكاية عام 2019 و761 عام 2020.

وسجلت دراسة أعدتها جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" تزايد العنف الرقمي خلال الخمس سنوات الأخيرة (سبتمبر 2018 إلى غاية سبتمبر 2023)، موضحة أن العنف الرقمي يمارس في معظم الحالات من قبل الأشخاص المقربين من الضحية بما في ذلك الزوج (14٪) والمقربون بنسبة 36٪، وأن وسائل التواصل الاجتماعي هي الأكثر استخداما في ممارسة العنف الرقمي ضد المرأة بنسبة 70.2٪ من إجمالي وسائل التواصل التي تم استخدامها.

وبحسب الجمعية، فإن العنف الرقمي هو "كل عمل من أعمال العنف ضد المرأة التي تستخدم في ارتكابه أو تساعد عليه أو تزيد من حدته جزئيا أو كليا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كالهواتف المحمولة والذكية أو الانترنت أو منصات التواصل الاجتماعي أو البريد الالكتروني، ويستهدف المرأة أو يؤثر في النساء بشكل غير متناسب".

"أكثر تعقيدا"
وتعتبر منسقة مراكز الاستماع بجمعية "تحدي المساواة والمواطنة"، رجاء حمين، أن العنف الرقمي ضد النساء هو "أخطر أنواع العنف ضد المرأة وأكثر تعقيدا من أشكال العنف التقليدية وأعمقها أثرا حيث ينتشر بسرعة وغير محدود في الزمان والمكان"، مشيرة إلى أنه يشمل التحرش والابتزاز والتنمر والتمييز والسب والقذف والتهديد بنشر صور حميمة وأنه يبقى مفتوحا على أشكال أخرى أمام التطور التكنولوجي.

وتؤكد حمين في حديثها لـ"أصوات مغاربية"، أن هذا العنف لا يقتصر على فئة عمرية أو اجتماعية محددة، بل يستهدف نساء وفتيات من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، بما في ذلك المتزوجات اللواتي يتعرضن للابتزاز والتهديد بنشر صورهن الحميمية من أجل التنازل عن حقوقهن في النفقة أو حضانة الأطفال.

وتشدد الناشطة الحقوقية على ضرورة تعزيز التوعية والتحسيس في ظل التنامي المهول لهذه الظاهرة بسبب انتشار الأمية الرقمية، داعية إلى تشجيع الضحايا على التبليغ عن الجرائم التي يتعرضن لها "لأن الصمت يشجع الجناة على الإفلات من العقاب واستهداف ضحايا جدد".

وبشأن تداعيات العنف الرقمي، تقول المتحدثة ذاتها إنه "يدمر حياة الأسر ويصعب علاج آثاره النفسية التي تصل إلى حد انتحار الضحايا أو أقربائهم"، مؤكدة أنه لا يمكن الحديث عن ناجيات من هذا العنف في غياب أي ضمان لإعادة نشر مثلا تلك الصور أو مقاطع الفيديو على المواقع الرقمية بعد مرور سنوات.

"أزمة قيم"
ومن جانبها، ترى عضوة "فيدرالية رابطة حقوق النساء"، خديجة تيكروين، أن البيئة الاجتماعية والثقافية بالمغرب تشكل تربة خصبة لانتشار العنف الرقمي ضد النساء، حيث تعامل المرأة كجسد ويطبع المجتمع مع العنف ضدها، سواء في الواقع أو الفضاء الرقمي.

وأوضحت تيكروين في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن العديد من شهادات النساء ضحايا العنف الرقمي أظهرت قلة الوعي التقني والجهل بإدارة المحتوى الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي مما يعرضهن لخطر انتشار صورهن الخاصة بسبب ضعف أدوات الحماية، إضافةً إلى العقلية الاجتماعية التي غالبا ما تلقي باللوم على الضحية.

وفي هذا السياق، تحذر الناشطة الحقوقية أن هناك أزمة قيم اجتماعية باتت تساهم بارتفاع نسبة ضحايا العنف الرقمي عبر ما يتم ترويجه في تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك"، إذ تدفع الفتيات للتركيز على مظهرهن الخارجي كأداة لجذب الانتباه، ما يغير من نظرة المجتمع لهن كأفراد رغم أن الواقع والإحصائيات تشير إلى أن الفتيات متفوقات أكاديميا.

ويضيف المصدر ذاته، أن القوالب الثقافية السائدة تدين النساء بشكل مضاعف وتحد من الإبلاغ عن حالات الابتزاز الرقمي، خاصة عندما ينظر للنساء على أنهن مسؤولات عن تعرضهن للعنف، منبهة إلى تفاقم آثار العنف الرقمي ضد النساء في ظل غياب الدعم النفسي والمجتمعي الكافي لهن.

ضعف المعالجة الرقمية
وبدوره يؤكد الخبير في الأمن الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، أمين رغيب، استمرار تنامي العنف الرقمي ضد النساء بالمغرب بسبب الارتفاع المتزايد لمستخدمي المنصات الاجتماعية وتطور التكنولوجيات الحديثة وغياب الوعي بمخاطرها لاسيما في صفوف النساء، مشيرا إلى استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي في توليد صور وفيديوهات غير حقيقية للضحايا مما يساهم في انتشار الظاهرة.

وينبه رغيب في حديثه لـ"أصوات مغاربية"، إلى أنه من الناحية التقنية يصعب القضاء على جريمة العنف الرقمي لأن الأمر لا يتعلق بحجب الفيديو حتى لا ينتشر أكثر وإنما لغياب ضمانات بعدم تخزينه ونشره لاحقا، مسجلا ضعف الاستجابة من منصات التواصل الاجتماعي أثناء الإبلاغ عن المحتوى المسيء لضحايا العنف الرقمي.

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير الرقمي على أهمية وعي النساء بمخاطر العالم الرقمي وضرورة وضع حدود واضحة للعلاقات خاصة ما يتعلق بتوثيق اللحظات ومشاركتها تجنبا للمشاكل المستقبلية، مقترحا أن يكون هناك ممثلون قانونيون لشبكات التواصل الاجتماعي في المغرب لتسهيل التعامل مع الشكاوى وحماية الضحايا بشكل أفضل.

ضعف الحماية القانونية
وأفادت المحامية والحقوقية، سعاد بطل، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، بأن الإطار القانوني في البلاد يجرم العنف ضد النساء بكل أشكاله مثل العنف النفسي والجسدي والاقتصادي، مستدركة "إلا أنه لم يشمل العنف الرقمي بنص صريح مما يجعل إثبات العنف الإلكتروني يمثل تحديا صعبا ويساهم في تنامي هذه الظاهرة".

وتسجل بطل في حديثها "ضعف الحماية القانونية لضحايا العنف الرقمي نظرا لغياب تعريف واضح في القانون وضعف تنفيذ العقوبات رغم كونها مخففة"، منتقدة ما جاء في القانون الجنائي من فصول غير رادعة لجريمة العنف الرقمي ضد النساء سواء من حيث الجزاء أو الحماية أو آليات التنفيذ.

وتشدد المحامية على ضرورة مراجعة المساطر القانونية التي تقف عاجزة في مكافحة هذه الظاهرة عبر تسهيل مسطرة التبليغ وحماية المبلغين وتشديد العقوبات وإنصاف الضحايا بتوفير مؤسسات الدعم النفسي للمواكبة والشعور بالأمان الثقة.

المصدر: موقع الحرة