بدأت ملامح أزمة مالية تظهر في ليبيا بعد إقرار مجلس النواب (شرق) ميزانية حكومة أسامة حماد، وتحذيره اللجنة المالية العليا، التي تشكلت قبل نحو شهرين، من التدخل في أوجه صرف ميزانية الدولة.
وتأسست "اللجنة المالية العليا" في يوليو الماضي بهدف وضع حد للخلاف بين الشرق والغرب على توزيع الثروة في ليبيا، في أعقاب تهديد حكومة الشرق بفرض حراسة قضائية على موارد النفط.
ويرأس اللجنة رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، وتضم في عضويتها 17 ممثلاً عن الأطراف السياسية الليبية ومؤسسات الدولة، إضافة إلى مصرف ليبيا المركزي ومؤسسة النفط، وقد عقدت 4 اجتماعات حتى الآن، كشفت في آخرها عن تشكيل فريق للعمل على إعداد أسس ومعايير الميزانية الموحدة "على أن تكفل جودة الإنفاق العام وعدالة التوزيع وتحسين الخدمات".
تنازع صلاحيات
بيد أن مجلس النواب الذي يتخذ من بنغازي مقراً له، اعترض على ما أعلنت عنه اللجنة، محذراً من أن "أي صرف خارج الميزانية يعدّ إهدارا للمال العام وتجاوزا للقانون المالي للدولة"، مضيفاً في بيان مقتضب، الثلاثاء، أن عمل اللجنة يعد "مخالفاً لمبدأ الفصل بين السلطات".
وجاء تحذير مجلس النواب، الذي يتحذ من بنغازي في شرق البلاد مقراً له، عقب إقراره مشروع قانون الميزانية المقدم من حكومة أسامة حماد ( 89 مليار دينار)، معتبراً الخطوة توحيدا لأوجه الصرف في البلاد في ظل خطوة توحيد المصرف المركزي مؤخراً.
عاجل > مجلس النواب ؛ المركزي توحد و الميزانية المقرّة اليوم ستكون موحدة على مستوى الدولة الليبية.
— صحيفة المرصد الليبية (@ObservatoryLY) September 5, 2023
مجلس النواب : اللجنة المالية العليا موازية ونعتبر أي صرف منها إهدارًا للمال العام وتجاوزًا للقانون المالي للدولة . #ليبيا #المرصد pic.twitter.com/ftxgGSddWW
ويكشف التحذير الذي وجهه البرلمان للجنة المالية العليا عن انقسام في المواقف بين الجسمين قد يتطور إلى أزمة في هذا البلد المغاربي الذي يعاني أساساً من ازدواجية في أغلب مؤسساته السيادية منذ عام 2014.
و يرى المحلل الاقتصادي الليبي، عبدالله الأمين، أن الجدل الحالي بين مجلس النواب واللجنة المالية العليا يمثل مقدمة "أزمة مالية" سببها تنازع الطرفين على صلاحيات وضع ميزانية الدولة وتنظيم أوجه صرفها، وذلك على غرار الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ مدة.
وقال الأمين، في حديث لـ "أصوات مغاربية" إن ما يحدث حالياً مرده إلى أمرين، أولهما "ضبابية" المعايير التي تشكلت على أساسها اللجنة المالية، والثاني هو وجود حكومتين في البلاد تسعى كل منهما إلى الحصول على ميزانية خاصة بها.
انقسام في صفوف اللجنة
وبالرغم من إعلان اللجنة المالية مؤخراً التوصل إلى خطوات على طريق اعتماد معايير قد تحد من الخلاف المالي في البلاد، إلا أن بوادر شقاق بدأت تتكشف بين أعضائها، خاصة بعد إعلان 4 منهم مقاطعتهم لبيان اللجنة الأخير والذي صدر بمدينة سبها جنوب البلاد في 30 أغسطس الماضي.
و علل الأعضاء المقاطعون موقفهم بسبب أن اللجنة "لم تحسم آلية حول توزيع الإنفاق الحكومي"، مؤكدين أن اللجان الفرعية لأبواب الميزانية التي كشفت عن تشكيلها ما تزال في مناقشات وجمع البيانات وحصر التعثرات في الإنفاق الحكومي.
وبالإضافة إلى الأعضاء الـ 4 المقاطعين، كان نائب محافظ مصرف ليبيا المركزي، مرعي البرعصي، قد أعلن استقالته هو الآخر من عضوية اللجنة المالية العليا في بداية سبتمبر، معتبراً أن اللجنة "تشكلت بالمخالفة للقوانين والتشريعات النافذة في الدولة الليبية، وبالمخالفة للاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات" حسب ما ورد في بيان استقالته.
خلال اجتماعها الخامس في مدينة #سبها.. رئيس المجلس الرئاسي #محمد_المنفي يقول إن اللجنة المالية العليا ماضية في واجبها الوطني ويستغرب من التشكيك في في قانونية تشكيل اللجنة بعد مرور أكثر من 60 يوماً على تشكيلها pic.twitter.com/UpCOEPMr8H
— عين ليبيا (@EanLibya) September 3, 2023
وتعليقاً على الإرباك الذي بدات تشهده اللجنة المالية العليا، توقع المحلل الاقتصادي عبدالله الأمين أن تنحل اللجنة قريباً بسبب إنهاء الأعضاء المذكورين (جميعهم من شرق البلاد) لفكرة "الإجماع الوطني" التي شكلت على أساسها.
ورجح المتحدث أن تصب التطورات الأخيرة في مصلحة التوجه الذي يقوده مجلس النواب والساعي للتضييق على رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بهدف إخراجه من المشهد لصالح تشكيل حكومة جديدة موحدة وبميزانية واحدة، لاسيما بعد الإعلان عن توحيد البنك المركزي.
أعلن نائب محافظ #مصرف_ليبيا_المركزي مرعي البرعصي استقالته من اللجنة المالية العليا لـ"مخالفة قرار تشكيلها القوانين والتشريعات الليبية النافذة" جاء ذلك بالتزامن مع إعلان أربع من أعضاء اللجنة من المنطقة الشرقية عن أنه لا علم لهم بالبيان الصادر من قبل اللجنة المالية العليا الصادر… pic.twitter.com/B4MOs0JEWY
— المعيار (@AlmieyarLibya) September 1, 2023
وكان مصرف ليبيا المركزي أعلن في 20 أغسطس الماضي عن توحيد فرعيه في الغرب والشرق بعد عقد من انقسامه إلى مؤسستين في أعقاب الانقسام السياسي الذي حدث في ليبيا عام 2014.
وتتنازع الشرعية في ليبيا حالياً حكومتان إحداهما هي حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والثانية هي الحكومة التي شكلها مجلس النواب في شرق البلاد في فبراير 2022 ويرأسها حالياً أسامة حماد.
المصدر: أصوات مغاربية