بتاريخ 6 ديسمبر 1990، قرر "إخوان الجزائر" بزعامة المؤسس الراحل، محفوظ نحناح، الخروج إلى العلن من خلال "حركة المجتمع الإسلامي"، أول حزب ٍسياسي لهم في هذا البلد المغاربي بعد سنوات طويلة قضوها في مرحلة السرية.
فما هي قصة هذه الحركة، وكيف تحولت من "المعارضة" لتصبح شريكا في الحكم، ثم تقرر العودة من جديد إلى خط المعارضة.
ولادة عسيرة!!
كغيرها من التيارات الإسلامية، أو الحركات السياسية المعارضة، لم تتمكن جماعة الإخوان المسلمين من الظهور بشكل رسمي في الجزائر إلا بعد إعلان تأسيس حزبها "حركة المجتمع الإسلامي"، مستفيدة من التعددية الحزبية التي أقرها دستور 1989.
ولم يكن من السهل على مؤسسها التاريخي، محفوظ نحناح، إقناع جميع قيادات الحركة وقتها بضرورة تأسيس حزب سياسي في تلك المرحلة، بحيث أبدت بعض الأسماء الثقيلة من الصف الأول في الجماعة معارضتها لهذا التوجه، مفضلة الابتعاد عن السياسة والاستمرار في العمل الدعوي تحت غطاء "جمعية الإرشاد والإصلاح".
نتج عن هذا الخلاف ظهور أول انشقاق وسط "الجماعة" أدى إلى انسحاب العديد من القيادات منها، فيما أصّر المؤسس محفوظ نحناح ورفيق دربه محمد بوسليماني (اغتيل في 1994 من طرف جماعة إرهابية) على المضي إلى عالم السياسة والعمل الحزبي.
برّر نحناح موقفه وقتها بتخوفه الشديد من الانتشار الواسع للخطاب الإسلامي الراديكالي، ممثلا في غريمه "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وكان يشير لمقربيه بضرورة تقديم صورة مختلفة عن "الإسلام السياسي المعتدل" في الساحة السياسية المحلية.
شارك "إخوان الجزائر" في أول انتخابات محلية شهدتها الجزائر سنة 1990، لكنهم لم يحققوا أية نتيجة تذكر أمام الزحف الكبير الذي حققته "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" على صناديق الاقتراع.
الطريق نحو السلطة..
لم تمض شهور طويلة على تلك المرحلة حتى جاء موعد الانتخابات التشريعية، بحيث لم تعرف نتائج مخالفة لما أفرزته المحليات، قبل أن تعلن السلطات عن إلغائها بعد صدور قرار توقيف الدور الثاني منها.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تطور إلى ظهور صدام قوي شهدته الساحة المحلية، وقتها، بين السلطة وأنصار "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" انتهى بإصدار قرار قضائي بحلها وسجن معظم قيادييها، فكانت الفرصة مواتية لـ "إخوان الجزائر" حتى يتمكنوا من التموقع بشكل مريح كممثل للتيار الإسلامي في الجزائر.
استغل نحناح الوضع وراح يقدم "حركة المجتمع الإسلامي" كتيار سياسي معارض للعنف وداع إلى وحدة الجزائريين، كما دخل مع اندلاع الأزمة الدموية في البلاد البلاد، منذ بداية 1992، في تحالفات مع عدة أطراف سياسية، ما أكسبه ثقة أصحاب القرار في السلطة، خاصة وأنه ظهر بخطاب يخالف ذلك الذي تبنته "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
في سنة 1995، نظمت الجزائر أول انتخابات رئاسية متعددة شارك فيها نحناح كممثل للإسلاميين، رغم تفضيل العديد منهم مقاطعة هذا الموعد السياسي، وتمكن آنذاك من منافسة مرشح السلطة الجنرال ليامين زروال وحل بالمرتبة الثانية بحصده أكثر من 26 بالمائة من الأصوات.
فتحت هذه المشاركة الباب أمام "حركة المجتمع الإسلامي" لتصبح، لأول مرة في تاريخها، شريكا في السلطة بعدما ضمنت حقيبتين وزارتين في أول حكومة شكلها الرئيس ليامين زروال بعد رئاسيات 1995، وبعدها بأشهر اضطر الحزب إلى تغيير اسمه إلى "حركة مجتمع السلم" (حمس) تماشيا مع التعديلات التي أقرت على الدستور في 1996.
في سنة 1997، حققت "حمس" مفاجأة كبيرة في الانتخابات التشريعية عندما حازت المرتبة الثانية بفوزها بـ 69 مقعدا، وهو رقم سمح بالرفع من عدد حقائبها الوزارية.
بوتفليقة.. وبداية السقوط
بدأت مؤشرات انهيار علاقة الود بين "إخوان الجزائر" والسلطة بمجرد إعلان الرئيس ليامين زرول استقالته من منصبه في 1998 وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، وهو ما فتح الباب أمام عبد العزيز بوتفليقة للعودة إلى السلطة من بوابة الانتخابات الرئاسية لسنة 1999.
لم تخدم هذه الخطوة مصالح "حمس" ومؤسسها نحناح، حيث مُنع من المشاركة في تلك الانتخابات الرئاسية بحجة عدم امتلاكه لأية وثيقة تثبت مشاركته في ثورة التحرير، وفق ما ينص عليه الدستور، فانتهى به الأمر مساندا لـ "مرشح السلطة".
ولم يشفع له ذلك الموقف كثيرا، بحيث تعرض حزبه إلى هزه عنيفة في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 عندما حصل على 38 مقعدا.
غضب "إخوان الجزائر" وقتها من السلطة واعتبروا النتيجة عقوبة لهم، فانساقوا نحو تصعيد خطابهم المعارض، رغم احتفاظهم بعدة حقائب وزارية، وأطلقوا مبادرة سياسية جديدة تحت عنوان "الفساد قف"، الأمر الذي تسبب في تدهور شديد للعلاقة بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و"حمس".
التفكك.. وخط المعارضة
في صيف 2002، أعلن عن وفاة محفوظ نحناح، بعد صراع استمر لعدة أشهر مع مرض السرطان، واختار المناضلون الرجل الثاني في الحزب، وقتها، أبو جرة سلطاني في منصب رئيس الحزب، لكن لم يمر الوقت الطويل حتى ظهرت تصدعات كبيرة داخل "الجماعة"، واتهمت القيادة بـ "الخروج عن السكة الصحيحة".
كان تلك الصراعات عبارة عن مقدمة لتفكك الحزب، حيث انقسمت القيادات إلى مجموعات صغيرة اختارت كل واحدة منها نهج أسلوب جديد اعتماد على تشكيل أحزاب سياسية جديدة.
هكذا تفرعت عن الحزب الأم عدة حركات سياسية هي "حركة البناء الوطني" التي يقودها حاليا عبد القادر بن قرينة، و "تجمع أمل الجزائر" برئاسة عمار غول الوزير المقرب من بوتفليقة والمتواجد في السجن حاليا، بالإضافة إلى "جبهة التغيير" لمؤسسها عبد المجيد مناصرة، أحد الإطارات القديمة في الحزب والذي قرر فيما بعد العودة إلى صفوف "حمس".
اقتنعت العديد من قيادات الحزب أن السبب الرئيسي في هذه الخلافات يعود بالدرجة الأولى إلى الالتصاق الشديد بالسلطة، وهي فكرة تبناها الرئيس السابق للحزب عبد الرزاق مقري، الذي قرر في سنة 2013 مراجعة العديد من الخطوات والمواقف السياسية، فقرر عدم المشاركة في الحكومة ومقاطعة العديد من المبادرات التي طرحتها السلطة، وظل الأمر على حاله إلى غاية سقوط نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2019 بعد قيام الحراك الشعبي في الجزائر.
المصدر: أصوات مغاربية