بينما أثقل التعامل مع آلاف الجثث في درنة الليبية كاهل فرق الإنقاذ والمتطوعين، بات الكثير منهم أمام معضلات إضافية بينها تحديد هوية الضحايا وإجراءات التغسيل والدفن.
وخلال الأيام الأربعة الماضية التي تلت الفيضانات الناجمة عن الإعصار دانيال أطلق مسعفون ومتطوعون من المدينة نداءات إلى كافة المدن الليبية طلباً لتوفير المغسلين والأكفان على وجه السرعة للقيام بالواجبات الشرعية حيال الموتى قبل دفنهم.
دعوات لتجنيد المغسلين
ومع مرور الوقت وانتشال المزيد من الضحايا، تتراكم الجثث أمام المسعفين ويزداد عامل الضغط على الجميع، حتى بات البحث عن فتوى تجيز التعامل (بمرونة أكثر) مع الموقف الرهيب دون التقليل من حرمة الأموات واحترام خصوصيتهم.
وفي مقابل الدعوات لتوفير من يقومون بالتغسيل والتكفين، ترددت فتاوى تقول بضرورة الإسراع في الدفن دون الحاجة للتغسيل ودون التقيد بـ"الأكفان الشرعية"، مستندة لمقتضيات الضرورة في حالات الموت الجماعي.
نداء عاجل من اوقاق مدينة #طبرق
— نوح الحبوني🇱🇾 (@nwh_alhbony) September 12, 2023
السادة الأئمة و الخطباء و الوعاظ
بناء على تعليمات السيد مدير المكتب يطلب منكم كل من لديه خبرة في #تغسيل الموتى التوجه وبشكل عاجل للمشرحة بالمركز الطبي وذلك نظرا لكثرة الوفيات القادمة من مدينة درنه
يطلب منكم سرعة التوجه للمركز الطبي
✍️نوح الحبوني
وتواترت على منصات التواصل الاجتماعي دعوات بضرورة "تجنيد" عشرات المغسلين والمكفنين للذهاب إلى درنة، وبالفعل استجاب كثيرون مع تلك الدعوات وتقاطر على المدينة مغسلون من مختلف مدن البلاد.
وأمام تكرار النداءات لحضور المغسلين، أصدرت دار الإفتاء الليبية فتوى تجيز دفن الجثث دون تغسيل وتكفين، أو تكفين عدد من الجثث "في ثوب واحد"، بسبب كثرة أعداد الموتى وقلة عدد المغسلين.
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
— الشيخ د. الصادق الغرياني (@shikhSADEQ) September 14, 2023
رقم الفتوى ( 5308 ) بتاريخ 29/ صفر/1445ه الموافق 14-09 - 2023م
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما الواجبُ تجاهَ الموتى الذين قضوا نحبهم في فيضانِ مدينة درنة، من حيثُ تغسيلُهم وتكفينُهم والصلاة عليهم، علمًا أنَّ عدد الموتى يقدّر… pic.twitter.com/ySj7AZlSGj
كما أجازت الفتوى الصادرة عن رئيس دار الإفتاء في طرابلس، الصادق الغرياني، تكفين "عدد من الأموات في ثوب واحد ويدفنوا في قبر واحد، ولو كانوا رجالا ونساء حتى لو كانوا أجانب عن بعضهم.
صورة حصريا الله يبارك ..،
— Tripoli (@Tripoli_My_Home) September 14, 2023
الان في المطار مع شباب #السلف_صالح متوجهين الي الشرق
باش يساعدو الناس في تغسيل الموتى ..،
بارك الله فيكم وفي ميزان حسناتكم يـارب يارب
هادي ليبيا ورجالها ديما يدينا في يدين بعض باذن الله pic.twitter.com/l2uCiy7eNx
وأصدر أئمة آخرون فتاوى منفردة مشابهة تتعلق بخصوصية الأوضاع في درنة والمناطق المنكوبة وتجيز جميعها الدفن دون الحاجة للتغسيل والتكفين "بما تيسر"، ولو كان عبارة عن أكياس حفظ الموتى.
صورة حصريا الله يبارك ..،
— Tripoli (@Tripoli_My_Home) September 14, 2023
الان في المطار مع شباب #السلف_صالح متوجهين الي الشرق
باش يساعدو الناس في تغسيل الموتى ..،
بارك الله فيكم وفي ميزان حسناتكم يـارب يارب
هادي ليبيا ورجالها ديما يدينا في يدين بعض باذن الله pic.twitter.com/l2uCiy7eNx
ورغم الفتاوى المذكورة، نشر مدونون صوراً وأخبارا عن شد مغسلين ومكفنين الرحال إلى درنة بهدف المساعدة في القيام بـ"الواجبات الشرعية" حيال ضحايا الفيضانات.
تحدي الجثث "مجهولة الهوية"
ومع انتشال فرق الإنقاذ للمزيد من الجثث من تحت الأنقاض وإلقاء البحر بعشرات الجثث الأخرى إلى الشاطئ، برزت إشكالية أخرى تتمثل في التعرف على هؤلاء قبل إتمام إجراءات دفنهم خاصة مع اكتظاظ ثلاجات حفظ الموتى.
1100 جثة مجهولة الهوية دفنت في مقابر جماعية
— بـــدر الرّابحي (@bader_alrabhy) September 13, 2023
تم اخد الصور لهم لتحديد هوياتهم لاحقا مع بلاغات المفقودين .#درنة
والخميس أعلنت الهيئة العامة الليبية "للبحث والتعرف على المفقودين" انتشال جثث مجهولة الهوية بمدينتي درنة و سوسة شرق ليبيا، داعية أهالي المنطقة إلى التواصل مع "فريق الاستفسار" والإبلاغ عن المفقودين.
وأضافت الهيئة، على فيسبوك، أن فريقها أخذ عينات مرجعية من الجثث بهدف إحالتها لإدارة المختبرات للعمل عليها، بينما جرى دفن الجثامين "بطريقة شرعية"، ما يؤشر إلى عدم قدرة المؤسسات الصحية على الاحتفاظ بالجثث لفترات طويلة في المناطق المنكوبة.
فرق الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين في المنطقة الشرقية تباشر انتشال الجثث في مدينتي #درنة و #سوسة، وأخذ عينات من الحمض النووي من الجثث مجهولة الهوية.#حكومتنا #ليبيا#حكومة_الوحدة_الوطنية pic.twitter.com/NIFhKPFkxF
— حكومتنا (@Hakomitna) September 14, 2023
وللهيئة العامة للبحث والتعرف عن المفقودين خبرة في مجال التعامل مع الجثث مجهولة الهوية اكتسبتها خلال تعاملها مع مقابر ترهونة الجماعية (غرب البلاد) طيلة السنوات الـ 3 الماضية، لكن سيكون أمامها التعامل مع تحدى الوقت في درنة وسوسة خلافاً لما كان عليه الحال في ترهونة.
ووصل فريق من الهئية المذكورة يضم 60 فردا إلى مدينتي درنة وسوسة الأربعاء الماضي، حسب تصريح أدلى به رئيس الهيئة، كمال السيوي، لصفحة "حكومتنا" الرسمية على فيسبوك.
#أخبارليبيا24 | #ليبيا | #محلي | دفن ثلاث جثث مجهولة الهوية بمقبرة الفتائح في درنة
— أخبار ليبيا 24 (@akhbarlibya24) February 23, 2023
لمزيد من التفاصيل: https://t.co/6FQ6P6jkm2 pic.twitter.com/gH7i6egHqR
ويضم الفريق أفرادا من إدارات "استقبال البلاغات والاستطلاع والاستكشاف واستخراج الجثث"، وآخرين مسؤولين عن أخذ عينات الحامض النووي من الجثث المجهولة، مشيراً إلى تجهيز قافلة أخرى ستذهب إلى المدينتين في وقت لاحق.
واليوم الجمعة أعلن عن انتشال أكثر من 100 جثة في درنة، بينما تواصل فرق الإنقاذ المحلية والأجنبية سباقاً مع الزمن للبحث عن ناجين تحت الأنقاض في اليوم الخامس من الطوفان الذي جرف أجزاء كبيرة من وسط المدينة قبل أربعة أيام.
ووفق الأرقام المعلنة فقد تم دفن أكثر من 3 آلاف جثة حتى الآن بينها جثث مجهولة الهوية أخذت عينات الحمض النووي منها بهدف التعرف عليها لاحقاً، بينما يفرض عامل الوقت تحدياً حقيقياً أمام العامة للبحث والتعرف عن المفقودين وفرق الإنقاذ والمسعفين للبحث عن ما يربو عن 10 ألاف مفقود في الكارثة.
المصدر: أصوات مغاربية