جانب من مبنى وزارة الاقتصاد الموريتانية
جانب من مبنى وزارة الاقتصاد الموريتانية

خفضت موريتانيا توقعاتها للنمو في النصف الثاني من العام الجاري، في ظل تحديات محلية وأخرى مرتبطة بالوضع الاقتصادي العالمي بحسب خبراء توقعوا أن يتحسن الأداء في ٢٠٢٤.

وأظهرت معطيات صادرة عن "المكتب الوطني للإحصاء بموريتانيا" (رسمي) أن اقتصاد البلاد سيسجل أداء "متوسطا" في النصف الثاني من 2023، حيث سيصل النمو ثلاثة في المائة.

ويأتي هذا الخفض لتوقعات النمو بعد تصريحات في مارس الماضي، للوزير الأول محمد بلال ولد مسعود، قال فيها إن معدل النمو الإجمالي سيكون عند مستوى 3.4 في المائة، وهي نفس التوقعات التي أعلنتها وزارة الاقتصاد الموريتانية.

تحديات داخلية

ويعد التضخم وتعاظم الخشية من طفرة في أسعار الطاقة عالميا من أبرز التحديات التي تقف أمام ارتفاع معدلات النمو في موريتانيا بحسب الخبير الاقتصادي محمد مولاي الزين، الذي يرى أن اقتصاد بلاده ما زال على طريق النمو "رغم خفض التوقعات".

وأضاف مولاي الزين في اتصال مع "أصوات مغاربية"، أن جزءا كبيرا من الموازنة الموريتانية للعام الحالي ذهب في دعم "مشاريع البنية التحتية والدعم الاجتماعي ورواتب الموظفين التي شهدت زيادات كبيرة" معتبرا أن مَواطن الصرف تلك "لا تنعكس مباشرة على نمو الاقتصاد".

وكانت وزارة الاقتصاد الموريتانية قالت في ديسمبر الماضي، إن نفقات الاستثمار المقررة في ميزانية عام ٢٠٢٣ ستتوجه بشكل أساسي لأولويات اعتمدتها الحكومة، هي "البنى التحتية الداعمة للنمو، ومكافحة الفقر والإقصاء وتعزيز قدرات المصادر البشرية".

وكان الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، أعلن في 28 نوفمبر الماضي، زيادات لرواتب الموظفين ورفع الحد الأدنى للأجور بنسبة ٥٠ في المائة خلال خطاب إلى الشعب بمناسبة الذكرى الـ 62 لاستقلال البلاد.

تحسن "ضئيل"

وعن توقعات النمو في العام القادم، قال مولاي الزين:  "سيبقى قريبا من المستويات المعلنة حاليا"، واستدرك في الوقت ذاته: "سيشكل تصدير الغاز دعامة للنمو (...) لكن القطاع غير الطاقي ما زال بعيدا عن الهدف المنشود".

من جانبه يقول الخبير في أسواق المال، البناني الخليفة، إن "أحد أسباب تراجع الحكومة الموريتانية الطفيف عن مستهدفها في النمو هو الانتخابات الرئاسية المنتظرة في ٢٠٢٤"، كما أن "الحرب المؤسفة في الشرق الأوسط تزيد من أعباء الاقتصادات النامية".

وفي إطار سيناريوهات القادم، قال الخليفة لـ "أصوات مغاربية" إن "الاقتصاد الموريتاني سيسجل مستويات خمسة في المائة في الربع الثاني من العام القادم إذا استمر ولد الغزواني في الحكم"، وذلك لأن البلاد إذ ذاك "ستجني الثمار الاقتصادية للبنية التحتية التي تنشئ الآن".

وحول أهمية هذه البنية التحتية قال المتحدث نفسه، إن الحكومة صرفت عليها من مال الشعب بهدف تسريع المعاملات التجارية والشحن البري والبحري ومد "خطوط تجارية مع دول الجوار وتقوية الخطوط القائمة في الوقت الحالي".

وختم الخليفة توقعاته بالقول إنه بجانب صادرات الغاز، يتوقع أن ترتفع وتيرة "التبادل التجاري مع دول الجوار خلال العام القادم، لكن الحكومة مطالبة بمراقبة التضخم وكبح جماحه حتى لا يعيق عجلة النمو".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

بات تراجع منسوب المياه بالسدود مشهدا مألوفا في السنوات الأخيرة بتونس

يشهد مخزون السدود التونسية من المياه تراجعا حادا بفعل تواصل مواسم الجفاف وانحباس الأمطار جراء التغيرات المناخية، مما دفع عددا من الخبراء والجمعيات الرقابية إلى مطالبة السلطات في البلاد بإعلان "حالة طوارئ مائية".

وتكشف آخر الإحصائيات المتعلقة بحالة السدود التونسية، التي قدمها الثلاثاء المرصد الوطني التابع لوزارة الفلاحة، أن معدل المخزون العام للسدود من المياه بلغ 504 مليون متر مكعب أي بنسبة 21.5 في المئة من طاقة استيعابها بعد أن فاق 582 مليون متر مكعب في الفترة نفسها من سنة 2023.

وفي أواخر أغسطس المنقضي، دعا المرصد التونسي للمياه (جمعية رقابية غير حكومية)، إلى إعلان "حالة طوارئ مائية"، وذلك عقب تراجع مستوى مخزون السدود التونسية إلى 23.2 بالمائة في ذلك الحين.

وقبلها بأسابيع، أصدر المرصد ذاته تقريرا كشف فيه عن تلقيه 598 تبليغا من المواطنين، منها 510 تهم انقطاعات غير معلنة واضطرابات في توزيع الماء الصالح للشرب خلال شهر يوليو 2024، على مستوى كامل محافظات البلاد.

وتعاني تونس من آثار شح مائي طيلة السنوات الأخيرة بسبب ضعف الإيرادات من الأمطار، مع تراجع كبير في مخزون السدود من المياه، وسط بلوغ الحرارة درجات قياسية خلال صائفة 2024، ما ساهم في تبخر كميات هامة من مياه السدود، وفق ما يؤكده مختصون. 

وضع حرج

في هذا الإطار، تقول الخبيرة والمستشارة في الموارد والسياسات المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، روضة القفراج، إن الوضع المائي في تونس حرج، ما ينذر بأزمة حادة تهدد بلادا بأكملها بالعطش.

وتضيف قفراج، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن هذه الأزمة التي جاءت بفعل التغيرات المناخية وتوالي مواسم الجفاف عمقها الاستنزاف العشوائي للموارد المائية الجوفية، حيث يوجد في تونس نحو 30 ألف بئر عميقة دون ترخيص قانوني وتستهلك أكثر من 700 مليون متر مكعب من المياه في السنة، لافتة إلى أن السدود توفر 20 في المئة فقط من مياه الشرب.

وتابعت، في تشخيصها للوضع المائي، أن عددا من سدود البلاد  جفت بالكامل، فضلا عن ضياع نحو 30 بالمائة من نسبة من المياه الموزعة عبر الشبكات التابعة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (حكومية)، في حين تصل نسبة ضياع المياه في في بعض المناطق السقوية إلى ما يناهز 50 في المئة.

وسبق للرئيس التونسي، قيس سعيد، أثناء معاينته لوضعية بعض السدود في 22 يوليو الماضي، أن أكد أن انقطاع المياه "أمر غير طبيعي وليس بريئا". 

وشدد أن ما يحدث في عدد من محافظات البلاد "أمر تدبره شبكات إجرامية تستهدف شبكات توزيع المياه وتستهدف المحطات الكهربائية".

وتردّ الخبيرة المستشارة في الموارد والسياسات المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، روضة القفراج، أن الأمر لا يتعلق بمؤامرة، بل بأزمة ناجمة عن سياسات حكومية خاطئة منذ عشرات السنين، وفق تعبيرها.

سياسات قديمة

وتثير السياسات المعتمدة من قبل السلطات التونسية في مجابهة أزمة الماء وآثار التغيرات المناخية التي تلقي بظلالها على البلاد انتقاد عدد من الخبراء إذ يعتبرونه "لا تواكب هذه التطورات".

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير في الموارد المائية، حسين الرحيلي، لـ"أصوات مغاربية" أن السياسة العمومية للمياه في تونس لم تتغير منذ الستينات، بحيث بقيت المقاربات الحكومية تكتسي طابعا تقليديا يرتكز على الشعارات دون انتهاج سياسة تقوم على التكيف الاستباقي مع التغيرات المناخية.

ويضيف أنه لم يتم بعد إعادة النظر في أولويات استعمال الماء في المجالات الفلاحية والصناعية والسياحية، مشيرا إلى أن مجلة المياه في البلاد لم يتم مراجعتها منذ 1975.

وبشأن الحلول الممكنة لمعالجة أزمة الشح المائي، دعا الخبير السلطات التونسية إلى إقامة حوار مجتمعي لسن قوانين جديدة تواكب التحولات المناخية، فضلا عن التركيز على إنشاء سدود جوفية تدعم الموارد المائية وذلك لمجابهة ظاهرة تبخر المياه.

ولفت إلى أن أول تجربة لإحداث سد جوفي كانت سنة 1994 وقدمت هذه التجربة نتائج إيجابية، وفق قوله. 

وللحد من آثار وتداعيات الجفاف، شرعت السلطات التونسية في الأعوام الأخيرة في إنشاء سدود جديدة، وتشييد محطات تحلية مياه البحر بعدد من المحافظات الساحلية منها محافظتي صفاقس وقابس (جنوب شرق)، فضلا عن المساعي لدخول مجال الاستمطار الصناعي للحد من تبخر مياه البحيرات، وفق ما أعلن عنه وزير الفلاحة الأسبق منعم بالعاتي مطلع العام الجاري. 

وتمتلك تونس نحو 37 سدا أبرزها سد سيدي سالم، إضافة إلى البحيرات الجبلية وتقع أغلبها في شمال البلاد.

خيار المواءمة 

في هذا السياق، يرى الخبير في السياسات الفلاحية، فوزي الزياني، أنه في ظل التغيرات المناخية، يجب تعديل السياسات الحكومية بشكل يوائم بين الموارد المائية لتونس ودعم الإنتاج الفلاحي حفاظا على الأمن الغذائي للبلاد.

ويوضح الزياني، لـ "أصوات مغاربية"، أن التحكم في المياه المهدورة الناجمة عن تساقطات الأمطار في غياب البحيرات التلية بمحافظات الوسط والجنوب، يمكن أن يوفر جزءا مهما من الاحتياجات المائية في الفلاحة السقوية، وفقه.

وشدد الخبير الفلاحي أن الأراضي الفلاحية في المناطق الحدودية مع الجزائر تضررت بشكل لافت، عقب سعي السلطات الجزائرية لتشييد سدود منعت وصول مياه الأودية إلى تونس.

وتبعا لذلك دعا المتحدث الحكومة التونسية إلى التفكير في معالجة المياه المستعملة التي يمكن أن توفر حوالي 600 ألف متر مكعب، وتغطي 25 في المئة من احتياجات الفلاحة بتونس من الماء، مؤكدا أن المراهنة على تحلية مياه البحر ستكون له انعكاسات وخيمة على المنظومة الفلاحية.

جدير بالذكر أن تونس تخطط هذا الموسم لإنتاج مليون و173 ألف هكتار من الحبوب من ضمنها مساحة مروية تقد بـ 80 ألف هكتار، في خطوة تهدف إلى الحد من توريد هذه المادة بحسب مسؤولين في وزارة الفلاحة.

 

المصدر: أصوات مغاربية