تحل، اليوم الثلاثاء، الذكرى السنوية 22 لخطاب الملك محمد السادس في أجدير، وهي مناسبة تصفها الحركة الأمازيغية بالمغرب بـ"التاريخية" بالنظر إلى الخطوات والقرارات التي تلتها للنهوض بالأمازيغية وإعادة الاعتبار إليها.
وجاء الخطاب بعد عامين من اعتلاء العاهل المغربي العرش، وفي سياق كانت فيه الحركة الأمازيغية بالمغرب تضغط في اتجاه اعتراف الدولة باللغة والثقافة الأمازيغيتين.
وفي 17 أكتوبر عام 2001، ألقى الملك المغربي خطابا بأجدير (وسط البلاد) أكد فيه على أن النهوض بالأمازيغية "مسؤولية وطنية"، وبأن جذورها "تمتد في أعماق تاريخ الشعب المغربي".
ومن بين ما جاء في الخطاب إعلان الملك محمد السادس عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وحدد له مهمة تقديم المشورة بشأن سبل صيانة وترقية اللغة والثقافة الأمازيغيتين.
وجاء في الخطاب "(…) فإن قيام المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالمهام المنوطة به في الحفاظ على الأمازيغية والنهوض بها وتعزيز مكانتها في المجال التربوي والاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني من شأنه أن يعطيها دفعة جديدة كتراث وطني يعد مبعث اعتزاز لكل المغاربة".
بعد هذا الخطاب الذي ما تزال تصفه الحركة الأمازيغية بالمغرب بـ"التاريخي"، شهدت المسألة الأمازيغية تحولات سريعة، لعل من أبرزها إقرارها لغة رسمية للبلاد عام 2011.
في ما يلي المحطات الرئيسية التي شهدتها الأمازيغية بالمغرب بعد خطاب أجدير:
تدريس الأمازيغية
بعد عام من ذلك الخطاب، شرع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في العمل، رغم "صدامه" في أكثر من مرة بعراقيل إدارية وسياسية من أبرزها ما عرف بالمغرب بـ"معركة الحرف" عام 2002، وهو نقاش احتدم بين الحركة الأمازيغية التي كان نشطاؤها منقسمين إلى تيار دافع عن اعتماد الحرف اللاتيني وآخر طالب بكتابة اللغة الأمازيغية بحرف "تيفيناغ"، وبين تنظيمات سياسية طالبت باستخدام الحرف العربي.
وبعد تحكيم ملكي، قرر المغرب تبني حرف تيفيناغ الأصلي لكتابة اللغة الأمازيغية، ليعلن شهورا بعد ذلك عن قرار حكومي لتدريس هذه اللغة في المدارس الابتدائية العمومية.
واليوم، يقدر عدد التلاميذ الذين يدرسون الأمازيغية بنحو 330 ألفا، وتسعى الحكومة إلى تعميمها على نحو 4 ملايين تلميذ بحلول عام 2030.
زخم حقوقي
موازاة مع ذلك، زاد عدد الجمعيات الحقوقية المدافعة عن الأمازيغية ورفعت من سقف مطالبها، كما زاد تأثيرها مقارنة بمرحلة ما قبل الخطاب.
ووجدت هذه الجمعيات والمنظمات في خطاب أجدير مرجعا تستدل به في الدفاع عن مختلف مطالبها، وكان من أبرز تلك المطالب الحق في الإعلام وفي دستور يعترف باللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد.
قناة عمومية
وفي يناير عام 2010، أعلن رسميا بالمغرب عن إطلاق أول قناة تلفزيونية حكومية ناطقة باللغة الأمازيغية بلهجاتها الثلاث (تاريفيت، تاشلحيت وتامزيغت) وحدد للقناة مهمة بث 70 و80 في المائة من برامجها بالأمازيغية على أن يبث الباقي بالعربية.
كان هذا الحدث تاريخيا أيضا في نظر الكثير من النشطاء الأمازيغ الذين رفع بعضهم هذا المطلب منذ تسعينيات القرن الماضي.
لغة رسمية
وفي عام 2011 حسم المغرب الجدل حول اللغة الأمازيغية وأقرها لغة رسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية.
ونص الدستور في فصله الخامس لأول مرة، على أن "اللغة العربية تظل اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء".
ورغم الحماية الدستورية، اشتكى الأمازيغ في السنوات اللاحقة للدسترة من "تلكؤ" السلطات في تجسيد مضامين الدستور، خصوصا في تنزيل القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وبعد 8 سنوات من الدسترة، صادق مجلس النواب المغربي في يونيو عام 2019، على مشروع القانون التنظيمي الذي يحدد كيفيات إدماج الأمازيغية في التعليم والإعلام ومختلف مجالات الحياة العامة، بدءا بالتشريع والعمل البرلماني، مرورا بالإبداع الثقافي والفني، ووصولا إلى الإدارات وسائر المرافق والفضاءات العمومية ومجال التقاضي.
ترسيم رأس السنة
وفي ماي الماضي، أعلن الديوان الملكي في المغرب، أن الملك محمد السادس وافق على إقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.
وفي أغسطس الماضي، اعتمدت الحكومة المغربية يوم الرابع عشر من شهر يناير من كل سنة تاريخا لعطلة رأس السنة الأمازيغية، وهي الخطوة التي انتظرها أمازيغ المغرب منذ خطاب أجدير عام 2001.
"محطة تأسيسية ومفصلية"
وتعليقا على ذكرى خطاب أجدير، قال المنسق الوطني لجبهة العمل الأمازيغي، محي الدين حجاج إنه يعتبر "محطة تأسيسية ومفصلية" في تاريخ المسألة الأمازيغية بالمغرب.
وأضاف حجاج الذي يشغل أيضا منصب عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار (قائد التحالف الحكومي)، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن الخطاب أعقبته عدد من "الأحداث والخطب التاريخية" و"القرارات الملكية غير المسبوقة" التي استهدفت حماية اللغة والثقافة الأمازيغيتين.
ويرى الناشط الحقوقي أن المرحلة الفاصلة بين الخطاب عام 2001 وقرار ترسيم الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في الأشهر الأخيرة "لم تخل هي الأخرى من خطب جريئة" مشيرا إلى أن أبرزها تأكيد العاهل المغربي في إحدى الخطب على أن تاريخ البلاد "يمتد لأكثر من 12 قرنا فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل".
وتابع موضحا "هذا رد من صاحب الجلالة على بعض التوجهات المعنية التي كانت تلخص تاريخ بلدنا في مدة محدودة لذلك يعد خطاب أجدير تأسيسيا لعدد من القرارات التاريخية الأخرى".
"تعثر في عدد من المجالات"
في المقابل، قال الناشط الحقوقي عبد الله بادو، إن مؤسسات حكومية "لم تستوعب لحدود الساعة أهداف ومضامين الخطاب بعد مرور عقدين من الزمن".
وأشار بادو في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إلى استمرار "تعثر الأمازيغية" في عدد من المجالات، بما في ذلك "إدماجها في التعليم وهو الورش الذي انطلق عام 2003" معتبرا أن المؤشرات ذات الصلة بهذا الورش "كلها اليوم سلبية".
وتابع "ملف الأمازيغية عرف دفعات قوية في عهد الملك محمد السادس ولكن للأسف الشديد الحكومات المتعاقبة لم تنفذ التوجيهات الملكية ولا مضامين الدستور وهذا يسائل هذه الحكومات".
وتبعا لذلك، يقترح المتحدث وضع آلية لتتبع وتدبير ملف الأمازيغية "خصوصا بعد تسجيل مؤشرات سلبية وتعثرات خطيرة جدا في تعميم تدريس اللغة الأمازيغية وفي إدماجها في مختلف مناحي الحياة العامة"، وفق تعبيره.
وأضاف "لم نلمس أي جدية في التعاطي مع هذا الملف وتدبيره رغم مرور 20 عاما من التراكمات التي كان يمكن استثمارها لتحقيق قفزة نوعية في تعامل الدولة مع المكون الأمازيغي بشكل يعيد له قيمته ومكانته وقوته كمكون مشكل للهوية المغربية".
- المصدر: أصوات مغاربية