تحرص السلطات الجزائرية على مطالبة الطرف الفرنسي بتنظيف المناطق الصحراوية التي كانت مسرحا لتجاربها النووية على عهد مرحلة الاستعمار، في الوقت الذي تصر فيه باريس على إدراة ظهرها لهذا المطلب.
وفي اليوم العالمي لإزالة الأسلحة النووية، المصادف لتاريخ اليوم، يتجدد النقاش حول هذا الموضوع وسط التوتر الصامت الذي يطبع العلاقات بين البلدين، الأمر الذي من شأنه تعطيل العديد من الملفات التاريخية العالقة بينهما، وفق ما يؤكده مراقبون.
وفي الشهر الماضي، دعت منظمات دولية ومحلية السلطات الفرنسية إلى مساعدة الجزائر على التخلص من تداعيات تلك التجارب عبر "تسليم الجزائر جميع الخرائط المتعلقة بتلك التجارب في صحرائها، مع الكشف عن أماكن دفن النفايات النووية بالتفصيل".
مطالب عالقة..
وشاركت في هذه المبادرة، التي تزامنت مع اليوم العالمي لمناهضة التجارب النووية (29 أغسطس)، منظمات وجمعيات تنشط في المجال، بينها "الجمعية الوطنية لضحايا التفجيرات النووية"، و"الأطباء الدوليون لمنع الحرب النووية"، و"مبادرات نزع السلاح النووي"، و"معهد تعليم السلام والتواصل الفني"، و"مركز روكي ماونتن للسلام والعدالة"، و"مكتب السلام الدولي"، و"الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية".
وقبلها أيضا، دعا الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، السلطات الفرنسية إلى تنظيف الصحراء الجزائرية من نفايات التجارب النووية، التي قامت بها فرنسا خلال ستينيات القرن الماضي.
وقال تبون في حوار مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية "نطالب فرنسا بتنظيف مواقع هذه التجارب حول رقان وتمنراست، حيث التلوث ضخم. نريدها أيضا أن تهتم بالرعاية الطبية التي يحتاجها الناس هناك".
وشرعت السلطات الاستعمارية في تنفيذ تجاربها النووية منذ 13 فبراير 1960، وقامت بحوالي 17 تفجيرا نوويا، خاصة بمنطقتي "رقان" و"إن إكر".
وقد خلفت تلك التجارب الكثير من الآثار السلبية على المواطنين القاطنين بالقرب من أماكن التجارب، ولا تزال هذه التداعيات مستمرة لحد الساعة، ناهيك على ما خلفته من خسائر كبيرة على البيئة.
وأكدت إحدى الدراسات أن ما يزيد عن 40 ألف أصيبوا بالسرطان نتيجة تأثرهم بالإشعاعات التي خلفتها تلك التجارب النووية.
خلفيات فرنسية..
ومنذ سنتين، أعلن وزير المجاهدين الجزائري الأسبق، الطيب زيتوني، بشكل رسمي أن فرنسا ترفض تسليم بلاده خرائط التفجيرات النووية التي أجرتها في صحرائها خلال ستينيات القرن الماضي.
وقال في مقابلة مع وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، بمناسبة الذكرى الـ59 لاستقلال البلاد عن فرنسا، في 5 يوليو 1962، إن "باريس لم تقم بأية مبادرة لتطهير المواقع الملوثة من الناحية التقنية أو بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين".
ويثير الموقف الفرنسي انزعاج المسؤولين الجزائريين، ومجموعة من الأسئلة عند المهتمين بهذا الملف الشائك.
ويرى المحلل السياسي والمؤرخ، رابح لونيسي، أن "الموقف الفرنسي ينم عن خلفيات سياسية وتاريخية عديدة، لعل أهمها هو تجنب فضح الجرائم الفظيعة التي ارتكبها في حق الجزائريين في حال تسلمت سلطات هذا البلد المغاربي خرائط التجارب النووية التي نفذتها الإدارة الاستعمارية".
وقال في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن "باريس تدعي أن قضية الخرائط النووية تدخل ضمن الأسرار العسكرية لجيشها، لكن هذا غير صحيح، فهي تخاف من اهتزاز صورتها لدى الرأي العام الدولي".
وأضاف بأن "الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعداه لحسابات سياسية أخرى تكمن في طبيعية العلاقة بين باريس والجزائر"، مشيرا إلى أن "فرنسا قررت توظيف ملف التجارب النووية كورقة ضغط على الجانب الجزائري بهدف الاستفادة من مزايا متعلقة بالذاكرة المشتركة وملفات سياسية واقتصادية أخرى".
ويتوقع لونيسي أن "يتأخر العثور على حل لمشكل التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الجزائر بسبب الموقف المتصلب لباريس حيال المطالب الجزائرية".
حلول بديلة..
وفي انتظار تسوية هذا المشكل، بادرت السلطات الجزائرية إلى البحث عن حلول بديلة من خلال الاستعانة بروسيا في عملية تطهير صحرائها من نفايات التفجيرات والتجارب النووية.
وقال الرئيس تبون خلال زيارته لموسكو في ماي "ربما تكون هناك اتفاقات لتطهير المناطق التي جرت فيها التجارب النووية أيام الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ليجري تطهيرها من طرف مختصين من أصدقائنا من روسيا الفيدرالية".
ويعتقد أستاذ التاريخ بجامعة وهران، محمد بلحاج، بأنه يمكن للجزائريين المتضررين من مخلفات التجارب النووية الضغط على الجانب الفرنسي من خلال تحريك الملف عبر الهيئات الحقوقية الدولية ومنظمات المجتمع المدني.
وقال في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، "هناك تلكؤ واضح من الطرف الفرنسي.. لكن أعتقد أن تحريك ملف التجارب لدى هيئات عالمية مثل هيئة الأمم المتحدة أو هيئات قضائية أخرى من شأنه أن يمكن المتضررين من الحصول على حقوقهم".
وأفاد بلحاج بأن "موقف باريس الرافض لتسليم خرائط تجاربها النووية يعتمد على فقرة من اتفاقية إيفيان التي وقعت بين الجزائر وفرنسا قبل إعلان الاستقلال، والتي تنص على إلزام الطرفين بعدم إثارة ملفات الحرب في المستقبل".
وأشار المتحدث إلى أنه "لا يوجد أي مانع من تشكيل جبهة من المجتمع المدني في الجزائر تتولى مهمة تحريك الملف لدى مؤسسات تعنى بهذه المواضيع حتى تُرغم فرنسا على الاعتراف بما قامت به في الصحراء الجزائرية، وتسلم تبعا لذلك كل الخرائط وأماكن دفن النقايات النووية".
المصدر: أصوات مغاربية