مدرسة تكوين المعلمين في العاصمة الموريتانية نواكشوط(أرشيف)
مدرسة تكوين المعلمين في العاصمة الموريتانية نواكشوط(أرشيف)

أعلنت وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي الموريتانية توقيع اتفاقية مع السفارة الفرنسية بنواكشوط بغرض المساعدة في خطة لإصلاح التعليم تشمل اعتماد الوسائل التكنولوجية الحديثة في التدريس. 

ورحب وزير التهذيب الوطني المختار ولد داهي بـ"الدعم السخي" للسفارة الفرنسية، مفيدا بأن الاتفاقية "ستمكن مدارس التكوين الأولي للمعلمين، باعتبارها حجر الزاوية في العملية التربوية، من الولوج إلى التقنيات الحديثة في مجال الرقمنة التربوية وتمكين المعلمين الحاليين ومعلمي المستقبل من استخدامها في بيئات مختلفة قد لا تشملها تغطية الإنترنت". 

من جانبه، ثمن السفير الفرنسي في نواكشوط، آلكسندرغارسيا، التعاون القائم بين بلاده وموريتانيا، مبرزا أن الاتفاقية الجديدة " تعتبر غير مسبوقة لكونها ستضع مشروعا وخبراء فنيين لدعم التعليم ومواكبة الإصلاح التربوي الذي اعتمدته الدولة الموريتانية". 

وتأتي الاتفاقية بعد مرور عام على اعتماد موريتانيا إصلاحا تعليميا جديدا باسم "المدرسة الجمهورية" غايته محو الفوارق بين الطلاب وتحسين ظروف التدريس والمدرسيين. 

وكان إشكال لغة التدريس أحد أبرز الاشكاليات التي واجهت 5 إصلاحات تعليمية نفذتها موريتانيا منذ عام 1959. 

وينص القانون التوجيهي الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر من العام الماضي على أن اللغة العربية هي اللغة الجامعة للمنظومة التربوية في موريتانيا وبها سيتم تدريس جميع المستويات التعليمية بما فيها المواد العلمية، مع الانفتاح على اللغات الوطنية الثلاثة (البولارية، والسوننكية، والولفية). 

فكيف تلقى المهتمون بالشأن التربوي في البلاد الاتفاقية الجديدة؟ 

المعلوم: اتفاقية مهمة وتحديات في الأفق 

جوابا على السؤال، يعتقد "المعلوم أوبك، نقيب أساتذة نواذيبو وعضو المكتب التنفيذي لتحالف أساتذة موريتانيا، إن الاتفاقية الجديدة "خطوة مهمة" لكونها نصت على مواكبة تكوين المعلمين في مجال التقنيات الحديثة متسائلا "هل  يعقل أن نجد معلما في  القرن 21 لا يجيد التعامل مع الحاسوب أو أي  أدوات تقنية؟". 

مع ذلك، لم يخف المسؤول النقابي في تصريح لـ"أصوات مغاربية" وجود تحديات قد تحول دون تنزيل الاتفاقية، بينها "آلية اختيار الفنيين الذين سيشرفون على  تكوين المعلمين بمدارس  التكوين، وأوضح أنه "ما لم يتم اختيار هؤلاء الفنيين بطريقة شفافة فإنه لن يكتب لنا النجاح وستكون مجرد مشروعا يدر أموالا على المشرفين عليه". 

وتابع "ثانيا، تأتي الاتفاقية في  وقت  تعرف  فيه موريتانيا نقصا  حادا في معلمي  اللغة الفرنسية  بسبب  عدم إقبال  الطلاب  على دراسة الأدب  الفرنسي بالجامعة". 

على صعيد آخر، اعتبر المعلوم أن توقيع الاتفاقية مع فرنسا إشارة أيضا على رغبة هذا البلد الأوروبي في الاستمرار في التأثير على النظام التعليمي في هذا البلد المغاربي خصوصا بعد تقليص حضور اللغة الفرنسية في الإصلاح التعليمي الجديد. 

وقال موضحا أن فرنسا تسعى من خلال هذه الاتفاقية لكي لا تفقد لغتها قيمتها ومكانتها في التعليم الموريتاني فالآن السنة الأولى والثانية والثالثة من المرحلة الابتدائية يتعلم التلاميذ الفرنسية كلغة مدرسة فقط بدون أن تحمل أي مادة وهو أمر يعكس أن موريتانيا تجه عاجلا أم آجلا التخلي عن الفرنسية والانفتاح على لغات أخرى. 

وتابع "أي إصلاح  تربوي في  موريتانيا لا يتصالح مع اللغة العربية والمدرسة التقليدية
(المحظرة) سيكون مآله  الفشل، أي  إصلاح يسعى لترسيخ أي لغة غير اللغة التي نص عليها كلغة تعليم في موريتانيا سيكون مآله مزيدا من الترهل للمنظومة التربوية، وبالتالي تدهور في باقي المجالات". 

بديده: اتفاقية مهمة ضمن خطة الاصلاح 

من جانبه، قال سيدي بديده، رئيس ائتلاف المنظمات الموريتانية من أجل التعليم، إن الاتفاقية الجديدة "مهمة" لأنها تأتي في سياق سير البلاد لتنزيل الإصلاح الجديد.

واعتبر بديده في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن تكوين المدرسيين الموريتانيين في استعمال التقنيات الحديثة "ضروري" مشيرا في هذا الصدد إلى أن الاصلاح التعليمي السابق تضمن المبتغى نفسه لكنه "تعثر بسبب الفساد".

وتابع موضحا "بعد إصلاح النظام التعليمي لسنة ١٩٩٩ بدأت الحكومة تزويد مؤسسات التعليم الثانوي بكمبيوترات وطابعات لكن ذلك المسار تعثر بسبب الفساد الإداري وعدم الاستقرار السياسي في ظل الانقلابات المتسارعة فسرقت وحدات المعلوماتية التي تم توفيرها وبنت العنكبوت على ما بقي منها".

وأضاف "الاتفاقية تدخل في إطار إعمال القانون التوجيهي الذي أعدته الدولة خلال السنة الماضية ضمن سعيها لإصلاح التعليم، خاصة أن الاتفاقية حسب ما جاء في خطاب سفير فرنسا تسعى لـ+المساهمة في حل الإشكالية الوطنية المتعلقة بالتكوين اللغوي للمعلمين الموريتانيين+".

بدوره، يرى ديده أن الاتفاق الجديد يأتي في سياق تنفيذ قانون الإصلاح الجديد الذي حد من نفوذ اللغة الفرنسية وأقر التدريس باللغة العربية وباقي اللغات الوطنية.

وختم بالقول "أعتقد أن الاتفاقية مهمة لإصلاح النظام التربوي فالمدرس الموريتاني خاصة في المرحلة الابتدائية التي يستهدفها المشروع بحاجة ماسة إلى تحسين مستواه اللغوي، رغم أنها تدخل في إطار سعي فرنسا من أجل أن تحافظ اللغة الفرنسية على مكانتها".

الانجليزية بدل الفرنسية؟

وتأتي هذه الاتفاقية في وقت شرعت دول مغاربية وأفريقية في السنوات الأخيرة في تقليص حضور اللغة الفرنسية في مناهجها التعليمية وبدأت شيئا فشيئا في تعميم وتدريس اللغة الإنجليزية في أكثر من مستوى دراسي، ما أثار حفيظة فرنسا.

في هذا السياق، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش الدورة الثامنة عشرة للقمة الفرنكوفونية بجزيرة جربة التونسية العام الماضي، إن استعمال اللغة الفرنسية تراجع في الدول المغاربية مقارنة بوضعها قبل 20 أو 30 عاما.

وعن التوجه الفرنكوفوني في موريتانيا، يعتقد موسى بهلي، رئيس رابطة الصحافيين الموريتانيين، أن وضع اللغة الفرنسية في بلاده مختلف عن وضعها في باقي الدول المغاربية لعدة أسباب تاريخية واجتماعية.

وعكس جاراتها من الدول المغاربية، يوضح بهلي في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن موريتانيا ستحتاج إلى مزيد من الوقت لاستبدال الفرنسية بالإنجليزية بسبب "تغلل النفوذ الفرنسي في التعليم وفي باقي مناحي الحياة العامة".

وتابع موضحا "على سبيل المثال، شهدت موريتانيا عام 1966 مظاهرات كبيرة للمطالبة بإدخال ساعتين فقط من اللغة العربية في النظام التعليمي الموريتاني الذي كان حينها فرنسيا بامتياز، ثم جاء التعديل التربوي عام 1970 فأقر تدريس اللغة العربية في السنة الأولى من المستوى الابتدائي واستمر الحال على ما هو عليه إلى حين وصول نظام ولد الطايع إلى السلطة (1984) الذي حدد هوية عربية للبلاد".

لذلك، يعتقد بهلي أن "تخلص" موريتانيا من الفرنسية سيكون تدريجيا لأن "الاستعمار خلف منظومة تعليمية فرنسية 100 في المائة، بدأ التخلص منها تدريجيا لذلك أسلوب موريتانيا في هذا الجانب مختلف عن باقي الدول المغاربية الأخرى وستحتاج المزيد من الوقت لتقليص نفوذ هذه اللغة".

المصدر: أصوات مغاربية

مواضيع ذات صلة

تجمهر موريتانيين أمام قصر العدل وسط العاصمة نواكشوط (أرشيف)
قصر العدل وسط العاصمة نواكشوط (أرشيف)

عرفت موريتانيا في تاريخها السياسي الحديث عدة تجارب لرؤساء غادروا سدة الحكم إلى السجون في ظروف محتلفة في هذا البلد المغاربي الذي يعتبر أكثر دول المنطقة سجنا لقادته، بسبب كثرة الانقلابات العسكرية. 

وكانت آخر تلك التجارب اعتقال الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، عام 2020 بعد واحد على مغادرة السلطة في مستهل مشوار من الملاحقات ومحاكمة ماراثونية بتهم متعددة تتعلق بالفساد والإثراء غير المشروع، اختتمت قبل أيام بالحكم عليه بالسجن 5 سنوات نافذة ومصادرة أمواله. 

ولم يكن محمد ولد عبد العزيز (66 عاما) هو أول رئيس يخرج من الحكم ليدخل السجن، إذ اعتقل جميع من أطيح بهم في انقلابات العسكر في البلاد أعوام 1978 و1984 ثم 2008، في حين كان المنفى هو الملاذ الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع المطاح به عام 2005. 

"فساد العشرية" 

ويبقى ولد عبد العزيز أبرز الرؤساء الموريتانيين المودعين بالسجن، وذلك بعد أن أدين بتهمتي غسل الأموال والإثراء غير المشروع مطلع الشهر الجاري، كما أمرت المحكمة بمصادرة أمواله مع دفع غرامة 500 مليون أوقية قديمة (نحو مليون و260 ألف دولار). 

ويأتي الحكم على ولد عبد العزيز بعد مسار مثير بدأ في 2020 بتحقيق برلماني في الملف المعروف محليا بـ"فساد العشرية) وتعني سنوات حكم الرجل (2009 - 2019).

ولم يشفع لولد عبد العزيز مطالبته طيلة أطوار المحاكمة بحق الحصانة طبقا للمادة 93 من الدستور التي تنص على أنه "لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسته سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى". 

وظل ولد عبد العزيز حتى مرافعته الأخيرة قبل النطق بالحكم  يعتبر نفسه ضحية مساع لمنعه من المشاركة في الساحة السياسية، ودليلا على ذلك ساق دفاعه ورقة استخراج مشمولين في الملف من قائمة المتهمين وتعيينهم في مناصب سامية. 

وقبل ولد عبد العزيز كان يتم اعتقال الرؤساء السابقين أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية بعد إلغاء الدستور وتعطيل العمل به في إطار حالة الطوارئ.

 
سيدي ولد الشيخ عبد الله

وكان ولد عبد العزيز قط أطاح بسلفه الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله الذي حكم البلاد بعد انتخابه في 2007 وغادر سدة الحكم في خضم انقلاب عسكري في أغسطس عام 2008 في سنة وصفت بـ"عام الديمقراطية الموريتانية". 

وبعد الانقلاب، خضع ولد الشيخ عبد الله للإقامة الجبرية في شقة سكنية وسط العاصمة نواكشوط، واستمر احتجازه فيها حتى منتصف شهر نوفمبر، حين نقله قادة الانقلاب آنذاك إلى مسقط رأسه في قرية لمدن شرق العاصمة.

واستمرت فترة الإقامة الجبرية التي أمضاها ولد الشيخ عبد الله (1938-2020) لأربعين يومًا، كان يتمتع فيها بحرية استقبال من يريد.

خرج ولد الشيخ عبد الله من الإقامة الجبرية نهاية 2008، نتيجة ضغط من أحزاب المعارضة وفي إطار تهيئة المناخ "للقاءات تشاورية" تهدف للتحضير لمسار "العودة للانتخابات" عبر استقالة ولد عبد العزيز وترشحه من جديد عام 2009. 

وكان الراحل ولد الشيخ عبد الله أول رئيس مدني منتخب للبلاد، كما يعتبر أول من يخضع للإقامة الجبرية بين الرؤساء السابقين، رغم أن الانقلابات العسكرية قادت العديد من الرؤساء إلى السجن والمنفى. 

ولد هيدالة 

وفي ديسمبر 1984  كان محمد خونة ولد هيداله على موعد مع سجن دام 4 سنوات في مدينة كيهيدي (جنوب) وذلك بعد الإطاحة به في  انقلاب تزعمه قائد أركان الجيوش آنذاك معاوية ولد سيد أحمد الطايع.

وكان هيداله وقت تنفيذ الانقلاب في العاصمة البوروندية بوجمبورا لحضور القمة الأفريقية، وبعد تقييم الموقف توجه إلى نواكشوط ليخضع للاعتقال فور نزوله في المطار ونقل إلى سجن "كيهيدي" حيث أقام لأربع سنوات، حتى 28 نوفمبر 1988.

المختار ولد داداه

يعتبر المختار ولد داداه، الرئيس الأول لموريتانيا بعد الاستقلال، أول الذين عاشوا تجربة الانتقال من القصر الرئاسي إلى السجن بعد حكمه البلاد مدة 18 عاما (1960-1978). 

وحكم ولد داداه موريتانيا منذ إعلان استقلالها عام 1960 حتى الإطاحة به في انقلاب عام 1978 حين اقتاده الانقلابيون في البداية إلى ثكنة تابعة للهندسة العسكرية، قبل أن ينقلوه إلى مدينة "ولاته" في أقصى الشرق الموريتاني. 

وخضع الرئيس المؤسس للسجن 14 شهرًا في "قلعة ولاته" المشهورة باستضافته للمعارضين الموريتانيين وافرج عنه في أكتوبر 1979، ونقل إلى فرنسا لتلقي العلاج، واستمر فيها كمنفى اختياري وعاد لبلاده يوم 17 يوليو 2001 ووافته المنية سنة 2003، ودفن في مدينة بوتلميت (جنوب غرب).

تجربة المنفى

وفي الثالث من أغسطس عام ٢٠٠٥ أطيح بمعاوية ولد سيد أحمد الطايع من قبل قيادات من الأمن والجيش تزعمهم الرئيس الراحل اعل ولد محمد فال (1953-2017) بعد نحو عشرين عاما من إدارة البلد. 

لكنه لم يرد عيش تجربة السجن في البلاد، على غرار سابقيه، وقرر حين أبلغ بانقلاب ضباطه ضده وهو في الطريق عائدًا من المشاركة في تشييع جثمان الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، أن يذهب لمنفاه الاختياري في دولة قطر.

المصدر: أصوات مغاربية