قررت الحكومة الجزائرية إدخال تعديلات جديدة على قانون مكافحة الكوراث والمخاطر الكبرى ينتظر طرحها على البرلمان من أجل مناقشتها والمصادقة عليها.
وتأتي هذه الخطوة استجابة لمجموعة من التحديات أضحت مطروحة بقوة في الساحة المحلية، خاصة بعد سلسلة الحرائق التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، وتسببت في خسائر بشرية ومادية كبيرة، كما جلبت انتقادات واسعة للسلطات العمومية بخصوص استعداداتها وقدراتها في التحكم في مثل هذه المخطار الطبيعية.
وتعاظم النقاش في الجزائر، مؤخرا، حول منظومة التصدي للكوارث الطبيعية التي تبنتها الدولة من خلال قانون تم وضعه في سنة 2004، إلا أن "محدودية صارت واضحة للعيان"، كما يقول العديد من المختصين والخبراء.
كوارث وخسائر
وكشف مندوب المخاطر الكبرى بوزارة الداخلية في الجزائر، عبد الحميد عفرة، شهر يونيو الماضي، أن أخطار الكوارث تكلف الخزينة العمومية ما يقارب 35 مليار دينار سنويا (257 مليون دولار أميركي)، ما يستوجب حسبه مراجعة شاملة للمنظومة التشريعية للمخاطر الكبرى.
وأكد المتحدث أن "مشروع القانون الجديد المتضمن قواعد الوقاية والتدخل والحد من أخطار الكوارث سيتيح التحول من مقاربة رد الفعل وتدبير الأزمة إلى مقاربة استشرافية أكثر نجاعة وأقل تكلفة".
وحسب أرقام رسمية أعلن عنها الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، فإن الجزائر أنفقت مبلغا ماليا يقدر بـ222 مليون دولار، خلال الـ15 سنة الماضية، من أجل مواجهة الكوارث الطبيعية، خصص جزء كبير منه للتصدي لمشكل الفيضانات.
ويعاني هذا البلد المغاربي من أخطار طبيعية مختلفة، فزيادة على الفيضانات، تسببت الزلازل في حصد آلاف الضحايا في مناطق مختلفة من البلاد، إضافة كذلك إلى مشكل الحرائق وكذا الانفجارات الصناعية وأيضا الجراد.
جديد القانون
ويقضي القانون الجديد بوضع مخطط وطني تشترك فيه 5 قطاعات وزارية هي الداخلية والموارد المائية، إضافة إلى قطاعات الأشغال العمومية والسكن والصحة، وفق ما أشارت وسائل إعلام محلية.
وأفادت جريدة "الشروق اليومي" بأن "المخطط الجديد ينقسم إلى 3 مراحل أساسية في تسيير المخاطر، الخطوة الأولى يتم التركيز فيها على التدابير الوقائية للإنذار المُبكّر، وذلك قبل حدوث الكارثة من خلال الاعتماد على نشريات خاصة وواضحة تظهر حجم المخاطر، وهذا بالتنسيق مع الجهات المعنية أي الأرصاد الجوية والمراكز المختصة في تحديد الأخطار".
وتتمثل المرحلة الثانية في "تعبئة الوسائل البشرية والمادية للحد من حجم الكارثة وتجهيز الوسائل والمعدات الخاصة، إضافة إلى تجنيد العنصر البشري المختص في الإنقاذ والتدخل السريع"، فيما تشمل المرحلة الأخيرة من المخطط "إجراءات التعافي والتقليل من حجم الأضرار وإحصاء المتضررين وإعداد مخطط وطني للتعمير وإعادة التكفل بالأشخاص المصابين".
وبالموازاة مع التعديلات المطروحة، كانت الجزائر قد وضعت، مؤخرا، قانونا جديدا تضمن عقوبات وصلت إلى حد عقوبة الإعدام ضد جميع الأشخاص الذين يتورطون عمدا في عمليات حرق المساحات الغابية.
خلفيات المشروع
وتعلقيا على خطوة الحكومة، قال أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة مسعكر، غرب الجزائر، أبو الفضل يهلولي، إن "المنظومة القانونية لتسيير ومجابهة الكوارث في التشريع الجزائري كانت متطورة وسباقة من خلال القانون المصادق عليه سنة 2014"، مؤكدا أن "نصوصه مرتبطة بشكل مباشر بأهداف التنمية المستدامة، التي سوف تناقش هذا الأسبوع في نيويورك خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة".
وأضاف المتحدث، في تصريح لـ"أصوات مغاربية": "أحصت التعديلات الجديدة جميع المخاطر التي تهدد الجزائر، بما فيها الكوارث الصحية مثل جائحة كورونا، الأمر الذي يعتبر تطورا لافتا من قبل المشرع الجزائري في التكيف مع المتغيرات الجديدة التي يعرفها العالم".
وأردف بهلولي "في الجزائر اليوم انتقلنا من مفهوم تيسيير المخاطر إلى مرحلة تسيير أخطار الكوارث على غرار الشروط الصارمة التي وضعها السلطات بخصوص المعايير التي يجب اتخاذها في مشاريع البناء وكذا الأماكن المخصصة لها".
وتحدث المصدر ذاته عن "التدابير العصرية الجديدة التي اتخذتها السلطات بهدف التحكم أكثر في الكوارث الطبيعية، على غرار إدخال آليات الرقمنة والذكاء الاصطناعي في مراقبة المرافق العمومية والطبيعية من وديان وسدود"، مذكرا بـ"القرار الوزاري الصادر سنة 2005 والقاضي بإنشاء دائرة تسيير الكوارث و المخاطر التابع لمصالح للجيش الوطني الشعبي".
النصوص والواقع
بالمقابل، يرى الخبير الدولي المختص في العمران والمعمار وتطوير المدن، جمال شرفي، أن "المشكل الكبير المطروح في الجزائر لا يتعلق بالنصوص القانونية، بل في الجهة التي تشرف على تنفيذ المقررات والتعليمات والأوامر التي يضعها المشرع الجزائري".
وقال شرفي "تحيين أو تعديل القوانين المتعلقة بمكافحة الكوارث الطبيعية لن يؤتي أكله في ظل استمرار حالة التسب واللامبالاة بالنسبة لبعض المسؤولين بدليل أن القانون الموضوع في 2004 لم يجنب الجزائر العديد من الكوارث التي عاشتها في السنوات الأخيرة".
وأفاد المتحدث بأن "الجزائر في حاجة إلى مسؤولين أكفاء يقومون بمهام الرقابة على أكمل وجه وينفذون النصوص القانونية بحذافرها"، مشددا على أن "الدور الرقابي يبقى أحد أهم العناصر المغيبة في منظومة التصدي للكوارث الطبيعية".
إضافة إلى ذلك، أشار لخبير الدولي المختص في العمران والمعمار وتطوير المدن، جمال شرفي، إلى مجموعة من الأخطاء النقنية التي ارتكبتها السلطات في وقت سابق وتواصل ارتكباها إلى حد الساعة، وأعطى مثالا على ذلك "ما قامت به سنوات التسعينات عندما أمرت بغلق الشبكات والممرات الموجودة تحت اأحياء العاصمة بدعوى محاربة الجماعات الإرهابية ما تسبب في فيضانات كبيرة شهدتها المدينة فيما يعرف بأحداث باب الواد".
وأشار المتحدث إلى "نفس الأخطاء تبقى ترتكب لحد الساعة من خلال التعاقد مع شركات أجنبية عادة ما تلجأ إلى ممارسات الغش في الإنجاز لتشييد بعض المشاريع العمرانية التي اتفادت منها، مع يعرضها مستقبلا لمخاطر الانهيار في حال وقع أي زلزال بسيط".
المصدر: أصوات مغاربية